بدع وهرطقات

بدعة سابيليوس والرد عليها



بدعة سابيليوس والرد عليها

بدعة
سابيليوس والرد عليها

الأنبا
بيشوى

 

ثالثاً: بدعة سابيليوس والرد عليها

تم الحكم على بدعة سابيليوس فى مجمع القسطنطينية
المسكونى الثانى عام 381م.

اعتقد
سابيليوس بأن الله هو أقنوم واحد وليس ثلاثة أقانيم، أى أقنوم واحد بثلاثة أسماء. وأن
هذا الأقنوم حينما خلقنا فهو الآب، وحينما خلّصنا فهو الابن، وحينما قدسنا فهو
الروح القدس.
ولذلك نحن لا نميل إلى عبارة: “الآب خالقنا،
والابن مخلّصنا، والروح القدس مقدّسنا” بالرغم من أنها ليست خطأ.

نحن
لا ننكر أن الآب خالق، وأن الابن هو مخلّص، وأن الروح القدس يقدّس فى الأسرار الإلهية
(أى فى أسرار الكنيسة). ولكن هذه العبارة قد تعطى انطباعاً بأن ما يقوله سابيليوس
هو صحيح. أو كأن الخالق هو الآب وحده، بدون الابن والروح القدس، وأن الابن هو
المخلص وحده بدون الآب والروح القدس، وأن الروح القدس هو المقدس وحده بدون الآب
والابن.

 

العمل
الواحد للأقانيم الثلاثة والدور المتمايز لكل أقنوم:

 أ)
الخلق

نحن
نؤمن أن الثالوث القدوس هو الخالق، وأن الأقانيم الثلاثة يعملون معاً مع تمايز دور
كل أقنوم فى عملهم الواحد.
فالسيد المسيح يقول “مهما عمل ذاك
(أى الآب) فهذا يعمله الابن كذلك” (يو5: 19). ومثلما قيل فى المزمور
“بكلمة
الرب صنعت السماوات وبنسمة فيه كل جنودها” (مز33: 6) وهذا معناه أن الآب قد
خلق السماوات ومن فيها بكلمته وبروحه القدوس. وفى سفر التكوين كُتِب “فى
البدء خلق الله السموات والأرض، وكانت الأرض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة وروح
الله يرف على وجه المياه. وقال الله ليكن نور فكان نور” (تك 1: 1- 3). ويلاحظ
اشتراك الروح القدس والكلمة مع الآب فى خلق السماوات والأرض فى اليوم الأول للخلق،
وبالتالى باقى أيام الخليقة الستة.

ومعلوم
طبعاً أن الله الكلمة الابن الوحيد قد كُتب عنه “كل شىء به كان وبغيره لم يكن
شىء مما كان” (يو1: 3). وقيل عنه أيضاً: “فإنه فيه خلق الكل ما فى
السماوات وما على الأرض، ما يرى وما لا يرى سواء كان عروشاً أم سيادات أم رياسات
أم سلاطين، الكل به وله قد خلق الذى هو قبل كل شىء وفيه يقوم الكل” (كو 1:
16، 17). فقد ورد فى الأسفار المقدسة الكثير مما يثبت أن الابن هو خالق أيضاً مثل
الآب. وكما نقول فى القداس الغريغورى: “المساوى والجليس والخالق الشريك مع
الآب” والمقصود بعبارة “الخالق الشريك” هو اشتراك الابن مع الآب فى
الخلق.

وورد
فى سفر أيوب: “روح الله صنعنى ونسمه القدير أحيتنى” (أى33: 4). وقد جاء
ذلك على لسان أليهو بن برخائيل الذى تكلم الكلام الصحيح بعد أن أخطأ أصحاب أيوب
الثلاثة فى كلامهم، وأجابهم أيوب بكلام لم يرض الله عنه، كما لم يرض عن كلامهم، فصحح
أليهو للجميع فى النهاية بكلام قبله الله ولم يعترض عليه.
[1] وأيضاً ورد فى نفس السفر: “ولكن فى الناس
روحاً ونسمة القدير تعقّلهم” (أى32: 8). وهذه الأقوال تعنى أن الروح القدس
خلق الإنسان ومنحه الحياة وخلق فيه الروح العاقل
لأنه يقول “نسمة القدير
تعقلهم”.

 

ونحن
نقول عن الروح القدس فى قانون الايمان أنه “الرب المحيى”. ونقول فى صلاة
الساعة الثالثة أنه “كنز الصالحات معطى الحياة” (القطعة الرابعة). إذن
نحن نؤمن أن الروح القدس هو الذى يمنح الحياة للكائنات الحية. فهو مانح الحياة
ورازق الحياة ومعطى الحياة.

 

ب)
الخلاص:

أما بالنسبة للخلاص فإن الخلاص ليس هو عمل
الابن وحده، بل هو عمل الأقانيم الثلاثة، وإن كان كل أقنوم له دور متمايز عن الآخر
فى عمل الخلاص. وقال معلمنا بولس الرسول فى رسالته إلى العبرانيين “المسيح
الذى بروح أزلى قدَّم نفسه لله بلا عيب” (عب 9: 14). أ
ى أن الابن قدَّم
نفسه ذبيحة لله الآب بالروح القدس. وبهذا نرى أن الله الآب كان ” فى
المسيح مصالحاً العالم لنفسه” (2كو5: 19). وفى ألحان الكنيسة وتسابيحها
وصلواتها نقول عن الابن المتجسد “هذا الذى أصعد ذاته ذبيحة مقبولة على الصليب
عن خلاص جنسنا، فاشتّمه أبوه الصالح وقت المساء على الجلجثة”
(لحن
(Vai etaf enf

 

ج) عند نهر الأردن:

وفى
نهر الأردن كان الابن فى المياه يؤسس المعمودية المقدسة، والآب إذ انفتحت
السموات يقول “هذا هو ابنى الحبيب الذى به سررت” (مت3: 17)، والروح
القدس آتياً ومستقراً على الابن المتجسد بهيئة جسمية مثل حمامة.

 

د)
التجسد:

وفى
التجسد كوَّن الروح القدس ناسوتاً للابن ليتحد به اتحاداً أقنومياً (أى اتحاد لاهوت
الابن بناسوته) فى نفس لحظة تكوين ناسوت الابن. كما قدّس مستودع العذراء مريم.

 

وقال
الابن فى المزمور الأربعين واقتبسها أيضاً القديس بولس الرسول فى رسالته إلى
العبرانيين “ذبيحة وقرباناً لم تُرِد ولكن هيأت لى جسداً. بمحرقات
وذبائح للخطية لم تسر. ثم قلت هأنذا أجيئ فى درج الكتاب مكتوب عنى لأفعل مشيئتك يا
الله” (عب10: 5
7).
وقد اقتبس القديس بولس هذا النص من الترجمة السبعينية
Septuagint.

 

الابن
هنا يقول للآب إنك لم تسر بذبائح العهد القديم، وقد جئت لأصنع مشيئتك وأقدم جسدى
ذبيحة مقبولة تسر أنت بها، وأنت الذى هيأت لى هذا الجسد (مقصود طبعاً الناسوت
الكامل جسداً وروحاً عاقلاً). وهنا نلاحظ أن تكوين جسد يسوع منسوب إلى الآب وليس
إلى الروح القدس وحده، وأيضاً قيل أن “الذى حبل به فيها هو من الروح القدس”
(مت1: 20). فهل الروح القدس هو الذى هيأ الجسد أم الآب؟ لا نستطيع أن نفصل. إن الروح
القدس هو الذى كوّن الناسوت بما فى ذلك الجسد فى بطن العذراء، ولكنه كوّنه بقدرةٍ إلهية
هى من الآب بالابن فى الروح القدس كما قال الآباء.

ولذلك
قال القديس كيرلس الكبير إن الله الكلمة قد كون لنفسه ناسوتاً من بطن
العذراء مريم بواسطة الروح القدس
[2] وهذا يتفق تماماً مع ما أوردناه، ويتفق أيضاً مع
ما قاله السيد المسيح أن كل ما يعمله الآب يعمله الابن أيضاً “لأن مهما عمل
ذاك فهذا يعمله الابن كذلك” (يو5: 19). وقال أيضاً “أبى يعمل حتى الآن
وأنا أعمل” (يو5: 17).

 

شهود
يهوه مثلاً يركّزون على الآية التى تقول “لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه
شيئاً إلا ما ينظر الآب يعمل” (يو 5: 19) فنرد عليهم بقولنا إن الابن لا يعمل
من ذاته لأنه لا يعمل فى استقلال عن الآب. فكل ما يعمله الآب يعمله الابن
وأيضاً الروح القدس لكن مع تمايز الأدوار فى العمل الإلهى الواحد للثالوث. العمل
واحد والأدوار متمايزة.

ه)
الجلجثة:

مثلاً
فى الجلجثة الابن كان يقدم نفسه للآب، فكان لابد أن يشتَّم الآب هذه الذبيحة رائحة
سرور ورضا ويتنسم نسيم رائحة طيبة ذبيحة مقبولة (كما قال بولس الرسول لأهل فيلبى
عن التقدمات التى قدموها له). لو غاب الآب عن المشهد، فمن الذى يقدم الابن نفسه
له؟

 

لتقريب
المفهوم نقول أن الآب هنا أخذ دور الديان بأنه هو الذى يأخذ للعدل الإلهى حقه، مع
أن العدل الإلهى هو فى الآب والابن والروح القدس، لكن لكى ينفع العمل لابد أن يأخذ
واحد دور الذبيح أو الشفيع والآخر يأخذ دور الديان الذى يتقبل الذبيحة كترضية
للعدل الإلهى. هنا العمل واحد وهو الخلاص، لكن للآب دور لا يستطيع أن يغيب عنه
وكذلك الابن وأيضاً الروح القدس. ومن خلال الطقس تشرح لنا الكنيسة هذه العقيدة
ببساطة وبطريقة محببة وسهلة الاستيعاب، فنقول فى اللحن “هذا الذى أصعد ذاته
ذبيحة مقبولة على الصليب عن خلاص جنسنا فاشتمه أبوه الصالح وقت المساء على
الجلجثة”.

 

 و)
الحياة والعطايا:

كل
شئ فى الوجود هو من الآب بالابن فى الروح القدس حتى الحياة نفسها. صحيح أن الروح
القدس هو مانح الحياة لكن الحياة أصلها فى الآب، كما قال الآباء أن كل عطية وكل
طاقة أصلها فى الآب وتتحقق من خلال الابن فى الروح القدس أو بواسطته. الجوهر واحد
وتخرج منه طاقة وقدرة، وهى لا تخرج من الآب وحده أو الابن وحده ولا الروح القدس
وحده. هى صادرة من الثالوث لكن كل أقنوم يؤدى دور معين حتى تتحقق هذه القدرة.

 

أقوال
للآباء:

وإليك
بعض أقوال الآباء فى أن كل عطية وكل طاقة أصلها فى الآب تتحقق خلال الابن فى الروح
القدس.

…      القديس
غريغوريوس
أسقف نيصص: “كل عملية تأتى من الله إلى الخليقة، وتسمى
بحسب فهمنا المتنوع لها. لها أصلها من الآب وتأتى إلينا من خلال الابن وتكتمل فى
الروح القدس”.
[3]

…             
القديس أثناسيوس: “الآب
يخلق كل الأشياء من خلال الكلمة فى الروح القدس”
[4]

…             
وأيضاً القديس أثناسيوس “الآب يفعل كل
الأشياء من خلال الكلمة فى الروح القدس”
[5]

…     
وكذلك قال القديس أثناسيوس: “من الواضح أن
الروح (القدس) ليس مخلوقاً، ولكنه يشترك (له دوره) فى عملية الخلق. لأن الآب يخلق
كل الأشياء من خلال الكلمة فى الروح (القدس)؛ لأنه حيثما يوجد الكلمة، فهناك الروح
أيضاً، والأشياء التى خلقت من خلال الكلمة تأخذ قوتها الحيوية (خارجة) من الروح من
الكلمة. لذلك كُتب فى المزمور الثانى والثلاثون “بكلمة الرب صنعت السموات
وبنسمة فيه كل قواتها”.
[6]

 

لقب
المخلص:

الخلاص
هو عمل ثالوثى
أما التسمير على الصليب فهو دور الابن، وفى المقابل كان
للآب دور مرافق أو مشارك فى نفس العمل وهو قبول الذبيحة التى قدم الابن بها نفسه.
والابن قدم نفسه ذبيحة بالروح القدس. ولعل الروح القدس كانت ترمز إليه النار
الإلهية التى تنزل من السماء وتلتهم الذبائح التى كانت تقدم على المذبح فى العهد
القديم. فهو النار الإلهية التى تُصعد الذبيحة.

 

وقد
ورد فى رسالة معلمنا بولس الرسول لتلميذه تيطس ما يؤكد أن الآب له لقب المخلص
كما أن الابن له لقب المخلص
فقالولكن حين ظهر لطف مخلصنا
الله
وإحسانه لا بأعمال فى بر عملناها نحن بل بمقتضى رحمته خلصنا بغُسل
الميلاد الثانى وتجديد الروح القدس الذى سكبه بغنىً علينا بيسوع المسيح مخلصنا
(تى3: 4-6). هنا معلمنا بولس الرسول يلَّقب كل من الآب والابن بلقب
“مخلصنا”. فالآب سكب الروح القدس بغنى علينا باستحقاقات الخلاص التى
تممها يسوع المسيح. فعبارة “مخلصنا الله” فى هذه الآية لا يمكن أن تكون
إلا على الله الآب الذى سكب الروح القدس بيسوع المسيح. ولا يستقيم الكلام هنا إن
إفترضنا أن عبارة “حين ظهر لطف مخلصنا الله” تعود على الابن لأنه لا
يقال عن الابن أنه قد سكب الروح القدس علينا بيسوع المسيح وكأن الابن هو الفاعل
والمفعول فى آنٍ واحد. كما لا يستقيم الكلام إن إفترضنا أن “مخلصنا
الله” تعود على الروح القدس لأنه يكمل بقوله “الروح القدس الذى سكبه
علينا”.
[7]

 

هرطقة
الأقنوم الواحد وعبارة “الله محبة”:

إذن
لا يمكننا أن نقبل هرطقة سابيليوس التى تقول بالأقنوم الواحد لأن الديانة المسيحية
مؤسسة على أن “الله محبة. ومن يثبت فى المحبة يثبت فى الله والله فيه” (1يو
4: 16). وقيل أيضاً “من لا يحب لم يعرف الله لأن الله محبة” (1يو 4: 8).

إن
الله محبة، فالمحبة هى صفة جوهرية فى الله، ولابد أن يمارسها ممارسة حقيقية قبل أن
يخلق الخليقة. ولا يمكن أن نتصور الجوهر الإلهى بدون هذه الصفة! ونظراً لأن وجود
الجوهر الإلهى لا يتوقف على وجود الخليقة وإلا كانت الخليقة هى جزءً من الله، أو
هى الله، وهذا مستحيل
[8]، إذن فالحب هو فى الله قبل كل الدهور وقبل أن توجد الخليقة، ولا يمكن
أن يوجد الحب دون أن توجد الأقانيم التى تتبادل هذا الحب.

والحب
الثالوثى غير المحدود، هو كمال المحبة المطلقة. لهذا قال السيد المسيح قبل صلبه للآب
“لأنك أحببتنى قبل إنشاء العالم” (يو17: 24). وقال أيضاً عن تلاميذه:
“وعرَّفتهم اسمك وسأعرفهم ليكون فيهم الحب الذى أحببتنى به وأكون أنا
فيهم” (يو 17: 26). إذن فرسالة السيد المسيح كانت تهدف إلى مصالحة الإنسان مع
الله بالفداء لكى يتمكن من التمتع بهذا الحب الذى تتبادله الأقانيم قبل كون
الخليقة. ولا يمكن أن يُفهم الله فهماً حقيقياً إلا من خلال هذا المنظور.

 

فعقيدة
سابيليوس تؤدى إلى انهيار الديانة المسيحية
. لأن معناها أن الله إذا
أحب قبل أن يخلق الخليقة فإنه سوف يحب ذاته وهذه أنانية نربأ بها عن الله. وقد صدق
أحد الفلاسفة المسيحيون الفرنسيون حينما قال: “أن نحب معناها أن نوجد
وأن نوجد معناها أن نحب” أى أن الوجود بدون المحبة يفقد
قيمته ومعناه.

 

الأقنوم
كائن حقيقى له إرادة:

ومن
أخطر الأمور فى هرطقة سابيليوس أنه يحوِّل الأقانيم إلى مجرد أسماء. ولكن الأقنوم
هو كائن حقيقى
مثلما نقول للابن فى القداس الغريغورى: “أيها الكائن
الذى كان.. والمساوى والجليس مع الآب”. ويقول القديس يوحنا فى إنجيله “وحيد
الجنس الإله الذى هو فى حضن الآب هو خبَّر” (يو1: 18). فكيف يُدعى الابن
الوحيد الجنس وأنه فى حضن الآب ويكون – حسب رأى سابيليوس- هو مجرد اسم من أسماء
الآب أو حتى صفة من صفاته؟!! أنه أقنوم حقيقى يتمايز بخاصية البنوة وله شخصيته
الخاصة به، ولكنه واحد مع الآب فى الطبيعة والجوهر، وواحد معه فى الربوبية والملك
والمجد والقدرة.

كل
أقنوم يحب الأقنومين الآخرين بحرية مطلقة، ولكن أيضاً فى وحدانية مطلقة. ولهذا فالأقانيم
لها إرادة واحدة من حيث النوع، وثلاث إرادات من حيث العدد. بمعنى أن كل أقنوم له إرادة
ويحب بحرية الأقنومين الآخرين، لكن هذه الإرادة غير منفصلة فى طبيعتها عن
إرادة الأقنومين الآخرين، لأن نوع الإرادة واحد ويجمعهم جوهر واحد وطبيعة إلهية
واحدة. فما يقرره الآب يقرره الابن ويقرره الروح القدس بالطبيعة.

وبإلغاء
سابيليوس لأقنومية الابن وأقنومية الروح القدس تنهار عقيدة الفداء فى المسيحية، لأن
الابن قدّم نفسه ذبيحة مقبولة لأبيه السماوى، فكيف يقدم نفسه لنفسه ويتم الفداء؟!َ!
وكيف يخاطب أحدهما الآخر مثلما قال السيد المسيح: “أيها الآب قد أتت الساعة. مجّد
ابنك ليمجدك ابنك أيضاً” (يو17: 1) كما أن الآب قد قال سابقاً رداً على قول
الابن “أيها الآب مجّد إسمك” (يو12: 28) “مجّدت وأمجد أيضاً”
(يو12: 28). كيف يخاطب أحداهما الآخر إن كان أقنوم الآب هو أقنوم الابن وكيف يرد
عليه؟!! إن هذا التعليم السابيلى (أى تعليم سابيليوس) يتجاهل كثير من آيات وأحداث
الكتب المقدسة فى العهدين القديم والجديد.

 

إدانة
سابيليوس:

وقد
حرم مجمع القسطنطينية هرطقة سابيليوس الذى عاش فى زمن سابق لتاريخ انعقاد المجمع
(أما مقدونيوس فكان هو بطريرك القسطنطينية وقت انعقاد المجمع). أى أن سابيليوس حُرم
بواسطة المجمع بعد وفاته، لأن تعاليمه كانت هرطوقية، وقد مات وهو يعلِّم بها،
فلهذا حرمته الكنيسة هو وتعليمه. مثلما حُرم كل من ثيئودور الموبسويستى (معلم
نسطور) وديودور الطرسوسى بعد وفاتهما وذلك فى مجمع القسطنطينية الثانى 553م التالى
لمجمع خلقيدونية (كما حرمتهما كنيستنا أيضاً قبل ذلك التاريخ).

قد
اعترض البعض على حرم أحد بعد وفاته، ولكن حرم الآباء فى مجمع القسطنطينية
لسابيليوس بعد وفاته دليل على صحة هذا الإجراء. إنها هرطقات وقد مات أصحابها وهم
يعلّمون بها.

 

وكان
أبوليناريوس قد أدين قبل المجمع المسكونى فى القسطنطينية 381م فى عدة مجامع مكانية:
فى روما 377م، وفى الإسكندرية 378م، وفى أنطاكية 379م. هذه المجامع أدانت هرطقة
أبوليناريوس ثم أدين فى المجمع المسكونى الثانى الذى انعقد فى القسطنطينية 381م.
وكان هو أسقف لاودكية وتوفى سنة 390م (أى عاش بعد المجمع تسع سنوات) ولاودكية هى
مدينة اللاذقية اليوم فى سوريا.



6 ملحوظة: نحن لا نستطيع أن
نقتبس كل الآيات التى وردت فى سفر أيوب ونستند عليها فمثلاً الأقوال التى قالها
أصحاب أيوب الثلاثة لم ترض الله وكلام أيوب وبخه الله عليه لكنه قال لأصحاب أيوب
الثلاثة أن يطلبوا من أيوب أن يصلى لأجلهم لأنهم قالوا كلام غير مقبول فرفضه الله كما
رفض رد أيوب عليهم لكنه لم يرفض كلام أليهو بن برخائيل لأنه تكلم بكلام حكمة. لكن
أيوب قدم عذراً لله وقبل الله الكلام الذى قاله أيوب فى اعتذاره. لذلك يمكن اقتباس
حِكم بشرية من سفر أيوب من بداية (أى3: 1) حينما فتح أيوب فاه وسب يومه وحتى (أى32
: 1) هذه الأقوال ليست أقوالاً إلهية لأنها تحكى عن
أحداث حدثت
بالفعل بما فيها من كلام لا يعتبر أقوالاً إلهية، وتفاصيل وأقوال لم يقبلها الله
كأنها أقوال إلهية، ويمكن أن نقول عنها أنها أحياناً تحوى حِكم بشرية سجلها الوحى
الإلهى لمنفعتنا. أما الجزء الذى يلى (أى 32: 2) وحتى نهاية السفر فيعتبر كلام
الله والبعض منه كلام من الله مباشرةً. أما الأقوال التى وردت فى الأجزاء الأخرى
فمجرد أن الوحى أوحى إلى الكاتب أن يكتبها لأنها أحداث تمت بالفعل. كما قال الله
لموسى أكتب أن الحية قالت لحواء “لن تموتا” فهذا ليس قولاً إلهياً بل
قول للشيطان لكن الوحى أوحى إلى موسى بكتابته. ويعتبر هذا ذكر لواقعة تمت وليس
قولاً نقتبسه ونظنه قولاً إلهياً.  مثال آخر حينما كان اليهود يتكلمون مع السيد
المسيح بكلام غير صحيح وكان السيد المسيح يرد عليهم فليس من الصواب أن نقتبس نصاً
من أقوال اليهود وننسبه إلى الله.
أما عبارة “روح الله صنعنى ونسمة
القدير أحيتنى” فهى فى الاصحاح 33 فى الكلام المقبول ويعتبر مثل المزامير
وباقى أسفار الكتاب وما قيل فيها من أقوال مقدسة تعبر عن فكر الله.
 

[3]
N. & P.N. Fathers, series 2, Vol. V, Gregory of Nyssa, Eerdmans Pub. 1978, 
p. 334

[4] Shapland, Concerning The Holy Spirit, 3rd
letter to Serapion, chapter 5, 174-175

[5]Shapland,
Concerning The Holy Spirit, 3rd letter to Serapion, chapter
28, 134-135

[6]
Stanely M. Burgess, The Spirit & the Church: Antiquity, Hendricksons
Publishers- P.118

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى