بدع وهرطقات

بدعة مقدونيوس بطريرك القسطنطينية والرد عليها



بدعة مقدونيوس بطريرك القسطنطينية والرد عليها

بدعة
مقدونيوس بطريرك القسطنطينية والرد عليها

الأنبا
بيشوى

 

مجمع
القسطنطينية سنة 381م

مقدمة:

انعقد هذا المجمع فى مدينة القسطنطينية فى سنة
381م لمقاومة بدعة مقدونيوس وبدعة أبوليناريوس وبدعة سابيليوس، بدعوة من الإمبراطور
ثيؤدوسيوس الكبير (الذى يلقّب باسم الملك الأرثوذكسى).

 

أولاً:
بدعة مقدونيوس بطريرك القسطنطينية

والرد عليها

أنكر
“مقدونيوس”، الذى كان بطريركاً للقسطنطينية والذى بسببه انعقد المجمع
المسكونى هناك، ألوهية الروح القدس ولكنه لم ينكر ألوهية السيد المسيح. وحُكم عليه
وعلى تعليمه الهرطوقى فى المجمع المسكونى الثانى بالقسطنطينية 381م.

 

كان
مقدونيوس قد استند إلى ما ورد فى إنجيل يوحنا فى قول السيد المسيح عن الروح القدس
“لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية” (يو
16: 13) “ذاك يمجدنى لأنه يأخذ مما لى ويخبركم” (يو 16: 14). فقال مقدونيوس
إن الروح القدس أقل من الابن لأنه يأخذ مما للابن (يو 16: 14،15)، ولأنه لا يتكلم
من نفسه (يو16: 13)، ولأنه يشهد للابن بناءً على ما قاله السيد المسيح: “ومتى
جاء المعزى الذى سأرسله أنا إليكم.. فهو يشهد لى” (يو 15: 26). وأيضاً لأنه يُرسل
من الآب ومن الابن.

يُرسَل
من الآب
:
“وأما المعزى الروح القدس الذى سيرسله الآب باسمى فهو يعلمكم كل شىء”
(يو 14: 26).

ويُرسَل
من الابن
:
“ومتى جاء المعزى الذى سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق” (يو 15: 26).

 

لقد
نسى هذا المسكين أن الابن أيضاً قال عنه الوحى الإلهى: “لا يقدر الابن أن
يعمل من نفسه شيئاً إلا ما ينظر الآب يعمل” (يو 5: 19). فهذا المسكين لو قرأ
هذه الآية بتمعن لما اعتبر أن عبارة أن الروح القدس “لا يتكلم من نفسه” تؤدى
إلى إقلال شأن الروح القدس عن الابن. كما أن كون الابن لا يعمل من نفسه شيئاً لا
تقلل الابن عن الآب. فإذا اتبعنا هذه القاعدة التى اتبعها مقدونيوس لأنكرنا ألوهية
الابن أيضاً لأنه قال أنه “لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئاً إلا ما ينظر
الآب يعمل” (يو 5: 19).

إن
كلاً من العبارتين معناها أن أقنوم الابن وأقنوم الروح القدس لا يعمل الواحد منهما
منفصلاً عن الأقنومين الآخرين. فلا الابن يعمل منفصلاً عن الآب والروح القدس، ولا
الروح القدس يعمل منفصلاً عن الابن والآب.

 

لأنه
كما قال الآباء مثل القديس اثناسيوس: “الآب يفعل كل الأشياء من خلال
الكلمة فى الروح القدس” (من الرسالة الأولى إلى سيرابيون فصل 28 عن الروح
القدس). وقد كرر القديس أثناسيوس هذا المعنى فى رسالته الثالثة إلى سيرابيون الفصل
الخامس أيضاً فى مقاله عن الروح القدس، كما وردت فى مواضع أخرى من تعليمه.

 

ومثله
قال القديس غريغوريوس أسقف نيصص: “كل عملية تأتى من الله إلى الخليقة
بحسب فهمنا المتنوع لها (نسميها طاقة أو قدرة أو خلاص أو هبة أو موهبة أو عطية…
إلخ)، لها أصلها من الآب وتأتى إلينا من خلال الابن وتكتمل فى الروح القدس.”
[1]

 

إن
وحدانية الآب والابن التى قال عنها السيد المسيح أنه هو والآب واحد (انظر يو 10:
30) هى السبب فى أنه لا يقدر أن يعمل من نفسه شيئاً، لأن قدرة واحدة هى للآب
والابن والروح القدس.

وقد
شرح القديس يوحنا ذهبى الفم خطأ تعليم مقدونيوس، فى شرح عبارة أن الروح
القدس لا يتكلم من نفسه، كما يلى:

أولاً:
إن
الله حينما أراد أن يقيم سبعين شيخاً لمعاونة موسى النبى فى رعاية شعب إسرائيل قال
الرب لموسى “آخذ من الروح الذى عليك وأضع عليهم” (عدد 11: 17) فهل كان
الله أقل من موسى النبى.. حاشا؟! وهل الله يستدين (يستلف) من موسى الروح القدس أى
مواهبه. إن السبب فى ذلك طبعاً، وبدون أى جدال ويستد كل فم، أن الله أراد أن يثبت
للشيوخ السبعين أنهم يعاونون موسى ولا ينفصلون عنه، بل يعملون فى انسجام ووحدانية،
لكى لا يحدث انقسام فى الجماعة.

 

هكذا
أيضاً الروح القدس يأخذ مما للسيد المسيح ويخبرنا ليس لأنه أقل من الابن، كما إدّعى
مقدونيوس، بل لكى يؤكد أن المسيح هو رأس الكنيسة. وتكون العطايا والمواهب التى
تمنح لنا هى من خلال السيد المسيح، ونكون نحن أعضاء فى جسده الواحد. فالروح القدس
كما أنه هو روح الآب فهو أيضاً روح الابن أو روح المسيح كما هو مكتوب.

 

ثانياً:
الروح
القدس يأخذ مما للمسيح ويخبرنا، لأن أى إنسان يستطيع أن يدّعى أن الروح
القدس يحل عليه، وأنه يأخذ وحياً من الروح القدس. والقديس يوحنا الرسول يقول
“لا تصدقوا كل روح بل امتحنوا الأرواح هل هى من الله لأن أنبياء كذبة كثيرين
قد خرجوا إلى العالم. بهذا تعرفون روح الله.كل روح يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء
فى الجسد فهو من الله” (1يو 4: 1-2). ونظراً لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا
إلى العالم فكيف نعرف الروح القدس الحقيقى (أى روح الله) إلا إذا كان لا يتكلم من
نفسه، أى أنه يشهد للمسيح ولا يشهد له فقط بل يشهد الشهادة الحقيقية، أن المسيح هو
الابن المولود من الآب قبل كل الدهور. كما قال القديس يوحنا الإنجيلى فى نفس الرسالة:
“ونعلم أن ابن الله قد جاء وأعطانا بصيرة لنعرف الحق. ونحن فى الحق فى ابنه
يسوع المسيح. هذا هو الإله الحق والحياة الأبدية” (1يو5: 20) فالروح الذى
يشهد لألوهية السيد المسيح ولتجسده من أجل خلاص العالم تكون شهادته هى شهادة حق.

 

وهنا
تكمن خطورة شديدة جداً لو تجاهلنا هذه الحقيقة. لأن إلين هوايت، النبية المزعومة
للأدفنتست السبتيين غير المسيحيين، كانت تزعم أن الروح القدس هو الذى يوحى إليها
بكل التعاليم الفاسدة المضادة للمسيحية الحقيقية. وأى نبى كاذب يدّعى أن الروح
القدس هو الذى يعطيه الوحى فيما يقول ويكتب. كما ادّعت إلين هوايت أيضاً أن الملائكة
كانت تظهر لها أحياناً فى الثالثة فجراً لتمليها ما تكتب، أى ليس الروح القدس
مباشرةً بل عن طريق الملائكة، لكنها تدّعى أيضاً أن هؤلاء الملائكة مكلفين من
الله.

 

من
المعروف أن أنبياء كثيرين خرجوا إلى العالم وأن أى منهم قد يدّعى أن الروح القدس
هو الذى يملى عليه ما قاله وما علّم به. فكيف نعرف إلا إذا كان الروح القدس
الحقيقى له مواصفات.

 

هذه
هى الأسباب التى جعلت السيد المسيح يعطى تعريفاً محدداً للروح القدس حينما قال:
“ذاك يمجدنى لأنه يأخذ مما لى ويخبركم. كل ما للآب هو لى. لهذا قلت إنه يأخذ
مما لى ويخبركم” (يو 16: 14،15). إذن فهو لا يأخذ فقط مما للابن ويخبرنا بل
ويأخذ أيضاً مما للآب ويخبرنا، لأن كل ما للآب هو للابن، لذلك أكمل السيد المسيح
قوله وقال: “لهذا قلت أنه يأخذ مما لى ويخبركم”.

 

ألوهية الروح القدس:

أما
عن ألوهية الروح القدس فكما أوردنا سابقاً من سفر أيوب “روح الله صنعنى ونسمة
القدير أحيتنى” (أى 33: 4) فهو الإله الخالق. وقيل فى المزمور “أين أذهب
من روحك ومن وجهك أين أهرب. إن صعدت إلى السموات فأنت هناك. وإن فرشت فى الهاوية
فها أنت. إن أخذت جناحى الصبح وسكنت فى أقاصى البحر فهناك أيضاً تهدينى يدك
وتمسكنى يمينك” (مز 139: 7-10). وهذا يثبت أن الروح القدس حاضر فى كل مكان،
ويثبت ألوهية الروح القدس.

 

كما
أن القديس بطرس فى حواره مع حنانيا وسفيرة قد اعتبر أن من يكذب على الروح القدس
يكذب على الله (انظر أع 5: 4)، لأن الروح القدس هو الله، كما أن الآب هو الله
والابن هو الله من حيث الجوهر.

الابن
هو ابن الله من حيث الأقنوم. فإن قلنا أنه الله نقصد من حيث الجوهر وإن قلنا أنه
ابن الله نقصد وضعه الأقنومى. وهكذا أيضاً الآب من حيث الجوهر هو الله ومن حيث
الأقنوم هو الآب، لذلك قال معلمنا بولس الرسول عن الآب فى أكثر من موضع “الله
وأبينا” (أنظر غل 1: 4، فى 4: 20) فالله وأبينا هو واحد.

أما
عن أقنومية الروح القدس فقد قال السيد المسيح “ومتى جاء المعزى الذى سأرسله
أنا إليكم من الآب” (يو 15: 26). معنى ذلك أن الروح القدس ليس هو الابن. وقال
كذلك “أنا أطلب من الآب فيعطيكم معزياً آخر ليمكث معكم إلى الأبد. روح الحق”
(يو 14: 16، 17). فكلمة “آخر” هنا لا تعنى انفصاله عن الآب أو عن الابن
بل تعنى أن له شخصيته الخاصة المتمايزة. إذن الروح القدس ليس طاقةً أو قوة، كما
يدّعى شهود يهوه، بل هو شخص حقيقى يتكلم ويسمع وله ضمير الملكية. فهو أقنوم إلهى
واحد فى الجوهر مع الآب والابن
.

 
“قال الروح
القدس أفرزوا لى برنابا وشاول للعمل الذى دعوتهما إليه” (أع 13: 2). وعبارة
“افرزوا
لى
تشير إلى شخصية الروح القدس أنه صاحب ضمير الملكية. وليس هذا فقط بل قال السيد
المسيح “
ذاك
يمجدنى” (يو16: 14)، وكلمة ذاك تقال عن شخص أو أقنوم وليس عن قوة أو طاقة. وقال
عنه أيضاً “متى جاء
ذاك روح الحق” (يو16: 13). فقال السيد المسيح عنه:
“ذاك”، وقال عنه “جاء” وقال عنه “يتكلم” وقال عنه
“ما يسمع يتكلم به” وقال عنه “يأخذ” وقال عنه “يخبر”
وقال عنه “يشهد”.

 

كل
هذه الأشياء التى قيلت عن الروح القدس تدل على أقنوميته. فكما أن الابن له شخصيته
الحقيقية التى أدركناها حينما جاء لخلاص العالم، فالروح القدس أيضاً له شخصيته
الحقيقة التى أدركناها حينما جاء ليقود الكنيسة ويشهد للمسيح ويعمل فى الأسرار.

 

وبهذا
نكون قد أثبتنا من خلال تعليم الآباء استنادًا إلى الكتب المقدسة أن الروح
القدس مساوى للآب والابن فى الجوهر وأنه أقنوم حقيقى له شخصيته المتمايزة. أثبتنا
ألوهيته وفساد تعليم مقدونيوس، الذى حرمه المجمع المسكونى الثانى المنعقد فى
القسطنطينية عام 381م، وحضره البابا تيموثاوس الأول بابا الإسكندرية (22). وعُزل
مقدونيوس من رتبته كبطريرك للقسطنطينية.

 

وقد
حُرم مقدونيوس هو وهرطقته من فم الكنيسة الجامعة، لذلك فى صلاة التحليل فى القداس
الإلهى نأخذ الحل من فم المائة والخمسين المجتمعين فى القسطنطينية على أساس رفضنا
لتعليم كل من مقدونيوس وأبوليناريوس وسابيليوس الذين حرمهم الآباء المجتمعين فى
هذا المجمع.



[1]
N. & P.N. Fathers, series 2, Vol. V, Gregory of Nyssa, Eerdmans Pub. 1978, 
p. 334

 

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى