علم الاخرويات

الباب السادس



الباب السادس

الباب السادس

مقار الآخرة

 

مقار
الآخرة هى أربعة: الفردوس، والجحيم، وملكوت السماوات، وجهنم، منها مؤقت أى الفردوس
والجحيم، ومنها أبدى أى ملكوت السماوات وجهنم. والمقار المؤقتة هى لانتظار الأرواح
بعد الوفاة إلى يوم الدينونة الأخير، أما المقار الدائمة فهى للأرواح والأجساد
معاً فيما بعد الدينونة أى بعد مجيء المسيح الثانى حيث “يخرج الذين فعلوا
الصالحات إلى قيامة الحياة والذين عملوا السيآت إلى قيامة الدينونة” (يو5:
29). فأجساد الموتى سوف تقوم فى اليوم الأخير حيث تعود الأرواح إلى الأجساد وتتحد
بها مرة أخرى لكى تدان الأرواح مع الأجساد. ولكن الجسد بعد القيامة العامة سوف
تكون له خصائص جديدة تختلف عن خصائصه الحالية، وليس بمعنى أن الأجساد سوف تفنى
ولكنها ستتغير عند القيامة وهذا ما سوف نشرحه بمشيئة الرب بتفصيل أكثر من واقع
تعاليم الكتاب المقدس.

أولاً:
الفردوس

الفردوس
حالياً ليس على الأرض مثلما كان وقت خلق آدم ثم حواء. إذ أن ذلك الفردوس أى الجنة
كان يحوى أشجاراً وثماراً وحيوانات. وقد وضع الرب الإله آدم فى الجنة ليعملها.

مقالات ذات صلة

وحينما
أخطأ الإنسان بعدم طاعته للوصية الإلهية، نُفى من الفردوس أى أن الرب قد أخرجه من
الفردوس لئلا يمد يده ويأكل من شجرة الحياة ويحيا إلى الأبد فى خطيته ولا توجد له
فرصة لإدراك خطورة الخطية وعواقبها من حيث إن أجرة الخطية هى موت. وصار موت الجسد
هو الدليل الواضح على أن الخطية قد أساءت إلى الإنسان وصار محتاجاً إلى الخلاص
بصلب المسيح وموته وقيامته من الأموات، وذلك مثلما قال قداسة البابا شنودة
الثالث أطال الرب حياته عن السيد المسيح “بالصليب حل الرب مشكلة الخطية (إذ
أوفى الدين الخاص بها) وبقيامته حل مشكلة الموت الناتج عن الخطية”.

الفردوس
الحالى

صار مقراً للروح فقط بدون الجسد، وليس فيه أشياء مادية مثل الأشجار والثمار والمزروعات
والأنهار. وبالطبع ليس فيه حيوانات على الإطلاق مثل الحمير والبغال والغزلان
والفيلة..الخ. لأن الحيوانات ليس لها أرواح خالدة مثل البشر، بل إن نفس الحيوان هى
دمه “لأن نفس كل جسد دمه هو بنفسه” (لا 17: 14). وبمجرد موت الحيوان
يذهب إلى الأرض وليس له روح تذهب إلى مقار الآخرة على الإطلاق.

أما
ما رآه القديس يوحنا الرسول وكتب عنه فى سفر الرؤيا من جهة الأربعة حيوانات غير
المتجسدين، فهذه كائنات حية روحية من طغمة الملائكة الكاروبيم ومنظرها الذى رآه هو
منظر رمزى له مدلول روحى. فوجه الإنسان يرمز إلى تجسد الرب، ووجه العجل يرمز إلى
ذبيحة الصليب، ووجه الأسد يرمز إلى القيامة، ووجه النسر يرمز إلى الصعود. كما أنها
ترمز إلى الأناجيل الأربعة متى ولوقا ومرقس ويوحنا. بنفس هذا الترتيب. وذلك حسب
طقس الأيقونات القديمة فى الكنائس الأرثوذكسية جميعاً.

وعبارة
الحيوانات الأربعة غير المتجسدين تعنى الأحياء الأربعة غير المتجسدين. فكلمة حيوان
هنا تعنى كائن حى. بدليل أن أحد الوجوه الأربعة شبه إنسان وليس مجرد حيوان بالمعنى
الشائع لكلمة حيوان.

الفردوس
الحالى

ذكره السيد المسيح وهو معلّق على الصليب حينما طلب إليه اللص اليمين قائلاً:
“اذكرنى يارب متى جئت فى ملكوتك” (لو23: 42) فأجابه السيد المسيح مصححاً
له طلبته “الحق أقول لك إنك اليوم تكون معى فى الفردوس” (لو23: 43).

قال
السيد المسيح ذلك لأن أرواح الأبرار تذهب إلى الفردوس أولاً وتنتظر هناك فى شركة
روحية مع المسيح إلى يوم الدينونة الأخير حيث تقف أمام كرسى المسيح بعد عودتها إلى
الجسد المقام من الأموات، ثم يضعها السيد المسيح عن يمينه وبعد ذلك يدعوها إلى
ميراث ملكوت السماوات
.

وقد
قصد السيد أن يعلن للص اليمين إنه لن ينتظر طويلاً لكى يلتقى به. وذلك بعد مجيئه
الثانى واستعلان ملكوت السماوات، بل إنه سوف يلتقى به سريعاً بعد خروج روحه من
الجسد حيث يكون السيد قد فتح باب الفردوس مرة أخرى لتنتقل إليه أرواح الأبرار.

أما
أرواح الأبرار الذين رقدوا على رجاء الخلاص وكانت تنتظر فى السجن، فقد ذهب إليها
السيد المسيح بروحه الإنسانية المتحدة باللاهوت وبشّرها بإتمام الفداء وأخرجها من
السجن ونقلها إلى الفردوس أى أنه قد
}رد آدم وبنيه إلى
الفردوس
{ مثلما نقول فى
قسمة عيد القيامة.

وقد
وردت أقوال فى الكتاب المقدس تؤكد أن السيد المسيح قد فعل ذلك مثل قول معلمنا بولس
الرسول عن السيد المسيح “لذلك يقول. إذ صعد إلى العلاء سبى سبياً وأعطى الناس
عطايا. وأما إنه صعد فما هو إلا إنه نزل أيضاً أولاً إلى أقسام الأرض السفلى، الذى
نزل هو الذى صعد أيضاً فوق جميع السماوات لكى يملأ الكل” (أف4: 8-10). وقد
صعد السيد المسيح بروحه من الجحيم إلى الفردوس بعد نزوله إلى الجحيم آخذاً معه
أرواح الأبرار. كما أنه صعد إلى السماوات العليا حيث عرش الآب بعد قيامته من
الأموات وفى هذا الصعود لم يأخذ معه أحداً من البشر إلى أن يأتى للدينونة.

وقد
تكلم أيضاً القديس بطرس الرسول عن عمل السيد المسيح فى نزوله بالروح إلى الجحيم
للكرازة بإتمام الفداء وفى نقل أرواح الأبرار إلى الفردوس فقال “فإن المسيح
أيضاً تألم مرة واحدة من أجل الخطايا، البار من أجل الأثمة، لكى يقربنا إلى الله
مماتاً فى الجسد ولكن محيىً فى الروح، الذى فيه أيضاً ذهب فكرز للأرواح التى فى
السجن” (1بط3: 18، 19).

وقد
سبق أشعياء النبى فقال بفم الله الآب “أجعلك عهداً للشعب ونوراً
للأمم، لتفتح عيون العمى، لتخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن
(أش42: 6، 7). والكنيسة فى صلاتها على الراقدين تقول [ هذه النفس التى اجتمعنا
بسببها اليوم، يارب افتح لها باب الفردوس كما فتحته للص اليمين. افتح لها باب
الراحة لتدخل وتتنعم هناك وتشارك جميع القديسين..].

 

ثانياً:
الجحيم أو الهاوية

الجحيم
كلمة معناها الهاوية، وهى ترجمة للكلمة العبرية “
شِئول
وللكلمة اليونانية “هاديس
a{/dh”“، وهو كمقر للانتظار كان

 يحوى
أرواح القديسين، وأرواح الأشرار، وذلك قبل أن يتمم السيد المسيح الفداء. ولكن صار
مقراً لانتظار أرواح الأشرار فقط بعد إتمام الفداء، وفتح الفردوس ونقل أرواح
القديسين إلى هناك.

بالنسبة
للقديسين كانت أرواحهم تتطلع إلى مجيء المخلص ليخرجها من بيت السجن حسب وعد الرب
“أجعلك عهدا للشعب ونوراً للأمم لتفتح عيون العمى لتخرج من الحبس المأسورين من
بيت السجن الجالسين فى الظلمة” (أش42: 6،7).

كانت
هناك رموز كثيرة للجحيم فى العهد القديم مثل جب الأسود الذى ألقى فيه دانيال
النبى. ففى قصة إلقاء دانيال فى الجب إشارة واضحة إلى عمل الخلاص. فالملك داريوس
والحكم الذى أصدره وخَتَمه، ولا يمكن أن يتغير حتى بالرغم من محبة الملك لدانيال،
كان إشارة إلى حكم الموت الذى صدر ضد البشرية ولم يكن من الممكن إلغاؤه. كان الملك
يتمنى أن ينقذ دانيال من الجب، ولكن الحكم كان ينبغى أن يتم وقال الملك لدانيال:
“إن إلهك الذى تَعبُدُه دائماً هو ينجيك” (دا 6: 16).

وحينما
اُلقى دانيال فى الجب لسبب مؤامرة أعدائه الأشرار الذين يرمزون إلى الشياطين أعداء
الرب وأعداء البشرية، أرسل الله ملاكه وسد أفواه الأسود فلم تمس دانيال بسوء
“إلهى أرسل ملاكه وسدَّ أفواه الأسود فلم تضرنى” (دا 6: 22)، وخرج
دانيال من الجب حياً إشارة إلى قيامة السيد المسيح بعد نزوله إلى الجحيم، وإلى
صعوده إلى الفردوس دون أن يمسكه الجحيم ودون أن يمسكه الموت أيضاً “إذ لم يكن
ممكناً أن يُمسَك منه” (أع2: 24). وبهذا تم حكم الموت دون إلغاء، ولكن أمكن
العبور منه والتحرر من سلطانه. وقد تنبأ عن ذلك داود النبى فقال “لأنك لن
تترك نفسى فى الهاوية (الجحيم) ولا تدع قدوسك يرى فساداً” (أنظر مز16:
10، أع2: 27). وشرح القديس بطرس فى عظة يوم الخمسين أن هذا الكلام قد قيل عن السيد
المسيح (انظر أع 2: 25).

وبهذا
أكّد بطرس الرسول أن السيد المسيح قد نزل إلى الجحيم. وعاد فقال فى رسالته الأولى
عن السيد المسيح إنه “ذهب فكرز للأرواح التى فى السجن” (1بط3: 19).
وبذلك ربط نبوءة أشعياء (42: 6) بنبوءة داود النبى فى المزمور (16: 10) موضحاً أن
الجحيم كان سجناً للأرواح.

كان
إبليس هو صاحب سلطان الموت كما أوضح القديس بولس الرسول فى حديثه عن عمل السيد
المسيح فى تخليصنا من إبليس “فإذ قد تشارك الأولاد فى اللحم والدم اشترك هو
أيضاً كذلك فيهما لكى يبيد بالموت ذاك الذى له سلطان الموت أى أبليس، ويعتق
أولئك الذين خوفاً من الموت كانوا جميعاً كل حياتهم تحت العبودية
” (عب2:
14، 15).

إن
تصوير القديس بولس هنا للموقف فى رسالته إلى العبرانيين هو تصوير فى غاية القوة،
ربط فيه بين رفع سلطان الموت وبين إبادة إبليس أى إبادة سيطرته على أرواح البشر.
وكذلك أوضح أن الخوف من النزول إلى الجحيم بعد الموت فى حياة حتى الذين رقدوا على
رجاء الخلاص، هو حالة من العبودية، لأن الأرواح كانت فى طريقها إلى السجن هناك فى
الهاوية. ولكن بالطبع كانت أرواح القديسين الراقدين فى حالة أفضل من أرواح الأشرار
وغير المؤمنين الذين ليس لهم رجاء على الإطلاق.

كان
القديسون فى السجن ينتظرون بالإيمان تنفيذ وعد الرب بالفداء.. كانت عبوديتهم مؤقتة
سيحولها المسيح إلى بنوة.. وكان خوفهم ممتزجاً بالرجاء بعكس الآخرين الذين لا رجاء
لهم وعبوديتهم لا نهاية لها.

كما
قال أبو الآباء يعقوب فى بكائه وحزنه حينما اعتقد بموت يوسف ابنه “إنى أنزل
إلى ابنى نائحاً إلى الهاوية” (تك37: 35). ولكنه قبيل موته حينما كان
يتنبأ أمام ابنائه قال “لخلاصك انتظرت يارب” (تك49: 18).
“ولما فرغ يعقوب من توصية بنيه ضم رجليه إلى السرير وأسلم الروح وانضم
إلى قومه” (تك49: 33).

وحينما
قاوم قورح ومعه داثان وابيرام وأولادهم موسى وهرون وقدموا بخوراً فى مجامرهم،
عاقبهم الرب بأن هبطوا أحياء إلى الهاوية إذ “انشقت الأرض التى تحتهم وفتحت
الأرض فاها وابتلعتهم وبيوتهم وكل من كان لقورح مع كل الأموال. فنزلوا هم وكل ما
كان لهم أحياء إلى الهاوية وانطبقت عليهم الأرض فبادوا من بين الجماعة”
(عد16: 31-33). ومعنى نزولهم أحياء إلى الهاوية أى أنهم نزلوا إلى أقسام الأرض
السفلى أحياء وماتوا هناك حيث يوجد الجحيم.

وقد
ذكر السيد المسيح أن الجحيم له أبواب فقال عن الكنيسة “وأبواب الجحيم لن تقوى
عليها” (مت16: 18) وكذلك قيل عن حزقيا الملك “كتابة لحزقيا ملك يهوذا إذ
مرض وشفى من مرضه، أنا قلت فى عز أيامى أذهب إلى أبواب الهاوية. قد أعدمت بقية
سنى” (أش38: 9،10).

وقد
حطّم السيد المسيح متاريس الجحيم حينما نزل إليه من قبل الصليب ليحرر المسبيين
الذين رقدوا على الرجاء ويصعد بهم من الجحيم إلى الفردوس كما هو مكتوب “سبى
سبياً وأعطى الناس عطايا. وأما أنه صعد فما هو إلا أنه نزل أيضاً أولاً إلى أقسام
الأرض السفلى” (أف4: 8،9).

وتنبأ
داود النبى عن ذلك فقال فى المزمور “أعظمك يارب لأنك احتضنتنى ولم تشمت بى
أعدائى أيها الرب إلهى صرخت إليك فشفيتنى. يارب أصعدت من الجحيم نفسى.
وخلصتنى من الهابطين فى الجب.. أية منفعة فى دمى إذا هبطت إلى الجحيم..
حوّلت نوحى إلى فرح لى. مزّقت مسحى ومنطقتنى سروراً، لكى ترتل لك نفسى ولا يحزن
قلبى. أيها الرب إلهى إلى الأبد اعترف لك” (مز30).

 

ثالثاً:
ملكوت السماوات

ملكوت
السماوات أعده الله للقديسين قبل إنشاء العالم كما قال السيد المسيح عن دعوته
للأبرار “تعالوا يا مباركى أبى رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس
العالم” (مت25: 34).

فى
هذا الملكوت السماوى سوف يلتقى الأبرار من البشر ومن الملائكة حول العرش الإلهى
ليشتركوا معاً فى تسبيح الله وتمجيده بفرح لا يعبَّر عنه، وبمجد ليس له نظير فى
العالم المنظور. وهو “ما لم ترَ عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على بال إنسان ما
أعده الله للذين يحبونه” (1كو2: 9).

لقد
اختار الله الآب فى المسيح جميع القديسين الذين سوف يتأهلون لميراث ملكوت السماوات
لأنه سبق فعرف أنهم سوف يستجيبون لدعوة محبته بالفداء الذى أكمله الابن الوحيد
لأجلهم. وقد شرح معلمنا بولس الرسول ذلك بكلمات رائعة فى فاتحة الرسالة إلى أهل
أفسس إذ قال “مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذى باركنا بكل بركة روحية فى
السماويات فى المسيح. كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم
قدامه فى المحبة إذ سبق فعيننا للتبنى بيسوع المسيح لنفسه حسب مسرة مشيئته، لمدح
مجد نعمته التى أنعم بها علينا فى المحبوب. الذى فيه لنا الفداء بدمه غفران
الخطايا حسب غنى نعمته التى أجزلها لنا بكل حكمة وفطنة إذ عرفنا بسر مشيئته حسب
مسرته التى قصدها فى نفسه، لتدبير ملء الأزمنة ليجمع كل شئ فى المسيح ما فى
السماوات وما على الأرض فى ذاك الذى فيه أيضاً نلنا نصيباً معينين سابقاً حسب قصد
الذى يعمل كل شئ حسب رأى مشيئته” (أف1: 3-11).

ملكوت
السماوات حتى الآن لم يدخله ذو طبيعة بشرية إلا السيد المسيح فقط الذى ذهب هناك
كسابق للقديسين ليعد لهم مكاناً كما قال هو بنفسه لتلاميذه “لا تضطرب قلوبكم
أنتم تؤمنون بالله فآمنوا بى. فى بيت أبى منازل كثيرة، وإلا فإنى كنت قد قلت لكم
أنا أمضى لأعد لكم مكاناً، وإن مضيت وأعددت لكم مكاناً آتى أيضاً وآخذكم إلىّ حتى
حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضاً” (يو14: 1-3).

وفى
مناجاته مع الآب السماوى قبل الصلب “تكلم يسوع بهذا ورفع عينيه نحو السماء
وقال.. أيها الآب أريد أن هؤلاء الذين اعطيتنى يكونون معى حيث أكون أنا لينظروا
مجدى الذى اعطيتنى لأنك أحببتنى قبل إنشاء العالم” (يو17: 1،24).

إن
أرواح القديسين تنتظر فى الفردوس ولكن هؤلاء القديسين سوف يدخلون إلى ملكوت
السماوات بعدما يأتى السيد المسيح فى مجيئه الثانى للدينونة ويأخذهم معه بعد أن
يدعوهم للقيامة من القبور.

وقد
شرح القديس بولس الرسول أن ملكوت السماوات ليس على الأرض بأقوال متعددة مثل قوله
“وأما رأس الكلام فهو أن لنا رئيس كهنة مثل هذا قد جلس فى يمين عرش العظمة فى
السماوات
خادماً للأقداس والمسكن الحقيقى الذى نصبه الرب لا إنسان. لأن كل
رئيس كهنة يُقام لكى يقدم قرابين وذبائح. فمن ثم يلزم أن يكون لهذا أيضاً شئ
يقدّمه. فإنه لو كان على الأرض لَما كان كاهناً إذ يوجد الكهنة الذين يقدّمون
قرابين حسب الناموس. الذين يخدمون شبه السماويات وظلها كما أوحى إلى موسى وهو مزمع
أن يصنع المسكن” (عب8: 1-5). “فكان يلزم أن أمثلة الأشياء التى فى
السماوات تطهر بهذه وأما السماويات عينها فبذبائح أفضل من هذه. لأن المسيح لم يدخل
إلى أقداس مصنوعة بيد أشباه الحقيقية بل إلى السماء عينها ليظهر
الآن أمام وجه الله لأجلنا” (عب9: 23،24).

وأكّد
القديس بولس الرسول فى رسالته إلى العبرانيين أن السيد المسيح قد دخل إلى السماء
عينها كسابق للقديسين فقال “حيث دخل يسوع كسابق لأجلنا صائراً على رتبة ملكى
صادق رئيس كهنة إلى الأبد
” (عب6: 20). كذلك أكد أن السيد المسيح قد
صعد إلى السماوات مرة واحدة بعد قيامته من الأموات فقال “بدم نفسه دخل مرة
واحدة إلى الأقداس فوجد فداءً أبدياً” (عب9: 12).

وتكلّم
أيضاً عن السماء ودعاها مدينة الله الحى وأورشليم السماوية حيث الملائكة الذين
يحيطون بعرش الله فقال “قد أتيتم إلى جبل صهيون وإلى مدينة الله الحى أورشليم
السماوية وإلى ربوات هم محفل ملائكة وكنيسة أبكار مكتوبين فى السماوات وإلى الله
ديان الجميع وإلى أرواح أبرار مكملين” (عب12: 22،23).

وتكلّم
السيد المسيح كثيراً عن ملكوت السماوات ليجتذب أنظار التلاميذ نحو السماويات فقال
على سبيل المثال “يشبه ملكوت السماوات إنساناً ملكاً صنع عرساً لابنه وأرسل
عبيده ليدعوا المدعوين إلى العرس” (مت22: 2،3). وقال عن نهاية العالم
“حينئذ يشبه ملكوت السماوات عشر عذارى أخذن مصابيحهن وخرجن للقاء العريس..
والمستعدات دخلن معه إلى العرس.. فاسهروا إذاً لأنكم لا تعرفون اليوم ولا الساعة التى
يأتى فيها ابن الإنسان” (مت25: 1،10، 13).

 

رابعاً:
جهنم

كلمة
جهنم” هى كلمة عبرية أصلها “ جيهِنوم

أى “وادى هنوم” وهو وادٍ عميق ضيق يقع فى جنوب أورشليم حيث قدم
اليهود أولادهم للإله مولك على نحو ما فعل الوثنيون، ولذلك أمر الملك يوشيا
“لكى لا يعبر أحد ابنه أو ابنته فى النار لمولك” (2مل23: 10).

كان
تمثال الإله مولك النحاسى المجوف يجرى إيقاد النار بداخله حتى يحمى معدنه إلى درجة
الاحمرار. ثم يقدم الآباء ابناءهم كضحايا للإله مولك، فيضع الكهنة الوثنيون
الأطفال الصغار على يدى التمثال المحمية بالنار مع عمل أصوات طبول وأصوات صراخ
الكهنة أو أناشيد عبادتهم الوثنية للتغطية على صوت صراخ الأطفال الذين تشويهم نار
ذراعى الإله مولك بصورة بشعة. وهكذا نرى كيف استعبد الشيطان البشر وماذا يفعل
الإنسان بغواية إبليس حينما يفقد إنسانيته.

ولقد
أصبح هذا الوادى بعد ذلك هو المكان المرفوض من المدينة وفيه كانت تُلقى أجساد
المجرمين، وجثث الحيوانات، وجميع أنواع القاذورات التى يرعى فيها الدود وتشتعل
فيها النار. وبسبب عمقه وضيقه والنار والدخان المتصاعد منه، صار رمزاً لمكان عقاب
الأشرار فى المستقبل. وحيث إن النار كانت تميِّز المكان لذلك دُعى نار جهنم. ولقد
وردت كلمة جهنم فى العهد الجديد إحدى عشرة مرة وذلك فى أناجيل متى ومرقس ولوقا وفى
رسالة يعقوب الرسول وفى رسالة بطرس الرسول الثانية.

فقد
قال السيد المسيح “من قال (لأخيه) يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم
(مت5: 22). “إن كانت عينك اليمنى تعثرك فأقلعها وألقها عنك. لأنه خير لك أن
يهلك أحد أعضائك ولا يُلقى جسدك كله فى جهنم. وإن كانت يدك اليمنى تعثرك
فأقطعها وألقها عنك. لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يلقى جسدك كله فى
جهنم” (مت5: 29،30). كما قال “لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن
النفس لا يقدرون أن يقتلوها. بل خافوا بالحرى من الذى يقدر أن يهلك النفس والجسد
كليهما فى جهنم” (مت10: 28).

وبذلك
أوضح السيد المسيح أن عذاب جهنم سوف يشمل الجسد والروح معاً بقوله “كليهما
فى جهنم
” ووبّخ السيد المسيح الكتبة والفريسيين قائلاً “ويل لكم
أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تطوفون البحر والبر لتكسبوا دخيلاً واحداً.
ومتى حصل تصنعونه ابناً لجهنم أكثر منكم مضاعفاً” (مت 23: 15). وكذلك
قال لهم “أيها الحيات أولاد الأفاعى كيف تهربون من دينونة جهنم؟”
(مت23: 33).

 

جهنم
النار الأبدية

أوضح
السيد المسيح أن فى جهنم سوف تكون النار الأبدية حيث الدود الذى لا يموت والنار
التى لا تطفأ مثلما كان الحال فى وادى هنوم (جيهِنوم) فقال: “خير لك أن تدخل
الحياة أقطع من أن تكون لك يدان وتمضى إلى جهنم إلى النار التى لا تطفأ. حيث
دودهم لا يموت والنار لا تطفأ
” (مر9:
43، 44).

وشرح
يوحنا الرسول فى سفر الرؤيا عذاب الذين يسجدون للوحش ويخضعون لسلطان إبليس فقال
“إن كان أحد يسجد للوحش ولصورته ويقبل سمته على جبهته أو على يده، فهو أيضاً
سيشرب من خمر غضب الله المصبوب صرفاً فى كأس غضبه ويعذَب بنار وكبريت أمام
الملائكة القديسين وأمام الخروف. ويصعد دخان عذابهم إلى أبد الآبدين
(رؤ14: 9-11). وبهذا أوضح أن العذاب هو أبدى.

وكتب
أيضاً عن دينونة الوحش والنبى الكذاب “فقبض على الوحش والنبى الكذاب معه
الصانع قدامه الآيات التى بها أضل الذين قَبِلوا سمة الوحش والذين سجدوا لصورته
وطُرح الإثنان حيَّين إلى بحيرة النار المتقدة بالكبريت” (رؤ19: 20).

وكتب
عن دينونة الأموات فى اليوم الأخير “ورأيت الأموات صغاراً وكباراً واقفين
أمام الله وانفتحت أسفار وانفتح سفر آخر هو سفر الحياة، ودين الأموات مما هو مكتوب
فى الأسفار بحسب أعمالهم. وسلّم البحر الأموات الذين فيه وسلّم الموت والهاوية
الأموات الذين فيهما ودينوا كل واحد بحسب أعماله. وطرح الموت والهاوية فى بحيرة
النار
. هذا هو الموت الثانى. وكل من لم يوجد مكتوباً فى سفر الحياة طُرح فى
بحيرة النار
” (رؤ20: 12-15).

وكتب
عن أنواع الخطاة الذين سوف يذهبون إلى العذاب الأبدى فقال “وأما الخائفون
وغير المؤمنين والرجسون والقاتلون والزناة والسحرة وعبدة الأوثان وجميع الكذبة

فنصيبهم فى البحيرة المتقدة بنار وكبريت الذى هو الموت الثانى” (رؤ21: 8).
وأوضح السيد المسيح أن العذاب سوف يكون فى النار الأبدية المعدة لإبليس وللملائكة
الأشرار فقال “ثم يقول أيضاً للذين عن اليسار اذهبوا عنى يا ملاعين إلى
النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته
” (مت25: 41). “فيمضى هؤلاء
إلى عذاب أبدى
” (مت25: 46).

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى