اللاهوت الروحي

الصلاة فى تعاليم مار إسحق السريانى



الصلاة فى تعاليم مار إسحق السريانى

الصلاة فى تعاليم مار إسحق
السريانى

الراهب
كاراس المحرَّقيّ

الفهرس

مقدمة

مقالات ذات صلة

الفصل الأول: ما هى الصلاة؟ ضرورتها

الفصل الثاني: أهداف الصلاة

الفصل الثالث: عوامل تساعد على الصلاة

الفصل الرابع: درجات الصلاة

الفصل الخامس: أشكال الصلاة

الفصل السادس: معوقات الصلاة

الفصل السابع: علاقة الصلاة بالفضائل الأُخرى

الفصل الثامن: الصلاة والسهر

الفصل التاسع: الصلاة الطاهرة التي بلا طياشة

الفصل العاشر: اُطلبوا السمائيات

الفصل الحادى عشر: صلوات للقديس مار إسحق

قصة

كتب صدرت للمؤلف

 

مقدمة

كان
أول ما بدأت دراسته عندما دخلت الدير هو الكتاب المقدّس، واستكمال ما كان ينقصني
من مزامير، وحفظ ما لم أستطع حفظه من ألحان كنسيّة وأنا في العالم، ثم أقوال
الآباء النسكية التي بدأتها وأنا طالب رهبنة بتعاليم العظيم في المتوحدين والنساك مار
إسحق السريانيّ
، وقد كانت جرأة منّي أن أُقدم على هذا العمل، لأنَّ من سلك
طريق الرهبنة يعرف حرص الآباء وهم يقرأون هذه التعاليم، التي تحث بقوة على النسك
والحبس والوحدة.. وهى مُمارسات وطرق لا تُناسب الجميع.

ولكني
الآن أؤمن أنَّ هذا الفكر كان من الله، لأنّي استفدت كثيراً من هذه الكنوز الثمينة
في حياتي الروحية وكتاباتي، خاصة بعد أن قمت بعمل فهرسة شاملة للمخطوط، فكنت أضع
أمامي أوراق كثيرة وما يخص الصلاة أضعه في الفصل الخاص به، وهكذا ما يخص الصوم
والوحدة والصمت والكلام والعفة.. فالموضوعات متداخلة وفي صفحة واحدة تجد أقوالاً
كثيرة لموضوعات مختلفة، وقد ساعدني على ذلك المطبوعات الحديثة، لأنَّ لغة المخطوط
صعبة جداً وفيها كلمات غير مفهومة!

والآن
نحن نقدّم باكورة هذه التعاليم السامية للقرّاء، بعد ظلت حبيسة الأدراج عدة سنوات،
طالباً من الرب أن تجد قبولاً وتكون سبب بركة لكثيرين، حتى ننشر ما لدينا من أقوال..
بصلوات والدة الإله القديسة الطاهرة مريم، وأب الرهبان أنبا أنطونيوس، وجميع مصاف
الشهداء والقديسين والنساك.. ولإلهنا المجد الدائم إلى الآبد آمين.

الراهب

كاراس
المحرَّقيّ

 

الفصل الأول

ما هى الصلاة؟ ضرورتها

تعريف
الصلاة

+
الصلاة هى صُراخ العقل من حَرْقَة القلب.. هى تَفرّغ العقل من جميع
أُمور الدنيا، ونظره بشوق إلى الرجاء المُعد للقديسين.

+
الصلاة تليق بالكمال وهى استقامة الضمير، ووعظه بالأمور الحسنة، والحرّيّة
في الأمور المرتفعة، وهذيذ الروح، وذِكر السمائيّات، والإلهام بالإلهيات..

+
اعتاد الآباء أن يُشيروا إلى الأعمال الروحيّة والانفعالات الحسنة بلفظة
الصلاة
.. مع أنَّه واضح أنَّ الصلاة تختلف عن الأعمال التي هى أشياء تُعمل.. لأنَّ
التعاريف المضبوطة لا يمكن إحكامها، إلاَّ في الأشياء المادية الموجودة في العالم،
أمَّا الأُمور المختصة بالحياة القادمة فليس لها أسماء مُحققة..

+
يا أحبائي إنَّ العشرة السرية والانشغال في الأمور الروحيّة، يُشار
إليها بكلمة الصلاة، سواء كانت تلاوة أقوال مُقدَّسة عن ظهر قلب بتمييز وإدراك، أو
ترتيلاً وتسبيحاً لله، أو تذكّر دائم لعنايته، أو سجوداً أمامه، أو مزامير التهليل
والتمجيد..

ضرورة
الصلاة

+
ينبغي ألاّ نُبطل شيئاً من الصلاة المفروضة، ولو كنَّا في أعلى درجات
الحياة الروحية، لأنَّه ليس لك عمل ضروريّ آخر لتكميله أعظم من الصلاة.

+
الصلاة تُشجّع الضمير، وتُلبس العقل قوة، وتُقوّي الرجاء الذي يُلهب الضمير
فيتجلّد الإنسان تجاه الضيقات ويصبر على شرور الأرض، لأنَّه كل حين يوازن بين
الأتعاب والخيرات المُعدّة أن يرثها، يستهين بالعذابات وكل أنواع الآلامات..

+
الصلاة تُقرّب العقل إلى الله، وبالهذيذ يتشجّع العقل فيتفرّس فيه ويتقدّس.

+
بالصلاة نستدرج النعمة إلينا التي تُسمّى الملكوت، لكي إذا أحسسنا بها ننسى
الأرض وما فيها، ونتذكّر كل حين أنَّ لنا معين قوي غير منظور.

+
بالحديث مع الله في الصلاة نتقدّم لننظر الملكوت، الموضع الذي نحن مزمعون
أن نُقدّم فيه السجود بالروح والحق، الذي لا يحده جسد ولا جهة من جهات العالم.

+
الصلاة تُرشد إلى السماء، وتُرذل محبّة العالم.

+
بواسطة الألفاظ ندخل إلى الأسرار، فالصلاة تقرن العقل بالله.

+
لا شيء يمنح الضمير حياءً وعفة مثل الحديث مع الله.

+
أحِب الصلاة كل حين لكي يستنير قلبك بالله.

+
الذي يتهاون بالصلاة، ويظن أنَّ له مدخل آخر للتوبة، هو مخدوع من الشياطين.

+
تبدأ ظلمة العقل حينما تتراخى في خدمة أوقات الصلوات، فإذا أهملت أوقاتها
وتكاسلت عنها، تُفارقك المعونة الإلهيّة التي كانت تُرافقك، لأنَّ الانتقال من
ناحية اليمين معناه الاتجاه نحو الشمال.

+
حياة المتوحّد وعمله المُكرّم عند الله هو الصلاة، والذي ليس له خدمة ولا صلاة
بحسب واجباتها، وخدمة الأوقات مهملة عنده، فهو كسول وبطّال.

+
الإنسان العادم من الصلاة ويُجادل على الفضائل، لا فرق بينه وبين الأعمى العادم
النور، ويُجادل على حسن الفصوص الكريمة والألوان الكثيرة!

+ لأنَّ عمل الرهبان هو هذا: الانعتاق من كل المحسوسات،
والمداومة مع الله بهذيذ (مناجاة) القلب، وتعب الجسد بالصلاة.

الصلاة
بالليل أم ليلاً

+
جميع الآباء كانوا يُصلّون بالليل، حسب المثال الذي أخذوه من ربنا يسوع،
فقد كان يقضي الليل كله في الصلاة، لأنَّ الليل مفروز للصلاة في هذا البلد القفر.

+
كل صلاة تُقدّمها بالليل هى مكرّمة، ومعونة الله لك بالنهار هى سبب خدمة الليل.

الصلاة
بفهم

+
طوبى لمن استحق عندما يُصلي أن تشخص عيني عقله بنور عدم الآلام، وينظر
بالعقل في كلام الصلاة بقلم الروح على مِرآة قلبه، ومنها يصعد التمجيد للذي أعطاه
موهبة نظر النفس.

+
بواسطة فَهم معاني الصلاة، ننشغل بمحبّة أُمور الدهر الآتيّ، والمعرفة في الصلاة
تفصل العقل عن الجسد بالتخلّص من الطبع الجسديّ.

 علامات
قبول الصلاة

علامات قبول
الصلاة هى:

. فرح
القلب
بالتسبيح لله.

. انحدار
الدموع
وقت التضرّع بدون تعمّد البكاء
.

 

الفصل الثاني

أهداف الصلاة

نقاوة القلب هدف عام للصلاة

+ إن كنت بالحق تُحِب الله، فإنَّ اشتياقك
إلى نقاوة القلب ينبغي أن يكون أكثر من كل شيء
، وإلى هذا الهدف صوّب جميع قصدك،
وغرضك، وسيرتك، واسأل واقرأ، وتعلّم ما هى الصلاة؟

+ إنَّ كل الأحكام والوصايا التي وضعها الله
لجنس البشر تحُدّها نقاوة القلب، وكل أنواع الصلاة التي يُصلي بها بنو البشر تحُدّها
الصلاة النقية.

+ إذا سأل إنسان في الصلاة من أجل النجاة من
تجارب، أو أتعاب الحياة، أو قتال، أو طلب النصرة على البلايا.. فالله يمنحه رغباته،
أمَّا بخصوص الأسرار التي للروح، ومواهب وبركات الصلاة، ودخول العقل خلف حجاب قدس
الأقداس، وإدراك الميراث الذي لا يضمحل، فإذا لم يدفع الإنسان ثمنها فالله لن
يُعطيها ولو قامت الخليقة تتوسل نيابة عنه، أمَّا استحقاقها فهو نقاوة النفس.

مخافة الله هدف أساسيّ

+ مخافة الله تتقدم محبته، والذي يعمل بالوصايا
لأجل محبّة الله يُعطى له في الأول خوف الله، لأنَّ خوف الله ضروريّ في البداية
لتكميل الوصايا (منها الصلاة)، التي تحتاج إلى تغصّب وجهاد.. كما أنَّ خوف الله
يساعد في مقاتلة الخطية التي تُقاوم الإنسان عند تكميله الوصايا، والعمل الذي يصل
به الإنسان إلى كمال خوف الله هو ألاّ يُخطيء خطية كبيرة أو صغيرة..

الاتَّحاد بالله هو غاية السعي كله

+ الاتَّحاد
بالمسيح هو غايتنا وليس شيء آخر سواه.

 

الفصل الثالث

عوامل تساعد على الصلاة

الاستعداد اللائق

+
الصلاة يسبقها الخُلوة، والخُلوة يمكن التمرّن عليها بالصلاة، ومن الاثنين نكتسب
حُب الله، لأنَّ في كليهما أسباب تدعو إلى حُبّه، والحُب هو ثمرة الصلاة.

+ تكون الصلاة بالقلب المنفرد (أي بالخُلوة
والانفراد) لكي ما يكون لنا بالوحدة مكان نتحدّث فيه مع الله.

+ قبل أن تبدأ الصلاة هييء الوعود أي غنائم
الصلاة،
سفينة نوح صُنعت وقت السلام لكنَّ أخشابها زُرعت قبل مائة عام.

المُمارسات الجسديّة

+ بمقدار
الكرامة التي يُظهرها الإنسان أثناء الصلاة، سواء كان ببسط اليدين إلى السماء، أو
قياماً متعففاً، أو سقوطاً إلى الأرض، وبمقدار تعظيمه لله، فإنَّه يؤهل للنعمة
الإلهية وفعل الروح القدس فيه.

+ أمَّا
الذين زُلّوا بأفكار وظنّوا أنَّ الصلاة يكفي أن تكون في الفكر فقط، فيُصلّون وهم
مضطجعون على ظهورهم، أو جالسون باستحقار، ولم يعتنوا أن يُزينوا أنفسهم وقت الصلاة
بأعمال حسنة وقيام، ولم يخرّوا على وجوههم كمن يتقدم إلى لهيب نار، ولم يأخذوا
أنفسهم بالقسر لتقديم الكرامة اللائقة بالرب، هؤلاء ما فطنوا إلى فكر العدو وقسوة حِيَّله،
لأنَّهم يُسلّمون أنفسهم إلى الزور والضلالة ويُحسبون كمائتين، وحركاتهم إنَّما هى
نفسانيّة فقط، ولم يصلوا إلى الدرجة الروحانيّة.

+ احترس من أن
تتمدد بجسدك أمام الله، وتزدري بالصلاة من أجل راحة الجسد.

+ على قدر
الاهتمام بالتدبير الحسن والوقار في الصلاة، وبسط اليدين إلى السماء، والقيام بعفة،
والسقوط بالوجه على الأرض، توجد نقاوة الخلجات (الحركات)، واستضاءة الفكر، ونوال
بركات كثيرة من العلاء.

+ الذي لا
يقتنى واجبات الصلاة، لا تُصدّق أن يكون له صلاة.

الأعمال الحسنة

+ الصلاة التي لا تقترن بأفكار فاضلة، هى كلام
ساذج ليس لها قوة عند الله، أمَّا إذا اقترنت قوة السير الحسنة بالصلاة يكون أثرها
كلهيب نار، لأنَّ قوة عظيمة هى الصلاة التي يُصليها البار كقوله

” طِلْبَةُ الْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيرا ًفِي فِعْلِهَا ”
(يع16:
5)
،
والقوة ليست في الكلام بل في البر.

+ كن مداوماً
على الصلاة واقرنها بالأعمال الحسنة، لأنَّه بالأعمال الجيّدة والتدابير الصالحة
يتزين الإنسان أولاً، وبعد ذلك يتقدّس بالصلاة.

الاجتهاد والتغصّب

+ لا يُتوجْ أحد إن لم يجاهد حسب زي وشرع تدبير
الجهاد، كقول معلمنا بولس الرسول: ”
وَأَيْضاً
إنْ كَانَ أحَدٌ يُجَاهِدُ لاَ يُكَلَّلُ إنْ لَمْ يُجَاهِدْ قَانُونِيّاً ”
(2تي5:
2)، لأنَّه كما أنَّ لكل شيء ناموساً وترتيباً، هكذا أيضاً في السيرة الروحانية.

+ كل إنسان لا يُجاهد حسب ترتيب
ناموس الجهاد، لا يتقدّم تدبيره، وبالأخص في هذا الجهاد غير المنظور، الذي يفوق
العالم في صفاته وتدبيره، والذي يتخلف عن هذا فإنَّ انغلابه يكون متوقعاً دائماً.

+ اغصب نفسك في صلاة نصف الليل،
وزدها ولو مزموراً واحداً وسجوداً زائداً، فإنَّ نفسك تنتعش وتدنو من معونة الله
وتؤهل لحفظ الملائكة.

+ اغصب نفسك في هذيذ المزامير، وإذا
حان وقت الصلاة، فاغصب نفسك وقم لتشترك في الخدمة، والقِِ عنك ثقل الجسد، الذي
يدعوك للتخلّف عن العبادة.

+ اغصب نفسك على الصلاة قبل
مواعيدها لكي تخف عليك، وإذا فاتك وقت من أوقاتها بسبب عارض فلا تضطرب أو تتسجس من
هذا فتهملها وتتهاون في تكميلها.. فمثلاً:

إذا كانت صلاة باكر ومضى من النهار
ساعتان، فابدأ واخدم مزاميرك وأكملها بلا نقص بجميع واجباتها، بهدوء وبغير ارتباك
ولو كان وقت العشاء، ولا تتكدّر لأنّه ليس لك عمل ضروريّ أفضل من الصلاة.

+ لا تتبع راحة الجسد بل صلٍِ بجد
واهتمام، حتى لو كنت طول النهار تكد وتتعب.

+ عوّد ذاتك واغصب نفسك، لتجمع
الفكر في خدمة المزامير، وبالأكثر في الليل، ليأخذ عقلك إحساس الروح وفرح الكنوز
في المزامير، فإذا تذوّقت هذه النعمة فلن تشبع من المزامير.

+ احذر من أن تترك شيئاً من خدمة
الأوقات قبل أن تنام، بل اتعب جسدك في الصلاة، لكي في وقت نومك، تحفظ الملائكة جسدك
ونفسك، من المناظر المخيفة، والرؤى المزعجة، ومُعاكسة الشياطين.

+ من غير التغصّب لا يوجد صوم، ولا
عفة جسد، ولا حزن في الصلاة، ولا خدمة روحيّة، ولا ضرب ميطانيات، ولا تلاوة مزامير..

+ صلِِ بطول روح وتأنّى في المزامير
بصبر وتجلّد بدون ضجر ولا تتلوها كمضغوط.

+ لا تنظر في الوقت وتسوّف في الساعات
وتتكاسل، بل اغصب نفسك وقم في نصف الليل، حتى لو كان النوم ثقيلاً عليك والجسد مُتعَباً،
لأنَّ هذا هو الوقت المقبول وهذه هى ساعة المعونة.

+ إذا كنت تسأل إلى أي حد أغصب ذاتيّ؟
أقول لك: إلى حد الموت اغصب نفسك من أجل الله.

 

الفصل الرابع

درجات الصلاة

الهذيذ *

+ مبدأ
الهذيذ هو أن يجلس الإنسان في موضع مظلم، ويبعد عن كل مفاوضة بشرية، ويهذ في قلبه
بالصلوات والتسابيح التي يعرفها، ويرتب تلاوة من عنده حسب قوته، وعقله مجموع
بالهذيذ، ومداوم على قرأة الكتب والمزامير.. لأنَّ من هذه يتولّد داخل العقل
الهذيذ الروحانيّ، ومن مداومة الهذيذ يكون جمع العقل.

+ الهذيذ
بأسرار معرفة الثالوث يجعل القلب والنفس والعقل، تصطبغ بالنور والحق والحياة وتمتليء
فرحاً.

 

 

+
الهذيذ بالواحد هو الانحلال من الكل، والارتباط بالواحد هو الابتلاع بحُبه والحديث
معه، وإذا انحلت النفس من الكل وارتبطت بالواحد، فلا عزاء لها من جهة أُخرى ولا
تنظر معه شيء، وتفهم أنَّ السماء والأرض مملؤتان منه، وبه نحن أحياء ومتحركين
وموجودين، ولا تستطيع أن تهدأ من التهاب محبته.

+ لا تظن أنَّ
الإنسان المُقيّد بالجسديات، يمكنه أن يُصلي بدالة أمام الله.

+ إنَّ تشويش
الهذيذ الداخليّ ناجم عن الاهتمام الكثير بالقريب، إذ لا يستطيع الذهن أن يهذ
بالاثنين معاً.

+ صلاة
الهذيذ هى أفهام من جهة الحياة، ومعرفة فاضلة عن الحياة المائتة، وهى أبواب تختلج
في قلوبنا.

+ اعلم أيها
الإنسان المتتلمذ للحق: إنَّ طهارة الصلاة وجمع العقل فيها هو الهذيذ الحقيقيّ.

+ إذا تقدم
الإنسان بالنعمة في تدريب الهذيذ، فإنه يبتديء قليلاً قليلاً يُلاحظ الأفهام
السرية الكائنة في كلام الله، والمزامير والأعمال الجارية حوله، وفى حركات الروح
داخله ينظر سفينة حياته تسير للأمام يوماً بعد يوم

+ الهذيذ
الدائم بالله يؤهلنا للصلاة بلا انقطاع، ومن الصلاة يتحرك القلب للهذيذ بغير فتور.

+ من ابتداء
الإنسان بعمل تدبير العقل الذي هو الهذيذ بالإلهيات، وإلى أن يبلغ عمل التدبير
الروحانيّ الذي هو التأمل بالروح والدهش بالله، هو محتاج إلى التغصّب في الصلاة
أكثر من الأعمال الأُخرى.

+ بمداومة
الهذيذ بالله وسكون الأفكار، يستطيع الضمير أن يتفرس في الله في كل أنواع الصلاة،
ويكتشف معرفة فاضلة عن الله.

+ عندما
يتسلّط الهذيذ على كل الأفكار، يستضيء العقل بالخفيات الداخلية ومعرفة الله، ومن
هنا نقول: 
” مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟ أَشِدَّةٌ أَمْ
ضَِيْقٌ أَمِ اضْطِهَادٌ أَمْ جُوعٌ أَمْ عُرْيٌ أَمْ خَطَرٌ أَمْ سَيْفٌ؟

(رو35: 8).

+ حرارة
الصلاة والهذيذ تحرق الآلام والأفكار كمثل نار آكلة، وهذا النوع من الهذيذ يمنحك
أجنحة، ويبلغك إلى العقل الروحانيّ الذي تكون خدمته بالروح لا بالفم.

+ ليس فقط
تكون عندنا الحرب كلا شيء، بل ونزدرى أيضاً بالجسد الذي سبب القتال، هذا هو تدبير
الصلاة، وهذه هى منفعة الهذيذ.

+ لا يُكتب
كلام الروح على دفتر القلب بقلم اللسان، بل بهذيذ العقل.

+ لا يوجد
تدبير يُبعد العقل عن العالم ويُنجيه من الخطايا مثل الهذيذ بالله، هذا العمل عسر
جداً وصعب لكنه خفيف وسهل.

+ إن كنت
تريد أن يكون لك الهذيذ الدائم بالله، الذي هو الحجاب أمام الأفكار الفاسدة، ابدأ
بكثرة الصلوات على الدوام.

+ أنا أنصحك
أن تجلس في هدوء، وابدأ برفع قلبك في صلاة صامتة بدون تلاوة محفوظات من مزامير
وغيرها وبدون سجود..

+ قلب
البعيد عن أي ذكر إلهيّ مليء بالحقد على قريبه، أما الذي يهذ بذِكر الله فإنَّه
يُكرم جميع الناس، ويجد معونة الله عوناً له عند الجميع سرياً.

التأمل *

 

 

+
يوجد إحساس روحيّ يتولّد من الهذيذ، فيُنعم القلب ويُفرح النفس ويُبهجها، ويوجد إحساس
آخر يحل في النفس بسبب المعرفة من الهذيذ، وذلك من فرط محبة المعرفة للأمور
الروحية، والتقدم في الحديث مع الله بمخافة وانشغال الضمير بمحبة هذه الأشياء،
ويكون ذلك من التقدم في الهذيذ الحسن لأجل الله، والمهتم بمحبة هذا التدريب على
هذه الأمور لتقويم عمله، تتولّد فيه على الدوام نظرة هذه الأمور بالروح، فإذا تنقت
النفس بخوف الله، عند ذلك تحل الثاؤريا الروحية من غير أن يكون له عناية بها.

+ الصلاة
تختلف عن التأمل ولو أنهما يتسببان من بعضهما، وفى التأمل يصل الإنسان إلى الرؤيا،
حيث يبقى الشخص بلا حراك.

+ الصلاة شيء
والتاوريا شيء آخر، ولكنَّ الثانية متعلقة بالأولى، فإذا شبهنا الأرض ببذر فإنَّ
الثانية هى حمل الثمار، ولا يصح أن نُسمّي الثاؤريا أو الدهش صلاة إذ أنَّها تكون
من فعل الروح القدس وتدبيره.

+ إنَّ عمل
تدبير الفضيلة وسيرة العقل الخفية (الهذيذ) هى تحت سلطة الإرادة، وفيها تعب وجهاد،
وهى محصورة داخل عمل الهذيذ، وأمَّا الحركة الروحانية (التأمل بالروح) فهى ليست
موضوعة تحت حرية الإنسان، ولا تُقتنى بالتعليم أو التدريب أو عمل الإرادة، وإنَّما
توهب لأنقياء القلب.

+ الصلاة
الروحانية أعمق من الشفتين واللسان، هى أعمق من تلاوة المزامير وغيرها، وإذا ما
أراد أن يُصلّي بها يغطس داخل قلبه، بعيداً عن الفهم واللسان، هناك في بلد
الملائكة بغير كلام يقدّس مثلهم، فإذا عاد إلى اللسان ليُعبّر عن شعوره، يكون قد
خرج من بلد الملائكة.

+ التأمل
الحقيقيّ هو إماتة القلب، والقلب المائت بالتمام عن العالم هو حي بالله.

+ الأهواء
تُقتلع وتهرب بالتأمل المستمر في الله، إنَّه السيف الذي يقضي عليه.

+ إنَّ بين
المنهمكين بأُمور العالم وبين المنشغلين بالتأمل فرقاً! فالأولون تبتديء أُمورهم
حلوة، مُفرحة، وتنتهي مرة، كئيبة، مظلمة، أمَّا الآخرون فتبتدىء أُمرهم مريرة،محزنة،
مظلمة، إلاّ أنها بالفرح والبهجة والسرور تنتهي، والذي ذاق الطريقتين يعرف قيمة
هذا القول.

+ صلاة
اللسان مفتاح لصلاة القلب، وصلاة القلب يكون بعدها إلى الكنز، حيث لا تكون صلاة
ولا دموع ولا تضرع إذ تكون الروح دخلت إلى التاوريا الروحية.

الدهش *

+ هذه
النعمة يؤهل لها الإنسان إذا ما تعرى العقل من الإنسان العتيق.

+ يتبع
الجلوس المنفرد دهش العقل وعدم التشتت.

+ القديسون
يقولون أنَّ عقولهم تُخطف أثناء الصلاة، وتعبر حدود الصلاة المعروفة، وتصل إلى
الذهول والدهش، حيث يتوقف الإنسان عن الصلاة.

+ القديسون
في العالم الآتي لا يُصلون، لأن العقل يكون ابتُلع منهم بالروح، وهم يسكنون في الدهش
في المجد الآتي.

+ هوذا
القديس أنطونيوس إذ كان واقفاً يُصلى على قدميه 9 ساعات، أحس أنَّ عقله اُختُطف
وارتفع، وآخر مكث في الدهش 4 أيام.

 

 

+
إذا قَرُب الإنسان من التأمل بالروح، وحظى بحدودها ينجذب إلى الأشياء التي كان
يعملها متغصباً، إليها في كل وقت بلا تغصب، ويجد فيها لذة، والدهش يجذبه إليه بغير
إرادته، ويوجد جاثياً، ساجداً بوجهه على الأرض، بلا أفكار أو صلاة أو هذيذ، وإنما
تتأمل روحه في عظمة الله وسياسة تدبيره وحكمته، وفى الوقت الذي تُصادف فيه النفس
هذا الشعور الخفي، حينما يتحرك العقل بالنعمة الروحانية، تتخلّف في الحال عن
الهذيذ، وتتخلّف الحواس عن عملها، ويبقى في حالة دهش.

+ أمَّا
تدبير السيرة الروحانية فهو بعيد عن عمل الحواس، لأنَّ عقول القديسين إذا ما قبلت
الثاؤريا، عند ذلك ترتفع وتزول كثافة الجسم، فتكون النظرة حينئذ روحانية، وفى هذه
النظرة يُدرك العقل إدراكاً حراً نقياً.. هذا هو الدهش.. وهذا هو التدبير المرتفع
المزمع أن يُعطى بحرية في الحياة الأبدية، حيث لا تنقطع الطبيعة البشرية قط من
الدهش الدائم بالله تعالى ولا نتصور شيئاً من الخلائق أو نرتبط بها لأنَّ الله
يكون الكل في الكل.

+ إذا
انقشعت حواجز الآلام من أمام عين العقل، وشخص العقل في ذلك، فإنَّه في الحال
يتعالى بالدهش، فإذا أدركته النعمة فإنه يسكر فيها مثل الخمر وتنحل أعضاؤه، ويمكث
فترة حائراً، ويُسبى قلبه خلف الله، ويصير كأنَّه سكر من الخمرة حتى إنَّه وهو
لابس جسده لا يعلم إن كان في العالم أم لا! هذا هو مبدأ النظرة الروحانية واستعلانها.

+ إذا ارتفع
من الكائنات تزول من الجسم كل علامات الصلاة، حتى الدموع وكل حركة وكل إحساس، ما
خلا نبضات الحياة الطبيعية، لأنَّ تلك المعرفة لا تتنازل لتأخذ مشاركة الحواس أو
تستعير أشكالاً وصوراً من هذا العالم المحسوس، بل بنظر العقل.. هكذا سمع المغبوط
بولس كلاماً لا يُنطق به لا يُسمع بحواس الجسد، ونظر أشياء لا تُنظر بالحس ولا
تُدرك بأشكال متجسّمة، بل بحركة العقل حينما يُخطف من الجسد.

+ في الليلة
التي أسهر فيها من العشاء إلى الصباح، وبعد ذلك استريح قليلاً أقوم من النوم
وأُكمل نهاريّ كمن ليس في هذا العالم، ولا يصعد على قلبيّ أيّ فكر أرضى ولا أحتاج
إلى تكميل قوانين الصلاة المفروضة، لأني أظل نهاريّ كله في الدهش، والذي يؤهل إلى
الئاؤريا، يكون ثابتاً كجثة لا نفس فيها، وهذا ما ندعوه بالنظرة.

+ قسّم
أوقات النهار، فمنها وقت للخدمة، ومنها وقت للهذيذ، وإن نظرت هناك وقت كافٍ فليكن
لنقاوة الخلجات وإن كان العقل مظلماً فلتزد في القرأة التي توافق ذلك الوقت، أمّا
إذا اتّحد الهذيذ بالصلاة بالنقاوة، فعند ذلك تكمل كلمة سيدنا: ”
لأَنَّهُ
حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسَطِهِمْ
” (مت20: 18)،
أعنى النفس والروح والجسد، والعقل والهذيذ والصلاة، وتنتهي
أمر ثلاثتهم إلى الدهش.

الرؤيا
الإلهية
*

+ النظر
الإلهيّ هو استعلان العقل بلا حواس.

+ نظرة مجد
الله هى أن يتحرك في العقل فهم على عظمة طبيعة الله.

+ بدون
النور الإلهي لا تقدر عين العقل أن ترى الحق، كالعين الجسدية فإنَّ قوة نظرها لا
تعمل إلاّ بحضور النور الطبيعي.

 

 

+
نور يسوع هو نور معقول، وطوبى للنفس التي استحقت نظرته.

+ الذين
يقولون: إنَّه يمكن رؤية سيدنا في هذا العالم بالحواس، مثل من يعتقدون أنَّ في العالم
الجديد شيئاً محسوساً، وأن تنعم الملكوت يكون بالحواس والوجود فيه يكون مادياً.

+ الشعور
بالفرحة أثناء الصلاة خلاف الرؤية أثناء الصلاة، والأخيرة أرفع من الأولى، كمثل ما
يمتاز الرجل البالغ عن الولد الصغير.

+ أحياناً تصير
الكلمات حلوة في الفم، وكلمة واحدة تملأك سروراً ومن فرط الشعور بعدم الشبع لا
تتركها إلى ما بعدها، ولكن حينما يدخل الإنسان في التأمل، تتلاشى الصلاة بكلماتها
من الشفاه، والذي يؤهل لهذه النعمة يشعر أنه بلا جسد من فرط عدم الشعور به، ومن
الذهول الذي يغشى العقل الواعي، هذا ما نسميه الرؤيا أثناء الصلاة، وليس صوراً أو
أشكالاً من تزوير الخيال.

+ إذا سأل
إنسان: لماذا تكون الثاؤريا والإستعلان وقت الصلاة فقط؟ نقول: في وقت الصلاة يكون
عقل الإنسان مجموعاً إليه، وشاخصاً في الله باشتياق فتأتيه الرحمة، وأي وقت من
الأوقات يكون فيه اللسان مستعداً، محترساً كمثل وقت الصلاة؟ متى ظهر الملاك لزكريا
وبشره بيوحنا؟ أليس عندما كان يرفع البخور أمام الله! والقديس بطرس، ألم يظهر له الإستعلان
بدعوة الشعوب إلى الإيمان وهو يُصلى (الساعة السادسة)! وأيضاً كرنيليوس ظهر له
الملاك حينما كان يُصلى!

+ قهر النفس
في العمل يولّد الحرارة اللامحدودة التي تلهب في القلب بشكل تذكارات حارة تجول في الذهن،
والحرارة تسبب فيضان الدموع، التي تكون ذات منفعة في البداية، والدموع تجعل في النفس
سلام الأفكار، وبسلام الأفكار ترتفع النفس إلى طهارة الذهن، ومن طهارة الذهن ينتقل
إلى مشاهدة أسرار الله، وبعد ذلك يبلغ إلى مشاهدة إعلانات وآيات، وهذه الإعلانات
تقرّب النفس إلى الله ومراحلها ثلاث:

. قهر النفس
في الجوع والقرأة والسهر.

. الرؤيا أو
المشاهدة.

. الحرارة
المتولّدة من الدمع الهاديء.

 

الفصل الخامس

أشكال الصلاة

الصلاة
الدائمة

+ الراهب هو
الجالس خارج العالم متضرعاً على الدوام ليحظى بخيراته.

+ صلاة
القديسين لا تنقطع، لأنِّ هيكل أنفسهم قد تقدّس، وانمسح الكاهن الداخليّ ووضعت
مائدة روحانية، وقام الكاهن ليقرّب ذبيحة محييه لأجل شعب المسيح.

+ نحن نداوم
على الصلاة ليقتني عقلنا حياءً وتعففاً، من النظر الدائم في الله والكلام الهاديء.

+ انقباض
الفكر من الطياشة إنَّما يكون بالصلاة، وما سمعنا أنَّ أحداً نال هذه بدون
المداومة على الصلاة.

+ عمل
القديسين هو عمل ميخائيل وغبريال (صلاة دائمة)، ومن مائدة واحدة يتغذون.

+ ليس محبوب
عند الله، ومكرم لدى الملائكة، ويُضعف الشياطين، ويهزم الخطية، ويفيض المعرفة،
ويقتني الاتضاع، ويحكّم القلب.. كمثل أن يداوم المتوحد جاثياً على الأرض بالصلاة.

+ من داوم
على الصلاة ينمو ويتوفر فيه الحياء والخشية من الله، ومن داوم الشخوص ولقاء الله
في الصلاة، تخاف الآلام من الدنو منه.

+ لا تهدأ
من الصلاة والطلبة حتى تحس خفياً بنوع الرجاء، أنَّ خطاياك قد غُفرت واشتعلت نار
المسيح في قلبك، وأخذت قوة خفية لتكميل الوصايا، وتشجّعت ضد الآلام والأفكار،
وهدأت كل حواسك في الصلاة.

+ أما تعلم
يا أخي أنَّ كل حياتنا تنقرض ساعة بساعة ويوماً بيوم، فلو اجتهدنا كل أيامنا لكي
نسترد يوماً واحداً من الأيام التي مضت لا نستطيع، خسارة عظيمة إذن أن نتغافل عن
الصلاة ولو يوماً واحداً نجوزه بلا ثمرة، دون أن نقدم فيه الصلوات والتضرعات أمام
الله.

+ ما هى
غاية أعمال النسك التي إذا وصل إليها الإنسان يُدرك أنه وصل إلى قمة الطريق؟ هى
إذا استحق الإنسان أن يكون في الصلاة أهلاً للصلاة بلا انقطاع، فإذا وصل الإنسان
إلى هذه الدرجة، فإنَّه يكون قد بلغ إلى نهاية طريق النسك والفضائل وصار مسكناً
للروح القدس.

وإذا حل
الروح القدس فإنَّه في الحال لا يستطيع أن يتوقف عن الصلاة باستمرار دون انقطاع
وبلا ملل، لأنَّ الروح سيُصلي فيه على الدوام سواء كان آكلاً أو شارباً أو
مستريحاً أو مشتغلاً، وحتى إذا كان غارقاً في النوم فإنَّ عبيق رائحة الصلاة ينبعث
من تنفّسه كل لحظة.

 

الصلاة
بالمزامير

+ لتكن لك
محبة بلا شبع لتلاوة المزامير لأنَّها غذاء الروح.

+ لا تقل
كلام المزامير بشفتيك فقط، بل جاهد واعتني أن تكون أنت ذاتك كلام الصلاة، لأنَّ
التلاوة لا تنفع إلاّ إذا كان الكلام يتجسم بك ويصير عملاً، فتصير أنت إنساناً
روحياً.

+ أتريد أن
تنعم بتلاوة المزامير، وتحصل على فهم أقوال الروح التي تقرؤها؟ لا تكترث للكمية
أبداً، ولا تهتم بمعرفة الأوزان والألحان، بل أُتلها كما تتلو الصلاة، واترك
استظهارها الذي اعتدت عليه.

+ رتل
بهدوءٍ بغرض الصلاة، ولا تعتني بكثرة المزامير، بل أن يُعطيك الله مفتاحاً ولو كان
لفظاً واحداً، لكي كنز فهمه الروحانيّ بنعمة الروح ينفتح، وإذا سجدت عند بدء
الصلاة، اسأل الله أن يُعطيك صبراً، ولا يكون لك قتال يُسجس قائلاً أعطني يارب
خلجات نيّرة شاخصة إليك في كل لفظ يخرج من فمي في هذه الخدمة.

+ حاشا لنا
نحن المتوحدين أن نخرج عن نظام الطاعة، لحدود قوانين البيعة المقدسة ورؤسائها أو
سننهم، ولأجل هذا نحن نحفظ حدود أوقات الخدمة السبعة حسب ما وضعت علينا الكنيسة
كبنين.

+ إذا لم
تخدم مزامير كل ساعة كاملة في سبعة صلوات، تستطيع أن تخدم ولو بمزمور واحد، ولا
تعبر ساعة الصلاة بإهمال.

+ إذا جلست
بين صلوات الأوقات لكي تفاوض ذهنك وبالهذيذ بالله، افتكر أيضاً ما كنت عليه، ولا
أي رجاء دُعيت من فيض مراحم الله، واجعل لك فترة راحة بين صلاة الليل وصلاة باكر،
لمثل هذا النوع من الهذيذ النافع لترتيبك في معرفة الله كل أيام حياتك، لأنَّ هذه
هى أيضاً جزء كبير من عمل السهر.

+ المزامير
والصلاة وقت النوم تصلُح أكثر من كل مفاوضة، وتنفع أكثر من تذكّر الكتب.. لأنَّها
تضطر الأفكار أن تشخص في الله بتواتر، وبتلاوتها تحفظ النفس الليل كله حتى لحظة
الاستيقاظ.

+ إن كان
أحد يسكت عن تزمبر اللسان، فما يصلي ولا يعرف أن يزمر بالعقل والروح، وهو بطّال
ويمتليء من الأفكار الرديئة، لأنَّه سكت بالظاهر وبالخفاء لا يعرف أن يُزمر من
الداخل.

+ يجب ألاّ
نتراجع عن تلاوة المزامير حتى عندما يرافقها انتباه كبير وتخشّع مستمر، وكذلك في الصلوات
والمطالعة كل ساعة، أمَّا إذا دخلت إلى حالة الاختطاف أثناء الصلاة الخالية من
التشتت، وتركت المزامير، فلا تعتبر ذلك بطالة حتى وإن دام كثيراً.

+ الراهب الذي
يتهاون في تكميل خدمة الأوقات، فلا ينبغي له أن يجلس في القلاية، وإن أراد أن يثبت
فيها فلا يقدر، لأنَّ أصل العمل مع الله في الرهبنة هو الصلاة، فإذا أبطله الراهب فأي
شيء آخر له أن يعمله.

+ لو دخل
الإنسان إلى عرش اللاهوت والاستعلانات وتهاون بالمزامير فإنَّه يقع في يد الشيطان
ومن هنا يبدأ فكر العظمة فيه كمثل من ارتفع عن مرتبة الذين يستعملون المزامير.

+ اجتهد أن
تبتعد عن كل تصرف رديء قبل قرأة المزامير، لأنَّك إذا رتبت ذاتك بالأعمال الحسنة،
وابتعد عقلك عن كل فكر عالميّ يحل على عقلك قوة الروح القدس وقت الخدمة، وخدمتك
تكون رائحة ذكية أمام الله.

+
لا تحزن أيها الأخ الضعيف الجسد الساكن في الهدوء، لأجل أنَّه ليست لك أعمال
جسدانية.. لأنَّ نصيبك أعظم من أولئك، الذين يعملون الفضائل الكبار وهم خارج
السكون.. فإذا لم تقدر أن تسهر الليل كله وتُصلي مزامير كثيرة، وصلوات دائمة مع
ضرب ميطانيات كثيرة وصوم أيام للمساء.. فيمكن لضعيف الجسد أن يخدم قليلاً من
المزامير.. وإن لم يمكنه الوقوف فيستطيع ذلك وهو جالس، وأن يصوم إلى العشاء أو إلى
التاسعة، أو لنصف النهار، ولا يأكل في الصباح..

+
إن كنت تتعب من الوقوف في سهرك من أجل كثرته، ويقول لك العدو كالحية: لم تعد فيك
قوة للقيام نم وانشرح واستريح.. قل له: أنا أجلس وأُصلى ولا أنام.. واعبر وقتك
جالساً وتالياً مزاميرك.

+
إذا لم يمكنك لسبب ضعف الجسد أن تقف في الصلاة، تستطيع أن تتممها جالساً.

الصلاة
الارتجالية

+ خصص وقتك للصلاة التي
ترتبها من ذاتك أكثر من المزامير، ولا تُبطل المزامير.

+ أنا أنصحك
أن تجلس في هدوء وابدأ برفع قلبك في صلاة صامتة، بدون تلاوة محفوظاتك من مزامير
وغيرها، وبدون سجود، فإذا استطعت اعبر ليلتك بكل وسيلة ممكنة جالساً في هذيذك
الحلو.

 

الفصل السادس

معوقات الصلاة

الاهتمام
بالأمور الجسدية

+ لا يكن يا
أحبائي همّ من أُمور هذا العالم حاجز بيننا وبين الله،
فإذا تركنا همومنا
يتنقى فكرنا في الصلاة، من أجل هذا أمرنا السيد له المجد بالتجرد من العالم ومما
فيه، والتمسك بالمسكن والفقر، والابتعاد عن كل همّ، حتى يتجرد عقلنا من كل شيء،
وتخلوا أفكارنا من العالم، فنشتاق إلى الحديث الدائم مع الله والاهتمام به.

+ إذا أردت
أن تخرج من العالم وتترك الأقارب والأهل والبلد، وتتبع المسيح بسيرك في طريق
الفضيلة، لا ترتبك بأفكار الهمّ والقوت والكسوة، لأنَّه إن كان لك عمل مع الله،
فهو المهتم باحتياجاتك وإلاّ فإيمانك يتساوى مع الكافر.

+ الذي يشتاق
إلى الروحانيات، يجب أن يتهاون بالجسدانيات ويرفضها بفرح.

+ بمقدار ما
يتهاون الإنسان بهذا العالم ويجتهد في خوف الله، تبتديء ترافقه العناية الإلهية.

+ كلما
يصغُر العالم في نظرك كلما تتزايد فيك محبة الله، وتأتيك نعمة الروح القدس، وكلما
تزايدت فيك محبة العالم والتمسك به، كلما تنقص منك محبة العالم.

+ محبة
العالم التي ليست مملحة بحب يسوع وفعل الروح القدس، هى غريبة عن العالم الجديد
وليس لها قدرة على قطع الآلام من النفس.

الإفراط في المأكل

+ بالحقيقة
نجسة هى الصلاة التي تخرج من شبع البطن..

+ أفضل لك أن
تتخلف عن الخدمة (الصلاة) بسبب الضعف الناتج عن الصوم، من أن تتخلف بسبب الكسل
والوخم الناتج من الامتلاء.

+ عندما
يبدأ أحد بالصوم، تتولّد في ذهنه رغبة الهذيذ بالله ويفيض قلبه بالصلاة.

+ معرفة
أسرار الله لا تُدرك عندما يكون البطن مليئاً.

+ لا تُثقل
بطنك لئلا يتشوش ذهنك، فيضطرب حين نهوضك في الليل، وتنحل أعضاؤك وترتخي.. وتظلم
نفسك وتتعكّر أفكارك، فتصبح غير قادر على ضبطها أثناء قرأة المزامير، وهكذا تفسد
طعم الصلاة.

الأحاديث
الباطلة

+ الغمامة
تحجب الشمس والكلام الكثير يُظلم النفس، التي بدأت تستنير بالمشاهدة في الصلاة.

+ لا تستطيع
ضبط الفكر في الصلاة بدون الاحتراس في الكلام والأعمال وحفظ الحواس على الدوام.

+ إنَّ كل
من يجهل هذا الأمر (الأحاديث واللقاءات) فهو بالإضافة إلى حرمان جسده من النوم،
يُرهق نفسه في قرأة المزامير الطويلة، ويشقى لسانه ساهراً الليل كله، وإذا كان
ذهنه يطوف خارج الترتيل، فإنَّ تعبه باطل، وهو يتمم واجبه بحكم العادة، أمَّا إذا
اهتم بدل اللقاءات والأحاديث والأعمال بمطالعة الكتاب المقدس، لوجد أنَّها تُغذي
الصلاة وتساعد على السهر.

طياشة الفكر

+ في كل وقت
يجب أن تكون يقظاً ومحترساً في خدمة الأوقات وقوانين السكون، وألاّ تطيش كثيراً
وتحزنك الأفكار الرديئة.

+ لا تشتهى
أن تُصلي إلاّ عندما تتنقى من طياشة الأفكار، وتجد وقتاً للصلاة بعقلك، فاجمع ذاتك
من الماديات والاهتمام بها، وكل طموح وطياشة الحواس.

+ يجب ألاّ
نسمح لفكرنا في الصلاة، أن ينشغل في أي شيء خلاف كلام الصلاة.

الجفاف
والفتور الروحيّ

+ الخليق
بنا أيها الأحباء أن نتأمل أنفسنا في وقت الصلاة، إن كان لنا تصور بألفاظ المزامير
والهذيذ بالصلاة، لأنَّ هذا يحدث من السكون الحقيقيّ (الداخليّ)، والجدير بنا ألاّ
نقلق في الوقت الذي يحدث فيه ظلام للنفس، ولا سيما عندما لا يكون السبب منا، واعلم
أنَّ ورود ذلك إنَّما يكون بسياسة من الله.

+ في هذه
الأوقات (الجفاف الروحيَّ)تختنق أنفسنا وتصير كأنَّها غارقة في اللجة، تلاطم
الأمواج، ويصير الإنسان في ظلام منوط بظلام، ويذهب صنف ويأتي صنف آخر إن قرأ في كتاب
أو خدم..

+ هذا الضرب
من التجارب يمتحن به المؤثرون أن يتصرفوا حسناً بسيرة تدبير الصلاة، والمشتاقون
إلى عزاء الإيمان وبلوغ كمال سيرته.

+ لا يظن
أحد أنَّ الاستفادة في خدمة الصلوات، ونقاوة الضمير، والتنعم بسرور القلب، والعزاء
الذي من الدموع، والحديث مع الله، تُحسب أُموراً روحانية إلهية فقط، بل وبالحق
وبحسب رأي أقول: إنَّه حتى فكر التجديف والمجد الباطل وحركات الزنا السمجة التي
تحدث للإنسان قهراً، ويتألم الإنسان بسببها، ولو يوجد الإنسان مغلوباً قدامها
ويصبر ويتجلد ولا يخرج من قلايته، حتى هذه كلها تُحسب له ذبيحة نقية وعملاً إلهياً
ما خلا العظمة فقط.

+ إنَّ الفتور
والعظمة يفتقدان الإنسان بقصد الامتحان، فإذا تحرّك بحرارة وضغط على نفسه ونفض عنه
هذه الأمور، يقترب من النعمة الإلهية ويعود كما كان، وتفتقده قوة أُخرى تُخبيء
داخلها كل خير وصلاح، وكل صنف من أصناف المعونة، وعندما يتذكر تثاقله الأول،
ويقارنه بالراحة والقوة اللتين افتقدتاه وحولتاه فجأة يتملكه الدهش والاعجاب.

+ إذا مل
الضمير من كثرة الهذيذ في المزامير والصلوات، يتعلل الضمير بأسباب لكي يطيش، ولكن
يمكن صده بحيلة حكيمة مثل الحمامة الوديعة، بالتقاط لذيذ بألحان حلوة ذات لحن حزين
يُحرّك ندامة النفس، ويجعل الجسد يسكب الدموع.

+ في الصلوات
أيضاً إذا قام اضطراب الأفكار على إنسان بقوة، ففي الألحان كفاية لإبطالها، اترك المزامير
واشتغل بالألحان، ولا أقول لك إفعل هذا في كل وقت بل في الضرورة فقط.

+ لا تكن
مهملاً واحذر التشتت دائماً، فالضجر يتولد من تشتت الذهن، والتشتت يتولّد من
التوقف عن العمل، القرأة، اللقاءات، الأحاديث الباطلة، البطن المتخم..

+ أنصحك إن
كنت لا تقوى على ضبط نفسك، وتعفير وجهك في التراب للصلاة، أن تُعصّب رأسك بجبتك،
وتنام حتى تعبر عنك موجة الظلام، وإيّاك أن تبرح مكانك.

+ طوبى لمن
يصبر على هذه التجارب داخل الباب (القلاية)، لأنَّه حسب أقوال الآباء سيبلغ مرتبة
سامية وينال قوة في النهاية.

 

الفصل السابع

صلة الصلاة بالفضائل الأُخرى

+ بقدر ما
يتصور الإنسان فضائل القديسين، فإنَّه يسير متمثلاً بتَذكَار صبرهم، وهكذا تتنقى
الصلاة
من الانحلال والملل وطياشة الأفكار.. ويتقوى العقل ويتشجع ويتطهّر
ويطرد الكسل ويتمسك بالفضائل كل أوقاته، وبسبب غيرتنا على الفضيلة يقبل الله صلاتنا.

+ من حصل
على الأُم فقد اقتنى ذرّية (أي من حصل على الصلاة أُم الفضائل يستطيع ممارسة كافة
الفضائل الأُخرى).

السكون

+
العمل في السكون هو: الصبر على كل ما يأتي والتواضع والصلاة.. والأثمار المتولدة
عن هذه هى: الرجاء، والتنعم، والفرح بالله.

+ إعلم يا أخي:
إنَّ
أفضل
صلاح يفعله الإنسان في هذا العالم هو الصلاة الطاهرة، وإن لم يمت الراهب وينقطع من
كل أحد، وينقبض بالسكون كالميت في القبر، لا يستطيع أن يقتنى هذا في نفسه، لأنَّ
الصلاة الطاهرة تتطلب تفرّغ من جميع الأشياء، لكي يقوم العقل بلا طياشة قدام الله
بعفة وقت الصلاة، والفكر مجموع من كل طياشة، وفى الليل فقط يشخص بسكون حركاته.

+ محبة الله
تنشأ من الحديث معه، والهذيذ والتأمل في الصلاة من السكينة، والسكينة من عدم
القنية، وعدم القنية من الصبر ومقت الشهوات، ومقت الشهوات من خوف جهنم ورجاء
الغبطة.

+ تكون
الصلاة بالقلب المنفرد، أي بالخلوة والانفراد، لكي ما يكون لنا بالوحدة مكان نتحدث
فيه مع الله.

+ المحبة
تتولّد من الصلاة، كما تتولّد الصلاة من الانعزال، الذي هدفه الحصول على مكان نهذ
فيه بالله وحدنا.

+ يا أخي
أحِب الوحدة ولو أنَّك عاجز عن جميع واجباتها، فصلاة واحدة يُصليها الإنسان وحده
أفضل من مائة صلاة يُصليها مع آخرين.

+ بالحق
إنَّ عمل 100 يوم في الصلاة والصوم بسجس وطياشة يصنعها المتوحد، لا تساوى سهر يوم
وليلة واحدة في الوحدة.

 

التواضع

+ أظهر ضعفك
وجهلك أثناء الصلاة، لكي لا تسقط في تجربة ردية، لأن الترفع يتبعه الفسق، والغرور
يتبعه الضلال.

+ عندما
تقترب من الله، كن بفكرك كالنحلة وزحافات الأرض والدود والصبىّ والألتغ، ولا تتكلم
أمامه عن أي شيء بمعرفة.

+ اقترب من
الله بفكر الطفل.

+ إنَّ لطمْ
الرأس والدموع والتمرغ في الصلاة، من شأنها ايقاظ الحلاوة في القلب، وجعله يتطاير
نحو الله باختطاف ممدوح، ومن يشرب من هذه الخمرة ثم يخرج منها، يستطيع أن يشعر
بالتعاسة التي خيّمت عليه أكثر بكثير من الذي لم يذقها.

+ التواضع
يقود النفس إلى المشاهدة، ويُزيّن النفس بالعفة.

القراءة:

+ الهذيذ في
الكتب الإلهية يزيد في النفس نمو النطق بالله، ويغير ويقلب إتجاه الفكر حسب نوع
القراءات

+ إنَّ النفس
تستعين في صلاتها، كما أنها تستنير بالصلاة أثناء المطالعة، وهذه المطالعة تكون
مادة لحالة الصلاة، وتنقى النفس من التشويش الخارجيّ، وتجعلها مستنيرة في الصلاة
وبعيدة عن الملل.

+ اصبر
وطالع كتب المعلمين، وارغم نفسك على الصلاة، فتأتيك المعونة دون أن تعلم.

+ إعكُف على
القرأة في الكتاب المقدس وكتب القديسين، التي تُريك الطريق إلى المشاهدة الدقيقة،
فتنتقل من علامة إلى أُخرى، وعندما تنهض للصلاة ستجد نفسك مأخوذ بتأمل الكتب
المقدسة، التي طالعتها بدلاً من التأمل في الأُمور الدنيوية، التي رأيتها وسمعتها،
ثم يتنقى ذهنك شيئاً فشيئاً كما جاء في الكتب.

+ كما أنَّ
الضباب الذي يُغطّى وجه الأرض، ينقشع ببزوغ الشمس، هكذا الأهواء المحيطة بالنفس
تتبدد بالصلاة، فيستضيء الذهن بنور التعزية والبهجة، خاصة

+ لا تقترب
من أسرار الكتاب المقدس، دون أن تصلى وتطلب المعونة من الله أولاً.

+ اقرأ في
الكتب المقدسة، فإنَّها تجمع ذهنك من الطياشة، ثم ارجع إلى الصلاة لأنَّ بها يتطهر
العقل بالأكثر، لأن لا شيء ينقى الضمير مثل المداومة على الصلاة.

+ من القراءة
ينجمع العقل، ومن الصلاة يتوشح بالحزن، ويقتني شعاعاً سماوياً.

+ إن كان
الفكر ينجمع بالقراءة، لكنَّه لا يقتنى عفة وحياء إلاّ بالصلاة.

الدموع

+ حين تُعطى
لك نعمة الدموع، لا تعتبر تنعمك بها بطالة، لأنَّ نعمة الدموع هى كمال الصلاة.

+ القلب
الصالح يفيض بدموع الفرح أثناء الصلاة.

+ الدموع التي
تترقق أثناء الصلاة، هى دليل رحمة الله، التي استحقتها النفس بتوبتها المقبولة،
ودليل دخولها روضة النقاوة.

+ الدموع
تأتي من التأمل السليم المنزه عن التشتت، ومن الأفكار الكثيرة المتواصلة الثابتة،
ومن أقل ذِِكر حاصل في الذهن يسبب الحزن للقلب.

+ الذي لا
ينشق قلبه بالتحصّر والتنهد، هو فارغ من صلاة الدموع.

الرحمة

+ كما أنَّ
شعاع النار لا يمكن إمساكه عن الصعود إلى فوق، هكذا صلاة الرحيمين لا يمكن إلاّ أن
ترقى إلى السماء.

+ من يُصلي
وهو حاقد، يُشبه الزارع في البحر على أمل الحصاد، وهكذا فإن صلاة الرؤوفين تتصاعد
إلى السماء مثل تصاعد لهيب النار الذي لا يمكن منعه.

العفة

+ اقتنِ
الطهارة في أعمالك حتى تسطع نفسك في الصلاة، ويلتهب ذهنك فرحاً عند ذِكر الموت.

+ أنا أؤمن
أنَّ الضعيف والمتواضع ومن ليس له دالة ونازع الغضب من نفسه، يرى في نفسه نور
الروح القدس عندما يقف للصلاة.

+ أحِب
العفة لكي لا تخذل أمام الله.

 الصوم

+ الصلاة
تقوى في النفس عندما يضعف الجسد بالصوم.

+ الصوم
يحافظ على كل فضيلة، وهو بداية الجهاد.. وأُم الصلاة..

+ عندما
يبدأ أحد بالصوم، تتولّد في ذهنه رغبة الهذيذ بالله، لأنَّ الجسد الصائم لا يقدر
أن يبقى نائماً على الفراش طوال الليل.

+ عندما يوضع
ختم الأصوام على فم الإنسان، يبدأ ذهنه بالهذيذ بخشوع ويفيض قلبه بالصلاة. 

الميطانيات

+ اغصب نفسك
للصلاة، وأنت تحصل على لذة الميطانيات، وتدوم فيها بسرور.

+ اجهد نفسك
في عمل الميطانيات دائماً لأنَّها تُحرّك روح الحزن في الصلاة.

+ المداومة
على السهر وضرب الميطانيات بين الحين والآخر، لا تتأخر عن أن تسكب على العابد
المجتهد فرحة الصلاة.

+ كلما
استنار الإنسان في الصلاة، كلما شعر بضرورة وأهمية ضرب الميطانيات، ويحلو له
الثبات فيها.

+ اغصب نفسك
للسجود أمام الله، لأنَّه محرك روح الصلاة.

+ مع كل
لفظة فيها ذِكر السجود اسجد أم احنِ رأسك بالسجود.

 

الفصل الثامن

الصلاة والسهر

+ إكرم عمل
السهر لتجد نفسك تعزية، وإذا أردت أن تنصرف إلى عمل الصلاة وإلى سهر الليالي،
فابتعد عن مشاهدة الدنيا، واقطع الأحاديث، ولا تقبل الأصدقاء في قلايتك بحجة عمل
الخير، بل اقبل الذين يشابهونك في آرائك وأحوالك ويشاركونك في السيرة، فبقدر ما
يصفو القلب من الأشياء الخارجية، يزداد فهمه ودهشه في المعاني الإلهية.

+ إنَّ أردت
أن تبدأ خدمة السهرانية بمؤازرة الله فافعل ما أقول لك:

. إحنِ
ركبتيك حسب المعتاد، ثم قم ولا تبدأ بالعمل وأنت جالس.

. صلِ وانتهى
من الصلاة واختم أعضاءك بإشارة الصليب المحييّ، وابقَ برهة من الزمن حتى تستريح
حواسك، وبعد ذلك ارفع تأملك الداخليّ إلى الرب، واطلب منه بحزن أن تقوى على ضعفك
ويصبح هذيذك في المزامير، وأفكارك العقلية مرضيين لمشيئته المقدسة.

. يجب أن
تسير في الخدمة بعد ذلك بحرية تامة، بعيداً عن أي فكر صبيانيّ مشوش.

. عندما ترى
أنَّ الصبح قد بدأ ولم تنتهِ خدمة السهر، يمكننا أن نحذف تمجيداً واحداً أو اثنين
من التماجيد المعتادة، وذلك بإرادتنا ومعرفتنا حتى لا ندع شيئاً يبدد حلاوة الخدمة،
وتعكر خدمة المزامير الساعة الأولى.

. إذا كنت لا
تزال داخل الخدمة ووشوشك فكر يقول: اسرع قليلاً فالخدمة تطول، فلا تكترث له، أما
إذا زاد إزعاجه لك، فكرر تمجيداً واحداً أو قدر ما تشاء، وردد المقاطع نفسها مرات
كثيرة بفهم، وإذا ظل يزعجك ويضايقك، فاترك الترتيل واركع وصلِ وقل: لا أُريد ترتيل
الكلام يارب، بل البلوغ إلى المساكن السماوية، وإنني على استعداد الآن أن أسير في كافة
السُبل التي تهديني إليها.

+إن كنت لا
تقدر أن تقف في السهر، فاسهر جالساً أو على مرقدك أو مستلقياً، وعندما تمل من
الوقوف بسبب ضعفك وارتخائك أو بسبب طول الصلاة، ويراودك فكر أو بالحري يكلمك الروح
الرديء كما كلم الحية ويقول لك: كفى أنت لا تستطيع الوقوف، فقل له: لا بل سأجلس
قليلاً أثناء قراءة كاثيما واحدة ( ) وهذا خير لى من النوم، وإذا سكت لساني ولم
يتفوه بالمزمور فذهني سيظل متأملاً في الصلاة والهذيذ، لأنَّ اليقظة أنفع من النوم.

+ إنَّ السهرانية
ليست فقط بالوقوف وترتيب المزامير، فهناك من يسهر في ترتيل المزامير طول الليل،
ومن يعمل ميطانيات وصلوات خشوعية مع انحناءات على الأرض، ومن يقضي الليل بالبكاء
والدموع والنوح على خطاياه، وهناك من يرتل قليلاً من المزامير عند المساء ويقضى
بقية الليل في الطروباريات، ومن يقضى الليل في التمجيد والمطالعة، وأخيراً من يقضى
الليل واقفاً عندما يحاربه فكر الزنى.

+ لا تظن
أيها الإنسان أنه يوجد في حياة الراهب، عمل أعظم من سهر الليالي، حقاً يا أخي إنَّه
لعمل عظيم وضروريّ جداً للعفيف.

+ لا تنظر
إلى الراهب الساهر بذهنه بتمييزه كما تنظر إلى إنسان ذي جسد، لأن السهر هنا هو من
عمل الملائكة، فالذين يسلكون هذه السيرة دائماً، لا يدعهم الله بدون مواهب عظيمة،
بسبب انتباههم ويقظة قلوبهم واهتمامهم بتوجيه أفكارهم نحوه.

+ أنا أعتقد
أنَّ الجسد إذا تلاشى ولم يقدر على الصوم، فإنَّ الذهن بواسطة السهر دون غيره يعيد
للنفس حالتها، ويهب القلب معرفة لإدراك القوة الروحية، إذا لم تتمادى في الأحاديث
خلال النهار، فيا من ترغب في الحصول على ذهن متيقظ بالله ومعرفة للحياة الجديدة،
أرجوك ألاّ تهمل حياة السهر طوال حياتك، لأنَّها تفتح عينيك لتشاهد مجد سيرتك وقوة
طريق البر كله.

+ إذا جاءك
فكر تراخى مرسل من معينك بقصد امتحانك، واستحال عليك اتمام السهر، فاسهر ولو
جالساً وصلى بقلبك ولا تنم، حاول أن تعبر الليل كله بكافة الطرق، وأنت جالس تهذ بالمعاني
الصالحة، فلا تقسِِ قلبك ولا تظلمه بالنوم.

+ الأرض
الجيدة تفرّح الزارع بتربتها التي تنتج 100 ضعف، والنفس التي صقّلها ذكر الله
والسهر الدائم يحفظها الرب، بأن يجعل حولها سحابة تظللها من نار تنبعث داخلها
الليل والنهار.

+ من يعرف
لماذا يقاوم المجاهدون النوم، ويضغطون على طبيعتهم حتى يؤدوا صلوات كل ليلة بتيقظ
أجسادهم وذكرياتهم، يدرك أهمية القوة الناتجة من صيانة النفس أثناء النهار، وماهية
العون الذي يُعطى للذهن خلال سكينة الليل وقوة السلطة على الأفكار، ومقدار النقاوة
التي يحصل عليها، ولأدرك أيضا أنَّه يمنح الكثير من الفضائل دون تعب وإرهاق.

 

الفصل التاسع

اُطلبوا السمائيات

+ لا تكن
جاهلاً في طلبتك لئلا تصبح صلاتك تجديفاً، بل كن حكيماً حتى تؤهل للأمجاد.

+ اُطلب
الأمور الكريمة من الذي لا يرفض، فتنال منه الكرامة بسبب حكمتك في الطلب، فسليمان
طلب حكمة فنال معها مُلكاً أرضياً، وأليشع نال نعمة الروح التي عند مُعلّمه فنالها
مضاعفة.

+ من يطلب
الأمور التافهة يستهين بكرامة الملك، فالذي يطلب الزبل من الملك لا يكون قد حقّر
نفسه بدناءة الطلب وحسب، بل يكون قد تطاول على الملك أيضاً، فحاول أن تقدم طلبتك
لله بما يليق بمجده فيعظم مقامك عنده ويُسر بك.

+ اعلم أنَّ
الملائكة ورؤساء الملائكة يشخصون إليك وأنت تُصلى، وأنَّهم سيفرحون عندما تهمل
جسدك وتطلب السمائيات، وسيشمئزون إذا راؤك تطلب الأرضيات وزبلها تاركاً السمائيات.

+ لا تطلب
من الله ما يهتم هو بإعطائه لنال دون أن نطلب، لأنَّه لا يهتم بخاصته المحبوبين
فحسب، بل وبالغرباء أيضاً، فلابن لا يطلب من أبيه خبزاً بل ما هو أسمى وأعظم من
بيت أبيه.

+ وإذا طلبت
شيئاً من الله وتأخر في استجابتك، فلا تحزن لأنَّك لست أحكم منه، فقد يكون تأخره
لعدم استحقاقك، أو عدم استقامة قلبك في الطلبة، أو عدم بلوغك مستوى قبول الموهبة
التي تطلب، كما أنَّ ما يؤخذ بسرعة يزول بسرعة، أمَّا ما يُكتسب بألم القلب فيُحفظ
باحتراس.

+ لأنَّه
كثيراً ما يشتهي الإنسان الصلاح لكن الله لا يستجيب له، لأنَّ الشيطان يكون قد زرع
فيه رغبة مبطنة مشابهة فيظن أنَّها تناسبه، وهى في الحقيقة أعلى من مستواه، أو أنَّها
غريبة عن جوه، أو أنَّ الوقت لم يحن لا تمامها، أو أنَّه عاجز عنها بالمعرفة
والجسد.

+ ليس لأجل
سؤالنا يُعطي الله مواهبه، إنَّما جعل سؤالنا وطلبتنا واسطة كلام يوصل العقل إلى
تفرس أزليته لادراك مقدار اهتمامه.

+ ليس إنساناً
محبوباً عند الله ويُستجاب طلبته سريعاً، مثل الإنسان الذي يطلب من أجل زلاته
وغفرانها، ويطلب قوة ومعونة لتقويم طريقه.

+ يستحيل
على الإنسان المتعلق بالأرضيات أن يطلب السمائيات، وعلى المهتم بالدنيويات أن يطلب
الإلهيات.

+ من يريد
العظيمات لا يهتم بالصغيرات.

+ ابتهل إلى
الله أن يهبك الإحساس برغبة الروح والتشوق إليه، وعندما يدخلان إليك يحين موعد
انفصالك عن العالم، الذي هذا إحساس يستحيل إدراكه بغير السكينة والنسك والمطالعة.

 

الفصل العاشر

الصلاة التي بلا طياشة

+ الصلاة
التي بلا طياشة ليست أن يكون العقل بلا فكر ولا رؤية في شيء، بل ألاَّ يطيش في
الأشياء الباطلة وقت الصلاة، وليس إذا طاش في معاني الصلاة والأمور الجيدة يكون قد
بعد عن طهارة الصلاة، لأنَّه ثمة طياشة ردية وأُخرى جيدة، أمّا الطياشة الجيدة فهى
أن يكون الضمير مرتبط بالله، بمجده وعظمته وفهم الألفاظ الإلهية، ويتذكر ما قُرأ
في الكتب، ويتأمل في الأفكار الإلهية التي للروح.. أمَّا الطياشة الردية فهى أفكار
ردية أو باطلة أو هذيذ خاطيء.

+ إننا لا
نُدان لأجل أشكال وأفكار الطياشة فينا، بل نجد نعمة إذا لم نوافقها وقاتلناها،
ولكن لا نُدان إذا كنا نوافقها ونُعطيها وقتاً فينا.

+ لا تتلو
كلام الصلاة بعقل منشغل بأُمور عالمية، بل جاهد واعتني أن تكون أنت ذاتك كلام الصلاة،
لأنَّ التلاوة ليس فيها نفع إلاَّ أن يتجسم الكلام بك ويصير عملاً، وتصير في
العالم إنسان الله.

+ الذي
يداوم على ترتيل المزامير بلا طياشة يمتليء من الروح القدس، أمَّا الذي يُصلي
ويزمر باللسان فقط فهو بار وبعد ذلك يصير روحانياً، لأنه إذا مارس هذا العمل مدة
من الزمان بصوم وجهاد، تمتليء نفسه من ذِكر الله، ويخاف ويرتعب من الدينونة، ويحسب
كل الناس أفضل منه.

+ احذر أن
ترتبك في صلاتك، فإذا تشتت فكرك أثناء الصلاة، عد وارجع إلى الخلف مزمورين أو أكثر،
وقل آية تحلو لك، رددها بتأمل.

+ إذا كان
ذهنك مشتتاً وغير قادر على الصلاة ثابر على المطالعة، وإذا كان بإمكانك فضَّل
المطالعة حتى على المزمور لأنَّها أُم الصلاة.

+ إذا تشتت
أفكارك وأنت في السكون، وتهاونت في تكميل خدمة المزامير وقوانينك، فإنَّ أفكار
آلامك تنمو بالأكثر داخل نفسك وتضغط عليك أكثر من مجاذبات الشياطين.

+ لا يمكن
أن يدوم العقل في الصلاة بلا فكر، ولكن نريد أن يكون فكر العقل في الصلاة نفسها
وفي معاني كلماتها.

 

الفصل الحادي عشر

صلوات للقديس ما إسحق

يا ربيّ
وإلهيّ مدبّر خليقته، العارف بضعف طبيعتنا وأوجاعنا وقساوة عدونا، أسألك نجني من
شره، لأنَّ قوته عظيمة وطبيعتنا ضعيفة.. أيها الصالح العارف بضعفنا وحامل عجزنا،
خلّصني من تشويش الأفكار، وضغط الشهوات، وأهلني لخدمتك المقدّسة لئلا تشوش عليها
ضعفاتي وأوجد أمامك متجاسرا.. يا مصدر كل معونة، القادر على كل شيء، أعنَّا يا سيد،
في أوقات صراعنا.. وأنعم علينا بقوة نهدم بها حصون وكل علو يرتفع ضد معرفتك، حتى
لا تميل نفوسنا عن الغرض الأسمى الموضوع أمامها، أو يُصيبها الخور فلا تواصل السير..

(لك المجد
إلى الأبد آمين).

أعطني يارب
أن أكون من خاصتك وقوّم أفكاري ونقها، لأنّي لازلت ناقصاً عن الكمال الذي تُريده..
أعطني أن أخدمك في إنساني الباطن، أنت الذي تفحص القلوب، امنحني أن أُكرّس قواي
لخدمتك، وأهّلني أن أحمل دوماً نيرك الخفيف، يا قابل النذور والعشور إقبل إليك
تقدمة نفسي، وامحو ذنوبي واعطني نشاطاً، لكي أبذل كل اجتهاد حتى أرث الحياة بنعمتك،
ولكي تُشجع حياتي الخطاة والكسالى، لينهضوا ويجاهدوا في خدمتك، وأكون نوراً وسط
الظلمة بكثرة محبتك.. أعني لأعتزل مبغضيك وأكون رفيقاً لقديسيك الذين أرضوك
بجهادهم..

(لك السبح
أيها العزيز آمين)

أيها السر
الخفي الذي ظهر في الجسد فجدده بعد فساد، أظهر في سر تجديد القديسين الذي هو عربون
ميراث الخيرات العتيدة، يا من بعُري جسده جرّد الرياسات والسلاطين وأشهرهم جهاراً،
وكسا طبيعتنا لباس عدم الفساد، عرّني يارب من الإنسان الفاسد بسر التجديد، وحرّك
أعضائي وقواي حسب الإنسان الجديد، الذي ألبستني إياه بسر معموديتك.. أهّلني يارب
لتذوق نعمة التوبة الحقيقية، وأخرجني من الظلمة إلى نورك.

(لكي أُسبحك
بقلبي آمين)

يانفسي
وحّدي قواك واجتهدي حتى يرتفع قلبك بعشرة الله، بعشرة ربّك، ارفعي فكرك عن
الأرضيات وأسمي بحواسك عن الوطن السماوي، الذي أعده لكِ فاديكِ، ارتفعي إلى حيث هو
وكلّميه لأنَّه يُحب حديثك ويستلذ صوتك أكثر من لذته بأصوات السمائيين، ووقع كلامه
في أُذنك أبهج إليه من جمال الكاروبيم، ومنظرك عنده أفضل من بهاء الساروفيم.. هو
لمحبته خرج في طلبك، فاخرجي أنتِ في طلبهِ كما فعل هو، وكما تنازل لاتضاعك ارتفعي
أنتِ إلى سموه.. ٍاقطعي حديثك مع الأموات لتتفرغي للحديث مع محي الموتى، لأنك لن
تجدي أحلى من عشرته ولا ألذ من حديثه..

(لك المجد
والتسبيح والبركة والسجود آمين)

يا من بكيت
على قبر لعازر اقبل دموع مرارتي، وأشفِ آلامي بآلامك، طيب جروجي بجروحك، وقدّس دمي
بدمك، يا من شربت المُر من أعدائك، حل نفسي من المُر الذي سقانيه العدو، يا من
أمال رأسه على الصليب، ارفع إليك رأسي الذي أحناه المعاندين، يامن قبل اللطم
والبُصاق على خديه من المجدفين، تق قلبي وجهي المدنّس بالآثام، برّد قلبي من كثرة
التجارب، قد تركتك كثيراً فلا تتركني، قد انفصلت عنك فلا تهملني، بل أُدخل إلى
مرعاك وأحصني مع خراف رعيتك المختارة، وأطعمني معها عشب أسرارك الإلهية.. (آمين).

 

قصة

ذهبت يوماً إلى قلاية أحد القديسين، فما أن وصلت
حتى اتكأت على أحد جوانبها بسبب ضعفي، آملاً أن يعتني بي من أجل الله، إذ لم أكن
أعرف أحد هناك.

وأثناء مكوثي كنت أُشاهده وهو ينهض في الليل قبل
الوقت المحدد، ويبدأ في تلاوة قانونه بقرأة عدد من المزامير، ثم يتوقف وينطرح على
الأرض ويضرب رأسه بها، ثم ينهض ويُقبّل الصليب ويسجد ثانية ثم يقبله ثانية، مما
يجعلني أعجز عن حصر عدد الركعات التي يعملها لكثرتها.

لقد كان
يُقبّل الصليب بحرارة وخوف ومحبة 20 مرّة ثم يعود إلى تلاوة المزامير، وكان يصرخ
أحياناً متى عجز عن احتمال لهيب الأفكار المتقدة في داخله.

كان خلال
الساعة الأولى يقرأ الكتاب المقدس فيُسلب بمعانيه، وكلما قرأ فصلاً يسقط بوجهه على
الأرض ثم ينهض رافعاً يديه إلى السماء، مردداً آيات ومقاطع كثيرة وممجداً الله.

كان عمره 40
سنة وكان أكله قليلاً وجافاً جداً، فأشفقت عليه من نحول جسده الذي لم تكن رقعته
تتجاوز مقدار إصبعين من كثرة الصيام.

وكان رحوماً
ووقوراً، طاهر الطبيعة، سريع الاستجابة، بشوش، حكيماً بالله، محبوباً من الجميع
لطهارته وبشاشته، يعمل أكثر الأحيان ثلاثة أيام أو أربعة مع الإخوة كلما احتاجوا
إليه وعند المساء يعود إلى قلايته.

كان خبيراً
في كل عمل، ولكثرة احترامه للإخوة كباراً وصغاراً، لم يتمكن من أن يحجب أي شيء
يملكه عنهم ولو كان بحاجة إليه، وكان يعمل مع الإخوة بدافع الخجل مع أنّه لا يُسرْ
بالخروج من القلاية.

 

كتب صدرت للمؤلف

1-
شوكة الخطية (طبعة رابعة)

2-
أين هو الطريق؟

3-
عيد الميلاد

4-
عيد الغطاس

5-
أحد الشعانين

6-
عيد القيامة

7-
عصر القلق

8-
اللقاء

9-
انطلق

10-
ذخائر الظلام

11-
رسالة تعزية

12-
أسياد وعبيد 

13-
اللذة الحقيقية (طبعة ثانية)

14-
الشهوة (طبعة رابعة)

15-
أكل البيض والبصل والفسيخ في شم النسيم

16-
العاطفة (طبعة ثانية)

17-
الإنسان المجروح (طبعة ثانية)

18-
موت الجسد وموت الشهوة

19-
أزمة حُب (طبعة ثانية)

20-المدخل
إلى الحياة الروحية

21-
متألمون ولكن..

22-
الشهوة والحُب

23-
جذور الشهوة

24-
ديانتي

25-
سلطان وسحر الشهوة

26-
يمكنك أن تقمع الشهوة

27-
رحلة الآلام (طبعة ثانية)

28-
الثعالب الصغيرة

29-
مشكلة الشر

30-
مظاهر الشهوة في حياتنا 

31-
الحب الإلهيّ

32-
الذات

33
– أغصان الشر

34-
ماضي الشهوة وأثره في الإنسان

35-
حوار عن الله

36-
هكذا أحبنا

37
– الآخر في حياتي

38-
اللذة الوهمية (طبعة ثانية)



* في اليونانية تأتي كلمة هذيذ ” meleth = Meditation “، بمعني الممارسة والتدريب على تكرار آية من
الكتاب المقدس أو صلاة قصيرة أو مزمور.. بتعمّق وفهم يقود إلى الانفعال الروحيّ،
وقد تحدّث داود النبيّ عن الهذيذ بقوله: طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة
المنافقين.. وفي ناموسه يلهج نهاراً وليلاً ” (مز1:1).

* في اليونانية تأتي تأمل تاورية qewria = contemplation “، بمعني الشخوص أو التأمل الواعي الذي يكون في
يقظة العقل والحواس أمَّا التأمل أثناء الغيبوبة الروحيّة فيُسمّيه الكتاب المقدّس
” أبوكاليبسيس”  هذا وقد تحدّث مُعلمنا القديس بولس الرسول عن التأمل
بقوله: ” أُصلي بالروح وأُصلي بالذهن أيضاً ” (1كو15:14).

* في اللغة اليونانية تعني كلمة ” دهش Ekstasij = Ecstasy “: ذهول أو انجذاب أو اختطاف روحيّ وعقليّ، بحيث يخرج عن
وعيه ويُصبح هائماً في السمائيات، وقد ذكر مُعلمنا القديس بولس الرسول هذه الحالة عندما
اختُطف إلى الفردوس، وسمع كلمات لا يُنطق بها ولا يسوغ لإنسان أن يتكلم بها… (2كو12).

* الرؤيا الإلهية ” Apokaluyij أبوكاليبسيس “، لا يُقصد بها رؤيا العين
الجسدية لشيء منظور، بل رؤية المعرفة بالعقل والقلب والنفس وكل المشاعرّ، وحيث
أنَّ المعرفة هى التعرّف على شخص الله، فالإنسان مدعو لرؤية الله، بمعنى أن يتعرّف
عليه قدر استطاعته.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى