بدع وهرطقات

بدعة فالنتينوس



بدعة فالنتينوس

بدعة
فالنتينوس

فالنتينوس الهرطوقى

1- أتى فالنتينوس إلى روما فى عهد هيجينوس، وإزداد قوة (أى أنتشر
فكره) فى عهد بيوس، وظل حتى أنيسيتوس (1) ودخل الكنيسة ايضاً كردون (2) سلف
مركيون، فى عهد هيجينوس تاسع اسقف، وأعترف، وأستمر هكذا، يعلم فى السرحينا، وكان
يعترف جهراً حيناً، وفى بعض الأحيان كان يوشى به بسبب تعاليمه الفاسدة فينسحب من
إجتماعات الأخوة، هذا ما هو مكتوب فى الكتاب الثالث من المؤلف ” ضد الهرطقات

 

بدعة كردون وبدعة مركيون البنطى

2 – وفى الكتاب الأول ذكر الاتى عن كردون: ” أما كردون الذى
استمد شيعته من أتباع سيمون، واتى إلى روما فى عهد هيجينوس، تاسع أسقف منذ عهد
الرسل، فقد نادى بأن الرب افله الذى أعلنه الناموس والأنبياء ليس أبا ربنا يسوع
المسيح، لأن الأول معروف، والأخير غير معروف، الأول عادل، والأخير صالح (3)، أما
مركيون البنطى فقد خلف كرودون فوسع تعاليمه ونطق بتجاديف مزرية ”

 

 3 – ويكشف إيريناوس فى دقة عن هاوية ضلالة فالنتينوف فيما يتعلق
بالمادة ويعلن خبثه وخداعه السرى والخفى كالحية الكامنة فى وكرها .

 

فلاسفة الغنوسية – الفليسوف فالنتينوس

فالنتينوس والمدرسة الفالنتينية

صرف المعلِّم والفيلسوف المسيحي العظيم فالنتينوس (حوالى 100-175 م)
سنوات تأهيله في الإسكندرية، حيث اتصل أغلب الظن بباسيليدس. وقد غادر بعد ذلك إلى
روما، حيث باشر سيرتَه في التعليم العام، الذي كان من النجاح بحيث أُتيحَتْ له
فرصةٌ جدية لانتخابه أسقفًا لروما. على أنه خسر الانتخابات، وخسرت الغنوصيةُ بذلك
فرصةً أن تصير مرادفة للمسيحية، وبالتالي دينًا عالميًّا. لكن هذا لا يعني أن
فالنتينوس فشل في التأثير على تطور اللاهوت المسيحي – إذ إنه أثَّر قطعًا، كما
سنرى أدناه. فعِبْرَ فالنتينوس، ربما أكثر من أيِّ مفكر مسيحيٍّ آخر معاصرٍ له،
صار للفلسفة الأفلاطونية، والأناقة البلاغية، ولمعرفة تأويلية عميقة بالكتاب
المقدس، أن تتسلل معًا إلى عالَم اللاهوت المسيحي. وقد بقي إنجاز فالنتينوس بلا
نظير مدة حوالى قرن، حتى ظهور أوريجينس الذي لا يضاهى على الساحة. ومع ذلك، قد لا
يجانب الصوابَ قولُنا بأن أوريجينس ما كان ل”يحدث” لولا المثال الذي
ضربه فالنتينوس.

 

لم تبدأ كوسمولوجيا فالنتينوس بوحدة، بل بثنوية أولية – زوجين –
عبارة عن كيانين يُدعيان “اللاموصوف” و”الصمت”. ومن هذين
الكائنين الأصليين ولد زوجان ثانيان: “الوالد” و”الحقيقة”.
وعن هذه الكينونات تتولد أخيرًا رباعيةٌ هي “الكلمة”
logos و”الحياة” z?? و”الإنسان” anthropos و”الكنيسة” ekkl?sia. ويشير فالنتينوس إلى هذا الفريق الإلهي
ب”الثُمانية الأولى” (إيريناوس، 1.11.1)؛ وهذه الثُمانية تمخَّضت عن
كائنات أخرى عديدة، منها واحد تمرَّد أو “عصى”، كما يخبرنا إيريناوس،
وبذلك أطلق الدراما الإلهي الذي أنتج الكوسموس في المآل. وبحسب إيريناوس، الذي
كَتَبَ بعد موت فالنتينوس بخمس سنوات فقط، والذي في رسالته ضد الزندقات حفظ
الخطوطَ العريضة لكوسمولوجيا فالنتينوس، فإن الكيان المسؤول عن مباشرة الدراما
يُشار إليه بوصفه “الأم”، التي ربما المقصود منها هي صوفيا (الحكمة)؛
ومن هذه “الأم” نشأ كلٌّ من الهيولى المادية
hul? والمخلِّص، “المسيح”. وقد وُصِفَ
عالمُ المادة ك”ظل”، مولود من “الأم”، باعَد المسيحُ بين نفسه
وبينه و”سارع صاعدًا إلى الملأ” (إيريناوس، 1.11.1؛ قارن: بويماندرس،
5). وعند هذه النقطة قامت “الأم” بولادة “طفل” آخر،
“الباري”
d?miourgos المسؤول عن خلق الكوسموس. وفي الرواية التي حفظها إيريناوس، لا
يَرِدُ شيءٌ عن أيِّ دراما كوني تقع وفقه “الشراراتُ الإلهية” في شراك
أجسام من لحم من خلال خطط الديميورغوس. إلا أنه يُفترَض أن فالنتينوس شَرَحَ
أنثروبولوجيا شبيهة بأنثروبولوجيا أسطورة صوفيا الكلاسيكية (كما وردتْ، مثلاً، في
كتاب يوحنا المنحول؛ راجع أيضًا: أقانيم الرؤساء ورؤيا آدم)، ولاسيما أن مدرسته،
كما مثَّل لها تمثيلاً بالغ الأهمية تلميذُه اللامع بطليموس (انظر أدناه)، آلت إلى
بَسْطِ أسطورة أنثروبولوجية غاية في التعقيد، لا بدَّ أنها تفرَّعتْ عن النموذج
الأبسط الذي قدَّمه فالنتينوس نفسه. وتنتهي الرواية التي حفظها إيريناوس بوصفٍ
لعقيدة مشوشة نوعًا ما عن مسيح سماويٍّ وأرضي، وبمقطع وجيز عن دور الروح القدس
(إيريناوس، 1.11.1)، منه يخرج المرءُ بفكرة أن فالنتينوس كان يراود عقيدة بدائية
للثالوث. وبالفعل، فبحسب لاهوتيِّ القرن الرابع ماركيلوس الأنقري، كان فالنتينوس
“أول مَن استنبط مفهوم ثلاثة كيانات (أقانيم) في كتابه في الطبائع
الثلاث” (فالنتينوس، مقطع ب، ليتون). كان فالنتينوس قطعًا هو المسيحي الأصرح
بين الفلاسفة الغنوصيين في زمانه.

 

لقد رأينا كيف تخلَّل فكرَ باسيليدس ميلٌ رواقي، وكيف شعر مرقيون
بالحاجة إلى تجاوُز الكتاب المقدس ليطرح إلهًا فاديًا “غريبًا”. أما
فالنتينوس، من ناحية أخرى، فيبدو أنه اطَّلع، كما يتبيَّن من آرائه، على الكتب
والتفاسير اليهودية والمسيحية بالدرجة الأولى، وبالدرجة الثانية على الفلسفة
“الوثنية”، وبخاصة الأفلاطونية. ويظهر هذا كأشد ما يكون في روايته
الخاصة للمفهوم الثيولوجي المألوف عن “الاصطفاء” أو “التقدير
المسبَّق”، الذي يَرِدُ فيه (على غرار بولس في الرسالة إلى الرومانيين 8: 29)
أن الله اصطفى أفرادًا معينين، قبل بدء الأزمنة، للخلاص. وقد كَتَبَ فالنتينوس في
نصٍّ يبدو وكأنه بقية من موعظة (فالنتينوس، مقطع و):

 

منذ البدء، وأنتم [“المصطفَوْن” أو المسيحيون الغنوصيون]
خالدون، وأنتم أبناء الحياة الأبدية. تنشدون رَصْدَ الموت لأنفسكم بحيث يمكن لكم
أن تنفقوه وتستنفدوه، وبحيث يموت الموتُ فيكم ومن خلالكم. إذ عندما تُعدِمون
العالم من غير أن تفنوا أنتم، فأنتم السادة على الخلق وعلى كلِّ فساد.

 

هذا يبدو وكأنه ردُّ فالنتينوس على معضلة ديمومة الخلاص: بما أن
صوفيا أو “الأم” الإلهية – وهي فَرْدٌ من الملأ الأعلى – قد سقطت في
الضلال، كيف يمكن لنا التأكد من أننا لن نقترف الغلط نفسه أو غلطًا مماثلاً بعد أن
نبلغ الامتلاء؟ فبإعلانه أن دورَ “المصطفى” (أو المسيحي الغنوصي)
ومهمَّتَه هي استنفاد الموت و”إعدام” العالم، يوضح فالنتينوس موقفه الذي
مفاده أن تلك النفوس المختارة نفوس مشارِكة في خلاص العالم، إلى جانب المسيح، الذي
كان أول مَن حمل الخطيئة والفساد المتأصِّلين في العالم المادي (راجع: إيريناوس،
1.11.1؛ وليتون، ص 240). لذا، بما أن “أجرة الخطيئة هي الموت” (الرسالة
إلى الرومانيين 6: 23)، فإن أيَّ كائن قادرٍ على تحطيم الموت لا بدَّ أن يكون
معصومًا من الخطيئة. ففي نظر فالنتينوس، إذن، أن الفرد المقدَّر له أن يخلص مقدَّر
له أيضًا نوعٌ من الخلافة الإلهية تتضمن دورًا فاعلاً في التاريخ، وليس مجرد راحة
مع الله، أو حتى حياة غبطة من الخلق المحب، كما ذهب باسيليدس. طالب فالنتينوس
مستمعيه – على غرار بولس – بالاعتراف بمخلوقيَّتهم؛ إلا أنهم – خلافًا لبولس –
اعترفوا بخالقهم بوصفه “الوالد اللاموصوف”، وليس كإله الكتب المقدسة
اليهودية. وبعد فالنتينوس، أضحت مهمةُ التأويل المسيحي إثباتَ الاستمرارية بين
العهدين القديم والجديد. وفي هذا الصدد، كما وفي الروحانية العامة لتعاليمه –
ناهيك عن عقيدته البدائية في التثليث – كان لفالنتينوس وَقْعٌ لا يُجارى على تطور
المسيحية.

 

د. منظومة بطليموس

وصف إيريناوس بطليموس Ptolemaeus (حوالى 140 م) ب”بزهرة مدرسة فالنتينوس” (ليتون، ص
276). لكننا لا نعرف شيئًا يُذكَر عن حياة بطليموس ما عدا الكتابين اللذين وصلانا:
الأسطورة الفالنتينية الفلسفية المفصَّلة التي حفظها إيريناوس، والرسالة إلى
فلورا، من وضع فالنتينوس، التي حفظها القديس أبيفانيوس حرفيًّا. نقع في الكتاب
الأول على منظومة فالنتينوس، مفصَّلة تفصيلاً كبيرًا على يد بطليموس، التي تحتوي
على أسطورة أنثروبولوجية مركَّبة تتمركز حول آلام صوفيا. كما نقع أيضًا، في كلٍّ
من الأسطورة والرسالة، على محاولة بطليموس للتوفيق بين الكتب اليهودية وبين تعاليم
الغنوصية والتأويل المجازي للعهد الجديد، في صورة غير مسبوقة بين الغنوصيين
قبلئذٍ.

 

في النظام البطليموسي يَرِدُ في صراحة أن سبب سقوط صوفيا هو رغبتها
في معرفة الآب الفائق الوصف. وبما أن سبب توليد الآب للأيونات (الذين صوفيا آخرهم)
كان “رفعهم جميعًا إلى مرتبة الفكر” (إيريناوس، 1.2.1)، لم يكن مسموحًا
لأيٍّ من الأيونات أن يبلغ معرفة تامة بالآب. لقد كانت الغاية من الملأ الأعلى أن
يوجد كتعبير حيٍّ، جمعيٍّ، عن السعة العقلية للآب؛ فإذا قُيِّضَ لأيِّ كائن مفرد
ضمن الملأ الأعلى أن يصل إلى الآب لتوقفت الحياة برمَّتها. تقوم هذه الفكرة على
موقف إيجابي بالدرجة الأولى تجاه الكون، بمعنى أن الوجود، مفهومًا ككفاح، ليس من
أجل نهاية مستكينة، بل من أجل مستوى متزايد أبدًا من البصيرة الخلاقة أو
“التكوينية”. والهدف، من هذه الوجهة، هو الإبداع من خلال الحكمة، وليس
مجرد الوصول إليها كغرض أو كغاية في حدِّ ذاتها. ومثل هذا الوجود لا يتَّسم بالرغبة
في غرض ما، بل بالحري في القدرة على الإمعان في الانخراط الخلاق والتكويني مع
“الظرف” (= الوضعية المعيَّنة أو الميدان الفردي) الخاص بالمرء. عندما
رغبتْ صوفيا في معرفة الآب، فإن ما كانت ترغب فيه إذ ذاك، في المقام الأول، هو
تلاشيها لصالح فنائها الخاص فيما جعل وجودها ممكنًا في الأصل. وهذا يعادل رفض هبة
الآب، بمعنى هبة الوجود والحياة الفرديين. لهذا السبب لم يُسمَح لصوفيا بمعرفة
الآب، بل رُدَّتْ إلى “الحد”
horos الفاصل بين الملأ الأعلى وبين “السعة اللاموصوفة” للآب
(إيريناوس، 1.2.1).

 

أما ما تبقَّى من رواية بطليموس فيتعلق بإنتاج الكوسموس المادي
اعتبارًا من “آلام” صوفيا المُأقْنَمَة وفاعلية المخلِّص (يسوع المسيح)
في ترتيب هذه الآلام الشواشية أصلاً في تراتبية منتظمة من الموجودات (إيريناوس،
5.4.1 وما بعدها، وقارن: الرسالة إلى القولوسيين 1: 16). إن ثلاثة صفوف من الكائنات
البشرية تنوجد من خلال هذا الترتيب: “المادي”
hulikos و”النفساني” psukhikos و”الروحاني” pneumatikos. البشر “الماديون” هم أولئك الذين
لم يبلغوا الحياة العقلية، وبالتالي لا يعقدون آمالهم إلا على ما هو هالك – ولا
أمل في الخلاص لهؤلاء. “النفسانيون” هم أولئك الذين ليس لديهم إلا تصور
نصف متشكِّل عن الإله الحقيقي، وعليهم، بالتالي، أن يحيوا حياة منذورةً للأعمال
المقدسة والثبات على الإيمان؛ وبحسب بطليموس، هؤلاء هم المسيحيون
“العاديون”. وأخيرًا، هناك البشر “الروحانيون”، الغنوصيون،
الذين لا يحتاجون إلى الإيمان لأنهم على معرفة فعلية (غنوص) بالحقيقة العقلية،
وبذلك هم ناجون بالطبيعة (إيريناوس، 2.6.1، 4.6.1).

 

يقوم المفهوم الفالنتيني البطليموسي للخلاص على فكرة أن الكوسموس هو
التجلِّي العياني أو الأقْنَمَة لرغبة صوفيا في معرفة الآب و”الآلام”
التي نجمتْ عن فشلها. إن تاريخ الخلاص للكائنات البشرية له، إذن، صفة التجلِّي
الخارجي للسيرورة المثلَّثة لافتداء صوفيا نفسها: الاعتراف بآلامها؛
“رجوعها”
epistroph? تاليًا؛ وأخيرًا، فعل توليدها الروحي، الذي انبثقتْ منه
الإنسانيةُ الغنوصية (راجع: إيريناوس، 1.5.1). الخلاص، إذن، في شكله النهائي، يجب
أن يتضمن نوعًا من الخلق الروحي من قِبَل الغنوصيين الذين يبلغون الملأ الأعلى.
غير أن على البشر “النفسانيين”، المكوَّنين جزئيًّا من مادة قابلة
للفساد وجزئيًّا من ماهية روحية، أن يظلوا مكتفين بوجود بسيط مريح مع
“صانع” الكوسموس، بما أنه لا يمكن لعنصر ماديٍّ أن يدخل الملأ الأعلى
(إيريناوس، 1.7.1).

 

في رسالته إلى فلورا (في أبيفانيوس، 1.3.33-10.7.33)، التي هي محاولة
لهداية امرأة مسيحية “عادية” إلى مذهبه المسيحي الفالنتيني، صاغ بطليموس
صياغة واضحة مذهبَه في العلاقة بين إله الكتب المقدسة العبرية، الذي هو “عَدْل”
وحسب، وبين الآب اللاموصوف، الذي هو الخير الأسمى. وعوضًا عن مجرَّد إعلان أن هذين
الإلهين غير متَّصلين، كما فعل مرقيون، بَسَطَ بطليموس قراءة مركَّبة، مجازية،
للكتب المقدسة اليهودية فيما يتصل بالعهد الجديد بغية ترسيخ سلالة تربط الملأ
الأعلى، صوفيا و”آلامها”، الديميورغوس، والنشاط الخلاصي ليسوع المسيح
بعضها ببعض. إن مدى عمل بطليموس ودقَّته، والأثر الذي خلَّفه على المسيحية
الأرثوذكسية الناشئة، يؤهِّله لكي يكون واحدًا من أهم اللاهوتيين المسيحيين
الأوائل، الأرثوذكسيين الروَّاد منهم و”الزنادقة”.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى