اللاهوت الدفاعي

فجر العقيدة المسيحية



فجر العقيدة المسيحية

فجر العقيدة المسيحية

القمص عبد المسيح بسيط أبو الخير

كاهن كنيسة السيدة العذراء الأثرية
بمسطرد

 

أن تاريخ العقيدة
المسيحية هو تاريخ الفداء الذي أتمه المسيح ابن الله الكلمة الذي ظهر على الأرض في
ملء الزمان، ولكن هذا التاريخ يمتد إلى ما وراء، إلى الأزل وما قبل الخليقة، فهو
تاريخ المسيح ابن الله الكلمة في عمله الفدائي وتاريخ الفداء، فداء البشرية، تاريخ
ملحمة الخلاص الإلهي للإنسان، المُعد قبل تأسيس العالم. فقد يتصور البعض أن هذا
التاريخ، الذي هو تاريخ العقيدة المسيحية، يبدأ بميلاد المسيح من العذراء أو بحلول
الروح القدس يوم الخمسين، مع أن هذا هو ما حدث فعلاً في الزمان، وما ظهر في تاريخ
البشرية، إلا أن ذلك من الوجهة الإلهية وبحسب تدبير الله ومشورته الأزلية غير
دقيق!! لأن تاريخ الفداء وملحمة الخلاص المسيحي يمتد لما وراء إلى ما قبل خليقة
آدم والسقوط بل يمتد إلى ما قبل تأسيس العالم!! يرجع إلى اللحظة التي فيها قرر
الله خلق الإنسان والبشرية، هذه اللحظة غير معلومة الزمن، لأنها قبل خليقة الأرض
والزمان، بل مرتبطة بمشورة الله الأزلية وتدبيره الأزلي وعلمه السابق.

 وما يعلنه لنا الكتاب
يقول؛ أنه عندما رتب الله بحسب مشورته الإلهية وتدبيره الإلهي وعلمه السابق أن
يخلق الإنسان على صورته ومثاله، كشبهه، قرر أن يخلقه عاقلا حرا يتصرف بحرية كاملة
وغير مجبر على شيء في كل أعماله وتصرفاته، وقد رأي الله بعلمه السابق أن هذه
الحرية ستؤدي به إلى السقوط، ولكن الله الذي خلق جميع الكائنات العاقلة أعطاها
الحرية الكاملة، لذا قرر، بحسب مشورته الإلهية وعلمه السابق، أن يقدم له الفداء
بتجسد ابنه الوحيد، كلمته، في لحظة ما وتوقيت مرتبط بالزمن الأرضي اسماه الوحي
الإلهي ب ” ملء الزمان ” (غل4: 4). ومن هنا يقول لنا الكتاب أن
هذا السر، سر التجسد والفداء، كان مقررا ومرتبا ومحتوما كما يقول الكتاب: ” قبل
الأزمنة الأزلية
“؛ ” الذي خلصنا ودعانا دعوة مقدسة لا بمقتضى
أعمالنا بل بمقتضى القصد والنعمة التي أُعطيت لنا في المسيح يسوع قبل الأزمنة
الأزلية
” (2تي1: 9)، ” والقادر أن يثبتكم حسب إنجيلي والكرازة
بيسوع المسيح حسب إعلان السر الذي كان مكتوماً في الأزمنة الأزلية
ولكن
ظهر الآن وأعلم به جميع الأمم بالكتب النبوية حسب أمر الإله الأزلي لإطاعة الإيمان

(رو16: 25و26)، ” إذ سبق (الله) فعيننا للتبني بيسوع المسيح لنفسه حسب مسرة
مشيئته … إذ عرفنا بسر مشيئته حسب مسرته التي قصدها في نفسه. لتدبير ملء
الأزمنة ليجمع كل شئ في المسيح
ما في السموات وما على الأرض في ذاك الذي فيه
أيضا ذلنا نصيباً معينين سابقاً حسب قصد الذي يعمل كل شئ حسب رأي مشيئته ”
(اف1: 5-7). ويقول أيضا ” أنه بإعلان عرفني بالسر … سر المسيح. الذي
في أجيال أخر لم يعرف به بنو البشر كما أُعلن الآن لرسله القديسين وأنبيائه بالروح

وأنير الجميع في ما هو شركة السر المكتوم منذ الدهور في الله
خالق الجميع بيسوع المسيح. لكي يعرّف الآن عند الرؤساء والسلاطين في السماويات
بواسطة الكنيسة بحكمة الله المتنوعة حسب قصد الدهور الذي صنعه في المسيح يسوع
ربنا

” (أف3: 3-5و9-11)، ”
السر المكتوم منذ الدهور
ومنذ الأجيال لكنه الآن قد أظهر لقديسيه الذين أراد الله أن يعرّفهم ما هو غنى مجد
هذا السر في الأمم الذي هو المسيح فيكم رجاء المجد

(كو1: 26و27).

 وأخيرا يقول القديس
بطرس بالروح: “
عالمين أنكم افتديتم لا بأشياء تفنى بفضة أو ذهب
من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الآباء بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب
ولا دنس دم المسيح معروفا سابقا قبل تأسيس العالم ولكن قد أظهر في الأزمنة الأخيرة
من أجلكم
” (1بط1: 18-20).

 ولأن هذا السر، سر
الفداء، يخص البشرية جميعا فقد كشف عنه الله بروحه القدوس لأنبياء العهد القديم
ودونوه في الأسفار المقدسة، ولكنهم انتظروه وعايشوه في شكل رموز ونبوات دونوها
بالروح القدس في الأسفار النبوية وبشروا بها الأجيال التالية، وكانت شهوتهم أن
يعيشوا هذا السر ويعاينوه بأنفسهم، ولكنهم عاينوه بالروح، كما يقول القديس بطرس
بالروح: ”
نائلين غاية إيمانكم خلاص النفوس. الخلاص
الذي فتش وبحث عنه أنبياء. الذين تنبأوا عن النعمة التي لأجلكم باحثين أي وقت أو
ما الوقت الذي كان يدل عليه روح المسيح الذي فيهم إذ سبق فشهد بالآلام التي للمسيح
والأمجاد التي بعدها
. الذين أعلن لهم أنهم ليس لأنفسهم بل لنا كانوا يخدمون
بهذه الأمور التي أخبرتم بها انتم الآن بواسطة الذين بشروكم في الروح القدس المرسل
من السماء التي تشتهي الملائكة أن تطّلع عليها
” (1بط1: 9011).
أو كما يقول القديس بولس في الرسالة إلى العبرانيين: ”
في
الإيمان مات هؤلاء أجمعون وهم لم ينالوا المواعيد بل من بعيد نظروها وصدقوها وحيوها
واقروا بأنهم غرباء ونزلاء على الأرض
” (عب11: 13).

 وقد دونوا بالروح كل
ما يختص به وبشخصه وعمله الفدائي، وقد شرح نبواتهم هذه وفسرها الرب يسوع المسيح
نفسه وأوضحها لتلاميذه: ”
وقال لهم هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وأنا بعد
معكم انه لا بد أن يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والأنبياء والمزامير


(أع24: 44)، ومن ثم يقول القديس بولس الرسول: “
وأعرّفكم أيها الأخوة بالإنجيل الذي بشرتكم به وقبلتموه وتقومون فيه وبه أيضا
تخلصون أن كنتم تذكرون أي كلام بشرتكم به إلا إذا كنتم قد آمنتم عبثا. فأنني سلمت إليكم
في الأول ما قبلته أنا أيضا أن المسيح مات من اجل خطايانا حسب الكتب. وانه دفن
وانه قام في اليوم الثالث
حسب الكتب ” (1كو15: 1-4).
والرب يسوع
المسيح نفسه يقول ليهوذا عن حتمية صلبه موته: “
أن ابن الإنسان ماض
كما هو مكتوب عنه
” (مت26: 24). ولما حاول القديس بطرس الدفاع عنه وقت
القبض عليه قال له الرب: ”
رد سيفك إلى مكانه. لأن كل الذين
يأخذون السيف بالسيف يهلكون. أتظن أني لا استطيع الآن أن اطلب إلى أبي فيقدم لي أكثر
من اثني عشر جيشا من الملائكة. فكيف تكمل الكتب انه هكذا ينبغي أن يكون

(مت26: 52-54).
وقال لتلاميذه من قبل: ” وكيف هو مكتوب عن ابن الإنسان
أن يتألم كثيرا ويرذل
” (مر9: 12). وقال القديس
بطرس لرؤساء اليهود: ”
وأما الله فما سبق وأنبأ به بأفواه جميع أنبيائه أن يتألم المسيح قد تممه هكذا
فتوبوا وارجعوا لتمحى خطاياكم لكي تأتي أوقات الفرج من وجه الرب. ويرسل يسوع
المسيح المبشر به لكم قبل
” (أع3: 18-20). وقال لتلاميذه بعد قيامته:
أما كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده. ثم ابتدأ من موسى
ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب … وقال لهم هذا هو
الكلام الذي كلمتكم به وأنا بعد معكم انه لا بد أن يتم جميع ما هو مكتوب عني في
ناموس موسى والأنبياء والمزامير. حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب. وقال لهم هكذا هو
مكتوب وهكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث. وان
يكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم مبتدأ من أورشليم

(لو24: 26و27و46و47). وكما يقول الكتاب أيضاً: ” فإذ ذاك
كان يجب أن
يتألم مرارا كثيرة منذ تأسيس العالم
ولكنه الآن قد اظهر مرة عند انقضاء
الدهور ليبطل الخطية بذبيحة نفسه ” (عب9: 26).

 مما سبق يتبين لنا أن
تاريخ العقيدة المسيحية هو تاريخ الفداء، أو تاريخ ملحمة الخلاص الإلهي للبشرية،
الذي كان مقرراً منذ الأزل في تدبير الله الأزلي وبحسب مشورته الإلهية وعلمه
السابق. وقد أعلن عنه للآباء والأنبياء بالروح القدس في العهد القديم، وظهر على
الأرض في ملء الزمان وكرزت به الكنيسة لكل الشعوب والأمم بعد حلول الروح القدس
وبالإجماع عظيم هو سرّ التقوى الله ظهر في الجسد تبرر في الروح تراءى لملائكة
كرز به بين الأمم أومن به في العالم رفع في المجد
” (1تي3: 16)، ” ولكن
لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودا من امرأة مولودا تحت الناموس ليفتدي الذين
تحت الناموس لننال التبني
” (غل4: 4و5).

 ولكي ندرس
هذا التاريخ ونفهمه جيداً يجب أن ندرسه من خلال العهد القديم ومن خلال كتابات
اليهود فيما بين العهدين التي سجلوا فيها تفسيرهم وفهم لما جاء بهذه النبوات عن
شخص المسيح الآتي وألقابه، ما بين ملاخي ويوحنا المعمدان، وأيضا من خلال الفكر
اليوناني الذي كان سائداً في الفترة السابقة لميلاد المسيح والمعاصرة له، خاصة في
فكره الكلمة، كلمة الله، الميمرا (
Memra) في اليهودية واللوجوس (Logos) في اليونانية، وما كتبه مؤرخي اليونان والرومان غيرهم من الذين
عاصروا فجر المسيحية، وشهدوا، دون قصد منهم، عن إيمان المسيحيين في القرن الأول
وعقيدتهم في المسيح، وكذلك يوسيفوس الكاهن والمؤرخ اليهودي (36 -100م) الذي ولد
بعد صعود الرب يسوع المسيح وعاصر كرازة التلاميذ وخلفائهم، ثم بحسب شهادة المسيح
عن نفسه وإعلانه في العهد الجديد عن نفسه وعن حقيقة التعدد في الذات الإلهية لله
الواحد. وشهادة التلاميذ عنه وكذلك شهادة اليهود من جهة رد فعلهم لإعلانه عن نفسه
كابن الله وكلمة الآب الذي من ذات الآب.

 

1 –
العقيدة في العهد القديم:

وقبل أن
نقدم العقيدة في العهد القديم نوضح أننا نقدمها لا بمفهوم اليهود الضيق لها ولكن
بالمفهوم الذي شرحه وأوضحه الرب يسوع المسيح بنفسه لتلاميذه في العهد الجديد، فقد
شرح الرب يسوع المسيح لتلاميذه المفهوم الروحي الصحيح وكل ما يختص به في العهد
القديم، كما بينّا أعلاه، وقد استشهد العهد الجديد بالعهد القديم وأشار إليه حوالي
2500 مرة، وتنبأ عن المسيح أكثر من 400 نبوّة مباشرة، وقد أظهرت ترجمة
Nestle للعهد الجديد أن العهد الجديد اقتبس 224 فقرة من 103 مزمورا
مختلفا وإذا حسبنا تكرار بعض هذه الفقرات في العهد الجديد يصبح عدد هذه الاقتباسات
280 اقتباسا منها حوالي 50 اقتباس لنبوات عن الآلام والصلب والقيامة والصعود
وانتشار الإنجيل في جميع الأمم. وذلك
غير النبوات الرمزية. ونركز
هنا على عقيدة العهد القديم من جهة الله والمسيح ككلمة الله وابنه الوحيد المولود
من الآب قبل كل الدهور والروح القدس، وملحمة الفداء والخلاص المعد سابقاً قبل
تأسيس العالم!!

(أ) عقيدة
الله:
يعلن لنا العهد القديم حقيقة أن الله واحد لا إله غيره أو سواه فلا
إله إلا هو وحده، الكائن الأبدي الأزلي الذي لا بداية له ولا نهاية:
” اسمع
يا إسرائيل. الرب إلهنا رب واحد ” (تث4: 6)، ” فاعلم اليوم وردد في
قلبك أن الرب هو الإله في السماء من فوق وعلى الأرض من أسفل. ليس سواه
” (تث39: 4)، ” أنا أنا هو وليس اله معي. أنا أميت وأحيي ”
(تث39: 32)، ” قد عظمت أيها الرب الإله لأنه ليس مثلك وليس اله غيرك
(2صم22: 7)، ” ليعلم كل شعوب الأرض أن الرب هو الله وليس آخر
(1مل60: 8)، ” أني أنا هو. قبلي لم يصور اله وبعدي لا يكون. أنا أنا
الرب وليس غيري مخلص
” (أش10: 43)، ” أنا الأول وأنا الآخر ولا
اله غيري …
فانتم شهودي هل يوجد اله غيري أنا الرب صانع كل
شيء ناشر السموات وحدي باسط الأرض. من معي
” (أش6: 44-11 و 24)، ” أنا
الرب وليس آخر. لا اله سواي
ليس غيري. أنا الرب وليس آخر
وحدك الله وليس آخر. ليس الهأنا الرب وليس آخرأليس أنا
الرب ولا اله آخر غيري
… لأني أنا الله وليس آخر. بذاتي أقسمت خرج من
فمي الصدق كلمة لا ترجع انه لي تجثو كل ركبة يحلف كل لسان ” (اش5:
45-23)، ” اذكروا الأوليات منذ القديم لأني أنا الله وليس آخر. الإله وليس
مثلي. مخبر منذ البدء بالأخير ومنذ القديم بما لم يفعل قائلا رأيي يقوم وافعل كل
مسرتي
” (أش46: 9و10).

(ب) ابن
الله وكلمته:
كما يعلن لنا العهد القديم ويكلمنا عن وجود كلمة
الله في ذات الله، بل ويكلمنا عن ابنا لله ولكن بصورة تبدوا غامضة وغير مدركة لأن
زمن إعلانها لم يكن قد أتى بعد؛ فيقول في سفر اشعياء:
أنا هو. أنا الأول
وأنا الآخر ويدي أسست الأرض ويميني نشرت السموات.
… تقدموا إليّ اسمعوا هذا.
لم أتكلم من البدء في الخفاء. منذ وجوده أنا هناك والآن السيد الرب أرسلني
وروحه
” (أش12: 48). وهنا يكلمنا عن وجود كائن في ذات الله أو مع الله
بلا بداية ” منذ وجوده أنا هناك “، وقد أرسله الله بروحه، أو
الآب وروحه القدوس. وفي سفر الأمثال يقول: ”
من صعد إلى
السموات ونزل. من جمع الريح في حفنتيه. من صرّ المياه في
ثوب. من ثبت جميع أطراف
الأرض. ما اسمه وما اسم ابنه أن عرفت
” (أم40: 3).
وهنا، نرى إشارة واضحة عن وجود ابن لله فيعلن عنه بصيغة السؤال: ”
وما اسم ابنه
أن عرفت

“،
الذي كان على الأجيال أن تنتظر مجيئه الفعلي لتدركه، وتعرف أن لله ابن!!

 وفي سفر المزامير يقول:
بكلمة
الرب صنعت السموات وبنسمة فيه كل جنودها
” (مز33: 6).
وهنا نرى إشارة واضحة لكلمة الله الخالق ”
بكلمة الرب صنعت السموات
“،
وعمل روحه القدوس ”
وبنسمة فيه كل جنودها “. بل
ويقول في سفر اشعياء: ” كلمتي التي تخرج من فمي.
لا ترجع إليّ فارغة بل تعمل ما سررت به وتنجح فيما أرسلتها له
(اش55: 11)، وكذلك قوله في مزمور (147: 15) “
يرسل كلمته
في الأرض سريعا جدا يجري قوله
“. والكلمة هنا مشخصة وتخرج
من ذات الله لتعمل ما يرسلها من أجله، كما قال: ”
لم أتكلم من
البدء في الخفاء. منذ وجوده أنا هناك والآن السيد الرب أرسلني وروحه
“. وقد جاءت كلمة الرب هنا، في
المزمور (
3
3: 6
): ” בדבר יהוה
dâbâr
yhwh
“. وقد ترجم العلماء اليهود الكلمة هنا،
منذ أيام عزرا الكاهن والكاتب (في القرن الخامس قبل الميلاد) في الترجوم إلى
” ميمرا –

מימרא
Memra أو ma’amar
” في الآرامية والتي تساوي في اليونانية ” لوجوس –
logos λογος.

 وكان اليهود بعد
عودتهم من السبي يخشون من نطق اسم الله ” يهوه –
יהוה
وذلك بسبب قداسة الاسم الشديدة وعظمته ورهبته بالنسبة لهم، وذلك بسبب الخوف من
تحذير الوصية الثالثة القائلة: ” لا تنطق باسم يهوه إلهك باطلاً لأن يهوه لا
يُبرى من نطق باسمه باطلاً ” (خر 7: 20). وأيضاً بسبب الخوف من الوقوع تحت
عقوبة التجديف التي هي الموت رجماً: ” ومن جدف على أسم يهوه فإنه يقتل. يرجمه
كل الجماعة رجماً. الغريب كالوطني عندما يجدف على الاسم يقتل ” (لا 16: 24).
ولذا فقد أمتنع اليهود عن النطق به نهائياً منذ ذلك الوقت، وبالغوا في ذلك كثيراً،
ودعوه ” بالاسم الذي لا ينطق به ولا يصح ذكره “(%). وكانوا
عند قراءة يهوه يستبدلونه في النطق ب ” أدوناي
Adonai” والذي يعنى ” ربى My Lord “، ويضعون التشكيل والحركات التي للاسم ” ادوناى ” على
الحروف الأربعة ” ى- ه- و- ه ” للاسم الذي لا ينطق به، وينطقون ”
أدوناي “.

 وعندما وجدوا أن الوحي
الإلهي يصف الله في الظهورات الإلهية التي ظهر من خلالها للآباء والأنبياء؛ مثل
ظهوره وحديثه مع آدم وإبراهيم واسحق ويعقوب وموسى النبي، بالملاك؛ ملاك الرب
(يهوه) وملاك حضرته (اش63: 9)، وملاك العهد (ملا3: 1)، وكما قال يعقوب عندما بارك يوسف:
الله الذي سار أمامه أبواي إبراهيم واسحق. الله الذي رعاني منذ وجودي إلى
هذا اليوم. الملاك الذي خلصني من كل شر يبارك الغلامين
” (تك48: 15و16)،

وكما حدث عند حديث الله مع موسى في العليقة: ” وظهر له ملاك الرب بلهيب نار
من وسط عليّقة
… فلما رأى الرب انه مال لينظر ناداه الله من وسط العليقة
ثم قال أنا اله أبيك اله إبراهيم واله اسحق واله يعقوب. فغطى موسى وجهه لأنه
خاف أن ينظر إلى الله
” (خر3: 2-6). ولذا فقد وضعوا في كل هذه
الظهورات كلمة
” ميمرا – מימרא
Memra أو ma’amar

كبديل لله، وعلى سبيل المثال فقد ترجموا قوله: ”
وسمعا صوت الرب
الإله ماشيا في الجنة عند هبوب ريح النهار. فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في
وسط شجر الجنة “
. وقد ورد تعبير ” وسمعا صوت الرب الإله ” في
العبرية: ”
וישׁמעו
את־קול
יהוה
אלהים
, wayisme-u et-qol yhwy elohim,” إلى ” ושׁמעו
ית קל
מימרא usme-u it qol mimra – وسمعا صوت كلمة الرب “. ويظهر تعبير
ميمرا –

מימרא
Memra أو ma’amar

كتعبير عن الظهور الإلهي وعمل الله في الخليقة 596 مرة في الترجومات، ويستخدم
ترجوم أونكيلوس هذا التعبير 179 مرة، وترجوم يروشاليمي 99 مرة، وترجوم يوناثان 321
مرة. وعلى سبيل المثال فقد ترجم قوله: ”
فخلق الله الإنسان
على صورته.على صورة الله خلقه
” (تك1: 27)، ” فخلق كلمة الرب (ميمرا –
מימרא
Memra) الإنسان “. وقوله: ” فدعت
(أي هاجر) اسم الرب الذي تكلم معها أنت إيل رئي

(تك16: 13)، إلى ”
فدعت كلمة الرب (ميمرا –
מימרא
Memra) “. وقوله: ” فقال
إبراهيم الله يرى له الخروف للمحرقة يا ابني
” (تك22: 8)، إلى
فقال إبراهيم كلمة الرب (ميمرا – מימרא
Memra) يرى له الخروف
للمحرقة يا ابني
“. وقوله: ” ونذر يعقوب
نذرا قائلا أن كان الله معي وحفظني في هذا الطريق الذي أنا سائر فيه وأعطاني خبزا لآكل
وثيابا لألبس
ورجعت
بسلام إلى بيت أبي يكون الرب لي ألها ” (تك28: 20و21)،

إلى ” أن كان كلمة الله (ميمرا –
מימרא
Memra) معي …
يكون كلمة الرب (ميمرا –
מימרא
Memra) لي إلها ” … الخ

 وهناك حقيقة هامة وهي
إيمان معظم آباء الكنيسة في نهاية القرن الأول وبداية القرن الثاني أن كل الظهورات
الإلهية التي كانت في العهد القديم والتي كلم فيها الله الآباء والأنبياء كانت
ظهورات للكلمة، كلمة الله، المسيح قبل التجسد، وذلك بناء على ما أكده العهد الجديد
أيضا أن المسيح هو الذي كلم الأنبياء في العهد القديم (أف4: 4و5؛1بط1: 11). وقد
كان اليهود يدركون هذه الحقيقة جيدا باعتبار أن الذي عمل وظهر في العهد القديم هو
كلمة الرب (ميمرا –
מימרא
Memra)، كما فهم هؤلاء الآباء،
كما سنبين لاحقاً، العبارات التي تكلم فيها الله بصيغة الجمع مثل: ” وقال الله
نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا ” (تك1: 26)، و” وقال الرب الإله
هوذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفا الخير والشر ” (تك2: 22)، ”
هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم ” (تك7: 11)، ” فأمطر الرب على
سدوم وعمورة كبريتا ونارا من عند الرب من السماء ” (تك19: 24). على
أنها تعبر عن التعدد في الذات الإلهية لله الواحد، وقالوا أن الله كان يتكلم مع
كلمته وابنه.

(ج) روح الله: يكلمنا
العهد القديم عن روح الله وعمله سواء في الخليق أو في الإعلان الإلهي: ” روح الله صنعني ونسمة القدير أحيتني ” (أي3:
4)، وقبل خلق الأرض ” وكانت الأرض خربة وخالية وروح الله يرف على وجه المياه
” (تك1: 1)، وحلوله على الأنبياء ” وحلّ روح الرب على داود ”
(1صم13: 16)، وكما قال داود النبي بالروح ” روح الرب تكلم بي وكلمته على لساني
” (2صم23: 2)، وكما قال حزقيال النبي ” وحلّ عليّ روح الرب وقال لي
” (حز11: 5).

(د) الإعلان عن تدبير
التجسد والفداء؛
من خلال محورين هما؛ النبوات التي تتكلم عن مجيء الفادي
الذي سيقدم الفداء والخلاص الأبدي للبشرية، والرموز التي تمثلت بالدرجة الأولى في
الذبائح الدموية التي كانت تقدم كفدية وكفارة عن الخطايا نيابة عن الخطاة، فقد
كانت الذبائح تقدم نيابة عن الخطاة وكان دمها يكفر عنهم: ” لأن نفس الجسد هي في
الدم فانا أعطيتكم إياه على المذبح للتكفير عن نفوسكم. لأن الدم يكفّر عن النفس
” (لا17: 11)، وكما يقول الكتاب أيضا: ” وكل شيء تقريبا يتطهر حسب الناموس
بالدم وبدون سفك دم لا تحصل مغفرة ” (عب9: 22). وتنبأ اشعياء النبي عن تقديم
المسيح لذاته كذبيحة كفارية عن خطايا العالم كله:
” وهو مجروح لأجل معاصينا
مسحوق لأجل آثامنا تأديب سلامنا عليه وبحبره (بجلدته) شفينا. كلنا كغنم ضللنا ملنا
كل واحد إلى طريقه والرب وضع عليه أثم جميعناجعل نفسه ذبيحة أثم
… بمعرفته يبرر كثيرين وآثامهم هو يحملها … انه سكب للموت نفسه وأحصي مع
أثمة وهو حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين
(اش53)، ومن
هنا يقول العهد الجديد: ” وليس بدم تيوس وعجول بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى
الأقداس فوجد فداء أبديا
” (عب9: 12)، ” فبهذه المشيئة نحن مقدّسون
بتقديم جسد يسوع المسيح مرة واحدة
” (عب10: 10).

 ويعطينا
وصفا كاملا ودقيقا لكل صفاته وأعماله وجوهر تعليمه، فيحدد مجيئه من نسل المرأة
واضع
عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها.هو يسحق راسك وأنت تسحقين عقبه

(تك3: 15)، ونسل إبراهيم ”
ويتبارك في نسلك جميع أمم الأرض
(تك22: 18 مع غل3: 16)، واسحق ”
تتبارك في نسلك جميع أمم الأرض
(تك26: 4)، ويعقوب ”
ويتبارك فيك وفي نسلك جميع قبائل الأرض
(تك28: 14)، ومن سبط يهوذا ”
لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي
شيلون (حرفياً شيلوه، أي الذي له الحكم) وله يكون خضوع شعوب

(تك49: 10)، فرع يسى: ”
ويكون في ذلك اليوم أن أصل يسى القائم راية للشعوب
إياه تطلب الأمم ويكون محله مجدا
” (اش11: 10)، ويكون ابنا لداود ويجلس على
كرسيه: ” قطعت عهدا مع مختاري. حلفت لداود عبدي إلى الدهر اثبت نسلك وابني إلى
دور فدور كرسيك ” (مز89: 3و4)، كما تنبأ اشعياء النبي: “

لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابنا وتكون الرياسة على كتفه ويدعى اسمه عجيبا مشيرا إلها
قديرا أبا أبديا
رئيس السلام. لنمو رياسته وللسلام لا نهاية على كرسي داود وعلى
مملكته ليثبتها ويعضدها بالحق والبر
” (اش9: 6و7)، وأيضاً: ” واقطع
لكم عهدا أبديا مراحم داود الصادقة. هوذا قد جعلته شارعا للشعوب رئيسا وموصيا
للشعوب ” (اش55: 3و4)، وارميا النبي: ” ها أيام تأتي يقول الرب واقطع مع
بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهدا جديدا. ليس كالعهد الذي قطعته مع آبائهم يوم
أمسكتهم بيدهم لأخرجهم من ارض مصر حين نقضوا عهدي فرفضتهم يقول الرب ” (أر31:
31و32)، وأيضا: ” ها أيام تأتي يقول الرب وأقيم لداود غصن بر فيملك ملك
وينجح ويجري حقا وعدلا في الأرض. في أيامه يخلص يهوذا ويسكن إسرائيل آمنا وهذا هو
اسمه الذي يدعونه به الرب برنا
” (ار23: 5و6)، ” ها أيام تأتي يقول الرب
وأقيم الكلمة الصالحة التي تكلمت بها إلى بيت إسرائيل والى بيت يهوذا. في تلك الأيام
وفي ذلك الزمان انبت لداود غصن البر فيجري عدلا وبرا في الأرض. في تلك الأيام
يخلص يهوذا وتسكن أورشليم آمنة وهذا ما تتسمى به الرب برنا ” (أر33:
14-16). وحزقيال النبي: ” وأقيم عليها راعيا واحدا فيرعاها عبدي داود هو يرعاها
وهو يكون لها راعيا
. وأنا الرب أكون لهم إلها وعبدي داود رئيسا في وسطهم.
أنا الرب تكلمت ” (حز34: 23و24).

 كما تنبأ عن مكان
تجسده
” أما أنت يا بيت لحم افراتة وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا
فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطا على إسرائيل
ومخارجه منذ القديم منذ
أيام الأزل
” (مي5: 2). وميلاده من أم عذراء ” ولكن يعطيكم
السيد نفسه آية.ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل

(اش7: 14)، وذهابه إلى مصر وعودته منها ”
ومن مصر دعوت ابني
(هو11: 1)، مع ”
لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل من مصر دعوت
ابني

(مت2: 15)، وعن كونه الإله القدير الأزلي الذي لا بداية له والرب الجالس عن يمين
الله الآب: “
لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابنا وتكون الرياسة على
كتفه ويدعى اسمه عجيبا مشيرا إلها قديرا أبا أبديا رئيس السلام. لنمو رياسته
وللسلام لا نهاية على كرسي داود وعلى مملكته ليثبتها ويعضدها بالحق والبر
” (اش
9: 6و7)،

قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئا لقدميك ” (مز110:
1). وقد طبق هذه النبوة الرب يسوع المسيح نفسه على نفسه وأكدها كل من القديسين
بطرس وبولس على الرب يسوع المسيح (مت22: 42-44؛مر12: 36؛أع2: 34؛أع1: 13). وتنبأ
دانيال النبي عن كونه المعبود الذي تتعبد له جميع الشعوب والأمم والألسنة: ” كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء
إلى القديم الأيام فقربوه قدامه. فأعطي سلطانا ومجدا وملكوتا لتتعبّد له كل الشعوب
والأمم والألسنة. سلطانه سلطان ابدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض

” (دا7: 13و14).

 كما تنبأ العهد القديم أيضاً عن تفصيلات القبض عليه ومحاكمته وآلامه
وصلبه وموته على الصليب وقيامته في اليوم الثالث وصعوده إلى السموات
،
والكرازة باسمه في كل المسكونة، خاصة في مزمور 22 واشعياء 53. فيقول اشعياء النبي
بالروح:

 من
صدق خبرنا ولمن استلعنت ذراع الرب. نبت قدامه كفرخ (كنبتة) وكعرق من ارض يابسة
(قاحلة) لا صورة له ولا جمال فننظر إليه ولا منظر فنشتهيه. محتقر ومخذول (منبوذ) من
الناس رجل أوجاع ومختبر الحزن وكمستر (محتجبة) عنه وجوهنا محتقر فلم نعتد به لكن أحزاننا
حملها وأوجاعنا تحملها ونحن حسبناه مصابا مضروبا من الله ومذلولا. وهو مجروح لأجل
معاصينا مسحوق لأجل آثامنا تأديب سلامنا عليه وبحبره (بجلداته) شفينا. كلنا كغنم
ضللنا ملنا كل واحد إلى طريقه والرب وضع عليه أثم جميعنا. ظلم أما هو فتذلل ولم
يفتح فاه كشاة تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه. من الضغطة
ومن الدينونة أخذ. وفي جيله من كان يظن انه قطع من ارض الأحياء انه ضرب من اجل ذنب
شعبي. وجعل مع الأشرار قبره ومع غني عند موته. على انه لم يعمل ظلما ولم يكن في
فمه غش أما الرب فسرّ بان يسحقه بالحزن (بالأوجاع). أن جعل نفسه ذبيحة أثم يرى
نسلا تطول أيامه ومسرة الرب بيده تنجح. من تعب نفسه يرى ويشبع. وعبدي البار
بمعرفته يبرر كثيرين وآثامهم هو يحملها. لذلك اقسم له بين الأعزاء ومع العظماء
يقسم غنيمة من اجل انه سكب للموت نفسه وأحصي مع أثمة وهو حمل خطية كثيرين وشفع في
المذنبين
” (إش53).

 ويقول داود النبي في
سفر المزامير وهو يصف عملية صلبه وتسمير يديه ورجليه بالمسامير بل واقتسام ثيابه
وإلقاء قرعة على لباسه، بالروح: ”
أحاطت بي ثيران كثيرة.
أقوياء باشان اكتنفتني. فغروا عليّ أفواههم كاسد مفترس مزمجر. كالماء انسكبت. انفصلت
كل عظامي. صار قلبي كالشمع. قد ذاب في‏ وسط أمعائي. يبست مثل شقفة قوتي ولصق لساني
بحنكي والى تراب الموت تضعني. لأنه قد أحاطت بي كلاب. جماعة من الأشرار اكتنفتني.ثقبوا
يديّ ورجليّ
. أحصي كل عظامي. وهم ينظرون ويتفرسون فيّ. يقسمون ثيابي بينهم وعلى
لباسي يقترعون
” (مز22: 12-18).

 وكأن داود النبي
واشعياء النبي كانا واقفين عند الصليب يسجلان ما يحدث له!! كما تنبأ العهد القديم
عن حفظ جسده من الفساد وقيامته من الأموات وصعوده إلى السماوات ”
لذلك
فرح قلبي وابتهجت روحي. جسدي أيضا يسكن مطمئنا. لأنك لن تترك نفسي في الهاوية. لن تدع
تقيّك يرى فسادا
” (مز16 “10و11).

 والخلاصة هي أن العهد
القديم قدم لنا صورة تفصيلية للعقيدة المسيحية قبل التجسد وقبل المسيح؛ فقدم لنا
الله في ذاته وكلمته وروحه وألمح لوجود ابن الله بصورة تساؤل ” من هو اسم
ابنه أن عرفت؟ “، كما أعلن من خلال نبوات الأنبياء عن المسيح الآتي؛ ابن
الله، المسيح الرئيس، الذي من نسل داود الذي سيملك على بيت داود الروحي إلى الأبد،
والذي سيؤسس العهد الجديد، ويقدم نفسه فدية عن حياة الإنسان ويتحمل الآلام نيابة
عن البشرية. وهو في ذاته الأزلي الإله القدير الرب الجالس عن يمين القوة في
السماوات، رب داود، ابن الله وكلمته الذي به خلق السموات والأرض 00 الخ.

 

2 – ما
كتبه علماء اليهود في فترة ما بين العهدين:

 كانت
الفترة السابقة لميلاد المسيح مباشرة والمعاصرة لتجسده فترة انتظار وترقب لكثير من
اليهود لمجيء المسيح المنتظر وابن داود الذي سيجلس على كرسيه إلى الأبد كما تنبأ
الأنبياء،
وخاصة
أن تلك الفترة كانت هي الفترة التي سبق أن أعلن عنها كل من يعقوب أبو الآباء
ودانيال النبي بالروح، فقد تنبأ يعقوب في بركته ليهوذا أن المسيح ” شيلوه
” الذي سيكون له حكم شعوب، سيأتي بعد زوال الحكم من سبط يهوذا: ”
لا يزول قضيب
من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون (حرفياً شيلوه، أي الذي له الحكم) وله
يكون خضوع شعوب
” (تك49: 10)، وقد زال هذا الحكم فيما بين سنة 6و7
ميلادية(1). كما أعلن الملاك جبرائيل لدانيال
النبي وحدد له زمن مجيء المسيح الرئيس الذي سيقدم نفسه كفارة عن خطايا العالم ب
490 سنة: ”
سبعون أسبوعا (أي 70 مجموعة من السنين والتي
تساوي 490 سنة) قضيت على شعبك وعلى مدينتك المقدسة لتكميل المعصية وتتميم الخطايا ولكفارة
الإثم وليؤتى بالبر الأبدي ولختم الرؤيا والنبوة ولمسح قدوس القدوسين ”
(دا9: 24)،
تبدأ من صدور الأمر بتجديد أورشليم وبنائها، هذا الأمر الذي صدر في السنة العشرين
لأرتحشتا الملك الفارسي والذي يساوي سنة 457 ق م وتنتهي بصلب المسيح وانتشار
الكرازة به والذي يليها دمار أورشليم:
” فاعلم وافهم انه من خروج
الأمر لتجديد أورشليم وبنائها إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع واثنان وستون أسبوعا يعود
ويبنى سوق وخليج في ضيق الأزمنة. وبعد اثنين وستين أسبوعا يقطع المسيح وليس له وشعب
رئيس آت يخرب المدينة والقدس وانتهاؤه بغمارة والى النهاية حرب وخرب قضي بها. ويثبت
عهدا مع كثيرين في أسبوع واحد وفي وسط الأسبوع يبطل الذبيحة والتقدمة وعلى جناح الارجاس
مخرب حتى يتم ويصبّ المقضي على المخرب
(ع25-27)(2).

 وكان ذلك واضحا عندما
ذهب يوسف البار والعذراء القديسة مريم بالطفل يسوع إلى الهيكل ليقدموا عنه ذبيحة
حسب شريعة موسى النبي، حيث يقول الكتاب:
” كان
رجل في أورشليم اسمه سمعان. وهذا الرجل كان بارا تقيا ينتظر تعزية إسرائيل والروح
القدس كان عليه. وكان قد أوحي إليه بالروح القدس انه لا يرى الموت قبل أن يرى مسيح
الرب … وكانت نبية حنة بنت فنوئيل من سبط أشير … فهي في تلك الساعة وقفت تسبح
الرب وتكلمت عنه مع جميع المنتظرين فداء في أورشليم
” (لو2: 25-38)،
وكذلك في
قول
تلميذي عمواس ” كنا نرجو انه هو المزمع أن يفدي إسرائيل ” (لو24:
21)، وكذلك قول أندراوس لأخيه بطرس: ” وجدنا
مسيا
. الذي تفسيره المسيح ” (يو1: 41).
وقول المرأة السامرية له: ” أنا اعلم أن مسيا الذي يقال له المسيح يأتي.
فمتى جاء ذاك يخبرنا بكل شيء ” (يو4: 25). ولما ظهر يوحنا المعمدان يقول
الكتاب: ” كان الشعب ينتظر والجميع يفكرون في قلوبهم عن يوحنا لعله المسيح
” (لو3: 15). ويقول الكتاب عن يوحنا: “ وهذه هي
شهادة يوحنا حين أرسل اليهود من أورشليم كهنة ولاويين ليسألوه من أنت. فاعترف ولم
ينكر واقرّ أني لست أنا المسيح. فسألوه إذا ماذا. إيليا أنت. فقال لست أنا.النبي آنت.
فأجاب لا
… أنا صوت صارخ في البرية قوّموا طريق الرب كما قال اشعياء النبي
” (يو1: 19-21)، وعند القبض عليه سأل رئيس الكهنة الرب يسوع قائلاً: ” استحلفك
بالله الحي أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الله ” (مت26: 63).

 وما كتبه
علماء اليهود في فترة ما بين العهدين، ما بين عزرا الكاتب والكاهن وبين المسيح،
وخاصة القرنين السابقين للميلاد والقرن الأول الميلادي، بناء على ما فهموه وفسروه
لنبوات الأنبياء عن المسيح الآتي والمنتظر فهو كثير، فقد امتلأت كتب اليهود سواء
الأبوكريفية أو ما جاء في الترجمة اليونانية المعروفة بالسبعينية التي تمت قبل
الميلاد وكتب الربيين والترجوم والمشناه والتلمود وغيرهم وسنكتفي هنا بفقرات منها
توضح لنا صورة المسيح كما كان ينتظره اليهود قبل الميلاد. ومن أهم ما جاء في هذه
الكتب هي أوصاف المسيح المنتظر وخاصة ألقاب ابن الإنسان وابن الله والممسوح
والمختار والديان الجالس عن يمين العظمة والذي ستخضع له جميع الأمم والشعوب، بل
وكلمة الله الذي يعمل أعمال الله ويمثل الله والذي مع الله وفي ذات الله. والكثير
مما جاء فيها يتطابق مع ما جاء عن الرب يسوع المسيح في العهد الجديد!!

 ومن أهم
الألقاب التي وردت في هذه الكتب لقب ابن الإنسان الذي أعلن في سفر دانيال النبي،
فقد تنبأ دانيال النبي في رؤاه التي رآها عن شبه ابن الإنسان المعبود الذي تتعبد
له كل الشعوب والأمم والألسنة فقال:
كنت أرى
في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه
قدامه. فأعطي سلطانا ومجدا وملكوتا لتتعبّد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه
سلطان ابدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض
” (دا7: 13و14). وكذلك
نبوة داود النبي عن المسيح الرب الجالس عن يمين الله الآب: ” قال الرب لربي
أجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئا لقدميك ” (مز110: 1). وكان لهاتين
النبوتين تأثيرا كبيرا على كتاب فترة ما بين العهدين كما كانتا مصدرا لإلهامهم
ولذا نجد صداهما في الكثير من هذه الكتابات، وعلى سبيل المثال
فقد ورد لقب
ابن الإنسان في هذه الكتابات مرات كثيرة،
وكذلك وصف المسيح بابن
الله الذي يمثل الله والذي من ذات الله وله نفس صفات وألقاب الله، وكونه الجالس
على عرش المجد، عن يمين
الله، وابن العلي، الكائن في ذات الله قبل الخليقة، والديان، و
الذي يسجد
له جميع سكان الأرض
، والذي يأمر ويمارس السلطان على الأرض وبفمه تُعلَن
كلُّ أسرار الحكمة، وسيحكم على كثير من الأمم وسينتشر ملكوته كل يوم وسيرتفع في
العلي، وسيكون ملكوته ملكوت أبدي:

 

Vسفر أخنوخ
الأول:

استخدم هذا السفر
المكتوب في القرنين الأول قبل الميلاد والأول بعد الميلاد، في جزئه الثاني المعروف
بالخطب الأخروية أو أمثال أخنوخ (في الإصحاحات من 37 إلى71)، عبارة ولقب ” ابن
الإنسان
” مرات عديدة عن كائن أسمى من الملائكة والبشر دعاه أيضا ب
المختار
Elect – “، وقد وصفه بصفات تتطابق كثيرا مع صفات ” مثل ابن
الإنسان
” في سفر دانيال النبي:

1 – فقال في الإصحاح 39
” رأت عيناي مختار الحق والإخلاص، العدالة ستسود في زمنه، والأبرار
والمختارون، الذين لا يحصى عددهم (سيمتثلون) أمامه … والأبرار والمختارون كانوا
كلهم أمامه بمثل جمال نور النار … بحضوره لن تهلك العدالة أبداً، ولن يفنى الحق
بوجوده
” (6و7).

2 – هذا المختار سيجلس
على عرش المجد: ” سيجلس مختاري على عرش المجد وسيصنف أعمالهم
(3: 45).

 ويقول أيضاً: ”
نصفهم ينظر إلى النصف الآخر فيُرتج عليهم، ويخفضون الرؤوس من العذاب حين
يرون ابن الإنسان هذا يجلس على عرش مجده. فمنذ
البدء ظلّ ابن الإنسان مخفياً. احتفظ به العليّ داخل قدرته
… ربّ
الأرواح يقيم فيهم ومع ابن الإنسان يأكلون وينامون ويقومون، على

الدوام
” (62: 5- 7و 14).

3 – كما يصفه أيضا
بالذي ينتمي إليه الحق: ” هناك رأيت ذاك القابض على رأس
الأيام.
رأسه كالصوف الأبيض،
ومعه آخر، له وجه ذات
شكل بشريّ، والنعمة تفيض
منه مثل أحد الملائكة
القديسين. سألت عن ابن الإنسان هذا، أحد الملائكة القديسين الذي كان يرافقني
ويريني جميع الأسرار: ” من هو هذا؟ ومن أين يأتي؟ ولماذا

يرافق
رأس الأيام؟ “، فأجابني: ” هو ابن الإنسان الذي له البرّ. البرّ يقيم

معه.
وهو من يكشف كلَّ كنز الأسرار. فهو من اختاره ربّ الأرواح
ونال نصيبه
نصراً
أمام ربّ الأرواح،
بحسب الحقّ، إلى الأبد.
وابن الإنسان هذا الذي
رأيته
يقيم
الملوك والمقتدرين عن مضاجعهم،
والأقوياء عن مقاعدهم.
يحلّ
رباط الأقوياء ويحطّم أسنان الخطاة.
يطرد الملوك عن عروشهم ومن
مملكتهم، لأنهم لم
يعظّموه ولم يمجدوه ولم يقرّوا من أين جاء ملْكهم يحطّ وجه الأقوياء، يملأهم
خزياً، فتكون الظلمة مسكنهم، والدود مضجعهم، ولا أمل لهم بقيام، لأنهم لم يعظّموا
اسم ربّ الأرواح. وجود ابن الإنسان منذ الأزل ” (1: 46-6).

4 – وعن وجوده قبل الخليقة: فيقول: “ ورأيتُ في
هذا الموضع عين البرّ التي لا
تجفّ، تحيط بها عيون
عديدة من الحكمة حيث يشرب العطاش فيمتلئون حكمة ويكون مسكنهم مع الأبرار والقديسين
والمختارين. في هذه الساعة دعي ابن الإنسان هذا إلى ربّ الأرواح ونُودي باسمه
أمام رأس الأيام. قبل أن تُخلق الشمسُ والعلامات قبل أن تُصنع كواكب السماء، أُعلن
اسمه أمام ربّ الأرض.
يكون عصا للأبرار، يستندون إليها ولا يعثرون. يكون نور
الأمم، يكون رجاء
المتألمين في قلوبهم.
أمامه ينحني ويسجد كل سكّان اليابسة. يمجّدون، يباركون، ينشدون ربّ الأرواح. لهذا
صار المختارَ، وذاك الذي كان خفياً لديه قبل خلق العالم وحتى مجيء الدهر ولكن حكمة
ربّ الأرواح كشفته للقديسين
والأبرار. فقد حفظ
نصيبَ الأبرار، لأنهم أبغضوا واحتقروا عالم العنف هذا وأبغضوا كلَّ عمله وكلَّ
طرقه باسم ربّ الأرواح. باسمه
يخلَّصون، وبمشيئته صار
هو حياتهم ” (48: 1-7).

 وأيضاً: ” باطلاً
يُخفض ملوكُ الأرض وجهَهم في ذلك الوقت، والمقتدرون أسيادُ اليابسة، بسبب عمل
أيديهم. ففي اليوم الذي يحلّ بهم الضيق والوجع لن يخلّصوا أنفسهم. ولكن أسلّمهم
إلى أيدي مختاريّ. كالعشب في النار يحترقون أمام
القديسين،
كالرصاص في النار يبتلعون أمام الأبرار ولا يتركون أثراً. في يوم عذابه يكون
الهدوء على الأرض. يسقطون أمام الأبرار (أو: أمامه) ولا
يقومون. لا
يمدّ إليهم أحدُ يداً ليقيمهم لأنهم أنكروا ربّ الأرواح
ومسيحه.
ليكن اسم ربّ الأرواح مباركاً ” (8 -10).

5 – ثم يصفه في بقية
الإصحاحات كنور الأمم الموجود قبل الخليقة والذي سيسجد له جميع سكان الأرض: ”
و(لفظ) اسمه بحضور مبدأ الأيام. قبل أن تُخلق الشمس والإشارات، قبل أن تصنع نجوم
السماء، كان اسمه قد أعلن بحضور رب الأرواح. سيكون عصا للأبرار، وسيتكئون عليه بلا
خوف من التعثر. سيكون نور للأمم، سيكون أمل للذين يتألمون في قلبهم. أمامه
سينحني ويسجد جميع سكان الأرض
” (2: 48-5). ثم يؤكد بعد ذلك أنه أُعطي
ابن الإنسان هذا كل الدينونة (27: 69-29)، وأنه سيجلس على عرش الله (1: 51-3؛6:
61-8)(2).

6 – ثم يصفه كالديان:
” في ذلك الوقت تُعيد الأرض ما أُودع فيها ويردّ مثوى الأموات ما تقبّل،
والهلاك يعيد ما عليه من واجب يتميّز وسط (الموتى) الأبرار والقديسين لأن يوم
الخلاص قد جاء لهم في ذلك الوقت يجلس المختار على عرشي، بفمه تُعلَن كلُّ أسرار
الحكمة لأن ربّ الأرواح أعطاه
(إياها) ومجّده جبال من المعادن لمجيء
المختار
” (51: 1-3).

7 – ويقول عن سلطانه
على كل الأرض: ” بعد هذا الوقت، وفي الموضع الذي فيه رأيت

كل
الرؤى السرية، فقد كنت اختُطفت في إعصار وحُملت إلى الغرب، رأيت بعينيّ جميع

أسرار
السماء المقبلة: جبل من حديد، جبل من نحاس، جبل من فضّة، جبل من ذهب، جبل من
قصدير، جبل من رصاص. فسألت الملاك الذي كان يرافقني: ” ما هذه الرؤية السرّية
التي رأيته؟ “، فأجابني: ” كل ما رأيتَه يخدم سلطان مسيحه، فيأمر
ويمارس السلطان
على الأرض
(52: 1-3).

8 – مديح ابن الإنسان:
” أحَسّوا بفرح عظيم،باركوا، مجّدوا، عظَّموا، لأن
اسم ابن الإنسان هذا كُشف لهم. جلس على عرش مجده
ومجمل الدينونة أعطيت
لابن
الإنسان هذا.
يزيل الخطاة من على وجه الأرض ويسلّمهم إلى الفساد مع
الذين
أضلّوا العالم. يقيّدون ويُسجَنون في حبس الفساد وكل عملهم يزول

من
على وجه الأرض عند ذاك لن يكون شيء فاسد لأن ابن الإنسان هذا قد ظهر وجلس على
عرش مجده.
زال كل شرّ من على وجه الأرض ومضى. يتحدّثون إلى

ابن
الإنسان هذا فيقوم أمام ربّ الأرواح ” (69: 26-29).

9 – ارتفاع ابن
الإنسان: ” ثم حصل أن اسم ابن الإنسان هذا رُفع حياً إلى ربّ الأرواح، من
بين سكّان اليابسة. رُفع على مركبة الريح وأخذ اسمه من بينهم
” (70:
1و2).

 

V وجاء في المزامير المنسوبة لسليمان:

” أنظر، يا ربّ، وأقم
لهم ملكهم، ابنَ داود
، يوم تعرف، يا الله، ليملكَ على
إسرائيل
عبدك. لا يضعف طوال حياته، أنه استند إلى إلهه. فالله منحه القوّة، بالروح
القدس، والحكمةَ بمشورة الفهم، القدرةَ
والبرّ …
ذاك هو بهاء ملك
إسرائيل الذي هيّأه الله، وأقامه على بيت إسرائيل وأدّبه ” (17: 21و37و42).

 

V وجاء في باروخ الثاني:

” عندئذ حين يتمّ
ما يجب أن يحصل في هذه الأجزاء، يبدأ المسيح فيكشف عن نفسه. ويكشف بالموت
عن نفسه في موضعه … والأرض أيضًا تعطي ثمارها، كل واحد بعشرة آلاف. وعلى جفنة
واحدة يكون عشرة آلاف غصن، ويعطي كل غصن ألف عنقود عنب، وكل عنقود يعطي ألف حبّة.
والحبّة تعطي
من النبيذ. والذين
جاعوا سيكونون في الفرح، بل يرون كل يوم معجزات لأن
رياحًا
ستخرج من عندي، فتحمل كلّ صباح رائحة الثمار العطرة، وفي نهاية النهار، تقطر

الغيوم
ندى الشفاء ” (29: 3-7).

 ويقول أيضاً: ”
وبعد هذا، وحين يتمّ زمنُ مجيء المسيح فيعود لمجده، يقوم جميع الذين رقدوا في
رجائه
” (30: 1). ” الرئيس العظيم الذي يظلّ في ذلك الوقت على قيد
الحياة، ساعة يدمَّر جمهور
جماعاته، يُقيَّد ويؤخذ
إلى جبل صهيون. فيتهمه مسيحي بكل كفره، ويجمع أمامه كل
أعمال
جماعاته ” (40: 1). وأيضاً: ” بعد أن تأتي الآيات التي سبق وقلتها لك،
تضلّ الأمم ويأتي زمن مسيحي. فيدعو
إليه كل
الأمم، فيحيي بعضًا ويقتل بعضًا، وهذا ما يحصل للأمم التي ستحيا به

(72: 2).

 

V وجاء في كتاب عهد لاوي:

” وبعد أن يتمّ
عقابهم من الربّ، يزول لكهنوت. فيقيم
الربّ
كاهناً جديداً تُكشف له كلُّ أقوال الرب، فيمارس دينونة الحقّ على
الأرض خلال العديد من الأيام. يطلع كوكبه في
السماء ككوكب ملك، ويُشعّ
بنور
المعرفة كما الشمس في وضح النهار، فيعظَّم في العالم كله. يُشع كما لشمس على الأرض
فيزيل كل ظلمة من تحت السماء، ويملك السلام على الأرض كلها. في أيامه تهلّل
السماء، والأرض تفرح والغمام يبتهج. وتنتشر معرفة الربّ على الأرض كمياه البحار،
ويبتهج من أجله ملائكة مجد وجه
الرب. تنفتح
السماء، ومن هيكل المجد يأتي عليه التقديس، وصوت أبويّ
مثل صوت
إبراهيم لإسحاق. فمجد العليّ يُعلن عليه، ويحل عليه في الماء روحُ
الفهم والتقديس ” (18: 1-7).

 

V وجاء في كتاب عهد يهوذا:

وصف المسيح ككوكب
يعقوب: ” بعد هذا يطلع لكم كوكب من يعقوب، في السلام. يطلع رجل من
ذرّيتي كشمس البرّ، يسلك مع البشر في الوداعة
والبرّ، ولا تُوجد فيه خطيئة. تنفتح السماوات له لتُفيض الروح، بركة الآب القدوس،
وهو يفيض روح النعمة عليكم تصيرون أبناءه في الحقيقة، وتسلكون في أوامره الأولى
والأخيرة. هو نبت العلي، وهو الينبوع المحيي
الجميع. فيشعّ صولجان
ملكي، ومن
جذركم ينبت جذع منه يخرج صولجان البرّ للأمم ليدين جميع
الداعين
للرب ويخلّصهم
” (24: 1-5).

 

V وجاء في مخطوطات قمران الكثير من النماذج
نختار منها ما يلي:

(أ) ما جاء قي 4QAramaic
Apocalypse (4Q246), col. II
:
وسيدعى ابن الله، وسيدعونه ابن العلي … وسيكون ملكوته ملكوت أبدي …
ويعم الأرض السلام والحق ويتوقف السيف في الأرض وستبايعه كل المدن. وهو إله عظيم
بين الآلهة … وسيكون ملكوته ملكوتا أبدياً
“.

(ب) وجاء في 4Q252
frag 1, col5): [on Gen 49.10]
::
” لن تزول السيادة من سبط يهوذا، وبينما يكون لإسرائيل السيادة فلن يعدم أحد
من الجلوس على عرش داود … حتى يأتي مسيح العدالة، فرع داود “.

(ج) وجاء في المغارة
الرابعة (174): نص رؤيا باللغة الآرامية عن الملك الأخير ابن داود والذي يتحدث عن
بنوة المسيح الإلهية ويسميه ابن العلي والرب، وكأن هذا النص هو صدى لما جاء في
المزمور الثاني ” أنت ابني أنا اليوم ولدتك “؛ فيقول ابتداء من
ف1 فقرة 7 إلى في2 فقرة 9: ” ويقوم ملك آخر، وهو يكون عظيما على الأرض.
الشعوب (أو الملوك) تسالمه، والجميع يتعبدون له. ابن الرب العظيم يدعى،
ويسمى باسمه. يقولون أنه ابن الله، ويسمونه ابن العلي، مثل نجوم
الرؤية هكذا يكون ملكهم. يملكون السنوات على الأرض، ويدوسون كل شيء. شعب يدوس
شعبا، ومقاطعة مقاطعة، إلى أن يقوم شعب الله فيرتاح السيف. ملكوته ملكوت أبدي،
وجميع طرقه في الحق. يدين الأرض بالحق، فيصنع الجميع السلام. يزول السيف من الأرض،
وجميع المقاطعات تخضع له. الله العظيم يكون قوته، ومعه يصنع الحرب. فيسلم
الشعوب إلى يده، وجميعاً يرميهم أمامه. سلطانه سلطان أبدي وجميع لجج الأرض
تطيعه
“.

 

V أما فيلو اليهودي الإسكندري:

فيتحدث عن اللوجوس
تفصيلا ككلمة الله ورسوله وممثله، والذي قدم من خلاله لليونانيين ترجمة وتفسيرا
لكلمة ميمرا الآرامية بمعناها كما جاء في الترجومات. ويقول في كتابه حياة موسى (
The Life of Moses I: 289-290): ” سيأتي إنسان، وسيحكم على كثير من الأمم وسينتشر
ملكوته كل يوم وسيرتفع في العلى
“.

 ويقول في (On Rewards and Punishments 95): ” سيأتي إنسان يقول أقوال الله “. وقد وصف ابن
الإنسان بنفس الصفات المذكورة في سفر دانيال النبي ويقترب كثيرا مما جاء عن ابن
الإنسان على لسان الرب يسوع المسيح، ولكنه لا يعترف أنه يسوع الناصري(4).

 

V وجاء في سفر عزرا الرابع:

 والذي كتب
قبل الميلاد، ويتكلم عن ابن الإنسان المهيب الرهيب الخارج من البحر، والذي يصفه
بقوله ” ونظرت [ وإذا بهذه الريح تُصعد من قلب البحر كائناً كان مثل إنسان
ونظرت وإذا ] بهذا الإنسان يطير مع سحب السماء وحيث كان يدير وجهه لينظر كان كل ما
يقع عليه نظره يرتجف “. ثم يصفه بالجبار المهيب الذي يبيد الأشرار بنفخة فمه
ويضم إليه الأبرار
(1: 13-13)(3).

 وهناك الكثير مما جاء
في الترجومات وبقية كتب اليهود مما سنفرد له بحث خاص فيما بعد.

 

3 – ما أعلنه الرب يسوع
المسيح عن نفسه وعن الآب والروح القدس:

 جاء الرب يسوع المسيح
ينادي بالملكوت وكان موضوع ” ملكوت الله ” أو ” ملكوت السموات ”
هو جوهر ولب وأساس ومحور كرازته، يقول الكتاب إنه جاء ليكرز ” ببشارة ملكوت
الله ” (مر1: 14)، وأول كلمات يسجلها الوحي الإلهي له هي ” قد كمل
الزمان وأقترب ملكوت الله. فتوبوا وآمنوا بالإنجيل ” (مر1: 15). وكان ” يطوف
المدن كلها والقرى يعلم في مجامعها. ويكرز ببشارة الملكوت ” (مت9: 35). وأرسل
تلاميذه الأثنى عشر ليكرزوا في كل مكان ” قائلين أنه قد أقترب ملكوت السموات ”
(مت10: 7)، كما عين سبعين آخرين وأرسلهم لينادوا، أيضاً ” قد أقترب ملكوت
الله ” (لو11: 9و10).

 وقد وردت عبارة ”
ملكوت الله ” في العهد الجديد حوالي 56 مرة، في الأناجيل الأربعة، ووردت
عبارة ” ملكوت السموات ” حوالي 32 مرة في الإنجيل للقديس متى فقط ولم
ترد في أي مكان آخر، وهذا يرجع لأن القديس متى قد دون إنجيله بالروح القدس لليهود
والمسيحيين من أصل يهودي، وبصفة خاصة يهود فلسطين، والذين كانوا يتجنبون النطق أو
التلفظ باسم الله يهوه خشية ورهبة، كما بينّا أعلاه (67)،
فراعى عادتهم هذه، كيهودي أصلاً، وأستخدم التعبير الذي كان شائعاً في وسطهم وهو
” ملكوت السموات “، ومع ذلك فقد أستخدم تعبير ” ملكوت الله ”
حوالي ست مرات للتعبير عن طبيعة وجوهر ” ملكوت الله(68)“.

 كما استخدم العهد
الجديد أيضاً عبارات ” الملكوت “، و” ملكوتك “، و” ملكوته
” التي تعود على الآب (مت4: 23؛لو11: 2)، أو على الابن (مت13: 41)، ” المسيح
“، واستخدم أيضاً عبارات ” ملكوت أبى ” (مت26: 29)، و” ملكوت
ابن محبته ” (كو4: 11)، أي المسيح، و” ملكوت المسيح ” (أف5: 5)،
و” ملكوت ربنا ومخلصنا يسوع المسيح ” (2بط1: 11)، و” ملكوت يسوع
المسيح ” (رؤ1: 9)، و” صارت ممالك العالم لربنا ومسيحه ” (رؤ11:
15)، أي الآب والابن. وهذا يعنى أن ملكوت الله هو ملكوت المسيح وملكوت الآب هو
ملكوت الابن، أو كما يقول الرب يسوع المسيح ” كل ما للآب هو لي
(يو16: 15). فالمسيح هو الملك ” الآتي باسم الرب ” (يو12: 13)،
ملك الملوك ورب الأرباب الذي تنبأ الأنبياء أنه سيجلس على عرش داود إلى الأبد،
الإله الأبدي القدير رئيس السلام.

 كما أعلنت الملائكة
عند ميلاده وهتف جند السماء ” المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام
وبالناس المسرة ” (لو2: 14)، وجاء مجوس من المشرق مهتدين بنجم في السماء
ليسجدوا له كملك ” أين هو المولود ملك اليهود ” (مت2: 2)، وقدموا له
هدايا كملك، ولما رأي نثنائيل قدرته على معرفة الغيب، في أول لقاء لهما، قال له
” يا معلم أنت أبن الله. أنت ملك إسرائيل ” (يو1: 49)، وهو يقصد
الملك الآتي الذي تنبأ عنه الأنبياء، ولما أشبع الجموع بخمسة أرغفة وسمكتين آمنوا
إنه هو الملك الآتي وأرادوا أن ينصبوه ملكا ” فلما رأي الناس الآية التي
صنعها يسوع قالوا هذا هو بالحقيقة النبي الآتي إلى العالم. وأما يسوع فإذ علم أنهم
مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكاً أنصرف إلى الجبل وحده ” (يو6:
14و15)، لقد كان هو حقاً الملك الآتي ولكنه لم يكن ملكاً أرضياً يحكم على مجرد شعب
واحد بل ملكاً سمائياً روحياً لكل الأمم والشعوب والقبائل والألسنة، كما قال هو
لبيلاطس: ” مملكتي ليست من هذا العالم. لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي
يجاهدون لكي لا أُسّلم إلى أيدي اليهود. ولكن الآن مملكتي ليست من هنا ”
(يو19: 36). مملكته هي مملكة ” قديسي العلى” التي تنبأ عنها
دانيال النبي (دا7: 22)، ” مملكة لا تنقرض أبداً ومُلكها لا يترك لشعب آخر
وتسحق وتفنى كل هذه الممالك وهى تثبت إلى الأبد
” (دا7: 44)، وملكوته
ملكوت أبدى وجميع السلاطين إياه يعبدون ويطيعون ” (دا7: 27)،
ملكوت يسود فيه على ما في السماء وما على الأرض، كما قال هو ” دفع إلى كل
سلطان في السماء وعلى الأرض
” (مت28: 18)، ” كل شئ قد دفع إلى من
أبى
” (مت11: 27)، ” الآب يحب الابن وقد دفع كل شئ في يده
(يو3: 35)، ومن ثم فقد دعاه الوحي الإلهي في سفر الرؤيا ب ” رئيس ملوك
الأرض
” (رؤ1: 5)، و ” ملك القديسين ” (رؤ15: 3)
و” رب الأرباب وملك الملوك ” (رؤ17: 14)، و” ملك الملوك
ورب الأرباب
” (رؤ19: 16).

 وفي حديثه عن ” ملكوت
الله ” في الدهر الآتي، في المستقبل، بعد المجيء الثاني قال أن ” ملكوت
الله ” هو ملكوته هو؛ ” يرسل أبن الإنسان ملائكته فيجمعون من ملكوته
جميع المعاثر وفاعلي الإثم ” (مت13: 41)، ” الحق أقول لكم عن من القيام
هنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتياً في ملكوته
(مت16: 28)، وقال لتلاميذه ” وأنا أجعل لكم كما جعل لي أبى ملكوتاً. لتأكلوا
وتشربوا على مائدتي في ملكوتي ” (لو22: 29)، وعندما قال له اللص
اليمين وهو على الصليب ” أذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك. فقال له
يسوع الحق أقول لك أنك اليوم تكون معي في الفردوس ” (لو23: 42و43).

 وعلى الرغم من أن الرب
يسوع المسيح رفض أن يُنصّب ملكاً على إسرائيل، لأنه ملك الملوك ورب الأرباب، فقد
قبل أن يدخل أورشليم كملك، ولكن ملك ” وديع ومتواضع ” تحقيقاً لنبوءة
زكريا النبي عنه ” أبتهجي جداً يا ابنة صهيون اهتفي يا بنت أورشليم. هوذا
ملكك يأتي إليك هو عادل ومنصور وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان ”
(زك9: 9)، والجموع هتفت له ” مبارك الآتي باسم الرب. مباركة مملكة أبينا داود
الآتية (باسم الرب). أوصنا في الأعالي ” (مر11: 9و10).

 وكشف لليهود ولتلاميذه
أنه جاء ليتمم كل ما سبق أن تنبأ به عنه جميع أنبياء العهد القديم وأيضا ”
فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية وهي التي تشهد لي ” (يو39:
5). ” لأنكم لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقونني لأنه هو كتب عني
” (يو46: 5). ولما جاءوا للقبض عليه قال لهم ” كل يوم كنت معكم في
الهيكل أعلم ولم تمسكوني. ولكن لكي تكمل الكتب ” (مر49: 14). وبعد
قيامته وقبل صعوده فسر لتلاميذه كل ما سبق أن تنبأ به عنه موسى والأنبياء وما جاء
عنه في المزامير: ” ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور
المختصة به في جميع الكتب
” (لو27: 24)، ” وقال لهم هذا هو
الكلام الذي كلمتكم به وأنا بعد معكم أنه لا بد أن يتم جميع ما هو مكتوب عنى في
ناموس موسى والأنبياء والمزامير حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب
” (لو44:
24،45). ” فقال بعضهما لبعض ألم يكن قلبنا ملتهبا فينا إذ كان يكلمنا في
الطريق ويوضح لنا الكتب ” (لو32: 24).

 وكانوا هم بدورهم
يعرفون الكثير من هذه النبوات وقد أشاروا بها إلى ميلاد المسيح في بين لحم وكونه
من بيت داود “
ولما ولد يسوع في بيت لحم اليهودية في أيام هيرودس
الملك إذا مجوس من المشرق قد جاءوا إلى أورشليم قائلين أين هو المولود ملك اليهود.
فأننا رأينا نجمه في المشرق وأتينا لنسجد له. فلما سمع هيرودس
الملك اضطرب وجميع أورشليم معه. فجمع كل رؤساء الكهنة وكتبة الشعب وسألهم أين يولد
المسيح؟ فقالوا له في بيت لحم اليهودية. لأنه هكذا مكتوب بالنبي.
وأنت
يا بيت لحم
ارض يهوذا لست الصغرى بين رؤساء يهوذا.لان منك يخرج مدبر يرعى شعبي إسرائيل
(مت1: 2-6).

 وكان الرب يسوع المسيح
يشير دائما إلى ما جاء في هذه النبوات للتأكيد على أن كل ما كان يفعله كان مكتوبا
سابقا عنه، وعلى سبيل المثال يقول عما جاء فيها عن آلامه وموته وقيامته ” كيف
هو مكتوب عن ابن الإنسان أن يتألم كثيرا ويرذل ” (مر12: 9)، ” أن
ابن الإنسان ماض كما هو مكتوب عنه ولكن ويل لذلك الرجل الذي به يسلم ابن
الإنسان ” (مت24: 26)، وفي ليلة العشاء الرباني قال لتلاميذه مشيراً إلى نبوة
المزامير عن خيانة يهوذا له ” لكن ليتم الكتاب الذي يأكل معي الخبز
رفع علي عقبه ” (يو18: 13مع مز9: 41)، وقال في مناجاته للآب ” ولم يهلك
منهم أحد إلا ابن الهلاك ليتم الكتاب ” (يو12: 17). وعن ترك التلاميذ
له قال ” كلكم تشكون فيّ في هذه الليلة لأنه مكتوب أنى اضرب الراعي
فتتبدد خراف الرعية ” (مت31: 26). وعلى الصليب يقول الكتاب ” بعد هذا
رأي يسوع أن كل شيء قد كمل فلكي يتم الكتاب قال أنا عطشان ” (يو28:
19). ” واخذ الاثني عشر وقال لهم ها نحن صاعدون إلى أورشليم وسيتم كل ما
هو مكتوب بالأنبياء
عن ابن الإنسان ” (مت31: 18)، “ لكي يتم ما
قيل بالنبي القائل
” (مت35: 13؛4: 21)(2).

 وأعلن أنه الآتي من
السماء وأنه ليس من الأرض ولا من هذا العالم، بل أنه من السماء، من فوق، من عند
الآب، من ذات الآب. وبرغم تأكيد نزوله من السماء إلا أنه يؤكد استمرار وجدوده في
السماء برغم وجوده في نفس الوقت على الأرض، وبرغم أنه من الآب، وقوله أنه جاء من
عند الله وأنه سيعود إلى الله، وأن الآب قد أرسله قد أرسله إلى العالم، إلا أنه
يؤكد أنه موجود في ذات الآب وفي حضن الآب وأنه لم ولن يفارق الآب، وأنه في الآب
والآب فيه: ” لأني قد نزلت من السماء ليس لأعمل مشيئتي بل مشيئة الذي أرسلني
” (يو6: 38). ثم يشير إلى نفسه رمزيا بالخبز الذي أنزله على إسرائيل من
السماء مؤكدا أنه الخبز الحقيقي من خلال تقديم ذاته على الصليب: ” هذا هو الخبز
النازل من السماء لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت … أنا هو الخبز الحي الذي
نزل من السماء. أن أكل احد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد. والخبز الذي أنا أعطي
هو جسدي الذي ابذله من اجل حياة العالم … هذا هو الخبز الذي نزل من السماء
” (يو6: 50 و51و 58).

 ثم يؤكد بعد ذلك أنه
برغم نزوله من السماء إلا أنه لم يفارق السماء مطلقا، فقد كان في السماء وعلى
الأرض في آن واحد: ” وليس احد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان
الذي هو في السماء
” (يو3: 13).

 ثم قال لليهود: ”
فقال
لهم انتم من أسفل. أما أنا فمن فوق. انتم من هذا العالم. أما أنا فلست من هذا العالم

(يو8: 22)، وقال عنه يوحنا المعمدان: ” الذي يأتي من فوق هو فوق الجميع. والذي
من الأرض هو ارضي ومن الأرض يتكلم.الذي يأتي من السماء هو فوق الجميع
” (يو3: 31). وقد فهم اليهود مغزى كلامه فقد كلامه واضحا لا لبس فيه لذا يقول
الكتاب: ” فكان اليهود يتذمرون عليه لأنه قال أنا هو الخبز الذي نزل من السماء.
وقالوا أليس هذا هو يسوع ابن يوسف الذي نحن عارفون بأبيه وأمه. فكيف يقول هذا أني نزلت
من السماء
” (يو6: 41و42).

 كما أعلن لكل من
تلاميذه ورؤساء اليهود عن حقيقة كونه المسيح المنتظر ابن داود، بل ورب داود، بل
وابن الله الذي من ذات الآب كما سبق أن تنبأ به
عنه داود في المزمور
110 كما سبق وأشار لهم مؤكدا أن داود تكلم عنه هو نفسه كرب داود في هذا المزمور:
وفيما كان الفريسيون مجتمعين سألهم يسوع قائلا ماذا
تظنون في المسيح. ابن من هو. قالوا له ابن داود. قال لهم فكيف يدعوه داود بالروح ربا

قائلا: قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئا لقدميك. فان كان داود
يدعوه ربا فكيف يكون ابنه
؟ فلم يستطع احد أن يجيبه بكلمة ” (مت22:
42-44).

وعندما سأل هذا السؤال لتلاميذه قائلاُ: ” من يقول الناس
أني أنا ابن الإنسان؟
فقالوا قوم يوحنا المعمدان. وآخرون إيليا. وآخرون ارميا
أو واحد من الأنبياء “. ولما قال لهم ” وانتم من تقولون أني أنا؟ فأجاب
سمعان بطرس وقال ” أنت هو المسيح ابن الله الحي “. وهنا مدح
تلميذه بطرس وقال له: ” طوبى لك يا سمعان بن يونا أن لحما ودما لم يعلن لك
لكن أبى الذي في السموات
” (مت13: 1618). وأعترف بهذا اللقب، لقب أبن
الله الحي بكل موصفاته أمام رئيس الكهنة عندما سأله قائلاً: ”
استحلفك بالله
الحي أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الله
” (مت26: 63)،
قال
له يسوع أنت قلت (أنا هو
(مر14: 62)، ” أني أنا هو
” (لو22: 70)، ” وأيضا أقول
لكم من الآن تبصرون ابن الإنسان جالسا عن يمين القوة وآتيا على سحاب السماء

“، ” فمزّق رئيس الكهنة حينئذ ثيابه قائلا قد جدّف. ما حاجتنا بعد إلى شهود.
ها قد سمعتم تجديفه ” (مت26: 64و65). وهنا يؤكد الرب يسوع المسيح على ثلاثة
حقائق هي؛ (1) أنه المسيح المنتظر، ابن الله، الذي سبق أن تنبأ عنه الأنبياء، وكما
وصفته كتابات ما بين العهدين، (2) وأنه الرب، رب داود كما
بيّنا أعلاه،(3) أنه هو ابن الإنسان المعبود الذي سبق أن تنبأ عنه دانيال النبي
باعتباره الذي له السلطان والمجد والملكوت الذي ” تتعبّد له كل الشعوب والأمم
والألسنة. سلطانه سلطان ابدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض
” (دا7:
13و14).

 كما تكلم عن كونه
الابن من الآب، الذي من الآب والذي في الآب، في حضن الآب والواحد مع الآب في
الجوهر، وفي ذات الآب قبل كل خليقة، وأن حقيقة كونه ابن الله، الابن من الآب، هذه
الحقيقة التي لا يعرفها أحد ولا يقدر أن يعلن عنها أحد غير الابن ذاته فقال
مؤكداً: ”
كل شيء قد دفع إليّ من أبي. وليس احد يعرف من هو الابن إلا
الآب ولا من هو الآب إلا الابن ومن أراد الابن أن يعلن له
(لو10: 22)،
أي أن معرفة الآب والابن لا تتم إلا عن طريق الابن، لماذا؟ يعلل هو ذلك بأنه يعرف
الآب لأنه منه ” أنا أعرفه لأني منه ” (يو7: 29)، فهو الذي
من الآب ” و ” في الآب “؛ ”
أني أنا في الآب
والآب فيّ … أني في الآب والآب فيّ

(يو14: 10و11)، ” الابن الوحيد الذي في حضن الآب هو خبر ” (يو1:
18)، والكائن في ذات الآب: والآن مجدني أنت أيها
الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم
… أيها الآب أريد أن
هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا لينظروا مجدي الذي أعطيتني لأنك أحببتني
قبل إنشاء العالم
” (يو5: 17و24)
، والموجود قبل كل وجود ” قبل
أن يكون إبراهيم أنا أكون
(كائن) ” (يو8: 58)، وكما أعلن عن نفسه:
أنا
هو الألف والياء البداية والنهاية

(رؤ21: 6)، “
أنا الألف والياء. البداية والنهاية. الأول والآخر
(رؤ22: 13).

 كما تكلم عن الآب
باعتباره الآتي منه، من الآب، من عند الآب، من ذاته، وغير المنفصل عنه، الواحد
معه، والمساوي له في كل شيء، بل واستخدم كلمة ” الآب ” باستمرار
سواء في حديثه عن الله أو في حديثه مع الله بطريقة تؤكد العلاقة الفريدة بين الآب
والابن؛ ففي الإنجيل للقديس مرقس (36: 14) ينادي الآب بالتعبير الآرامي ”
أبا
“؛
يا أبا الآب ” الذي يعني ” daddy“،أي
أباه بصفة خاصة، أبيه الذي هو منه، وهو لقب لم ينادي به أحد الله من قبل (رو15:
8وغل6: 4). ودائما يقول ” أبي وأبيكم ” (يو17: 20) ولم يقل أبدا
أبانا “. وقد فهم اليهود من أحاديثه عن علاقته الخاصة بالله
الآب: ”
فأجابهم يسوع أبي يعمل حتى الآن وأنا اعمل. فمن اجل هذا كان
اليهود يطلبون أكثر أن يقتلوه. لأنه لم ينقض السبت فقط بل قال أيضا أن الله أبوه
معادلاً (مساوياً) نفسه بالله.
فأجاب يسوع وقال لهم الحق الحق أقول لكم لا
يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئا إلا ما ينظر الآب يعمل. لان مهما عمل ذاك فهذا
يعمله الابن كذلك
. لان الآب يحب الابن ويريه جميع ما هو يعمله. وسيريه أعمالا أعظم
من هذه لتتعجبوا انتم. لأنه كما أن الآب يقيم الأموات ويحيي كذلك الابن أيضا
يحيي من يشاء. لان الآب لا يدين أحدا بل قد أعطى كل الدينونة للابن

(يو17: 5-22)، “
لأنه كما أن الآب له حياة في ذاته كذلك أعطى
الابن أيضا أن تكون له حياة في ذاته
” (يو26: 5)، ولما
قال لهم: “
أنا والآب واحد فتناول اليهود أيضا
حجارة ليرجموه. أجابهم يسوع أعمالا كثيرة حسنة أريتكم من عند أبي. بسبب أي عمل
منها ترجمونني. أجابه اليهود قائلين لسنا نرجمك لأجل عمل حسن بل لأجل تجديف. فانك
وأنت إنسان تجعل نفسك إلها
” (يو30: 10-33)، “
ولكن أن كنت اعمل فان لم تؤمنوا بي فآمنوا بالأعمال لكي تعرفوا وتؤمنوا أن الآب
فيّ وأنا فيه
” (يو38: 10).

 وكان يقول لهم: “
لو كنتم قد عرفتموني لعرفتم أبي أيضا. ومن الآن تعرفونه وقد رأيتموه. قال له فيلبس
يا سيد أرنا الآب وكفانا. قال له يسوع أنا معكم زمانا هذه مدته ولم تعرفني يا
فيلبس. الذي رآني فقد رأي الآب فكيف تقول أنت أرنا الآب. ألست تؤمن أني أنا في
الآب والآب فيّ
. الكلام الذي أكلمكم به لست أتكلم به من نفسي لكن الآب الحال
فيّ هو يعمل الأعمال
” (يو7: 14-10)، “ الذي
يبغضني يبغض أبي أيضا
” (يو23: 15). كما يؤكد أن كل ما للآب هو
له: “
كل ما للآب هو لي ” (يو15: 16)، ويخاطب الآب بقوله: وكل ما هو لي فهو لك. وما هو لك فهو لي
(يو10: 17و11).

 كما كان يستخدم نفس
التعبير الذي كان يستخدمه الله في العهد القديم معبرا عن كينونته الذاتية ” أنا
هو
” الذي يساوي أنا هو الكائن، أنا هو يهوه، “

فقلت لكم أنكم تموتون في خطاياكم. لأنكم أن لم تؤمنوا أني أنا هو تموتون في
خطاياكم

(يو24: 8)، ”
فقال لهم يسوع متى رفعتم ابن الإنسان فحينئذ
تفهمون أني أنا هو ولست افعل شيئا من نفسي بل أتكلم بهذا كما علّمني أبي

(يو28: 8)، “
أقول لكم الآن قبل أن يكون حتى متى كان تؤمنون أني
أنا هو

(يو19: 13).

 كما استخدم ضمير
المتكلم ” أنا ” بمغزاها الإلهي وسلطته اللاهوتية مرات كثيرة،
خاصة في الموعظة على الجبل: “ قد سمعتم انه قيل
للقدماء لا تزن. وأما أنا فأقول لكم أن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد
زنى بها في قلبه… وقيل من طلق امرأته فليعطها كتاب طلاق. وأما أنا فأقول لكم
أن من طلّق امرأته إلا لعلّة الزنى يجعلها تزني. ومن يتزوج مطلّقة فانه يزني. أيضا
سمعتم انه قيل للقدماء لا تحنث بل أوف للرب أقسامك. وأما أنا فأقول لكم لا
تحلفوا البتة … سمعتم انه قيل عين بعين وسن بسن. وأما أنا فأقول لكم لا
تقاوموا الشر … سمعتم انه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك. وأما أنا فأقول لكم أحبوا
أعداءكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا
إلى مبغضيكم. وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم
ويطردونكم ” (مت27: 5-44).

 وفي هذه الحالات يتكلم
عن نفسه كواضع الشريعة والناموس. فهو يستخدم ضمير ” أنا ” بنفس
الأسلوب والطريقة التي يتكلم بها الله كصاحب السلطان والسيادة على كل الخليقة. وفي
سفر الرؤيا يستخدم ضمير الأنا بكامل قوة وسلطان الله ” أنا هو الأول
والآخر والحي وكنت ميتا وها أنا حيّ إلى ابد الآبدين آمين ولي مفاتيح الهاوية
والموت
” (رؤ1: 17)، ” أنا الألف والياء. البداية والنهاية.
الأول والآخر
” (رؤ22: 13).

 وأخيرا يقول ” وها
أنا آتي سريعا وأجرتي معي لأجازي كل واحد كما يكون عمله.
أنا الألف والياء.
البداية والنهاية. الأول والآخر
” (رؤ12: 22و13). وهذا الكلام لا يمكن
أحد أن يقوله سوى الله نفسه. فهو الديان وملك الملكوت:
” فان ابن الإنسان
سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله
” (مت16: 27)، ” ومتى جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين
معه فحينئذ يجلس على كرسي مجده
. ويجتمع أمامه جميع الشعوب فيميّز بعضهم
من بعض كما يميّز الراعي الخراف من الجداء ” (مت25: 31و32). ويقول في الرؤيا:
” فستعرف جميع الكنائس أني أنا هو الفاحص الكلى والقلوب وسأعطي كل واحد منكم
بحسب أعماله
” (رؤ2: 23).

 كما يعطي لنفسه لقب رب
بمعنى رب الخليقة: فيقول ” ليس كل من يقول لي يا
رب يا رب
يدخل ملكوت السموات. بل الذي يفعل إرادة
أبي الذي في السموات. كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم يا رب يا رب أليس
باسمك تنبأنا وباسمك أخرجنا شياطين وباسمك صنعنا قوات كثيرة. فحينئذ أصرّح لهم أني
لم أعرفكم قط. اذهبوا عني يا فاعلي الإثم ” (مت21: 7-23).

 كما تكلم
عن عمله الفدائي الذي جاء إلى العالم من أجله، تجسد من أجله
وكما
رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان لكي لا يهلك كل من يؤمن
به بل له الحياة الأبدية، لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا
يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية
لأنه لم يرسل الله ابنه ليدين
العالم بل ليخلص به العالم ” (يو15: 3-17)،
أنا هو خبز الحياة … أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء، إن أكل أحد هذا
الخبز يحيا إلى الأبد، والخبز الذي أنا أعطي هو جسدي الذي ابذله من اجل حياة
العالم
… الحق الحق أقول لكم إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فليس
لكم حياة فيكم، من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت في وأنا فيه ” (يو48: 6-58).
والإشارة هنا واضحة إلى آلامه وسفك دمه وتقديم جسده على الصليب. ” أنا هو
الراعي الصالح والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف … وأنا أضع ذاتي عن
الخراف
” (يو15: 10). وهو هنا يشير إلي بذل ذاته، تقديم ذاته، نيابة،
فديه، على الصليب. ثم يؤكد حتمية ذلك وحقيقة انه يقدم ذاته بإرادته، دون أن يكون
هناك أي مجال للإجبار أو العرض والصدفة بقوله ” لأني أضع نفسي لأخذها أيضا.
ليس أحد يأخذها مني بل أضعها أنا من ذاتي. لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن أخذها
أيضا
” (يو17: 10و18). ” أن ابن الإنسان لم يأت ليخدم بل ليخدم وليبذل
نفسه فدية عن كثيرين
” (مت28: 20ومر45: 10). ” قد أتت الساعة
ليتمجد ابن الإنسان الحق الحق أقول لكم إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت فهي
تبقى وحدها. ولكن أن ماتت تأتي بثمر كثير
“، ثم أضاف ” وأنا إن
ارتفعت عن الأرض اجذب إلى الجميع. قال هذا مشيراً إلى أية ميته كان مزمعاً أن يموت

” (يو20: 12-33). والجملة الأخيرة هي تعليق إيضاحي لمعنى كلام المسيح مؤكداً
أن قصده هو الموت معلقاً على الصليب.

 وفي العشاء الرباني، صنع
مع تلاميذه مراسم العهد الجديد، الذي كان على وشك أن يتممه على الصليب بتقديم جسده
الذي قدمه مرة واحدة عن خطايا العالم كله ”
لأنه فعل هذا مرة واحدة
إذ قدم نفسه

(عب7: 27)، ”
بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجد فداء أبديا
(عب9: 12)، ”
نحن مقدّسون بتقديم جسد يسوع المسيح مرة واحدة
(عب10: 10)، أو كما يقول الكتاب أيضا ”
دم المسيح الذي بروح أزلي
قدم نفسه للّه بلا عيب
” (عب9: 14)؛
وفيما هم يأكلون أخذ يسوع الخبز وبارك وأعطى التلاميذ وقال خذوا كلوا هذا هو جسدي.
وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلاً اشربوا منها كلكم. لأن هذا هو دمي الذي للعهد
الجديد الذي يسفك من اجل كثيرين لمغفرة الخطايا
” (مت26و26-28)، وهذا
الخبز هو الذي سبق أن قال عنه ” والخبز الذي أنا أعطي هو جسدي الذي ابذله
من اجل حياة العالم
” (يو51: 6)، وهذا الدم هو الذي سبق أن قال عنه
ودمي مشرب حق ” (يو55: 6)، ” من يأكل جسدي ويشرب دمي
يثبت فيّ وأنا فيه
” (يو56: 6).

 كما تكلم
عن الروح القدس كروح الله وروحه هو أيضاً الذي يرسله الآب باسمه والذي يرسله هو من
الآب، الروح القدس الذي يصدر مكن الآب، ينبثق من الآب: ” وأنا اطلب من الآب فيعطيكم
معزيا آخر ليمكث معكم إلى الأبد. روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله
لأنه لا يراه ولا يعرفه
وأما انتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم ويكون فيكم
” (يو14: 16و17و26), ” ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من
الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق
فهو يشهد لي ” (يو15: 26)، ” لكني
أقول لكم الحق انه خير لكم أن انطلق. لأنه أن لم انطلق لا يأتيكم المعزي.ولكن أن ذهبت
أرسله إليكم. ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة. أما على
خطية فلأنهم لا يؤمنون بي … وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع
الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية. ذاك يمجدني
لأنه يأخذ مما لي ويخبركم. كل ما للآب هو لي
. لهذا قلت انه يأخذ مما لي ويخبركم
” (يو16: 7-9و14و15). أنه هنا يتكلم عن الروح القد، روح الله المنبثق من الآب
كروحه هو أيضا والذي يرسله هو من الآب والذي يرسله الآب باسمه.

 وعندما تكلم عن علاقته بالآب وعلاقة الروح
القدس به وبالآب قدم لنا الله في حقيقة ثالوثه كالآب والابن والروح القدس. وأخيرا
يقول لتلاميذه: ” فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح
القدس
. وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به. وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء
الدهر
” (مت28: 19). ” وهذه الآيات تتبع المؤمنين. يخرجون الشياطين
باسمي ويتكلمون بألسنة جديدة. يحملون حيّات وان شربوا شيئا مميتا لا يضرهم ويضعون أيديهم
على المرضى فيبرأون
“. ويقول الإنجيل: ” ثم أن الرب بعدما كلمهم ارتفع
إلى السماء وجلس عن يمين الله.
وأما هم فخرجوا وكرزوا في كل مكان والرب يعمل
معهم ويثبت الكلام بالآيات التابعة
” (مر16: 17-20). مؤكدا وجوده في كل
مكان وكونه مرسل الرسل والأنبياء وأن كل شيء يتم باسمه وأنه هو الذي يصنع المعجزات
على أيدي تلاميذه ورسله وأنبيائه، كقوله لهم: ” ومهما سألتم باسمي فذلك افعله
ليتمجد الآب بالابن. أن سألتم شيئا باسمي فاني افعله
” (يو14: 13و14).



(%) Theo. Dic.
OT Vol. 5 P. 500.

ويعقب
الفيلسوف اليهودي فيلون
Philo (20ق.م-40م)  على لاويين (15:24) ” كل من سب إلهه يحمل
خطيئته “، بقوله ” إذا كان هناك أحد، لا أقول أنه يجدف على رب الناس والآلهة،
بل يجرؤ فقط على أن ينطق باسمه في وقت غير مناسب فليتوقع الموت ” (” أنت
المسيح ابن الله الحي” جـ 90:5).

 
وقال أيضاً ” الاسم يهوه لا يجوز أن ينطق به إلا الذين تطهرت بالحكمة آذانهم وألسنتهم،
وبشرط أن يسمعوه وينطقوا به في مكان طاهر ” (السابق ص 90). وجاء في القاموس الدولي
للدين ” هذا الاسم (يهوه) مقدس لدرجة أن اليهود لم ينطقوه عالياً أبداً
ودائماً يستبدلونه بلقب آخر ” (
The
Int. Dic. Of Religion P. 99.

ويقول التلمود البابيلوني ” أن اليهود امتنعوا أن يلفظوا الاسم، بل والكهنة
أيضاً لم يعودوا ينطقون به حتى في تلاوة البركة ” (أنت المسيح جـ 91:5.).
ويقول التلمود الأورشليمي أنه كان مشروعاً لرئيس الكهنة أن ينطق بالاسم في
احتفالات يوم الكفارة (السابق). وكان ينطق به بصوت خفيض في قدس الأقداس حتى لا
يسمعه أحد خارجاً. وبلغت المبالغة في الخوف من نطق الاسم أن يقول أحد الربيين، كما
ينقل د.ت. بيرسون
D. T. Pierson، أن من يجرؤ على النطق بهذا الاسم (يهوه) سيفقد مكانه في العالم الآتي
(
All D. Names P. 18.)، أي يحرم من السعادة الأبدية.

 
ومن ثم فقد دعوه بـ ” الاسم
Ha Shem” و ” الاسم العظيم المهوب ” و ” الاسم الخاص ”
و “الاسم المنفصل” و “الاسم الذي لا ينطق به” و ” الاسم
الذي لا يوصف ” و ” الاسم المحفوظ، و ” الاسم المقدس ” و
” الاسم المتميز ” و ” الاسم الذي من أربعة أحرف ( ى. و. هـ
Y H W H) ” (Ibid 17.). وغالباً ما يسمى بالكلمة اليونانية ” تتراجراماتون       Tetragrammaton τετραγράμματον ” أي الاسم ذو الحروف الأربعة (YHWH, JHVH) (The Levicon Web. Dic. Vol. 2. P. 1017).

 
وكانوا عند قراءة يهوه يستبدلونه بـ ” أدوناي
Adonai” والذي يعنى ” ربى My Lord “، ويضعون التشكيل والحركات التي للاسم “ادوناى” على
الحروف الأربعة “ى.هـ.و.هـ” للاسم الذي لا ينطق به، وينطقون ”
أدوناي “. وهكذا تركوا الحروف الساكنة الأربعة ليهوه، في النص، ووضعوا معهم
الحروف المتحركة أدوناي (
a
– o – a
). ومن هذا جاء الاسم
الهجين ” جيهوفاه –
Jehovah ” المستخدم في الانجليزية والفرنسية
والألمانية، وهو الشائع الآن. كانت اللغة العبرية تتكون من 22 حرفاً ساكناً وليس
بها حركات أو حروف متحركة. وكان القارئ يدرك النطق الصحيح ويضع الحروف المتحركة من
الذاكرة تقليدياً، ومع عدم نطق اسم يهوه فقد ضاع النطق الصحيح له. وبدأت الحركات
والحروف المتحركة تدخل تدخل اللغة العبرية، حتى تم ذلك على أيدى المأسوريين، أى
حملة التقليد (ماسورا) فيما بين 500 إلى 950م (كتاب التوراه كيف كتب وكيف وصلت
إلينا) للمؤلف ص 29 و 73.

 
وقد فقد النطق الصحيح للاسم من التقليد اليهودي أثناء العصور الوسطى (
Theo. Dic. OT Vol. 5 P. 500). وصار ينطق بأشكال مختلفة أهمها: ” ياهفيه أو يهفيه Yahveh, Yeheveh ” أو ” ياهفي Yahve ” أو “جيهوفا  Jehova
(
The Pulpit Com. Vol. 1 Ex. 57.
See also Clarke’s Com. Vol. 1 P. 475.
).

 
يقول المؤرخ والكاهن اليهودي يوسيفوس (36
100م) أنه غير
مشروع له أن يقول شئ عن هذا الاسم المقدس ونطقه (
Ant. B. 2:4).

(1) أنظر كتابنا ” هل تنبأ
الكتاب المقدس عن نبي أخر يأتي بعد المسيح؟ ” ص

(2) أنظر كتابنا ” إعجاز
الوحي والنبوة في سفر دانيال الفصل التاسع.

(2) أنظر
” مخطوطات قمران – البحر الميت ” جـ 2 : 45-56. مع
 H.F.D.Sparks The Apocryphal
O T p. 221-257.

(3) السابق جـ 3 : 347. مع The New English Bible. 2 Esdras ch. 13.

(67)
استخدم العهد القديم تعبير ” الملكوت ” للإشارة إلى ملكوت الله ولم ترد
عبارة ” ملكوت الله ” إلا مرة واحدة في سفر الحكمة ”
 Basileia Tuo Theou” (حك 10:10)،
ووردت عبارة ” ملكه ” العائدة على الله (حك 4:6) وعبارة “ملك
الدهور” في سفر طوبيا (10:13). وفى أدب اليهود وكتبهم التي كتبت في الفترة ما
بين العهدين وردت عبارات ” الملكوت ” و” ملكوتك ” و” ملكوت
إلهنا ” وذلك في كتاب أخنوخ الأول (1:41) وكتاب مزامير سليمان (18:5؛ 3:17).
وفى كل الأحوال فالمعنى المقصود هو الله “ملكوت الله”. ولكن في الفترة
السابقة لميلاد المسيح مباشرة والفترة المعاصرة له استخدم اليهود في فلسطين عبارة
” ملكوت الله
مالكوت شمايم
Basilei Ton Oranoon
وذلك تجنباً لذكر اسم الله.

(68)
متى 33:5؛ 28:12؛ 11:13؛ 24:19؛ 31:21،43

(2) أنظر كتابنا ” الإنجيل
كيف كتُب وكيف وصل إلينا ؟ ” الفصل الأول.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى