علم الاخرويات

الباب الخامس



الباب الخامس

الباب الخامس

العلامات التى تسبق المجيء الثانى

 

سوف
نعرض لسبع علامات بارزة تسبق المجيء الثانى للسيد المسيح، ثم نأتى بعد ذلك إلى
أحداث المجيء الثانى نفسها؛ وهى تتضمن أيضاً علامات أخرى تصاحب هذا المجيء وتميزه
عن أى مجيء آخر مزعوم مثل ما يدّعيه الأدفنتست وشهود يهوه. ومن العلامات التى تسبق
المجيء الثانى ما يلى:

 

مقالات ذات صلة

أولاً:
انتشار الإنجيل فى كل العالم

قال السيد المسيح
“ويكرز ببشارة الملكوت هذه فى كل المسكونة شهادة لجميع الأمم. ثم يأتى
المنتهى” (مت24: 14). ونستطيع أن نقول إن هذا قد تحقق فى قارات العالم، ولنا
الآن كنائس فى أفريقيا وفى أمريكا الجنوبية وكل أنحاء أستراليا إلى جوار الكنائس
المنتشرة فى باقى أنحاء العالم، وإلى جوار الكنائس الشقيقة القديمة والكنائس التى
انتشرت قبل عصر الانشقاق مثل كنائس أوروبا وآسيا وغيرها.

ومما يسعدنا أن قداسة البابا شنودة
الثالث قد اهتم جداً بكل كنائس القارات الجديدة. يُضاف إلى ذلك أن الإنجيل قد طُبع
حالياً بما يزيد عن 1500 لغة من لغات العالم، ولم يعد هناك إنسان لا يمكنه قراءة
الكتاب المقدس- خاصة العهد الجديد- بلغته الخاصة أو على الأقل أن يستمع إلى من
يقرأه له إن كان لا يعرف القراءة.

ومن
الأمور الجميلة أيضاً أن طقوس الكنيسة القبطية قد تُرجمت إلى لغات عديدة حتى لغات
الكوسا والزولو فى أفريقيا. وبلا شك إلى لغات الشعوب التى توجد فيها لنا كنائس مثل
بحر الكاريبى وغيرها. هذا إلى جوار أن الكنائس التى أسستها الكنيسة القبطية قديماً
فى أفريقيا فى إريتريا والحبشة قد استخدمت اللغة التجرينية ولغة الجيئز إلى جوار
اللغة الأمهرية.

يضاف
إلى ذلك أن كتابات قداسة البابا شنودة الثالث قد تُرجمت إلى كثير من لغات العالم
المعاصر مثلما تُرجمت كتابات الآباء الأولين أمثال القديسين أثناسيوس الرسولى
وكيرلس عامود الدين.

وتحقق
فى انتشار الإنجيل بهذه الصورة كلام السيد المسيح الذى أشرنا إليه وتحققت النبوة
الواردة فى سفر المزامير والتى ذكرها معلمنا بولس الرسول “إلى كل الأرض خرج
صوتهم وإلى أقاصى المسكونة أقوالهم” (رو10: 18). ولكن هناك علامات أخرى وردت
فى كتاب العهد الجديد لا يمكننا أن نقول إنها تحققت بعد، لذلك نستكمل باقى
العلامات التى تسبق المجيء الثانى.

 

ثانياً:
إيمان اليهود

لقد
رفضت الأمة اليهودية -من الناحية الرسمية- السيد المسيح وأسلمته إلى الرومان
مطالبة بصلبه. لذلك قال القديس يوحنا الإنجيلى “إلى خاصته جاء وخاصته لم
تقبله” (يو1: 11).

وقال
اليهود وقت صدور الحكم على السيد المسيح بالصلب “دمه علينا وعلى
أولادنا” (مت 27: 25). استمرت أجيال الأمة اليهودية تتحمل وزر صلب السيد
المسيح إلى يومنا هذا. وزادوا فى غيّهم وشرّدوا سكان الأراضى المقدسة من ديارهم،
سفكوا دماءً كثيرة ومازلوا يصارعون من أجل مملكة أرضية رفضها السيد المسيح ومن أجل
هيكل قال عنه السيد المسيح إنه لا يترك فيه “حجر على حجر لا ينقض”
(مت24: 2، مر13: 2، لو21: 6).

إنهم
يبكون عند حائط المبكى (وهو من بقايا سور هيرودس) لا على خطية صلبهم للسيد المسيح
ولكن على مجدهم الذى فقدوه ولم يكتشفوا أن غضب الرب عليهم وهدم الهيكل وتشريدهم فى
الأرض قرابة ألفى عام، وتوقفهم عن تقديم الذبائح كان بسبب نهاية العهد القديم
ولسبب صلبهم للسيد المسيح وهو الذبيحة الحقيقية التى أبطلت كل الذبائح القديمة.

ليتهم
يتوبون فيكفوا عن الصراع وسفك الدماء ويرجعوا إلى الرب ويعترفوا بالمسيح ملكاً
سمائياً وبصليبه عرشاً مقدساً لخلاصهم، وبمذبح العهد الجديد وبذبيحة الخبز والخمر
على طقس ملكى صادق مذبحاً للرب فى وسط أرض مصر وفى كل أنحاء العالم.

إن
إيمان اليهود سيحل كثيراً من المشاكل الدينية والسياسية الناشئة عن رفضهم الاعتراف
بيسوع أنه هو المسيح. ولنا فى شهادة الكتب المقدسة فى العهدين القديم والجديد ما
يوضح أنهم سوف يؤمنون قبل نهاية العالم.

فى
نبوة هوشع النبى يقول “لأن بنى إسرائيل سيقعدون أياماً كثيرة بلا ملك وبلا
رئيس وبلا ذبيحة.. بعد ذلك يعود بنو إسرائيل ويطلبون الرب إلههم وداود ملكهم
ويفزعون إلى الرب وإلى جوده فى آخر الأيام” (هو3: 4،5). والمقصود بداود هو
المسيح لأن داود كان قد مات وقتما كتب هوشع نبوته.

وفى رسالة معلمنا بولس
الرسول إلى أهل رومية يقول “فإنى لست أريد أيها الإخوة أن تجهلوا هذا السر،
لئلا تكونوا عند أنفسكم حكماء. إن القساوة قد حصلت جزئياً لإسرائيل إلى أن يدخل
مِلؤُ الأمم. وهكذا سيخلص جميع إسرائيل” (رو11: 25، 26).

 

ثالثاً:
النهضة الروحية

        أشار
القديس بولس الرسول إلى النهضة الروحية التى ستصاحب توبة اليهود وإيمانهم بالمسيح
وانتهاء النزاعات بينهم وبين الآخرين فقال: “إن كان رفضهم هو مصالحة العالم،
فماذا يكون اقتبالهم إلا حياة من الأموات؟” (رو11: 15).

ما
هذه الحياة من الأموات التى ستصاحب إيمان اليهود إلا نهضة روحية تعم العالم
المسيحى وتدعو الجميع إلى التوبة. والقديس بولس يقصد هنا أن رفض اليهود للمسيح قد
أدى إلى اتجاه الرسل إلى الكرازة بالإنجيل للأمم الذين كان لا علاقة لهم بإبراهيم
وإسحق ويعقوب وفى هذا خير كبير للأمم فكم بالحرى يكون قبولهم للمسيح إلى مزيد من
الخير لهذه الأمم.

 

رابعاً:
ظهور الوحش

فى
الأيام الأخيرة سيُحَل الشيطان من سجنه كقول الكتاب “ثم متى تمت الألف
السنة يُحل الشيطان من سجنه، ويخرج ليضل الأمم الذين فى أربع زوايا الأرض”
(رؤ20: 7،8).
وكان الشيطان قد تم تقييده حينما صنع السيد المسيح الفداء لمدة
ألف سنة. ورقم ألف سنة يشير إلى زمن طويل وليس إلى حرفية الرقم لأن الفداء قد تم
منذ ما يقرب من ألفى سنة. وقد ذكر الكتاب تقييد الشيطان كما يلى “ورأيت
ملاكاً نازلاً من السماء معه مفتاح الهاوية، وسلسلة عظيمة على يده. فقبض على
التنين، الحية القديمة، الذى هو إبليس والشيطان، وقيده ألف سنة، وطرحه فى
الهاوية وأغلق عليه، وختم عليه لكى لا يضل الأمم فى ما بعد، حتى تتم الألف السنة. وبعد
ذلك لابد أن يُحل زماناً يسيراً”
(رؤ20: 1-3).

عن
هذه الفترة القصيرة التى سيُحَل فيها الشيطان من سجنه قبل نهاية العالم قيل فى
الكتاب “ويل لساكنى الأرض والبحر، لأن إبليس نزل إليكم وبه غضب عظيم، عالماً
أن له زماناً قليلاً
” (رؤ12: 12).

معنى
ذلك أنه قبل نهاية العالم بفترة قصيرة نسبياً سوف ينال الشيطان قدرة على فعل
الضلال بصورة أقوى بكثير من سابقتها، بعد أن قيده السيد المسيح بعملية الفداء.
وأبرز ما ذكره الكتاب من حيل الضلال التى سوف يأتى بها الشيطان هو ظهور الوحش الذى
هو إنسان، سوف يكون مجيئه بعمل الشيطان ومعه قدرات كبيرة لصنع معجزات كاذبة
مدّعياً أنه هو الإله الحقيقى والمسيح الحقيقى الذى انتظر اليهود مجيئه من قبل.
وهنا يبدأ عصر الارتداد مع أناس غير الذين آمنوا ونالوا الخلاص حسب قول معلمنا
بولس الرسول “وهكذا سيخلص جميع إسرائيل” (رو11: 26).

 أما
مرحلة الارتداد التى تسبق مجيء السيد المسيح فقال عنها “لا يأتى (يقصد
المسيح) إن لم يأتِ الارتداد أولاً ويستعلن إنسان الخطية ابن الهلاك المقاوم
والمرتفع على كل من يُدعى إلهاً أو معبوداً، حتى إنه يجلس فى هيكل الله كإله
مظهراً نفسه أنه إله.. الذى مجيئه بعمل الشيطان، بكل قوة، وبآيات وعجائب كاذبة،
وبكل خديعة الإثم، فى الهالكين،
لأنهم لم يقبلوا محبة الحق حتى يخلصوا. ولأجل
هذا سيُرسل إليهم الله عمل الضلال، حتى يصدِّقوا الكذب، لكى يدان جميع الذين لم
يصدّقوا الحق بل سُرّوا بالإثم” (2تس2: 3،4،9-12).

هذا
الوحش هو إنسان ولكن سوف يكون مؤيَداً بقوة الشيطان. والدليل على أنه إنسان هو قول
الكتاب “هنا الحكمة من له فهم فليحسب عدد الوحش، فإنه عدد إنسان، وعدده:
ستمئةٍ وستةٌ وستون” (رؤ13: 18).

فى
اللغة العربية مثلاً عندما نحسب عدد اسم إنسان فإننا نرتب الحروف على طريقة أ ب ج
د ه و ز ح ط ى ك ل م ن س ع ف ص ق ر ش ت..” فالحرف “أ” يقابله رقم
(1)، والحرف “ب” يقابله رقم (2)، وهكذا إلى الحرف “ى” يقابله
رقم (10)، ومن بعده مباشرة الحرف “ك” يقابله رقم (20)، وهكذا إلى الحرف
“ق” يقابله الرقم (100)، ومن بعده مباشرة الحرف “ر” يقابله
الرقم (200) وهكذا..

وفى
اللغة اليونانية تتبع نفس الطريقة للأبجدية اليونانية: ألفا، بيتا، جاما (غما)،
دلتا،.. الخ. وفى اللغة العبرية تستخدم طريقة مشابهة، وهكذا يتم حساب أرقام الحروف
المكوِّنة للاسم ويتم جمعها لحساب عدد كل إنسان. وعدد الوحش هو 666 (رؤ13: 18).
ويمكننا أن نتأكد من شخصيته عندما يظهر بحساب رقم اسمه فى ذلك الحين.

 

خامساً: الارتداد العام

نتيجة
ظهور الوحش والعجائب التى سيجريها بقوة الشيطان فإنه سيضل الساكنين على الأرض حتى
يصدقوا أنه هو المسيح “ويصنع آيات عظيمة، حتى إنه يجعل ناراً تنزل من
السماء على الأرض قدام الناس
، ويضل الساكنين على الأرض بالآيات التى أعطى أن
يصنعها” (رؤ13: 13، 14)

لهذا
قال السيد المسيح محذراً “إن قال لكم أحد هوذا المسيح هنا أو هناك فلا
تصدقوا” (مت24: 23).

ولكن
للأسف سيتبع كثيرون تهلكات الوحش، ويعبدونه كما هو مكتوب “وأعطى أن يعطى
روحاً لصورة الوحش، حتى تتكلم صورة الوحش، ويجعل جميع الذين لا يسجدون لصورة الوحش
يُقتلون. ويجعل الجميع: الصغار والكبار، والأغنياء والفقراء، والأحرار والعبيد،
تصنع لهم سمة على يدهم اليمنى أو على جبهتهم، وأن لايقدر أحد أن يشترى أو يبيع،
إلا من له السمة أو اسم الوحش أو عدد اسمه” (رؤ13: 15-17). عدد اسم الوحش هو
666 كما ذكرنا وهو يشير إلى رقم ستة ثلاث مرات ورقم ستة هو سبعة ناقص واحد أى ما
ينقص عن الراحة. أما عدد ثمانية فهو سبعة زائد واحد أى ما يزيد على الراحة. لهذا
فإن رقم ثمانية يرمز إلى السيد المسيح وقيامته وعهده الجديد. ويرمز إلى يوم الأحد
أى يوم الرب فى بداية الأسبوع الجديد.

فالوحش
يعمل ضد الثالوث القدوس لكى يحرم الناس من الأبدية. أما السيد المسيح فيعمل بقوة
الثالوث القدوس أى بقوته مع أبيه الصالح والروح القدس لكى يمنح الناس الأبدية.
لذلك يرمز البعض إلى اسم السيد المسيح برقم 888.

فى
فترة الارتداد العام سيحدث اضطهاد عظيم على الكنيسة، أى على كل جماعة القديسين،
ويقتل الوحش كثيرين منهم. ويرسل الله النبيين أخنوخ وإيليا لمساعدة الكنيسة فى
صراعها ضد الوحش.

 

سادساً: عودة أخنوخ
وإيليا إلى الأرض

جاء
ذلك فى سفر الرؤيا إذ قال الرب “وسأعطى لشاهدى فيتنبآن ألفاً ومئتين وستين
يوماً لابسين مسوحاً. هذان هما الزيتونتان والمنارتان القائمتان أمام رب الأرض.
وإن كان أحد يريد أن يؤذيهما تخرج نار من فمهما وتأكل أعداءهما وإن كان أحد يريد
أن يؤذيهما فهكذا لا بد أنه يقتل. هذان لهما السلطان أن يُغلقا السماء حتى لا تمطر
مطراً فى أيام نبوتهما ولهما سلطان على المياه أن يحولاها إلى دم وأن يضربا الأرض
بكل

ضربة كلما أرادا.ومتى تمما شهادتهما فالوحش الصاعد من الهاوية
سيصنع معهما حرباً ويغلبهما ويقتلهما. وتكون جثتاهما على شارع المدينة العظيمة
التى تدعى روحياً سدوم ومصر حيث صلب ربنا أيضاً” (رؤ11: 3-8).

من
المنطقى طبعاً أن يكون بقاء أخنوخ وإيليا فى السماء أحياء حتى الآن هو لغرض
الشهادة للمسيح فى مرحلة حساسة من تاريخ الكنيسة. ومن المنطقى أن ينالا إكليل
الشهادة لأنه قد “وُضع للناس أن يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة” (عب9:
27). ومن الطبيعى أن تتحقق نبوة ملاخى النبى الذى كتب قول الرب “هأنذا أرسل
إليكم إيليا النبى قبل مجيء يوم الرب اليوم العظيم والمخوف” (ملا4: 5).

فكما
جاء يوحنا المعمدان متقدماً أمام الرب فى مجيئه الأول بروح إيليا وقوته ثم صار
شهيداً للحق. هكذا سيأتى إيليا نفسه متقدماً أمام الرب فى مجيئه الثانى المهوب
والمخوف ويصير شهيداً مع أخنوخ.

لم
يكن يوحنا المعمدان هو إيليا شخصياً بل يرمز إلى إيليا وقد جاء بنفس القوة الروحية
التى لإيليا ونفس الأسلوب.

أما
إيليا نفسه فقد ظهر مع السيد المسيح فى مجد على جبل التجلى مع موسى النبى وكانا
يكلمانه عن الخلاص الذى كان عتيداً أن يصنعه فى أورشليم.

ولو
كان يوحنا المعمدان هو نفسه إيليا فى تجسد جديد كما يدّعى أصحاب بدعة “عودة
التجسد”
Reincarnation لظهر يوحنا المعمدان على جبل التجلى وليس إيليا على اعتبار أنه هو
آخر صورة يكون قد تجسد فيها. ولكن المسيحية المستقيمة الرأى ترفض هذه البدعة
تماماً.

 

سابعاً: الضيق العظيم

سأل
التلاميذ السيد المسيح على انفراد قائلين: “قل لنا متى يكون هذا؟ وما هى
علامة مجيئك وانقضاء الدهر؟” (مت24: 3). فأجابهم السيد قائلاً لهم
“انظروا. لا يضلكم أحد، فإن كثيرين سيأتون باسمى قائلين: أنا هو المسيح!
ويضلون كثيرين. وسوف تسمعون بحروب وأخبار حروب. انظروا لا ترتاعوا. لأنه لابد أن
تكون هذه كلها، ولكن ليس المنتهى بعد. لأنه تقوم أمة على أمة،
ومملكة على مملكة، وتكون مجاعات وأوبئة وزلازل فى أماكن. ولكن هذه كلها مبتدأ
الأوجاع” (مت24: 4-8).

إن
مقدمات نهاية العالم هذه التى تكلّم عنها السيد المسيح ولقّبها بلقب”مبتدأ
الأوجاع” لا تنطبق على مرحلة ظهور الوحش الذى سيدّعى أيضاً أنه هو المسيح
ويضل غالبية العالم فى موجة الارتداد العام التى قال عنها بولس الرسول “لا
يأتى (يقصد السيد المسيح) إن لم يأت الارتداد أولاً ويستعلن إنسان الخطية
ابن الهلاك” (2تس2: 3).

فى
مبتدأ الأوجاع سوف يظهر أنبياء كذبة ناسبين إلى أنفسهم اسم المسيح، وسوف تحدث
اضطهادات على الكنيسة ولكن ليس المنتهى بعد.

كذلك
الحروب والزلازل والأوبئة لا تعنى أن نهاية العالم قد أتت لأن النهاية لها مواصفات
أخرى تحدّث عنها السيد المسيح وسوف تظهر هذه الأمور بعد تحقق المراحل الخمسة
السابقة التى تحدثنا عنها. أما المرحلة السادسة فهى ضمن الأحداث التى تصاحب نهاية
العالم أثناء الضيق العظيم.

الضيق
العظيم قال عنه السيد المسيح “لأنه يكون حينئذ ضيق عظيم لم يكن مثله منذ
ابتداء العالم إلى الآن ولن يكون” (مت24: 21).

وأكمل
السيد كلامه قائلاً: “ولو لم تقصّر تلك الأيام لم يخلص جسد. ولكن لأجل
المختارين تقصّر تلك الأيام”(مت24: 22).

إذن
من مواصفات المرحلة الأخيرة التى تسبق مجيء السيد المسيح أن الضيق الذى فيها لا
يشابه ما سبق من ضيقات. فمثلاً عبرت على الكنيسة ضيقات شديدة فى العصر الرسولى وما
بعده، واضطهد اليهود ومن بعدهم الأباطرة الوثنيون الآباء الرسل ومن جاءوا بعدهم
حتى سال الدم أنهاراً فى عصور الاستشهاد فى أنحاء كثيرة من العالم مثل مصر
وأورشليم وأنطاكية وروما وأرمينيا والهند. فى تلك الآونة استشهد مارجرجس والقديس
مرقوريوس والقديسة دميانة مع راهباتها الأربعين والقديس مارمينا والقديسة كاترينا
والقديس أبانوب وكثير من القديسين والقديسات ومن قبلهم القديس اسطفانوس وأحد عشر
رسولاً والقديس بولس الرسول.. كان المسيحيون أحياناً يُساقون إلى ساحات الاستشهاد
ليكونوا طعاماً للأسود الجائعة ويعذَّبون بالحديد المحمى فى النار وسائر أنواع
العذاب التى تقشعر لها الأبدان.

وسوف
تتكرر هذه الأمور قبل نهاية العالم، ولكن كل هذا وذاك لا يُقارن بالضيق العظيم
الذى تكلم عنه السيد المسيح والذى لم يكن مثله منذ ابتداء العالم.

إن
الوحش حينما يأتى لن يستطيع أحد أن يقهر سلطانه المدمر إلا بظهور السيد المسيح
نفسه مثبتاً بهذا أن الشيطان حينما ينال حريته ويُحَل من سجنه فلن يتراجع عن شروره
المريعة، بل سوف يتزايد فى عداوته للكنيسة. وسوف تعاين الخليقة العاقلة كلها جسامة
وخطورة أن يُحَل الشيطان من سجنه لأنه لا يمكن أن يتوب لا بالسجن ولا بالحرية. هو
شر لا يُضبَط إلا بالدينونة الأبدية. ولذلك فسوف تصرخ الخليقة كلها قائلة للرب
الحاكم العادل “عادلة وحق هى طرقك يا ملك القديسين” (رؤ15: 3). لن يوجد
فيما بعد من يتعاطف مع الشيطان مثل أوريجانوس ويقول أن الشيطان من الممكن أن يخلص
لأن هذا منتهى الضلال. بل سوف تردد الأبدية أصداء هذه الأنشودة أن الرب عادل هو،
وأن “العدل والحق قاعدة كرسيك” (مز89: 14). وبذلك يصبح الجو مهيئاً
لاستعلان الدينونة الأبدية وانقضاء الدهر.

إن
شهود يهوه والسبتيين يستكثرون على الرب مثل أوريجانوس أن يحكم بالعذاب الأبدى على
الأشرار. ولكن الرب يكون قد فعل أكثر مما يمكن أن نفتكر فى طول أناته على الشيطان
وجنوده وكل من له شركة معه فى الظلمة.

لا
يوجد حل للشر إلا أن يلقى فى الظلمة الخارجية والدينونة الأبدية فى جهنم. ولا يمكن
إبطال شر الوحش ومن يقويه إلا بظهور مخلصنا يسوع المسيح.

سوف
يعرف الجميع أنه بدون المسيح لا يمكن أن يخلص جسد “لو لم تقصر تلك الأيام لم
يخلص جسد” (مت24: 22).

لهذا
قال معلمنا بولس الرسول إن الرب سوف يأتى ليبيد شر الوحش “الأثيم الذى الرب
يبيده بنفخة فمه، ويبطله بظهور مجيئه. الذى مجيئه بعمل الشيطان، بكل قوة، وبآيات
وعجائب كاذبة، وبكل خديعة الإثم، فى الهالكين
” (2تس2: 8-10).
لقد وعد الرب وقال “لا يدعكم تُجرَّبون فوق ما تستطيعون، بل سيجعل مع التجربة
أيضاً المنفذ” (1كو10: 13).

فلا
ينبغى أن نفزع من الحديث عن نهاية العالم لأن هناك علامات لم تتحقق بعد سوف تسبق
الضيق العظيم. وحتى أحباء الرب الذين سوف يعايشون الأيام الأخيرة، لاشك أن الرب
سوف يؤازرهم لكى لا يهلك المختارون. لأن الرب وعد وقال عن خرافه “أنا أعطيها
حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد، ولا يخطفها أحد من يدى” (يو10: 28).

علينا
فقط أن نحيا فى التوبة والاستعداد طالبين سرعة مجيئه، حتى ولو كان المنتهى لم يأتِ
بعد ولكن هناك أشواقًا فى قلوب القديسين نحو استعلان ملكوت السماوات. وهذا
الاشتياق موجود فى قلوب حتى الذين رقدوا على رجاء القيامة.

 

أحداث المجيء الثانى

قال
السيد المسيح لتلاميذه “وللوقت بعد ضيق تلك الأيام تظلم الشمس والقمر
لا يعطى ضوءه والنجوم تسقط من السماء وقوات السماوات تتزعزع. وحينئذ تظهر علامة
ابن الإنسان فى السماء.
وحينئذ تنوح جميع قبائل الأرض ويبصرون ابن الإنسان
آتياً على سحاب السماء بقوة ومجد كثير. فيرسل ملائكته ببوق عظيم الصوت فيجمعون
مختاريه من الأربع الرياح من أقصاء السماوات إلى أقصائها” (مت 24: 29-31)
.

 

إظلام الشمس

كما
أظلمت الشمس فى يوم صلب السيد المسيح بصوره معجزية، سوف تُظلِم أيضاً ولكن بصورة
نهائية فى مجيئه الثانى. تنبأ ملاخى النبى عن يوم الصلب وأيضاً عن المجيء الثانى
وكتب أن الرب يقول “ولكم أيها المتقون اسمى تشرق شمس البر والشفاء فى
أجنحتها.. هأنذا أرسل إليكم إيليا النبى قبل مجيء يوم الرب، اليوم العظيم
والمخوف” (ملا 2: 4و5) حينما تظلم الشمس الطبيعية، تشرق شمس البر أى السيد
المسيح.

فى
المجيء الأول
: أشرقت شمس الخلاص عندما بسط السيد المسيح ذراعيه على خشبة
الصليب. وبهذا كان الشفاء فى أجنحة السيد وهو معلّق فى الجو مثل الطائر أو مثل
النسر الذى يفتح جناحيه أو يبسط ذراعيه يدعو الجميع إلى أحضانه التى فيها الخلاص.

فى
المجيء الثانى:
حينما تظلم الشمس، تظهر علامة ابن الإنسان فى السماء. فكيف
تظهر فى الظلمة بدون الشمس والقمر والنجوم إن لم تكن منيرة؟

فالاحتمال
الأغلب هو أن تكون العلامة هى علامة الصليب المنيرة. لأن الصليب هو علامة المسيحية
فى كل مكان. وقال معلمنا بولس الرسول “كلمة الصليب عند الهالكين جهالة وأما
عندنا نحن المخلصين فهى قوة الله” (1كو 1: 18). وقال أيضاً “أنتم الذين
أمام عيونكم قد رسم يسوع المسيح بينكم مصلوباً” (غل3: 1).

وهذا
معناه أن الإنسان المسيحى يرتسم أمام عينيه باستمرار صليب المسيح.

 

علامة ابن الإنسان

        لذلك
فالأغلب أن تكون علامة ابن الإنسان هى علامة الصليب. وأن تكون مضيئة بقوة حتى
يراها الجميع قبل مجيء يوم الرب العظيم والمخوف. وهذا ما تسلّمناه من تقليد
الكنيسة أن الصليب هو علامة ورمز المسيحية تتزين به الكنائس وبه تتم مباركة كل الأشياء..
فهو علامة المسيحية وعلامة البركة والخلاص والتقديس. يعقب ظهور علامة ابن الإنسان
أن يظهر السيد المسيح نفسه “آتياً على سحاب السماء بقوة ومجد كثير”
(مت24: 30).

 

مجيء
ابن الإنسان

        قال
السيد المسيح عن مجيئه الثانى “ومتى جاء ابن الإنسان فى مجده وجميع
الملائكة القديسين معه، فحينئذ يجلس على كرسى مجده ويجتمع أمامه جميع الشعوب”
(مت25: 31،32). وقال أيضاً “فإن ابن الإنسان سوف يأتى فى مجد أبيه مع
ملائكته، وحينئذ يجازى كل واحد حسب عمله” (مت16: 27).

        وقد
وصف السيد المسيح عمداً مجيئه الثانى مرة بقوله “فى مجد أبيه” ومرة
أخرى “فى مجده” كما أوردنا فى الآيتين السابقتين، وذلك ليؤكد لنا
أن مجده هو مجد أبيه. فللأقانيم الثلاثة مجد واحد ومُلك واحد وقدرة إلهية واحدة.
لأن الجوهر الإلهى واحد غير منقسم.

        بالإضافة
إلى ذلك فإنه قد استخدم لقب “ابن الإنسان” فى حديثه عن مجد أبيه السماوى
ليؤكد أن “ابن الإنسان” هو هو نفسه “ابن الله” أى أن المولود
من الآب قبل كل الدهور بحسب لاهوته هو هو نفسه الذى تجسد فى ملء الزمان وولد من
العذراء القديسة مريم بحسب ناسوته وصار ابناً للإنسان دون أن يتغير عن ألوهيته
جاعلاً ناسوته واحداً مع لاهوته بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير.

        هذا
ما نردده فى التسبحة المقدسة عن أن ابن الله هو نفسه صار ابناً للإنسان بقولنا
}لم يزل
إلهاً، أتى وصار ابن بشر. لكنه هو الإله الحقيقى أتى وخلّصنا
{ (ثيئوطوكية يوم الخميس).

        نعود
إلى حديث السيد المسيح عن مجيئه فى مجده أو فى مجد أبيه فنقول إن هذا المجيء
المملوء مجداً سوف يكون مفرحاً للأبرار لأن به نجاتهم من الضيق العظيم ولكنه سوف
يكون مخيفاً ومرعباً للأشرار. لذلك قال “تنوح جميع قبائل الأرض” (مت 24:
30). وتتحقق النبوة “فينظرون إلىَّ الذى طعنوه” (زك 12: 10).

لن
يكون خوف الأشرار هو نوع من التوبة. لأن التوبة ينبغى أن تقترن بمشاعر الحب للرب
والعرفان بقيمة دمه المسفوك من أجل غفران الخطايا لكل من يؤمن ويتوب ويتبرر.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى