بدع وهرطقات

بدعة نوئيطوس



بدعة نوئيطوس

بدعة
نوئيطوس

بدعة
الشكلانية (
Modalisme)

الاتجاه
الأول أراد المحافظة على وحدانية الله ووحدانية مبدأ الكون،

لكنه
رأى أن تلك الوحدانية لا يمكن أن تثبت إذا آمنّا بوجود ثلاثة أقانيم في الله؛

لذلك
اعتقد أن الثالوث الأقدس ليس في الواقع إلا أقنوماً واحداً ظهر لنا في ثلاثة أشكال
أو أحوال:

حال
الآب، وحال الابن، وحال الروح القدس.

وعليه
دعيت تلك البدعة “الشكلانية” أو “الحالانية” (
modalisme)، أو بدعة المبدأ الواحد (Monarchianisme)

فالتمييز
في الله، بموجب تلك البدعة، ليس بين أقانيم متساوية في الجوهر؛ بل بين أحوال وأشكال
ثلاثة اتخذها الإله الواحد في الزمن.

لذلك
نستطيع أن نخلع عليه ثلاثة أسماء، فندعوه تارة الآب لأنه مبدأ الكون وخالقه، وتارة
الابن لأنه تجسّد وصار إنساناً، وتارة الروح القدس لأنه يملأنا بحضوره.

 

لقد
انتشرت هذه البدعة في آسيا الصغرى ورومة وشمالي أفريقية في أواخر القرن الثاني وفي
النصف الأول من القرن الثالث.

ومن
أهم دعاتها نوئيطوس الذي بشّر في أزمير بين سنة 180 وسنة 200، وبراكسياس الذي نشر
تعاليمه في قرطاجة ورومة، وصابيليوس أسقف بطوليمَائيس في الخمس المدن، وقد كان له
تلامذة كثيرون في رومة، ودُعيت البدعة نفسها أيضاً باسمه: الصابيلية.

 

نجد
دحضاً لتعاليم نوئيطوس في كتاب “دحض جميع الهرطقات”

المنسوب
إلى القديس ايبوليتوس الروماني (170- 235)،

ودحضاً
لتعاليم براكسياس في كتاب لترتوليانوس عنوانه “ضد براكسياس”.

ويذكر
المؤرّخ افسافيوس أسقف قيصرية في كتابه “تاريخ الكنيسة” (7: 6) أن
ديونيسيوس أسقف الاسكندرية (190- 264) كان ينعت أصحاب تلك البدعة بالتجديف والكفر
وعدم الاحترام للآب والابن والروح القدس.

كما
نجد ذكر الصابيلية بين البدع التي يجب نبذها، في القانون الأول من قوانين المجمع
المسكوني الثاني المنعقد في القسطنطينية سنة 381، وكانت تلك البدعة قد فقدت عندئذٍ
قوّتها كتنظيم خاص، إلاّ أنّ آراءها كانت لا تزال شائعة عند بعض فئات من الناس.

 

لماذا
حرمت الكنيسة تلك البدعة؟ وماذا نستطيع أن نستنتج من هذا الحرم بالنسبة الى
إيماننا بالمسيح؟

يقوم
ضلال تلك البدعة على أنها لم تميّز في الله بين الأقانيم الثلاثة والجوهر الواحد.

اعترفت
بألوهية المسيح، لكنها قالت ان المسيح هو نفسه الله الآب.

وينتج
من هذا القول أن الآب نفسه هو الذي تجسّد في الزمن في أحشاء مريم العذراء ووُلد
منها طفلاً وتألّم وصُلب ومات وقام،

ممّا
يناقض مناقضة صريحة كل تعاليم العهد الجديد حول المسيح والآب.

فالمسيح
الذي عاش على الأرض هو ابن الله الذي جاء ليتمّم في حياته إرادة أبيه؛

والابن
والآب أقنومان أو شخصان متميزان؛ والابن هو الذي، تتميماً لإرادة الآب، قبل الألم
والصلب والموت؛ أما الآب فبقي منزّهاً عن الجسد والألم والموت.

إنّ
ما أكّدته الكنيسة في رفضها تعاليم تلك البدعة، وما يجب أن نؤكّده اليوم أيضاً، هو
سموّ الله وتعاليه في سرّ التجسّد.

فالله
“هو هو أمسِ واليوم وإلى الأبد”،

لا
يمكن أن يتحوّل فيصير من حال إلى حال، ولا أن يتغيّر فينتقل من شكل الى شكل.

هذا
ما تعلنه المسيحية في رفضها القول بتجسّد الآب.

وفي
هذا تتّفق مع سائر الديانات التي تؤمن بالإله الواحد، كاليهودية والإسلام، إلاّ
أنّها تدخل كثر من تلك الديانات في سرّ الله، فتؤكّد، إلى جانب سموّ الله وتعاليه،
قربه من الانسان. والله لم يقترب من الانسان فقط، كما في اليهودية والاسلام، بما
أوحاه إلى أنبيائه وبالكلام الذي تكلّم به على ألسنتهم،

فالمسيحية
تؤمن أن اقتراب الله من الانسان هو اقتراب شخصي. فكلمة الله هو نفسه صار بشراً،
والكلمة هو شخص في الله: انه الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس. وهذا الأقنوم هو
الذي أخذ من مريم العذراء طبيعة بشرية وصار إنساناً خاضعاً مثلنا للألم والموت.

إلاّ
أن المسيحية تعود فتؤكّد، في شخص المسيح أيضاً، سموّ الله، فتقول ان المسيح لم
يخضع للألم والموت إلا في طبيعته البشرية.

وهذا
ما ستوضحه الكنيسة في المجامع اللاحقة التي سنأتي على ذكرها في القسم الثالث من
هذا البحث.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى