بدع وهرطقات

بدعة شبية المسيح



بدعة شبية المسيح

بدعة
شبية
المسيح

ينكر
غالبية الغنوسيين أن للمسيح جسدًا حقيقيًا، لهذا مع تباين تصوراتهم لأحداث الصليب
إلا أن الغالبية كانوا يعتقدون بأن يسوع المسيح لم يُصلب حقيقة. لقد اختلفت
تصوراتهم لهذا الحدث بصورة كبيرة، نذكر على سبيل المثال:

1.
مرقيون: الله السامي – في نظر مرقيون – أرسل كلمته ليقضي على الديميرج الخالق
Demiurge، فنزل من السماء. مع أن الكلمة أعظم قوة منه، لكنه لم يرد القبض
عليه. وقعت أيادي صالبي يسوع على آخر، لذلك فإن الذي صُلب هو آخر، وأما المسيح
فرفعه الله إلى السماء سالمًا.

2.
الدوكيتيون: مشتقه من الكلمة اليونانية
dokew وتعني
“يبدو” أو “يتراءى”. ظهرت الدوكيتية
Docetism
بين الغنوسيين مثل كرينثوس
Cerinthus قالوا بأن يسوع هرب من عار الموت بطريقة معجزية، وحل محله يهوذا
الاسخريوطي أو سمعان القيرواني قبل الصلب مباشرة.

3.
كردون
Kerdonos: يعتقد بأن نزاعًا حدث بين إله اليهود وإله الوثنيين، لأن كلاً
منهما أراد السيطرة على العالم. وإذ اشتد النزاع أرسل الله الصالح كلمته الذي هو
المسيح. ولما أدرك المسيح المكيدة طار إلى السماء دون أن يراه أحد، وصُلب إنسان
آخر خيل للناس أنه المسيح.

 

خلال
هذه الأمثلة وغيرها ندرك كيف حاول الغنوسيون بسبب بغضهم للمادة أن يجردوا السيد
المسيح من الجسم الحقيقي، وبالتالي أفقدوا الصليب جوهره، وأفسدوا عمل السيد المسيح
المخلص.

 

فالغنوسية
هي جماعة وثنية تسمى بالخيالية وبالغنوسية ويسمى أتباعها بالخياليين والغنوسيين
ويسمى فكرها بالخيالية أو الشبحية، قالت أن المسيح كان إلها فقط ولم يكن له جسد
وطبيعة الإنسان، بل كأن شبحاً وخيالاً، ظهر في هيئة وشبه ومنظر الإنسان ولم يكن له
جسد فيزيائي من لحم ودم وعظام!! ولذا فقد كانت عملية صلبه مجرد مظهر وشبه، شُبّه
للناظرين أنه يصلب، صلب مظهرياً، بدا وكأنه يصلب، علق على الصليب وبدا للناظرين
أنه يصلب!! ودفن في القبر ولكنه خرج ككائن من نور لأنه هو نور وروح محض!!! وعندما
خرج من القبر ككائن من نور كانت قدماه على الأرض ورأسه تخترق السماء!!!!

 

المصدر
الغنوسي الوثني لقصة عدم صلب المسيح القرآنية

 

فما
هي الغنوسية، أو الخيالية؟ ومن هم هؤلاء الغنوسيون؟

(1)
الغنوسية هي حركة وثنية مسيحية ترجع جذورها إلى ما قبل المسيحية بعدة قرون. وكان
أتباعها يخلطون بين الفكر الإغريقي – الهيلينتسي – والمصري القديم مع التقاليد
الكلدانية والبابلية والفارسية (خاصة الزردشتية التي أسسها الحكيم الفارسي ذردشت
(630-553 ق م) وكذلك اليهودية، خاصة فكر جماعة الأثينيين (الأتقياء) وما جاء في
كتابهم ” الحرب بين أبناء النور وأبناء الظلام “، والفلسفات والأسرار
والديانات الثيوصوفية. وذلك إلى جانب ما سمي بالأفلاطونية الحديثة، التي كانت
منتشرة في دول حوض البحر المتوسط في القرن الأول. بل ويرى بعض العلماء أن كل أصول
الغنوسية موجودة عند أفلاطون لذا يقول العلامة ترتليان (نهاية القرن الثاني
الميلادي) ” أنا أسف من كل قلبي لأن أفلاطون صار منطلق كل الهراطقة “

 

وكانوا
ينظرون للمادة على أنها شر! وآمنوا بمجموعة كبيرة من الآلهة، فقالوا أنه في البدء
كان الإله السامي غير المعروف وغير المدرك الذي هو روح مطلق، ولم تكن هناك المادة،
هذا الإله الصالح أخرج، أنبثق منه، أخرج من ذاته، عدد من القوات الروحية ذات
الأنظمة المختلفة التي أسموها بالأيونات (
Aeons)، هذه القوات
المنبثقة من الإله السامي كان لها أنظمة مختلفة وأسماء مختلفة وتصنيفات وأوصاف
مختلفة. وتكوّن هذه الأيونات مع الإله السامي البليروما (
Pleroma
أو الملء الكامل، دائرة الملء الإلهي. وأن هذا الإله السامي الذي أخرج العالم
الروحي من ذاته لم يخلق شيء.

 

ومن
هذه الأيونات قام أحدهم ويدعى صوفيا (
Sophia)، أي الحكمة الذي بثق، أخرج، من ذاته كائناً واعياً هو الذي خلق
المادة والعوالم الفيزيقية، وخلق كل شيء على صورته، هذا الكائن لم يعرف شيء عن
أصوله فتصور أنه الإله الوحيد والمطلق، ثم أتخذ الجوهر الإلهي الموجود وشكله في
أشكال عديدة، لذا يدعى أيضا بالديمورجس (
Demiurgos)، أي نصف الخالق.
فالخليقة مكونة من نصف روحي لا يعرفه هذا الديمورجس، نصف الخالق ولا حكامه

 

ومن
هنا فقد آمنوا أن الإنسان مكون من عنصرين عنصر إلهي هو المنبثق من الجوهر الإلهي
للإله السامي يشيرون إليه رمزيا بالشرارة الإلهية، وعنصر مادي طبيعي فاني. ويقولون
أن البشرية بصفة عامة تجهل الشرارة الإلهية التي بداخلها بسبب الإله الخالق الشرير
وارخوناته (حكامه). وعند الموت تتحرر الشرارة الإلهية بالمعرفة، ولكن أن لم يكن
هناك عمل جوهري من المعرفة تندفع الروح، أو هذه الشرارة الإلهية، عائدة في أجساد
أخرى داخل الآلام وعبودية العالم.

 

وأعتقد
بعضهم بالثنائية (
Dualism) الإلهية أي بوجود إلهين متساويين في القوة في الكون ؛ إله الخير،
الذي خلق كل الكائنات الروحية السمائية، وإله الشر الذي خلق العالم وكل الأشياء
المادية!! وربطوا بين إله الشر وإله العهد القديم!! وقالوا أن المعركة بين الخير
والشر هي معركة بين مملكة النور ضد مملكة الظلمة!!

 

وأعتقد
بعضهم أن إله الخير خلق الروح وقد وضعها إله الشر في مستوى أدني في سجن الجسد
المادي الشرير. وهكذا فأن هدف البشرية هو الهروب من سجن الجسد المادي الشرير
والعودة إلى اللاهوت أو التوحد مع إله الخير!!

 

ولذا
فقد نادوا بوجود مجموعة من التعاليم السرية الخاصة جداً والتي زعموا أن المسيح قد
كشفها وعلمها لتلاميذه ربما لسوء فهمهم لآيات مثل ” وبأمثال كثيرة مثل هذه
كان يكلمهم حسبما كانوا يستطيعون أن يسمعوا. وبدون مثل لم يكن يكلمهم. وأما على
انفراد فكان يفسر لتلاميذه كل شيء ” (مر33: 4-5) و” لكننا نتكلم بحكمة
بين الكاملين ولكن بحكمة ليست من هذا الدهر ولا من عظماء هذا الدهر الذين يبطلون.
بل نتكلم بحكمة الله في سرّ. الحكمة المكتومة التي سبق الله فعينها قبل الدهور
لمجدنا ” (1كو6: 6-8).

 

هذه
التعاليم السرية المزعومة كتبوها في كتب ونسبوها لرسل المسيح وتلاميذه وبعضهم نسب
لقادتهم وذلك اعتمادا على ما جاء في الإنجيل للقديس يوحنا ” وآيات أخر كثيرة
صنع يسوع قدام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب. أما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع
هو المسيح ابن الله ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه ” (يو30: 20و31) و
” وأشياء أخر كثيرة صنعها يسوع أن كتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه
يسع الكتب المكتوبة ” (يو25: 21).

 

يقول
القديس اريناؤس أسقف ليون بالغال (فرنسا حاليا) ” أولئك الذين يتبعون
فالتنتينوس (ق2م) يستخدمون الإنجيل للقديس يوحنا بوفرة لشرح أفكارهم التي سنبرهن
أنها خاطئة كلية بواسطة نفس الإنجيل “.

 

(2)
كما سميت هذه الهرطقة أيضا بالدوسيتية (
Docetism)، والتي تعني في
اليونانية ”
Doketai “، من التعبير ” dokesis
” و ”
dokeo ” والذي يعني ” يبدو “، ” يظهر “،
” يُرى “، وتعني الخيالية
phantomism. فقد آمنوا أن المسيح كان مجرد خيال وشبح (phantom
وأنه أحد الآلهة العلوية وقد نزل على الأرض في جسد خيالي وليس فيزيائي، مادي،
حقيقي، أنه روح إلهي ليس له لحم ولا دم ولا عظام، لأنه لم يكن من الممكن، من وجهة
نظرهم، أن يتخذ جسدا من المادة التي هي شر في نظرهم! لذا قالوا أنه نزل في صورة
وشبه إنسان وهيئة بشر دون أن يكون كذلك، جاء في شكل إنسان دون أن يكون له مكونات
الإنسان من لحم ودم وعظام، جاء في ” شبه جسد ” و ” هيئة الإنسان
“، وقالوا أنه لم يكن يجوع أو يعطش أو ينام، ولم يكن في حاجة للأكل أو الشرب 00
الخ وأنه كان يأكل ويشرب وينام متظاهرا بذلك تحت هيئة بشرية غير حقيقية. وشبهوا
جسده بالنور أو شعاع الشمس، فأن النور وشعاع الشمس يمكن لهما أن يخترقا لوحا من
الزجاج دون أن يكسرا هذا اللوح “. كان مجرد خيال(10).

 

جاء
في أحد كتبهم والذي يسمى ب ” أعمال يوحنا “، أن المسيح عندما كان يسير
على الأرض لم يكن يترك أثرا لأقدامه وعندما كان يوحنا يحاول الإمساك به كانت يده
تخترق جسده بلا أي مقاومة حيث لم يكن له جسد حقيقي. وكانت طبيعة جسده متغيرة عند
اللمس، فتارة يكون ليناً وأخرى جامداً ومرة يكون خالياً تماماً. كان بالنسبة لهم
مجرد شبح وحياته على الأرض خيال. وكان يظهر بأشكال متعددة ويغير شكله كما يشاء
وقتما يشاء!! أي كان روحاً إلهياً وليس إنساناً فيزيقياً.

 

+
وقال بعضهم أنه اتخذ جسدا نفسيا
Psychic، عقليا، وليس ماديا.

+
وقال بعض آخر أنه اتخذ جسد نجمي
Sidereal.

+
وقال آخرون أنه اتخذ جسدا ولكنه لم يولد حقيقة من امرأة.

 

وجميعهم
لم يقبلوا فكرة أنه تألم ومات حقيقة، بل قالوا أنه بدا وكأنه يتألم وظهر في
الجلجثة كمجرد رؤيا. وقد أشار إليهم القديس أغناطيوس الإنطاكي (35 – 107) تلميذ
القديس بطرس الرسول وحذر المؤمنين من أفكارهم الوثنية قائلا: ” إذا كان يسوع
المسيح – كما زعم الملحدون الذين بلا إله – لم يتألم إلا في الظاهر، وهم أنفسهم
ليسو سوى خيالات (بلا وجود حقيقي) فلماذا أنا مكبل بالحديد “، ” وهو
إنما أحتمل الآلام لأجلنا لكي ننال الخلاص، تألم حقا وقام حقا، وآلامه لم تكن
خيالا، كما أدعى بعض غير المؤمنيين، الذين ليسوا سوى خيالات “، ” لو أن
ربنا صنع ما صنعه في الخيال لا غير لكانت قيودي أيضا خيالا “.

 

(4)
كما كان لهذه الجماعات، أيضا، اعتقادات أخرى في المسيح، فقالوا أن المسيح الإله
نزل على يسوع الإنسان وقت العماد وفارقه على الصليب، وقالوا أيضا أن المسيح الإله
والحكمة الإله نزلا على يسوع واتحدا به وفارقاه أيضا عند الصليب!! أي أن الذي صلب،
من وجهة نظرهم هو المسيح الإنسان وليس المسيح الإله!!!

 

وفيما
يلي أفكار قادتهم:

1
– فالنتينوس (حوالي 137م): وقوله أن المسيح لم يولد من العذراء ولكن جسده الهوائي
مر من خلال جسدها العذراوي: وقد ظهر في النصف الأول من القرن الثاني ونادى بوجود
ثلاثين إلها، وقال أن الإله فيتوس (أي العمق) ولد ثمانية أيونات، ومنهم وُلد عشرة،
ومن العشرة وُلد أثنا عشر ذكرا وأنثى، وولد سيغا (أي الصمت)، من هذا الإله فيتوس،
ومن سيغا ولد الكلمة، كما قال أن كمال الآلهة هو كائن ” أنثى – ذكر ”
يُدعى الحكمة، وهو المسيح!!

 

وقال
أن المسيح لم يتخذ جسداً إنسانياً حقيقياً بل أتخذ هيئة الجسد، مظهر الجسد وهيئة
الإنسان لأنه لا يمكن أن يأخذ جسد من المادة التي هي شر بحسب اعتقاده! أتخذ جسدا
سمائيا وأثيريا، وهو، حسب قوله لم يولد من العذراء ولكن جسده الهوائي مر من خلال
جسدها العذراوي!!

 

2
– كيرنثوس وقوله بصلب يسوع الإنسان دون المسيح الإله: وقال كيرنثوس الذي كان
معاصرا للقديس يوحنا الإنجيلي، والذي يقول عنه القديس إريناؤس أنه كان متعلما
بحكمة المصريين ” أن العالم لم يخلقه الإله السامي، ولكن خلقته قوة معينة
منفصلة بعيدا عنه وعلى مسافة من هذا المبدأ الذي هو سامي على الكون ومجهول من الذي
فوق الكل. وقال أن يسوع لم يولد من عذراء، وإنما ولد كابن طبيعي ليوسف ومريم بحسب
ناموس الميلاد البشري وقال أنه كان أبر وأحكم وأسمى من البشر الآخرين، وعند
معموديته نزل عليه المسيح (الإله) من فوق من الحاكم السامي ونادى بالآب غير
المعروف وصنع معجزات. ثم رحل المسيح (الإله) أخيرا من يسوع وتألم وقام ثانية،
بينما ظل المسيح (الإله) غير قابل للألم لأنه كان كائنا روحيا “.

 

أي
من، وجهة نظره أن الذي تألم على الصليب هو يسوع المسيح، أما المسيح الإله فلم
يتألم لأنه غير قابل للألم كإله.

 

3-
سترنيوس (
Saturnius) وقوله أن المسيح كان بلا ميلاد وبلا جسد وبدون شكل وكان مرئيا
افتراضا: وقال سترنيوس أن ” الآب غير المعروف من الكل ” خلق الملائكة
ورؤساء الملائكة، الذين كانوا من سلالات شريرة وخيرة، وخلق الرياسات والقوات، ثم
قام سبعة من رؤساء الملائكة بخلق الكون والبشرية أيضا. وقال أن إله اليهود هو أحد
رؤساء الملائكة السبعة، هؤلاء الذين خلقوا الكون، وكان معاديا للآب، وقد جاء
المسيح المخلص ليدمر إله اليهود هذا ويحارب الأرواح التي تؤيده مستشهدا بقول
القديس يوحنا الرسول بالروح ” لأجل هذا اظهر ابن الله لكي ينقض أعمال إبليس
” (1يو8: 3)، لأنه اعتقد أن الشيطان هو إله اليهود، وأن المسيح كان كائنا
روحيا وقد بدا وكأنه إنسان.

 

وقال
أن ” المخلص كان بلا ميلاد وبلا جسد وبدون شكل وكان مرئيا افتراضا، وأنه جاء
ليدمر إله اليهود، الذي كان واحدا من الملائكة، ويخلص الذين يؤمنون به “.

 

4
– جماعة السزيان أو فايتس وقولهم بصلب يسوع دون المسيح والحكمة: نادت هذه الجماعة
في القرن الثاني الميلادي ” أن يسوع ولد من العذراء بعمل الإله يادابوس وكان احكم
واطهر وابر من كل البشر الآخرين. ثم اتحد المسيح (الإله) مع الحكمة ونزلا عليه
(على يسوع)، وهكذا تكون يسوع المسيح. ويؤكدون أن كثيرين من تلاميذه لم يعرفوا
بنزول المسيح عليه. ولكن عندما نزل المسيح علي يسوع بدأ يعمل معجزات ويشفي ويعلن
الآب غير المعروف ويعلن نفسه صراحة انه ابن الإنسان الأول (الإله).

 

فغضبت
القوات و(الإله يادابوس) والد يسوع لهذه الأعمال وعملوا على تحطيمه، وعندما اقتيد
لهذا الغرض (الصلب) يقولون أن المسيح نفسه مع الحكمة رحلا منه إلى حيث الأيون غير
الفاسد بينما صلب يسوع. ولكن المسيح لم ينسى يسوعه فانزل عليه قوة من فوق فأقامته
ثانية في الجسد الذي يدعونه حيواني أو روحاني ثم أرسل العناصر الدنيوية ثانية إلى
العالم. وعندما رأي تلاميذه انه قام، لم يدركوا، ولا حتى يسوع نفسه، من الذي أقامه
ثانية من الموت. والخطأ الذي وقع فيه التلاميذ انهم تصوروا انه قام في جسد مادي
غير عالمين أن ” لحماً ودماً لا يقدران أن يرثا ملكوت الله ” (اكو5:
15).

 

5
– ماركيون وقوله أن المسيح لم يولد من العذراء ولم يعرف ميلادا ولا نموا ولا حتى
مظهر هذه الأحداث إنما ظهر بطريقة فجائية وفي هيئة بشرية احتفظ بها بحسب الظاهر
إلى موته على الصليب: وعلم ماركيون، المولود حوالي سنة 120م، بوجود إلهين، الإله
العظيم السامي أو الإله المحب، وهذا الإله كان غير معروف من العالم ومخفيا عن
عينيه لأنه لا صلة له بالعالم وليس هو الخالق له. أما الإله الثاني فأقل من الأول
درجة وهو إله عادل ولكن سريع الغضب ومنتقم يحارب ويسفك دم أعدائه بلا رحمة ولا
شفقة، وهو الذي خلق العالم واختار منه شعبا هو شعب إسرائيل ليكون شاهدا له وأعطى
له الناموس.

 

وعاقب
بشدة وصرامة الذين تعدوا على هذا الناموس، وترك بقية الشعوب الأخرى فريسة للمادة
والوثنية. وكان هذا الإله، إله اليهود يجهل تماما وجود الإله السامي المحب الذي ظل
غير معروف حتى ظهر المسيح في بلاد اليهودية في هيئة بشرية، وبدأ يعلن للبشر السر
العظيم عن الإله السامي المحب الذي يجهله البشر وإله اليهود!!

 

وقال
أن المسيح لم يولد من العذراء ولم يعرف ميلادا ولا نموا ولا حتى مظهر هذه الأحداث
إنما ظهر بطريقة فجائية وفي هيئة بشرية احتفظ بها بحسب الظاهر إلى موته على الصليب‍!!

 

ونتيجة
لاعتقاد هؤلاء الهراطقة بأن المسيح كان مجرد شبح وخيال وأنه ظهر على الأرض في شكل
وهيئة ومظهر الإنسان ولكنه في حقيقته هو روح وخيال، ظهر في مظهر الإنسان دون أن
يكون إنسانا! جاء في شبه جسد ولكنه لم يتخذ الجسد بل كان شبح وروح وخيال في شكل
جسد!! فلما وُضع على الصليب ليصلب بدا لهم وكأنه يصلب ولكن لأنه شبح وروح وخيال
فقد ظهر في مظهر وهيئة وشكل الذي يصلب ولكن في الحقيقة لم يصلب بل شبُّه لهم أنه
يصلب!! بدا لهم معلقاً على الصليب ولكنه في الحقيقة غير ذلك!! بدا لهم يسفك الدم
وينزف أمامهم ولكن لأنه شبح وروح وخيال وليس له لحم ولا دم ولا عظام، فقد كان يبدو
هكذا لهم مظهريا فقط، شبُّه لهم!! ظهر وكأنه مات على الصليب وهو الإله الذي لا
يموت!!

 

6-
باسيليدس وقوله بإلقاء شبه يسوع على غيره لأنه قوة غير مادية وعقل الآب غير
المولود فقد غير هيئته كما أراد وهكذا صعد إلى الذي أرسله:

وكان
أول من قال بإلقاء شبه يسوع على غيره هو باسيليدس الذي تصور وجود صراع بين الإلهة
العديدة والذين كان أحدهم يسوع المسيح. وقد نقل عنه القديس أريناؤس قوله: ”
وصنع الملائكة الذين يحتلون السماء السفلى المرئية لنا كل شئ في العالم، وجعلوا
لأنفسهم اختصاصات للأرض والأمم التي عليها، ولما أراد رئيس هؤلاء، إله اليهود كما
يعتقدون، أن يخضع الأمم الأخرى لشعبه اليهود، واعترضه وقاومه كل الرؤساء الآخرين
بسبب العدواة التي كانت بين أمته وكل الأمم، ولما أدرك الآب غير المولود والذي لا
اسم له انهم سيدمرون أرسل بكره العقل (وهو الذي يدعى المسيح) ليخلص من يُؤمن به،
من قوة هؤلاء الذين صنعوا العالم. فظهر على الأرض كإنسان لأمم هذه القوات وصنع
معجزات. وهو لم يمت بل اجبر سمعان القيرواني على حمل صليبه والقي شبهه عليه
واعتقدوا انه يسوع فصلب بخطأ وجهل. واتخذ هو شكل سمعان القيرواني ووقف جانباً يضحك
عليهم. ولأنه قوة غير مادي وعقل الآب غير المولود فقد غير هيئته كما أراد وهكذا
صعد إلى الذي أرسله”.

 

7
سر الصليب في أعمال يوحنا: قالوا في الكتاب الذي أسموه ” أعمال يوحنا
“والذي يرجع إلى القرن الثاني الميلادي، في عبارات صوفية غامضة جداً أن
المسيح تألم دون أن يتألم وصلب دون أن يصلب وطعن بالحربة دون أن يسيل منه دماً
وماء، علق على صليب من خشب وصليب من نور في آن واحد، كان على الصليب بين الجموع
المحتشدة وفي نفس الوقت مع يوحنا على الجبل: ” بعد أن رقص الرب معنا هكذا يا
أحبائي خرج ونحن كمذهولين أو مستغرقين في النوم وهربنا هذه الطريق أو تلك ولم
أتأخر بآلامه، بل هربت إلى جبل الزيتون بكيت لما حدث، وعندما علق (على الصليب) يوم
الجمعة في الساعة السادسة من النهار حلت الظلمة على كل الأرض(مر23: 15). ثم وقف
ربي وسط الكهف وأناره وقال: يا يوحنا إني مصلوب ومطعُون بالحربة والقصبة (مر 19:
15) ومُعطى الخل والمر لأشرب (متى 34: 27) بالنسبة للناس اسفل في أورشليم، ولكني
أتحدث إليك فأستمع لما أقوله: لقد وضعت في عقلك أن تصعد إلى هذا الجبل لكي تستمع
إلى ما يجب أن يتعلمه تلميذ من معلمه وإنسان من إله. وعندما قال ذلك أراني صليب من
نور مثبت جيداً، وحول الصليب جمع عظيم، ليس له شكل واحد 000 ورأيت السيد نفسه فوق
الصليب، ليس له شكل بل نوع من الصوت هذا الصليب من نور يدعى أحياناً اللوجوس
وأحياناً العقل وأحياناً يسوع وأحياناً المسيح 000 “!! هذه الأقوال الصوفية
الغامضة جداً يدعونها أقوالاً سرية لمن أعطي له أن يفهم فقط!!

 

هذا
الفكر الخيالي الوثني الغامض كان أصحابه أفراداً خارج حظيرة المسيحية وقد رفضتهم
الكنيسة وحاربت أفكارهم حتى اندثروا إلى أن جاء الإسلام وأخذ من بقايا عقائدهم وها
هي كتبهم أثارهم ما يزال الكثير منها بين أيدينا.

 

والعجيب
بل والغريب أنه عند ترجمة قوله ” وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ” نجده في
الترجمة يحمل نفس هذا الفكر الدوسيتي، فقد جاء في ترجمة معاني القرآن الكريم
للدكتور أحمد زيدان والسيدة دينا زيدان والمعتمدة من مجمع البحوث الإسلامية:

And for their saying ”
we killed the Massiah jesus the son of Mary. The Messenger of God ” Yet
they did not kill him nor crucify him but it was only made to appear to them so

 


ولكن هكذا بدا لهم فقط “، ” ولكن هكذا ظهر لهم “!!

 

ويقول
السيد يوسف علي في تفسيره لهذه النص:

The
Docetae held that Christ never had a real physical or natural body, but only an
apparent or phantom body, and that his Crucifixion was only apparent, not real.
The Marcionite Gospel (about A. D.138) denied that Jesus was born, and merely
said that he appeared in human form

The
Quranic teaching is that Christ was not crucified nor killed by the Jews,
notwithstanding certain apparent circumstances which produced that illusion in
the’ minds of some of his enemies: that disputations, doubts, and conjectures
on such matters are vain; and that he was taken up to Allah.

 

وترجمته
هكذا ” قال الدوسيتيون أن المسيح لم يكن له أبداً جسد فيزيائي حقيقي أو
طبيعي، ولكن فقط جسد مظهري أو شبح، وأن صلبه كان مجرد صلب ظاهري، وليس حقيقي،
وأنكر الإنجيل الماركيوني (حوالي 138م) أن يسوع ولد وقد قال أنه ظهر في مجرد شكل
بشري. ويقول التعليم القرآني أن اليهود لم يصلبوا المسيح ولم يقتلوه ومع ذلك فقد
أنتج ذلك الوهم في عقول بعض أعدائه ظروف ظاهرية معينة 000 “!!!

 

أي
أن الترجمة الإنجليزية وتفسير السيد يوسف علي يؤكدان على أن نص آية الشبه يعني نفس
ما قاله الفكر الدوسيتي الغنوسي القائل بأن المسيح صلب ولم يصلب بدا لهم أنه يصلب
ولكن لأنه روح وشبح وخيال، إله فقط وليس له جسد إنسان لذا بدا لهم (
Appeared to them) أنه يصلب ” it
was only made to appear to them so

“!!!

 

وهكذا لم يأتِ
الدين الإسلاميّ بجديد حين رفض أهمّ العقائد المسيحيّة كالإيمان بالآب والابن
والروح القدس، والتجسّد الإلهيّ، وصلب السيّد المسيح. فقد ظهر عبر التاريخ
المسيحيّ، هنا وثمّة، الكثير من الهرطقات التي رفضت الإيمان المستقيم، فابتدعت لها
تعاليم مخالفة للإيمان الذي استودعه الرسل الكنيسة. سنعرض هنا لمسألة إنكار حقيقة
الصلب في الإسلام وما قبله لدى بعض البدع المسيحيّة.

 منذ
القرن الأوّل للمسيحيّة حارب القدّيس اغناطيوس الأنطاكي البدعة المسمّاة
ب”المشبّهة” الذين كانوا يعتقدون أنّ الربّ يسوع قد تألّم ظاهريّاً فقط.
فيؤكّد قدّيسنا حقيقة التجسّد والصلب والقيامة. كذلك يحارب القدّيس إيريناوس أسقف
ليون (202+) بدعة باسيليدس الذي كان يعتقد أنّ المسيح لم يُصلب، بل سمعان
القيروانيّ هو مَن صُلب مكانه. فيقول باسيليدس: “وسمعان هو الذي صُلب جهلاً
وخطأ، بعد أن تغيّرت هيأته فصار شبيهاً بيسوع، بينما تحوّل يسوع إلى هيئة
سمعان”…

 

 ثمّ
يأتي الدين الإسلاميّ فيرفض الصلب في آية واحدة من القرآن هي الآية 751 من سورة
النساء التي تقول: “وقولهم (أي اليهود) إنّا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول
الله، وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبِّه لهم. وإنّ الذين اختلفوا فيه لفي شكّ منه،
ما لهم به من علم إلاّ اتّباع الظنّ وما قتلوه يقيناً”. فنجد في الآية
القرآنيّة، للوهلة الأولى، ترداداً لألفاظ استعملها الهراطقة المسيحيّون ناكرو
الصليب، كلفظ “شبّه” و”ما قتلوه يقيناً”. من هنا، يسعنا القول
إنّ واضع القرآن، في هذه المسألة تحديداً، تبنّى تعاليم المسيحيّين المنحرفين عن
الإيمان القويم. والقرآن لا يورد تفاصيل في كيفيّة إنقاذ المسيح من الصلب، لذلك
سنعرض للروايات الرائجة في التراث الإسلاميّ حول خاتمة أمر المسيح.

 

 يورد
المفسّرون المشهورون ذوو الثقة لدى المسلمين روايات متناقضة في هذه المسألة يمكن
إيجازها في وجهين: الوجه الأوّل يحدّده فخر الدين الرازي (ت 1209) في تفسيره
“مفاتيح الغيب” بقوله: “إنّ اليهود لمّا قصدوا قتل المسيح، رفعه
الله تعالى إلى السماء. فخاف رؤساء اليهود من وقوع الفتنة من عوامّهم، فأخذوا
إنساناً وقتلوه وصلبوه ولبّسوا على الناس أنّه المسيح”. وحتّى تكتمل هذه
الرواية أضاف الرازي قائلاً إنّ الناس “ما كانوا يعرفون المسيح إلاّ بالاسم
لأنّه كان قليل المخالطة للناس”.

 

 أمّا
الوجه الثاني ففيه احتمالات أربعة، وأساسه أنّ الله ألقى شبه المسيح على إنسان آخر:

1)
إنّ اليهود لمّا علموا أنّ المسيح حاضر في أحد البيوت، دخل عليه رجل من أصحاب
يهوذا اسمه طيطايوس ليلقي القبض على يسوع. فلمّا دخل عليه أخرج الله عيسى من السقف
وألقى على ذلك الرجل شبه المسيح فظنّوه هو فصلبوه وقتلوه.

2)
وكّل اليهود بالمسيح رجلاً يراقبه، فألقى الله عليه شبه المسيح، فقتلوه وهو يصيح: “لستُ
بعيسى”.

3)
إنّ اليهود لمّا همّوا بأخذه وكان مع المسيح عشرة من “أصحابه”، فقال لهم:
مَن يشتري الجنّةَ بأن يلقى عليه شبهي؟ فقال واحد منهم (في بعض الروايات هو بطرس):
أنا. فألقى الله شبه عيسى عليه، فأُخرج وقُتل.

4)
كان رجل يدّعي أنّه من “أصحاب عيسى عليه السلام” (في بعض الروايات هو
يهوذا الإسخريوطيّ)، وكان منافقاً فذهب إلى اليهود ودلّهم عليه، فلمّا دخل معهم
لإلقاء القبض عليه، ألقى الله شبهه عليه فقُتل وصُلب. ويعترف الرازي بعد أن يعرض
لهذه الاحتمالات الأربعة أنّها “متعارضة متدافعة، والله أعلم بحقائق
الأمور”.

 

 تضارب
هذه الأخبار عن صلب المسيح يستمر عند الحديث عمّا حلّ بالمسيح بعد إنقاذه من الموت
صلباً، وبخاصّة مع ورود آية قرآنيّة تقول: “إذ قال الله يا عيسى إنّي متوفّيك
ورافعك إليّ” (آل عمران 3، 55). فمن المفسّرين مَن قال إنّ
“متوفّيك” تعني “مميتك حتف أنفك” أي بصورة طبيعيّة لا قتلاً.
والبعض الآخر اعتبر أنّ المقصود هو النوم، فتقول إحدى الروايات: إنّ الله تعالى
رفع عيسى إلى السماء وهو نائمٌ رفقاً به. وآخرون قالوا إنّ المعنى هو “أجعلك
كالمتوفّى”. وبعضهم لم يروا سوى المعنى الروحيّ لهذا التعبير، فقال الواسطيّ
إنّ المقصود “إنّي متوفّيك عن شهواتك”. وثمّة مَن قال إنّ الله توفّى
المسيح ثلاث ساعات أو سبع ساعات ثمّ أحياه ورفعه إلى السماء… غير أنّ البعض ممّن
يعتقد أنّ المسيح رُفع إلى السماء حيّاً وسوف يعود ثانيةً إلى الأرض ليموت، فاعتبر
أنّ ثمّة في الآية تقديماً وتأخيراً، أي أنّ المعنى يصبح “إنّي رافعك إليّ
ومتوفّيك بعد إنزالي إيّاك في الدنيا”.

 

 لذلك،
يبدو جليّاً عدم وضوح القرآن واختلاف التفاسير الإسلاميّة وتناقضها في مسألة
جوهريّة من مسائل العقيدة المسيحيّة التي لا تستقيم من دونها مسيحيّة المؤمن. لكنّ
ذلك يدفعنا، نحن المسيحيّين، إلى التوبة أكثر من حيث إنّنا كثيراً ما نهمل معاني
الصليب في حياتنا اليوميّة. نؤمن بحقيقة صلب الربّ يسوع وقيامته عقائديّاً، ونرفع
الصليب في كنائسنا ومنازلنا ونزيّن به صدورنا. مع ذلك، يبقى السؤال مطروحاً: كم
مرّة يجحد المسيحيّ صليبه الذي دعاه المسيح إلى حمله بين شروق شمس كلّ يوم
وغروبها؟

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى