اللاهوت الدفاعي

كتابكم محرف



كتابكم محرف

كتابكم محرف

تقول إن كتابنا مُحرَّف. فأين
الكتاب الصحيح الذي من خلاله استطعت أن تُجزم أنه ليس الصحيح؟

 

جاوبني أولُهم قائلاً:

مقالات ذات صلة

إن السيد المسيح عليه السلام، ولأنه يعرف الغيب، عرف أنكم
أناس لا تستحقون نعمة وجود الكتاب المقدس الصحيح بين أيديكم لأنكم ستغيِّرون ما به
من أحكام وأقوال، فأخذه معه حينما رفعه الله إليه
، وأعاده إلى
مكانه الطبيعي في السماء العليا عند العرش
.

 

ثم قال لي ثانيهم:

في العصور الوسطى، عصور
الظلام الفكري وسيادة الكنيسة وتسلطها منعت الشعب من الإطلاع على الكتاب المقدس
، وقصرت
معرفته على الآباء الكهنة فقط لدرجة أنهم جاءوا بالنسخة الأصلية بعد ربطها بسلاسل
من حديد وطرحوها في أعماق المحيط حتى لا تكون في متناول أحد
. وبذلك
اختفت وضاعت
. وما بين
أيديكم اليوم هو تأليف وتزوير ومحض افتراء.

 

قال ثالثهم:

قالوا لنا إن النسخة الأصلية موجودة فقط مع
رؤساء الطوائف الثلاث الأرثوذكسية، الكاثوليكية، الإنجيلية، أما عامة الشعب فليس
لديها إلا المُحرف.

 

ثم تابعت سؤالي: هل قرأت الكتاب بنفسك حتى تكتشف
زيفه وتحريفه؟

وكان الرد من الجميع بالنفي.

 

إذاً أين التحريف؟

هل حُرِّف الكتاب كلُّه وكُتب آخر جديد؟ أم هل
تحرف جزء منه؟ أم هل تحرفت عدة آيات؟ إذاً أين هي؟ هل يمكنك أن تشير إليها حتى
يمكننا البحث وإجلاء الحقيقية؟ والرد: لا نعرف.

 

وهنا تأتي المشكلة الكبرى: أنت تؤمن أن التوراة
والإنجيل تنزيل من عند الله العلي، فالله سبحانه هو مصدره
، مؤلفه
ومرسله
. فأين كان
سبحانه حينما تم التحريف؟ هل يمكن أن تتجرأ وتقول إنه لم يعرف بالتحريف
؟ سبحانه
علام الغيوب الذي هو على كل شيء قدير.
أم أنه لم يبالِ به،
وبعد أن نزَّله لم يعُد يعنيه منه شيء، وليكن ما يكون!!!

 

إن دعوى التحريف تنسب لله تعالى صفات غير صفاته:

تنسب إليه عدم الحب

فالرسالة التي أرسلها لنا ليعلن فيها من هو وما
يطلبه منا، ترسم لنا الطريق للعودة إلى الفردوس المفقود بخطأ أبوينا آدم وحواء، ما
هو هدف حياتنا، أين سنكون في آخرتنا، إنها إعلان حب من إله محب يهتم بخليقته التي
أوجدها، كما يهتم الآب بأولاده والراعي برعيته!! فبعد كل هذا يترك رسالته لتتغير
وتتبدل، وتكون النتيجة هلاك خليقته وتركهم للمخادعين دون من يحمي أو يعتني؟! إننا
بذلك ننسب لله أنه إله غير محب، لا يهتم ولا يعتني ولا يبالي. سبحانه عز وجل لأنه
علا عن ذلك علواً كبيراً.

 

إنه إله غير قادر أن يحفظ رسالته وكلمته من
التغيير

والتبديل والتحريف. إن الحكومة التي تصدر
قانوناً، تصدره بدافع الاهتمام بالرعية فالقانون لصالحها، وتقوم بتنفيذه لتعلن
هيبتها وقدرتها، والحكومة التي لا تهتم بتنفيذ القانون هي حكومة ضعيفة لا تهتم
برعيتها، والرعية لا تهابها ولاتقدِّرها، فتعم الفوضى ويسود قانون الغابة في
أراضيها. فالذي يقول إن الله عز وجل لم يحفظ رسالته وقانونه الأدبي والأخلاقي،
وترك الناس يغيرون ويبدلون فيما أعلنه، ينسب له عدم القدرة على حفظ قانونه. وحاشا
لله أن يكون كذلك، فهو كلي القدرة، القوي الذي يستطيع كل شيء ولا يعسر عليه أمر
الذي بيده أمرنا وهو على كل شيء قدير.

 

 إنه
إله غير قدوس

إن دعوى التحريف تنسب لله عدم القداسة، فكيف لنا
نحن الخطائين الذين ارتكبنا كل إثم وفجور، كيف ندخل إلى قدس أقداس العلي، في كتابه
العزيز المقدس، ونغير ونُحرف؟!! هل يمكن أن تهزم الظلمة والنجاسة النور والقداسة،
أو تختلط بهم؟

 

وكيف يتحرف؟

كتابٌ وعندنا كم هائل من مخطوطاته القديمة
باللغة الأصلية يرجع تاريخها إلى ما قبل الميلاد ب 250 سنة؟!! وهي متاحة لأي شخص
ليرجع إليها بعد تعلم لغتها ليجد أن ما بين أيدينا هو نفسه الموجود بالمخطوطات.

 

وكلمة مخطوطة تعني “كل ما خُط باليد”
ففي القديم لم تكن الطباعة معروفة وكل ما كان يُكتب كان يُكتب باليد على جلود
الحيوانات أو ورق البردي أو الأحجار أو عظام كتف الحيوانات، وكلها مواد تفنى وتبلى.
لذلك يلزم دائماً إعادة كتابة كل ما يقارب على الفناء منها بجديد يسمى
“مخطوطة” تخضع لشروط واحتياطات ونظم صارمة في كتابتها حسب أوامر التلمود
اليهودي مثل:

1-
الدرج المستعمل للقراءة في المجمع يجب أن يكون مكتوباً على جلد حيوان طاهر.

2- يجب أن يُجهزه يهودي لاستعماله في المجمع.

3- تجمع الرقوق معاً بسيور مأخوذة من حيوان طاهر.

4- يجب أن يحتوي كل رق على عدد ثابت من الأعمدة
في كل المخطوطة.

5- يجب أن يتراوح طول كل عمود ما بين 48-60
سطراً، وعرض العمود يحتوي على

 ثلاثين حرفاً.

6- يجب أن تكون الكتابة على السطر، ولو كُتبت
ثلاث كلمات على غير السطر تُرفض

 المخطوطة
كلها.

7- يجب أن يكون حبر الكتابة أسود، لا أحمر ولا
أخضر ولا أي لون آخر، ويتم تجهيزه طبقاً

 لوصفة ثابتة.

8- يتم النقل بكل دقة من مخطوطة صحيحة تماماً.

9- لا يجب كتابة كلمة أو حرف أو نقطة من الذاكرة.
يجب أن ينقل الكاتب كل شيء من

 المخطوطة
النموذجية.

10- يجب ترك مسافة تسعة حروف بين كل فقرتين.

11- يجب ترك مسافة شعرة أو خيط بين كل حرفين.

12- يجب ترك ثلاثة سطور بين كل سفرين.

13- يجب إنهاء سفر موسى الخامس بانتهاء سطر. ولا
داعي لمراعاة ذلك مع بقية الأسفار.

14- يجب أن يلبس الناسخ ملابس يهودية كاملة.

15- يجب أن يغسل جسده كله.

16- لا يبدأ كتابة اسم الجلالة بقلم مغموس في
الحبر حديثاً.

17- لو أن ملكاً خاطب الكاتب وهو يكتب اسم
الجلالة فلا يجب أن يعيره أي التفات.

 

من هذه النسخ المخطوطة والتي يعود تاريخها إلى
القرون الأولى الميلادية

 

1-
النسخة
الإسكندرانية:
نسبة إلى مدينة الإسكندرية التي خُطت فيها ويرجع تاريخ نسخها
إلى

 سنة 325م
وهي ما تزال محفوظة في المتحف البريطاني بلندن.

 

2-
النسخة
الفاتيكانية:
نسبة إلى مكتبة الفاتيكان المحفوظة بها وتاريخ نسخها من 300

 325م.

 

3-
النسخ
السينائية:
نسبة إلى جبل سيناء حيث اكتُشفت في دير سانت كاترين عام 1844

 ويرجح أنها
كتبت عام 350 م.

 

4-
النسخة
الإفرائيمية:
في دار الكتب الوطنية بباريس باللغة اليونانية، يرجح أنها
نُسخت عام

 450م

 

عندنا آلاف النسخ من هذه المخطوطات الأربع
للكتاب المقدس كاملاً بالإضافة إلى كم هائل من القصاصات التي تحتوي على أجزاء من
الكتاب المقدس مثل:

 

1-
مخطوطات
وادي قمران:

التي اكتُشفت عام 1947 بالأردن وتحتوي على
مخطوطة كاملة لسفر إشعياء باللغة العبرية يرجح أنها كتبت في القرن الثاني الميلادي.

كذلك أسفار اللاويين وأيوب والمزامير وحبقوق
وكلها مطابقة تماماً للنصوص الموجودة بين أيدينا اليوم.

 

كيف يتحرف هذا الكتاب وكل مخطوطاته قد تعرضت
للفحص الدقيق والبحث العلمي وهو ما يسمى بعلم الببلوغرافيا أو ثبت المراجع أو نقد
النص، وهو علم معترف به في الجامعات، استُخدم لبحث كتابات الأقدمين، لأننا لا نملك
الكتابات الأصلية. لكن كل ما نملكه هو مخطوطات لهؤلاء. وهذا العلم يبحث في صحة
نسبة المكتوب إلى الكاتب فمثلاً كتابات العلماء المشهورين أمثال أفلاطون وأرسطو
وهيرودوت نملك من المخطوطات المنسوبة إليهم العدد القليل فأرسطو له 7 وأفلاطون 8
وهيرودوت له 48. هذه المخطوطات يرجع تاريخ نسخها من زمن كتابتها 1200 و1300 و1400
سنة وهذا العلم يقول إنه كلما قرب زمن النسخ لزمن الكتابة كلما كانت المخطوطة
صحيحة.

 

ونحن نعتمد في جامعاتنا على هذه المخطوطات
القليلة البعيدة عن زمن كاتبها ونقر ونعترف أنها أفلاطونيات أو كتابات أرسطو
وهيرودوت وتُدرس في الجامعات ولا يعترينا أي شك أو شبه تحريف فيها.

 

فإذا ما عرضنا الإنجيل لمثل هذا العلم وبحثنا في
مخطوطاته لوجدنا الآتي:

 

مخطوطة مثل جون ريلاند

تحتوي على إنجيل يوحنا مكتوبة سنة 130م ونحن
نعرف أن إنجيل يوحنا كتب ما بين 80-100م وهذا يعني أن المخطوطة يبعد زمنها عن
كاتبها البشير يوحنا بين 30-50 سنة فقط.

وقد نشرت جريدة الأهرام سنة 1991 أنه عثر على
مخطوطة إنجيل متى في الأقصر يرجع تاريخ كتابتها إلى سنة 60 ميلادية والمعروف أن
إنجيل متى كُتب سنة 45م وهذا يعني أنه خلال 15 سنة فقط وصلت نسخة من إنجيل متى من
موطنها الأصلي في آسيا إلى الأقصر، وهو زمن قياسي، مما يدل على انتشار الإنجيل
السريع والمذهل في أرجاء العالم المعروف في ذلك الوقت.

 

لماذا نحرف كتابنا؟!!

واعترضوا قائلين نعم عندنا أسباب منها:

(1)
ان
السيد المسيح قال: يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم ومبشراً برسول يأتي من بعدي
اسمه أحمد..” فأين هذه الآية في الإنجيل اليوم؟ وفي سيرة السيد المسيح؟ أليس
هذا دليلاً على تحريفكم بحذفها من الكتاب؟

نقول:

أولاً: وكل ما ذكره السيد
المسيح عن هذا الاسم هو يهوذا الإسخريوطي مسلمه الذي أعلن للتلاميذ معرفته لكل
خطته حتى من قبل تنفيذها، وحذَّره ليتوب ويرجع عن شر أعماله. لكنه رفض تبكيت الروح
ونفَّذ ما اتفق عليه مع رؤساء اليهود وسلم يسوع بقبلة.

 

ثانياً: لو افترضنا جدلاً أن
السيد المسيح قالها، فعندنا في بلادنا خمسون مليون على الأقل منهم 45 مليوناً
أسماؤهم أحمد ومحمد ومصطفي وممدوح ومحمود وطه، فإلي أي منهم كان يشير السيد
المسيح؟؟؟ لأنه لم يقل لنا في بشارته الاسم ثلاثياً حتى نتعرف عليه ويكون المقصود
به شخصاً بعينه، فتكون الرسالة واضحة ليؤمن الجميع.

لذلك لماذا نحذفه!! كان من الأسهل، لو أن
افتراضنا مازال قائماً بالقول إن السيد المسيح بشر برسول اسمه أحمد، أن نقول كما
قال اليهود للتلاميذ حينما أخبروهم أن توراتهم تبشر بالمسيا، وأنه هذا هو الذي
“صلبتموه أنتم وقتلتموه” (ليس هذا بل نحن ننتظر المسيا) ومازالوا حتى
الآن في انتظار من تنبأت عنه التوراة أنه يأتي، ولم يقوموا قط بحذف نبوات المسيا
الموجودة في توراتهم مفسرين إياها بتفسيرات أخرى تواكب معتقداتهم.

 

(2)
ذُكر النبي في إنجيل يوحنا 1: 21 معرفاً ب ال التعريف مما يقصد به نبينا وإلا
ماالداعي لقول اليهود ليوحنا المعمدان “أنت المسيح، أنت إيليا، النبي
أنت؟!!”

وبالعودة إلى نص (تثنية 18: 15- 18) نجد أنه
يقول لموسى أقيم لك نبي من إخوتك، فإذا صح بناءً على قرابة إسماعيل وإسحاق الأخوية
اعتبار بني إسماعيل وبني إسرائيل إخوة، فكم بالأولى كثيراً يكون أسباط إسرائيل
الاثني عشر إخوة بعضهم لبعض؟

والدليل أن المقصود بالقول “من إخوتك”
أنه من الأسباط الاثني عشر الوصية التي أوصى بها الله بني إسرائيل بعدم أخذهم
ملكاً من غير إخوتهم (تثنية 17: 15). فبنو إسرائيل من أول تاريخهم إلى نهايته لم
يتوجوا ملكاً أجنبياً عليهم من خارج الأسباط.

فإذا قيل لك إن أحد اخوتك سيتقلد منصباً عالياً،
هل يُفهم من ذلك أنه يقصد جارك الذي يسكن معك في ذات المبنى، أم ساكن نفس الحيّ،
أم المتكلم ذات اللغة؟!!

ومع ذلك فهناك آية صريحة يحذر الله فيها بني
إسرائيل أن لا يقبلوا أي نبي من ذرية إسماعيل لأن عهد الله كان مع اسحق (تكوين 17:
18-21، 21: 10-12)

وبغض النظر عن كل هذا فالآية العاشرة من (تثنية 34) تحسم لنا
وجه التشابه بين موسى وبين النبي الموعود به في هذا السفر وهي تقول “مثلك
يكلم الله وجهاً لوجه”. فلا يمكن أن يكون المقصود هو أي نبي.. فيا ترى من هو
هذا النبي؟ إنه السيد المسيح الذي تشابه مع موسى حيث كان مطلوباً قتله في طفولته،
عبراني من الأسباط، وكان ينمو في الحكمة والقامة والنعمة، وقد صنع معجزات عديدة
بشهادة الأعداء قبل الأصدقاء، ولم يكن يكلم الله فقط وجهاً لوجه فهو ” الوحيد
الذي هو في حضن الأب هو خبرّ” (يوحنا 18: 1) بل هو كلمة الله أيضاً باعتراف
الجميع (أعمال 3: 22-26)

 

(3)
ان كلمة الباراقليط المترجمة المعزي هي في الأصل وأصل ترجمتها “المحمود”.
وأنتم قمتم بتحريفها لتكون الروح المعزي بدلاً من اسم النبي. وللرد على هذه
المزاعم نقرأ كلمات المسيح في بشارة يوحنا أصحاحات 14-16 عن صفات الروح القدس،
الروح المعزي. فإذا كانت تنطبق على البريقليط الذي هو الروح المحمود كان الادعاء
صحيحاً، وإن لم يكن كذلك فالقول بالتحريف باطل. قال المسيح:

14: 16 يمكث معكم إلى الأبد

14: 17 لا يستطيع العالم أن يقبله، لأنه لا يراه
ولا يعرفه

14: 25 سيرسله الآب باسمي (إذاً هو رسول المسيح)

15: 25 يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم.

15: 26 فهو يشهد لي.

16: 8-11 يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى
دينونة.

أما على خطية فلأنهم لا يؤمنون بي، وأما على بر
فلأني ذاهب إلى أبي ولا ترونني أيضاً، وأما على دينونة فلأن رئيس هذا العالم قد
دين. فهل يمكن أن تنطبق كل هذه الصفات على شخص أو رسول عادي؟!!!

يمكث معنا إلى الأبد؟!!! لا يراه العالم ولا
يعرفه؟ “رسول المسيح” فيكون المسيح هو الله (حسب قولهم إن الرسول الأتي
سيكون رسول للمسيح “الله”!). يعلمنا ويذكرنا بكل ما قاله السيد المسيح
“أحبوا أعداءكم.. وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يرفع ابن
الإنسان.. أنا والأب واحد.. من يغضب على أخيه باطلاً يكون مستوجب الحكم.. من طلق
امرأته إلا لعلة الزنى يجعلها تزني.. أنا هو الطريق والحق والحياة.. ليس بأحد غيره
الخلاص (غير المسيح).. ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد.. إلي أن تزول السماء والأرض
لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل.!!!!

 

لماذا يحدث التزوير؟

إنه أمر معقول أن يزور الإنسان ليجنى من تزويره
هذا مغنماً معيناً، أو لينجوا بواسطته من خطر معين. أما أن يكذب الإنسان وهو عالم
أن كذبه وتزويره لن يعطياه تاجاً بل صليباً، لا نعيماً بل اضطهاداً، فهذا ما لا
يقبله العقل. إن التاريخ يشهد أنه طوال القرون الثلاثة الأولى للمسيحية لم يكن
نصيب من يتبع المسيح سوى الاضطهاد والموت. وهذا يبعد تماماً شبهة التزوير عن الرسل
أو من عاصروهم من المسيحيين الأوائل.

ثم إن الإنسان قد يكون مستعداً أن يموت دفاعاً
عما يتوهم هو أنه حق، وليس دفاعاً عما يوقن أنه كذب.. قطعاً ما كان المسيحيون
الأوائل سيضحون بحياتهم أو راحة بالهم في سبيل هذا الكتاب، لو كان هذا الكتاب مجرد
أكذوبة!

 

كتابكم محرف لوجود أربعة أناجيل وعدم وجود إنجيل
المسيح هو أكبر دليل على تحريفكم الكتاب الواحد.

وللرد نقول

إن كلمة إنجيل في الأصل اليوناني معناها
“خبر سار” أو “بشارة مفرحة”. وهذا الخبر السار أو تلك البشارة
المفرحة رواها أربعة أشخاص مسوقين بالروح القدس (1 بطرس 1: 21). كل واحد منهم كتب
من زاوية حسب المكتوب إليهم ومفهومهم وخلفيتهم الدينية والاجتماعية. مثلما يُحكى
لك عن حادث موت عشرة أشخاص صباح اليوم ويأتي آخر فيقول شاهدت سيارة ميكروباص تشتعل
فيها النيران فتأتي عليها. ثم يحكي ثالث عن حادث مروع حدث بين سيارتين صباح اليوم،
ويأتي رابع ويحكي عن رعونة سائق ميكروباص أدت إلى وفاة كثيرين. كل واحد يحكي قصة
مختلفة، لكنها واحدة، فهناك سائق أرعن، يقود سيارة ميكروباص، نتج عن سوء سلوكه
تصادم مع سيارة أخرى ملاكي، واشتعلت النار بهما، ومات عشرة أشخاص من الركاب. أما
بخصوص إنجيل المسيح، فالمسيح لم يأت بكتاب منزل، بل جاءنا ببشارة مفرحة، والبشارة
هنا هي شخص المسيح نفسه “المخلِّص” الذي جاء ليفدي البشر، كما قال عنه
الملاك ليوسف في متى 1: 21 “ستلد ابناً وتدعو اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من
خطاياهم” وكما قال البشير يوحنا في بشارته 3: 16-18 “لأنه هكذا أحب الله
العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية.
لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم، بل ليخلص به العالم. الذي يؤمن
به لا يُدان والذي لا يؤمن قد دين، لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد.”

 

قالوا بعد كل هذا الجدل إن إنجيلكم محرف
والإنجيل الصحيح هو إنجيل برنابا!!!!

فما هو إنجيل برنابا؟

نعم هناك ما يدعى إنجيل برنابا منقول إلى
العربية من النسخة الإنجليزية سنة 1907 بواسطة الدكتور خليل سعادة صاحب مكتبة
المنار، وقبله بعض إخواننا الغير مسيحيين لسببين:

1
– إنه يقول إن المسيح ليس ابن الله بل إنسان عادي
.

2
– إنه يقول إن المسيح لم يُصلب بل أُلقي شبهه على يهوذا الإسخريوطي أحد التلاميذ
الاثني

 عشر.

 

يجمع العلماء المدققين على أن هذا الكتاب مزور
ولم يكن موجوداً قبل القرن الخامس عشر، أي بعد موت برنابا ب1500 سنة، كما أنه غير
موجود في مخطوطات الكتاب المقدس.

 

ويكتب الدكتور سال في ترجمته الإنجليزية للقران
أنه وجد نسخة من هذا الكتاب باللغة الأسبانية كتبها رجل يدعى مصطفى العرندي الذي
يدَّعي أنه ترجمها من النسخة الإيطالية، جاء في مقدمتها:

1 – راهب يدعى فرمارينو كان مقرباً للبابا
إسكستوس الخامس دخل ذات مرة سنة 1585 ميلادية مكتبة البابا فعثر على رسالة للقديس
إيريناوس يهجو فيها الرسول بولس مسنداً تنديده إلى إنجيل برنابا. فتحرَّق شوقاً
لرؤية هذا الإنجيل. وحدث أن دخل يوماً إلى المكتبة البابوية مع البابا إسكستوس
، وفيما هما
يتحدثان استولت على البابا سِنة من النوم، فاقتنص الراهب الفرصة وبحث عن الكتاب
فوجده وأخفاه في ثيابه ولبث جالساً إلى أن استفاق البابا من النوم، فاستأذنه
بالانصراف حاملاً معه إنجيل برنابا
.

هذه القصة لا نصيب لها من الصحة لعدة أسباب:

1 – من يراجع مؤلفات القديس إيريناوس لا يجد
فيها إشارة إلى إنجيل برنابا ولا إلى نقد للرسول بولس.

 

2
– وقوع سبات على البابا بناء على صلاة الراهب وعثوره على الكتاب وسرقته دون أن
يراه أحد، كلها تصرفات أقرب إلى الروايات المصطنعة، وليست تصرفات مؤمنين وأصدقاء.
وهل يستجيب الله لصلاة غرضها السرقة؟!!!

 

3

مكتوب في سفر الأعمال أن برنابا نفسه كان رفيقاً لبولس في كرازته في أورشليم
وأنطاكية وإيقونية
، مما يدل على أنه كان مؤمناً بإنجيل المسيح الذي
يتلخص في “المسيح مات كفارة لخطايانا وقام في اليوم الثالث”.

 

ويميل بعض العلماء المدققين إلى الاعتقاد بأن
كاتب إنجيل برنابا هو الراهب فارمارينو نفسه بعد أن اعتنق الإسلام وتسمى باسم
مصطفى العرندي. ويميل بعض آخر إلى الاعتقاد بأن النسخة الإيطالية ليست النسخة
الأصلية بل منقولة عن أصل عربي، لأن مطالع الكتاب يرى أن للكاتب إلماماً واسعاً
بالقرآن لدرجة أن نصوصه تكاد تكون ترجمة حرفية لآيات قرآنية.

 

على أي حال فالثابت أن هذا الإنجيل يروي تاريخ
المسيح بأسلوب يغاير محتويات الأناجيل الصحيحة
.

 

على أن هناك أدلة تثبت أن كاتب إنجيل برنابا لا
صلة له برسل المسيح ولا تلاميذه:

 

1
– جهله بجغرافية فلسطين والبلاد التي كانت مسرحاً للأحداث:

في الفصل 20: 1، 2 ” وذهب يسوع إلى بحر
الجليل ونزل في مركب مسافراً إلى الناصرة، مدينته، فحدث نوء عظيم في البحر
(والمعروف أن الناصرة مدينة على جبل مرتفع في الجليل وليست مدينة بحرية).

الفصل 63: 4-7 “اذكروا أن الله عزم على
إهلاك نينوى لأنه لم يجد أحداً يخاف الله في تلك المدينة، فحاول الهرب إلى طرسوس
خوفاً من الشعب، فطرحه الله في البحر، فابتلعته سمكة وقذفته على مقربة من نينوى.

 (المعروف أن مدينة نينوى كانت عاصمة
للإمبراطورية الآشورية وقد شيدت على الضفاف الشرقية من نهر دجلة على فم رافد اسمه
رافد الخسر، فهي إذاً لم تكن على البحر الأبيض المتوسط).

 

2
– كتابته لقصص لا أساس لها في الأديان السماوية (الفصل 35: 25-27)

حينئذ قال الله لأتباع الشيطان: توبوا واعترفوا
بأني أنا الله خالقكم، أجابوا: إننا نتوب عن سجودنا لك لأنك غير عادل.. ولكن
الشيطان عادل.. وبريء.. وهو ربنا.. وبصق الشيطان حين انصرافه على كتلة التراب،
فكان للإنسان بسبب ذلك سرة في بطنه. (والمعروف أن سرة الإنسان هي مكان اتصال
الجنين بالآم وتقطع حينما يولد وهو ما يعرف باسم الحبل السري).

الفصل 51: 4-20 أجاب يسوع الحق أقول لكم: إني
عطفت على الشيطان لما علمت بسقوطه، وعطفت على الجنس البشري، الذي يفتنه ليخطئ،
لذلك صليت وصمت لإلهنا الذي كلمني بواسطة ملاكه جبريل: ماذا تطلب يا يسوع وما هو
سؤالك؟ أجبت: يا رب أنت تعلم أي شر كان الشيطان سببه، وأنه بواسطة فتنته يهلك
كثيرون وهو خليقتك.. فارحمه يا رب. أجاب الله: يا يسوع انظر فإني أصفح عنه فاحمله
على أن يقول فقط: أيها الرب إلهي لقد أخطأت فارحمني، فأصفح عنه وأعيده إلى حالته
الأولى. قال يسوع: لما سمعت هذا سررت جداً موقناً أني قد فعلت هذا الصلح. لذلك
دعوت الشيطان فأتى قائلاً: ماذا يجب عليَّ أن أفعل لك يا يسوع؟ أجبت: إنك تفعل
لنفسك أيها الشيطان لأني لا أحب خدمتك، وإنما دعوتك لما فيه صلاحك. أجاب الشيطان: إذا
كنت لا تود خدمتي فإني لا أود خدمتك لأني اشرف منك، فأنت لست أهلاً لكي تخدمني،
أنت يا من هو من طين أما أنا فروح.

 

3
– جاء في الفصل 97 أن اليوبيل يقع كل مائة عام مع أنه كل خمسين عام
حتى وجود
المسيح على الأرض (لاويين 25: 11). أما كل مائة عام هذه فكان بأمر البابا بونيفاس
الثامن سنة 1300 ميلادية.

 

 4
– جاء في الفصل 320 أن نيقوديموس وضع 100 رطلاً من العطور
على جثة
يهوذا ظناً منه أنه المسيح. مع أن العثمانيين كانوا أول من استعمل الرطل في
القرن 14
ثم نشروها في البلاد التي فتحوها مثل إيطاليا وأسبانيا.

 

5
– جاء في الفصل 161 أن السماء 9 طبقات عاشرها الفردوس. جاء في الفصل 93، 210 ان
الجحيم مكون من سبع طبقات. جاء في الفصل 270 أن خطايا البشر تعود في النهاية كنهر
إلى إبليس لأنه مصدرها، مع أننا إذا رجعنا إلى الكتب الدينية والفلسفية لا نرى
أحداً قال هذا سوى في الكوميديا الإلهية للشاعر الإيطالي دانتي

 

نرى أن محتويات الكتاب تدل على أنه كتب بعد
القرن 15 كما أن كاتبه لم يكن من أهل فلسطين، لكن من أهالي غرب أوروبا وبالتحديد
من أهالي أسبانيا وذلك للاسباب الآتية
:

1 – جهله بالكثير من جغرافية فلسطين. في الفصل
19، 20، 157، 166 يقول إن الناصرة وأورشليم ميناءان على البحر، مع أن الناصرة
مدينة في السهل وأورشليم مدينة على الجبل.

 

2
في
الفصل 261 أن الحقول والأودية في فلسطين تكون جميلة في الصيف مع أن فلسطين كانت
قاحلة في الصيف
حيث لا تسقط الأمطار، لكن في الشتاء فقط. أما هذه الحالة فهي
في غرب أوروبا.

 

3
في
الفصل 116 أنه في فلسطين توجد مقاطع للأحجار والرخام، مع أنه لا توجد في فلسطين
بل توجد
بكثرة في إيطاليا وأسبانيا.

 

4

في الفصل 167 اليهود يضعون الخمر في براميل ثم يدحرجونها، مع أنهم كانوا يضعونها
في زقاق من الجلد
(يشوع 9: 13) أما البلاد المشهورة بحفظ الخمر في براميل فهي
غرب أوروبا وخاصة إيطاليا وفرنسا وأسبانيا.

 

5
جاء
في الفصل 153 أن العساكر كانوا يتدربون على الفنون الحربية في زمن السلم. مع أن
هذا التدريب لم يكن مألوفاً في فلسطين
أثناء حياة المسيح بل
في بلاد غرب أوروبا.

والخلاصة ان هذا الكتاب يحتوي على كثير من
الخرافات والمتناقضات والمبالغات والتجاديف
.

 

وأذكر لك شهادة بعض العلماء المعاصرين على أنه
إنجيل مزيف:

كتب الأستاذ عباس العقاد في صحيفة الأخبار
الصادرة في 26 أكتوبر 1959 موضوعاً عن هذا الإنجيل به أربع نقاط رئيسية:

لوحظ في كثير من عبارات الإنجيل المذكور أنها
كتبت بصيغة لم تكن معروفة قبل شيوع اللغة العربية في الأندلس وما جاورها.

أن وصف الجحيم في الكتاب يستند إلى معلومات متأخرة
لم تكن شائعة بين اليهود والمسيحيين في عصر الميلاد
.

 أن
بعض العبارات الواردة به تسربت إلى القارة الأوروبية نقلاً عن المصادر العربية،
وليس من المألوف أن يكون السيد المسيح قد أعلن بشارته أمام الألوف باسم “محمد
رسول الله”

 

6-
تتكرر
في هذا الإنجيل بعض أخطاء لا يجهلها اليهودي المطلع على كتب قومه0
ولا يرددها
المسيحي المؤمن بالأناجيل المعتمدة في الكنيسة الغربية، ولا يتورط فيها المسلم
الذي يفهم ما في إنجيل برنابا من المناقضة بينه وبين نصوص القرآن.

قال الدكتور محمد شفيق غربال في الموسوعة
العربية الميسرة تحت كلمة “برنابا” ما يأتي:

إنجيل مزيف وضعه أوروبي في القرن الخامس عشر.
وفي وصفه للوسط السياسي والديني في القدس أيام المسيح أخطاء جسيمة، كما أنه يصرح
على لسان عيسى أنه ليس المسيح، إنما جاء مبشراً بمحمد الذي سيكون المسيح.

 

إزاء هذه الأقوال نقول إن برنابا الحقيقي:

لم يكن من تلاميذ المسيح إذ أنه آمن بعد صعود
المسيح (أع 4: 36)

 

قانونية كاتب سيرة السيد المسيح تتطلب أن يكون
شخصاً عاش مع المسيح وعرف بنفسه كل شئ عنه. أما الأشخاص الذين استخدمهم الله
لتدوين الكتاب كانوا يحاولون دائما إخفاء أنفسهم ولم يذكروا أسماءهم أو شيئاً من
أعمالهم الهامة. وإن اقتضى الأمر ذكر الاسم يكون للضرورة لتسجيل حقيقة وليس
للدعاية.

 

من الذي قام بتحريف الكتاب المقدس (التوراة والإنجيل)

بالنسبة لأسفار العهد القديم

لا يُعقل أن يكون اليهود هم الذين زوروها.
فبالإضافة إلى شهادة المؤرخين على غيرة اليهود الشديدة في الاحتفاظ بالأسفار التي
عندهم وهو نفس ما تقوله عنهم كلمة الله
(رومية 3: 2) فإنهم لو
كان التحريف أمراً وارداًعندهم لحذفوا من التوراة الويلات الموجهة إليهم باعتبارهم
شعب صلب الرقبة. ولبدلوا الأحداث التي تسيء إلى أنبيائهم، بل ولكانوا استأصلوا من
التوراة الآيات والنبوات التي تتحدث صراحة عن صلب المسيح وموته وقيامته، وما
أكثرها مثل
(مزمور 22،
إشعياء 53
) لأن هذه
الأقوال تسبب لهم مشاكل هم في غنى عنها طالما كان مبدأ التحريف وارداً.

كما لا يُعقل أن يكون المسيحيون هم الذين زوروها،
لأنهم في هذه الحالة كانوا سيصطدمون مع أعدائهم التقليديين اليهود، فالتوراة التي
عندهم هي نفسها التي عند اليهود.

 

أما بالنسبة لأسفار العهد الجديد

نقول إن الخلافات العقائدية والمذهبية بين
الكنائس من أول عهدها كانت تقف مانعاً هائلاً إزاء محاولة أي فريق منهم القيام
بهذه الفعلة الآثمة.

ثم نقول لو فرضنا أن فريقاً من اليهود أو
النصارى غلت مراجل الحقد والتعصب في قلوبهم ضد أي نبي يعتقد أنه سيأتي فتواطأوا
معاً واجتمعت كلمتهم أن يحذفوا من التوراة والإنجيل كل ما يتعلق بهذا النبي وقد
فعلوا, فماذا يكون رأيك في بقية المسيحيين واليهود المتفرقين في كل أنحاء العالم ?
فإنهم بدون
شك يرفضون أعمال تلك الجمعية الشيطانية
? ويرفضون الكتاب
المزور خوفاً من أن يشتركوا في جريمتهم العظيمة
.

 

و مالنا ولهذا الفرض ففي
وقائع التاريخ ما يغنينا عنه
, لقد حدث بعدالمسيح بزمن طويل أن
الهراطقة سعوا كثيراً
? لكنهم عجزوا أخيراً عن أن يحرفوا العهد الجديد
على وفق مبادئهم? وهذا يدل على عدم إمكانية هذا المشروع
, وحاول رجل
من أهل العصور الأولى اسمه ماكرون أن يحذف الأصحاحين الأولين من بشارة لوقا فلم
يفلح

لا
بين الجمهور

ولا
بين فريق قليل منهم.

 

ثم نقول لو أن ملكاً أو صاحب سلطة سياسية قام
بعد وفاة موسى بقليل وجمع كل نسخ التوراة أو أصحاحات منها وأحرقها واستنسخ توراة
جديدة من محفوظات بعض اليهود، ومن السطور المكتوبة على العظام وشقق الأخشاب ونشرها
بأمر سلطاني، وألزم رعاياه في كل مكان بالاعتماد على هذه النسخة الجديدة، لما كانت
تبلغ قراءاتها المختلفة إلى المقدار الذي بلغت إليه بدون هذا الفرض
, إلا أننا
كنا نقع في ورطة أدهى وأمر بكثير من اختلاف القراءات، هي ضياع الثقة من التوراة
بالمرة
. لأنه لا
يبقى دليل على أن النسخة الجديدة طبق الأصل، وتكثر الظنون في البواعث التي حركت
ذلك الملك أن يفعل تلك الفعلة المنكرة
.

 

وكذلك تكون النتيجة لو وقع مثل هذا الفرض لأسفار
العهد الجديد في ختام القرن الأول للمسيح، لأنه كان يتعذر علينا اليوم الإتيان
بدليل شاف أن النسخة الجديدة موافقة للأسفار التي أُحرقت وتلاشت من الوجود، وتبقى
الأذهان مرتبكة ومرتابة في صحتها إلى يوم يبعثون! ولكن لله الحمد? فإن مثل هذ الم
يقع في كتابن ولا في أسفار العهد القديم ولا في أسفار العهد الجديد
.

 

قد حدث أن بعض أباطرة الرومان الوثنيين شرعوا أن
يحرقوا نسخ الكتاب المقدس على أمل أن يلاشوه من الوجود لا ليستنسخوا كتاباً جديداً
على هواهم، فدافع المسيحيون عن كتابهم وفدوه بدمائهم
, وكثيراً
ما شرع مضطهِدوهم بمثل هذا الشروع فلم يفلحوا
.

ولو فرضنا أن كل كتبنا أُحرقت عن آخرها بحيث لم
يبق كتاب واحد
.
لكان
المحروق هو الورق فقط ؤ ولكانت كلمة الله هي الباقية, جاء في هذا المعنى يَبِسَ
الْعُشْبُ، ذَبُلَ الزهْرُ. وَأَمَّا كَلِمَةُ إِلَهِنَا فَتَثْبُتُ إِلَى
الْأَبَدِ
(إشعياء 40: 8) تبقى وتثبت
بوسائط كثيرة، منها أن كثيرين من المسيحيين في كل عصر شغفوا بالكتاب المقدس حتى
استظهروا أهم اجزائ، سيما المزامير وأسفار العهد الجديد
, وعليه لا
يمكن أن نتصور ملاشاة الكتاب من الأرض والمسيحيون على ظهرها
.

لما حدث الاضطهاد العظيم في فرنسا في القرن
السادس عشر أقبل قسوس كنائس الإصلاح إلى الكتاب المقدس يحفظونه غيبا
ً, حتى إذا
سُلب من بين أيديهم يكون مدخراً في صدورهم ليستقوا من ينبوع الحياة رأساً ويرووا
الآخرين

,
وقد أصبح معلوم الدى جميع الذين لهم قسط من الفطنة ما بذلته اليهود والنصارى من
منتهى الجهد والحذر في الاحتفاظ على أسفارهم الإلهية نظير أرواحهم، وأصبحت الدعوى
عليهم بأنهم بدلوا وغيروا أسفارهم قبل أو بعد الهجرة دعوى باطلة لا تصدر إلا من
جاهل أو متعصب
!

 

ولزيادة الشرح نقول: ما الفائدة التي كانت
ترجوها اليهود والنصارى من وراء هذه الفعلة المحرمة? وكلٌّ يعلم بحكم العقل والنقل
عظم جريمة تحريف الكتب الإلهية، وقد ورد في ختام العهد الجديد ذكر دينونة هائلة
تحيق بمن يحذف أو يزيد شيئاً على ما هو مكتوب في الكتاب ?
وورد مثل
ذلك في العهد القديم (تثنية 4: 2 ورؤيا 22: 18 و19) وفضلاً عن كونهم لا يستفيدون
شيئاً بل يخسرون رجاءهم فإنهم يعلمون أنهم بتحريفهم كتابهم لا يضرون أنفسهم فقط بل
يضرون أولادهم وأحفادهم وهلم جراً
.

وعدا ذلك نقول إن محمد الم يلبث زمناً طويلاً
حتى بات ذا سلطان عريض وجنود وبيت مال? وكان الأقرب إلى العقل أن النصارى واليهود
الذين في بلاد العرب على الأقل لو كان في كتابهم أخبار عنه أو خبر، لكانوا أسرعوا
به إليه والنسخة في أيديهم تزلّفاً إليه، إن لم يكن حباً في الدين فحباً في
الدنيا, ولكان محمد وأتباعه يحرصون الحرص كله على كل تلك النسخ العزيزة التي شهدت
له وشهد لها، عوضاً عن أن يحذفوا من كتابهم تلك الأخبار، ويعرّضون أنفسهم بغير
داعٍ لحرب لا قِبل لهم بها، ويدفعون الجزية عن يدٍ وهم وينحدرون من مقام الحرية
والمساواة إلى مقام الذمي الوضيع? ويبيتون هدفاً من آونة إلى أخرى للمذابح
والفظائع كالتي جرت حتى في القرن العشرين في أطنة وما جاورها,

 

لو كان اليهود والنصارى آمنوا برسول الإسلام
ورحبوا برسالته على العين والرأس لما نجوا فقط من هذه الرزايا، بل كانوا شاركوا
المسلمين في حظوظهم وامتيازاتهم الدنيوية, لكن أبت نفوسهم أن ترد هذا المنهل،
واعتصموا بإيمان آبائهم ولم يعيروا جانباً من الالتفات لخطبة الجمعة المذيلة بدعاء
التهديد والإرهاب ينادى بها على المنابر في سائر أطراف مملكة آل عثمان، كقول
الخطيب على منبره: اللهم رمِّل نساءهم، ويتِّم أطفالهم،وخرِّب كنائسهم، وكسر
صلبانهم، واجعلهم وأموالهم غنيمة للمسلمين الخ , أليس من البيّن والجلي أنه إذا
وُجد يهودي أو مسيحي كائن من كان جزءاً في كتابه يأمره بانتظار نبي أخر لكان بكل
سرور اندمج في سلك الصحابة والتابعين? ويفوز بسعادة الدارين ?

وعدا ذلك فإنه نبغ في العالم مؤرخون عظماء بين
مختلف الأديان أن سجلوا في مؤلفاتهم حوادث الزمان, وباطلاعنا على توراتهم لم نر
أثراً في تاريخ أحد منهم يدل على تواطؤ النصارى واليهود على حذف شيء من الأسفار
المقدسة.

 

وإن فرضنا أنه وُجد بين النصارى أو اليهود طائفة
انتزعت مخافة الله من قلوبهم والحياء من الناس، بحيث لم يعودوا يبالون بعذاب الله
ولا بملام الناس? وشرعوا يحذفون خبر من التوراة والإنجيل، فإنهم يجدون ذلك ضرباً
من المحال بسبب أن الديانة المسيحية وكتبها كانت قد انتشرت انتشاراً عظيماً، حتى
أن سكان آسيا الصغرى وسوريا واليونان ومصر والحبشة وشمالي أفريقيا وإيطاليا قد
اعترفت بالمسيح, بل وأكثر من ذلك فإن كثيرين في جزيرة العرب وبلاد فارس والأرمن
والقوقاز والهند وفرنسا وأسبانيا والبرتغال وانكلترا وألمانيا قد قبلوا المسيحية
أيضاً
، ولهذه
البلاد لغات مختلفة تُرجم الكتاب إلى كثير منها،فتُرجم إلى الطليانية والأرمنية
والأشورية والقبطية والكوشية والقوطية والقوقازية, وعدا هذه كانت التوراة موجودة
في الأصل العبراني والعهد الجديد موجوداً في الأصل اليوناني، وتُرجمت التوراة كلها
إلى اليونانية، وسُميت الترجمة السبعينية، وتُرجم كثير منها إلى الآرامية من قبل
ميلاد المسيح
.

 

متى تم هذا التحريف؟

الاحتمالات الموجودة أربعة لا خامس لهم. إما قبل
السيد المسيح أو بعده أو قبل الإسلام أو بعده.

 

فإذا كان قبل المسيح قلنا: لايمكن للأسباب
الآتية:

1-
اقتبس السيد المسيح منها حين جُرب في البرية وكانت إجاباته كلها من التوراة مبتدأً
بالقول “مكتوب”. فهل يمكن أن يقتبس من كتاب محرف؟!

 

2-
قال السيد المسيح يو 5: 39 لليهود “فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة
أبدية هي التي تشهد لي”؟!! فكيف يحيل اليهود ليفتشوا في كتاب محرف.

 

3-
قال لليهود (يو 5: 46) موسى كتب عني ذاكراً التوراة فهل يمكن أن يذكر كتاباً
محرفاً؟

وإذا كان التحريف بعد المسيح أي في عصر التلاميذ،
قلنا أيضاً لا يمكن:

لأن التلاميذ اقتبسوا من التوراة في سرد قصة
حياة السيد المسيح مستشهدين بنبوات الكتاب “كما قيل بالنبي القائل، كما قال
النبي..” فكيف يستشهدون بكتاب محرف؟!!

 

هل يمكن قبل الإسلام؟ نقول: لا يمكن،

لأن القرآن ذكر التوراة والإنجيل بخير الكلام
وأحلى الصفات مُذكراً أهل الإنجيل بإقامة أحكامه، واصفاً من لم يقم بها
“بالفاسقين” (مائدة 5: 47) كما أنه ينصح المؤمنين به بسؤال أهل الكتاب
في حالة الشك فيما أنزل إليه (يونس 10: 94) والمؤمنين بسؤال أهل الذكر، إذا كانوا
لا يعلمون (النحل 16: 43). ولم يذكر لنا شيئاً عن الكتاب المحرف ولا وصية بالبُعد
والحذر منه وتنبيه المؤمنين من أهله حتى لا يختلط الأمر عليهم.

 

إذاً هل يمكن أن يكون تم التحريف بعد الإسلام؟

وبتلك الدعوى يكون النبي والمسلمون قد أخفقوا في
تنفيذ أمر الله لهم والذي جاء في المائدة 5: 48 (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ
الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ
وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) مطالباً إياهم أن يحفظوا الكتاب (التوراة والإنجيل) من
الضياع والتحريف
فيُسألون عن ذلك.

كما لم يعلن أحد من الأئمة والمفسرين الأولين عن
هذا ويحذرون من المحرف ويروجون السليم، أو قل أضعف الإيمان يحتفظون بالسليم لأنه
كلمة الله ليكون شاهداً على أهل البدع والتحريف معلنين آيات التحريف أو الأجزاء
التي تم تحريفها بكل وضوح وجلاء حتى لا يلتبس الأمر على المسلم الأمين بل يكون على
علم يقين.

 

 

 

كتاب.. وقرار
بقلم جوش ماكدويل

الفصل الأول

الكتاب الفريد

فريد في بقائه

1
– بقي خلال الزمن لقد كُتب على مواد قابلة للفناء (طالع بداية الفصل القادم)، وكان
يجب أن يُنقل بخط اليد على مدى المئات من السنين قبل اختراع المطابع، ولكن هذا لم
ينقص من أسلوبه أو صحته أو بقائه. وتوجد اليوم مخطوطات قديمة من الكتاب المقدس
تزيد عن المخطوطات الموجودة لعشر كتب من الروائع القديمة مجتمعة معاً (طالع الفصل
الرابع). وقال أحد الكُتَّاب: “هناك ثمانية آلاف مخطوطة للفولجاتا اللاتينية،
وعلى الأقل ألف مخطوطة من ترجمات أخرى. وهناك أربعة آلاف مخطوطة باليونانية و13
ألف مخطوطة لأجزاء من العهد الجديد. فضلاً عن أجزاء بكاملها من العهد الجديد يمكن
تجميعها من الاقتباسات المأخوذة عن كتابات المسيحيين الأولين” (7). ولو أننا
نظرنا باستخفاف إلى هذا السيل من المخطوطات القديمة لتركنا الكتابات الكلاسيكية
القديمة كلها تضيع هباء.

قال أحد الدارسين: “حافظ اليهود على
مخطوطات الكتاب كما لم يحدث مع أي مخطوطة أخرى. لقد حافظوا على شكل وعدد كل حرف
ومقطع وكلمة وفقرة. وكانت عندهم طبقة خاصة من الناس متخصصون في نسخ هذه المخطوطات
بكل أمانة ودقة، هم جماعة “الكتبة”. فأي شخص أحصى حروف ومقاطع وكلمات
كتابات أفلاطون أو أرسطو أو شيشرون أو سنيكا، أمّا في العهد الجديد فعندنا 13 ألف
مخطوطة كاملة أو ناقصة، باليونانية وبلغات أخرى. ولم يحدث لأي عمل قديم أن لقي هذا
الاهتمام أو الحفظ” (8).

في مقال لمجلة “نورث أمريكان ريفيو”
نشر أحدهم مقارنة ممتعة بين كتابات شكسبير والكتاب المقدس، أوضح فيها أن الكتاب لا
بد أنه لقي اهتماماً خاصاً يفوق كل اهتمام لقيه أي كتاب آخر. وقال إنه من الغريب
أن نصوص شكسبير التي صدرت منذ 208 سنة فقط بها الكثير من المشكوك فيه ومما تناوله
التغيير، بينما العهد الجديد الذي عمَّر أكثر من 18 قرناً (عاش خمسة عشر قرناً
منها في مخطوطات خطِّية) ليس به هذا العيب. إن كل نصوص العهد الجديد (باستثناء
اثنتي عشرة أو عشرين آية) مضبوطة تماماً بإجماع العلماء. ويدور الاختلاف في
القراءات حول تفسير الكلمات (المعنى) لا حول الكلمات نفسها. هذا بينما نجد في كل
رواية من روايات شكسبير السبع والثلاثين، نحو مئة قراءة مختَلَفٌ عليها، يؤثّر
الكثير منها على المعنى المقصود (5).

 

2
– لقد بقي خلال الاضطهادات العنيفة، إذ لم يلقَ كتاب آخر مثلما لقيه الكتاب المقدس
من اضطهاد. حاول كثيرون أن يحرقوه ويمنعوه، منذ أيام أباطرة الرومان حتى الحكم
الشيوعي في العصر الحاضر. وقال الملحد الفرنسي المشهور فولتير (توفي عام 1778) إنه
بعد مائة سنة من وقته ستكون المسيحية قد امَّحت وصارت تاريخاً. ولكن ماذا حدث؟ لقد
صار فولتير في ذمة التاريخ، وزاد توزيع الكتاب المقدس في كل جزء من العالم، يحمل
البركة أينما وُجد. فمثلاً بُنيت الكاتدرائية الإنكليزية في زنزبار على موقع سوق
العبيد القديم. ووُضعت مائدة العشاء الرباني فوق البقعة التي كان العبيد يُجلَدون
فيها. وهناك الكثير من مثل هذه الحالة. إنَّ وضْع أكتافنا في عجلة لنمنع دوران
الشمس أسهل من أن نُوقف توزيع الكتاب المقدس. ولم تمض خمسون سنة على وفاة فولتير
حتى استعملت جمعية جنيف للكتاب المقدس مطبعته ومنزله لنشر الكتاب المقدس! (1)

في عام 303 م أصدر دقلديانوس أمراً بالقضاء على
المسيحية وكتابها المقدس، بإحراق الكنائس والكتب المقدسة، وحرمان كل مسيحي من
الحقوق المدنية. ولكن الامبراطور الذي خَلَفه على العرش كان قسطنطين الذي أوصى
يوسابيوس بنسخ خمسين نسخة من الكتاب المقدس على نفقة الحكومة.

إن الكتاب فريد في بقائه، لا يسنده في هذا
البقاء إلا ما جاء فيه والإعلان الذي جاء به، لأنه من عند اللّه. وهذا يعني أنه
يقف متفردا بين كل الكتب، وعلى كل باحث عن الحق أن يدرس هذا الكتاب الفريد الذي
يتميز بهذه الصفات.

 

3
– بقي برغم النقد. حاول الملحدون على مدى ثمانية عشر قرناً أن يلقوا بالكتاب جانبا،
لكنه بقي كصخرة صامدة، زاد توزيعه، وزاد حب الناس له، لم يؤثر فيه نقد النقاد كما
لا يؤثر خبط مطرقة صغيرة في بناء الهرم. عندما حاول الملك الفرنسي أن يضطهد
المسيحيين في دولته قال له محارب قديم من رجال الدولة: “يا سيدي، إن كنيسة
اللّه هي السندان الذي أبلى كل المطارق”. ولقد حاولت مطارق كثيرة إيذاء
الكتاب المقدس، فبليت هي وبقي هو! ولو لم يكن هذا هو كتاب اللّه، لدمَّره البشر
منذ زمن طويل. لقد حاول ملوك وبابوات، وأباطرة وكهنة، وأمراء وحكام أن يمدُّوا
أيديهم إليه بالأذى، فماتوا هم، وبقي هو حياً (5). لقد أعلن البعض، آلاف المرات،
موت الكتاب، ورتّبوا جنازته، وجهزوا شاهد قبره، لكن الكتاب ظل حياً، ولم يحدث أن
كتاباً آخر لقي كل هذه الغربلة والطعنات، فأي كتاب من كتب الفلسفة أو المذكرات لقي
ما لقيه الكتاب المقدس من تجريح، على كل آية فيه.. ولكن الكتاب المقدس بقي محبوباً
من الملايين، يقرأه الملايين ويدرسه الملايين، لأنه يملأ احتياجات الملايين.

 

وقد جاءت موجة ما سُمِّيت “بالنقد
العالي” للكتاب، ولكنها سقطت الآن. قالوا مثلاً إن موسى لم يكتب الأسفار
الخمسة، لأن الكتابة لم تكن معروفة زمن موسى، فلا بد أن الكاتب جاء بعد زمن موسى.
بل إن النقاد قسموا كل آية إلى ثلاثة أجزاء، وعزوا كل جزء إلى كاتب معيَّن، وهكذا
بنوا ما دعوه “النقد العالي”!

ولكن العلم اكتشف شريعة حمورابي، الذي كان سابقا
لموسى، وسابقاً لإبراهيم (2000 ق.م.) فكانت الكتابة قبل موسى بثلاثة قرون على
الأقل، ولا زال العلماء يدرسون “النقد العالي” ولكن باعتبار أنه نظرية
خاطئة.

ومضى النقاد يقولون إن أسوار أريحا لم تسقط في
مكانها كما ورد في يشوع 20: 6. ولكن الحفريات برهنت صدق القصة الكتابية. وقال
النقاد إنه لم يكن هناك شعب اسمه “الحثّيون” لأننا لم نجد لهم مكاناً في
التاريخ العالمي ولكنهم كانوا مخطئين، فقد كشفت الحفريات عن مئات الإشارات إلى
الحضارة الحثية التي استمرت نحو 1200 عام. وقد قال العالم اليهودي نلسون جليك
(يُعتبر أحد أعظم ثلاثة علماء للحفريات): “لقد اتَّهموني أني أعلّم بالوحي
الحرفي الكامل للكتب المقدسة، وأحب أن أقول إنني لم أقل هذا. ولكني لم أجد في كل
بحوثي في الحفريات ما يناقض أي عبارة من كلمة اللّه” (9).

لقد وقف الكتاب وقفة فريدة في وجه النّقاد، لم
يثبت كتاب آخر غير في مثل هذا الموقف كما ثبت هو. وكل من يفتش عن الحق، عليه أن
يدرس هذا الكتاب ليجده فوق كل نقد!.

 

أدلة وحي الكتاب المقدس

سأل أحدهم الواعظ المشهور سبرجن عما أذا كان
يمكنه الدفاع عن الكتاب المقدس فأجاب سبرجن قائلاً: ماذا تقول؟! أنا أدافع عن
الكتاب المقدس!! وهل يدافع أحد عن الأسد؟!! وهذا صحيح تماماً، فالكتاب المقدس يحمل
في ذاته دلالة وحيه، وكل سطوره وكلماته تحمل الدليل على أنه كتاب الله. ولهذا فهو
لا يحتاج منا أن ندافع عنه، بل هو الذي يدافع عن نفسه.

 

مرة ذهب أحد الشباب إلى خادم الرب، وكان قد تأثر
بأفكار الملاحدة، وطلب منه أن يذكر له اسم كتاب يثبت حقيقة وحي الكتاب المقدس.
فقال له الخادم: “الكتاب المقدس” أجاب الشاب عفواً، إنك لم تفهمني.
أريدك أن تذكر لي اسم كتاب يبرهن أن الكتاب المقدس صحيح، أجاب الخادم: أنا لم
أخطيء فهمك، إقرأ الكتاب المقدس.. وهذا صحيح تماماً ؛ أترانا محتاجين أن نوقد
مصباحاً لكي نرى الشمس؟! إن الذي لا يرى النور هو ليس بحاجة إلى براهين لإثبات
وجود النور، بل إلى البصر لكي يراه.

والآتي بعض الأدلة الموجزة على وحي الكتاب
المقدس. لكن لاتكتفي بها، بل أقرأ الكتاب المقدس بنفسك، واكتشف عصمته وعظمته بنفسك.

 

الدليل الأول: قوة تأثيره

لا يوجد كتاب أثر في تاريخ البشرية بعمق مثل
مافعل الكتاب المقدس. ولا يوجد شيء في الوجود كتبت عنه المؤلفات التي يستحيل حصرها
مثل ماحدث مع الكتاب المقدس.

هو كتاب كل العصور إذ لا يوجد كتاب قديم مثله
لازال البشر يقرأونه بشغف وخشوع، مما يدل على أن صاحبه هو الله الأزلي الأبدي

مرة وقف أحد المبشرين يعظ، فقاطعه فيلسوف كان
حاضراً الإجتماع بالقول: من قال إن الكتاب الذي تعظ منه هو كتاب الله؟ فرد المبشر عليه
بهدوء طالباً منه إن كان بوسعه أن يحضر إلى الإجتماع في اليوم التالي ومعه شخص
واحد كان معروفاً في المدينة بفساده وشره، ولما قرأ فلسفاته أو أية فلسفة أخرى
تغيرت حياته إلى حياة جديدة فاضلة. وفي المقابل لذلك فإنه (أي المبشر) مستعد أن
يحضر معه عشرات ممن كانوا أشراراً وسكيرين لكن الكتاب المقدس بدل حياتهم إلى حياة
التقوى والسعادة

 

الدليل الثاني: وحدة موضوعه

إنك إذا قرأت الكتاب المقدس بإخلاص سوف تُقِر
بالوحدة العجيبة التي تجمعه. وكم يبدو هذا غريباً إذا علمت أنه كُتِبَ بواسطة
كُتّاب مختلفين عاشوا في أزمنة متباعدة، وظروف اجتماعية متباينة؛ مبتدأ بموسى الذي
تهذب بكل حكمة المصريين، منتهياً بيوحنا صياد السمك. وبين أول وآخر مَنْ كَتَبَ
مرت 1600 سنة، أي نحو أربعين جيلاً فيها قام نحو أربعين كاتباً مختلفاً بكتابة
أسفار الكتاب المقدس.

كان من بين من استخدمهم الروح القدس لكتابة
أسفار الكتاب المقدس الطبيب كلوقا وجاني الجميز كعاموس والفيلسوف كبولس والشاعر
كداود والقائد العسكري كيشوع والكاتب الديني كعزرا والملك كسليمان ورئيس الوزراء
كدانيال والعشار كمتى والصياد كبطرس.

لكن على الرغم من ذلك التنوع والتباين في
الكُتّاب خرج في النهاية كتاب واحد وفكر متجانس يربط صفحاته معاً من الأول إلى
الآخر. مما يؤكد أن الكُتَّاب البشريين كتبوا واحداً تلو الآخر وماتوا، لكن الكاتب
الحقيقي، استمر من الأول للآخر، هو الروح القدس.

ثم ان هناك تكامل تاريخي يغطي تاريخ البشرية من
البداية إلى النهاية دون فجوات تاريخية. فسفر ينتهي ليبدأ سفر آخر من حيث انتهى
سابقه تماماً، كأن الكاتب الأول سلم الرآية لمن تلاه. مع أنهما قد لا يكونان
التقيا على الأرض إطلاقاً! وهذا التكامل التاريخي لم يكن من عمل إنسان، لكنه نما
شيئاً فشيئاً عبر الأجيال حتى برز إلى الوجود بهذا الكمال المعجزي.

ففي أسفار موسى نرى صوراً ورموزاً عن المسيح

وفي كتاب الأنبياء نجد النبؤات عن المسيح

وفي المزامير نستمع إلى مشاعر المسيح وهو على
الأرض

ثم في الأناجيل نلتقي بشخص المسيح

وفي الرسائل نجد ثمار المسيح التي ينبغي أن تظهر
في تابعيه.

 

الدليل الثالث صدق نبؤاته

إن نبؤات الكتاب المقدس هي واحد من أولى الأدلة
على وحيه. لأن من يستطيع أن يخبرنا عما سيحدث بعد مئات والآف السنين سوى الله؟ فإن
كان هذا الكتاب يحتوي على نبؤات قيلت قبل حدوثها بأجيال وقرون وتمت بكل دقة، فهذا
دليل لا ينقص على أنه فعلاً كلمة الله.

لقد حسب أحد الدارسين عدد نبؤات الكتاب المقدس
فوجدها 10385 نبوة

 

النبوات عن المسيح

لقد وردت في العهد القديم نحو 333 نبوة عن
المسيح مثل:

إنه سيولد من عذراء (انظر إشعياء 14: 7، متى 23،22:
1)

وانه سيولد في بيت لحم (انظر ميخا 2: 5، متى 6،5:
2)

وعن التجائه إلى مصر (انظر هوشع 1: 11، متى 15: 2)

وعن دخوله أورشليم في موكب راكباً على جحش (انظر
زكريا 9: 9، متى 5،4: 21)

وان أحد تلاميذه سيخونه (انظر مزمور 9: 41،
يوحنا 18: 13)

وعن موته على الصليب (انظر مزمور 6: 22، متى 35:
27)

وعن دفنه في قبر رجل غني (انظر اشعياء 9: 53،
متى 57: 27-60)

وعن قيامته (انظر مزمور 10: 16، أعمال 31: 2)

هذه النبؤات وكثيرة غيرها يتضمنها الكتاب المقدسكتاب الله وهي موجودة
في توراه اليهود الذين يكرهون يسوع وينكرون أنه المسيح.

فهل تمت هذه النبؤات كلها في الرب يسوع مصادفة
أم أن وجودها في التوراه يؤكد أن التوراه هو جزء من كتاب الله العظيم، الكتاب
المقدس؟!

والآن بعد أن وضح أن هذا الكتاب الفريد هو كلمة
الله فماذا نفعل بالكلمة؟

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى