اللاهوت الدفاعي

أوريجانيوس والأوريجينية



أوريجانيوس والأوريجينية

أوريجانيوس
وا
لأوريجينية

انتشر
أسلوب أوريجينوس في التفسير الإنجيلي إلي الغرب المتحدث باللاتينية. وكان للقديس
أمبروسيوس
Ambrose 339-397م، أسقف
ميلان، دورًا حيويًا في ذلك المجال. هيمن ذلك الخطيب اللامع، ذو الحسب الشريف، على
الكنيسة الغربية، على مدى الجزء الأخير من القرن الرابع، إلي درجة أجبرت أباطرة
على الإنقياد لقوة شخصيته. أعجب أمبروسيوس بالآباء الكابادوكيين وحصل منهم على
تقدير لتفسير الرمزى للإنجيل لأرويجينوس، الذي مارسه بتوسع في عظاته بميلان. وقدّم
أمبروز بدوه التفسير الرمزى للإنجيل إلي
Hippo Augustine of 354-430م اللاهوتي من أفريقيا الشمالية، الذي
ساد نفوذه على اللاهتيات الغربية على مدى ألف عام كان
Augustine
خطيبًا مفوها ذو طموح، أعتنق فيما بعد، تحرر من وهم اللاهوتية الغنوسية لل
Manicheans، عندما أستمع إلي أمبروز يعظ في ميلان

ومع
بقاء الأوريجانية كثيار فكرى قوى في الكنيسة، استمرت كذلك المعارضة لها. وفي عام
375م هاجم القديس إبيفاينوس من سلامين العالم المتخصص في المجال الهرطقات
أوريجينوس بوصفه مهرطقًا. ونجح في غقناع القديس جيروم الذي كان أحد المعجبين
بأوريجينوس بالانضمام إليه في هجومه.

 

مقالات ذات صلة

حتى
في حياته، هوجم أوريجينوس من العديد من رجال الكنيسة على أن كتاباته بدع. وفسروا
المزج بين أستقامة الرأي والهراطقة في كتاباته، بالقول أن القول نيّاته كانت
هرطقية، ولكنه عمد إلي مزج الهرطقات بالأفكار القويمة بهدف إرباك بسطاء المؤمنين.

 

وفي
الوقت ذاته، أصر العديد من رجال الكنيسة أيضًا على الإعلان عن أن رغبته في أن يكون
عضوًا أمينًا في الكنيسة، لم تعادلها رغبة أخرى.

 

تسبب
أقصاؤه في خلق شق خطير في صفوف الرهبان المصريين، ودفعوا ثاوفليس بابا الإسكندرية
إلي إقتراف خطأه الكبير، بحرم القديس يوحنا ذهبي الفم بطريرك القسطنطينية الذي ندم
عليه أشد الندم في اواخر أيام حياته.

 

وأخيرًا
حرمت الكنيسة القبطية أوريجينوس أثناء حياته، بقصد حماية أعضاؤها من قبول أخطائه
اللاهوتية العديدة. أما كنائس خلقيدونية فلم تتخذ هذا القرار إلا بعد إنتقاله، في
المجمع الثاني في القسطنطينية عام 553م.

 

بدأ
الجدول الحقيقي في عام 398م، عندما نشر روفينوس
Rufinus
الذي عاد إلي مصر موطنه إيطاليا ترجمة للكتابين الأولين من
On First Principles. كانت هذه الترجمة التي أكملها روفينوس مغامرة في حد ذاتها، إذ لم
يتعرض القراء المتحدثون باللاتينية للجوانب التأملية في أفكار أوريجينوس. والذي
اشعل الجدل، كانت تلك المقدمة غير الحكيمة التي كتبها روفينوس، والتي ادعى فيها
أنه يتبع نمط جيروم في ترجمة أعمال أوريجينوس، مع تنقيح الفقرات العدوانية لاهوتيا
في سياق ذلك. لكن جيروم رفض الأيحاء بأنه باق على أعجابه بأوريجينوس، وأن ترجمته
غير دقيقة. وهاجم في انفعاله روفينوس في رسالة إلي صديقه في روما.

 

يمكننا
القول أن محتوى ترجمته الحرفية
On
First Principles
. مشوبة بالتحيز،
كنتيجة لمقارنة الروايتين بالشرذمات اليونانية المتاحة. وهى تعادل في تجهيزها في
تأكيدها للانحراف المزعوم لأوريجينوس عن الرأي القويم تحيز روفينوس في إخفائها. لم
يبق من هذا العمل بكل أسف غير شذرات.

 

ظل
الجدل بخصوص أوريجينوس ممتدًا في الغرب سنينًا طويلة. وبالرغم من أنه قد عمل
أوريجينوس رهنًا للاتهام، غير أنه لم يتسبب إلا في ضرر محدود لسمعته في الغرب. فقد
إستمرت قراءة ترجمات أعماله، كما بقى تأثيره على جيروم محسوسًا. فقد اعتمدت ترجمة
الأخير العظيمة للإنجيل على السهام أوريجينوس إلي حد كبير.

 

1.
القديس بطرس الإسكندرى. كان نقده لأوريجينوس معتدلاً للغاية، كما سوف نرى فيما
بعد.

2.
القديس ميثوديوس
St. Methodius of
Olympus
في ليسيا. الذي استشهد في
عام 311م في عهد
Maximinus Daza شن حربًا جدية وناجحة ضد الاوريجانية. ففي مؤلفه الرئيسى “عن
القيامة” قدم نماذجًا من حجج أوريجينوس، ثم شرع في مهاجمتها وهدمها. لم ينجح
هذا العمل في كسف سمعته بقدر ما أضرت بإعتباره اللاهوتى إلي درجة أدت جزئيًا إلي
إصدار العمل المسهب “دفاع عن أوريجينوس”
Defense of Origen في الفترة ما بين عامى 307و 310م في خمسة أجزاء. على يد الشهيد
يامفيلوس (ساأوسابيوس القيصرى) أعقبه فيما بعد بجزء سادس أكمله أوسابيوس وحده.

 

تحول
ميثوديوس إلي قائد لمعارضي الأوريجانية. وكان مركز إهتمامه يدور حول الرأي الغريب
لأوريجينوس بخصوص القيامة، وإنكاره أن الجسد سوف يقوم.

 

يقول
G. W. Butterworth أن الهجمة الجدية الأولي لميثوديوس أسقف Patara in Lycia، كانت في الأعوام الأولي من القرن الرابع. كتب يعنف ضد أوريجينوس
ومن تبعه، مهماجمًا معتقداته المميزة في
The First Principles،
مثل خلود الخليقة، وسبق كينونة النفس، والطبيعة الروحانية في قيامة الجسد. نميز أن
آخرون، ومنهم شخصيات عظيمة مثل أثناسيوس والآباء الكاباودوكيين: باسيليوس والثنائي
إغريغوريوس في الوقت الذي يقروّن فيه أن أعماله لا تخلو من مثالب وأخطاء، إلا أنهم
يعتبرونه بوجه عام، كشجرة قدمت الكثير لها بعض المنافع ويجب ترك أوراقها السيئة.

 

3.
القديس يوستاسيوس
St. Eustathius الأنطاكي. من P. 437 قادة المجموعة المنتصرة ف يمجمع نيقية في عام 325م، ورأس المجموعة
البيقية الملتزمة في أنطاكية. ووفقا
Theodoret كان أول المتحدثين بالمجمع، فقد منح شرف تحية الإمبراطور قسطنطين
عند دخوله إلي الإجتماع بخطاب ترحيبي. كان هذا هو نفس الإمبراطور الذي أصدر الأمر
ينفيه في عام 330م إلي
Thracc في Trajanopolis، بعد أن قام مجمع كنسي آريوسي في أنطاكية بخلعه في عام 326م.
إمتدحه القديس أثناسيوس بوصفه “معترفًا” و”راسخ الإيمان”
و”متحمسًا في الحق” و”مبغضًا للبدعة الأريوسية”.

 

في
مؤلفه
De engastrimytho contra
Origenem
أي (التكلم الباطني ضد
أوريجينوس) الذي كتب معارضة لتأويل أوريجينوس لطبيعة صموئيل النبي، كما اسستحضرته
لشاول، عرَّافة عين دور (1صموئيل 28) أشار القديس يوستاسيوس إلي مؤلف القديس
ميثوديوس “عن القيامة” على أنه مورد آخر عن المشكلة النفس جسدية
المتضمَّنة في تأويل طبيعة صموئيل. وفي سخرية بأوريجينوس، أسماه “بأوريجينوس
البارع” و”أوريجينوس الجازم بغطرسة غير مبررة” و”أوريجينوس
المتحدث بالعظائم و”أوريجانو ذو العلم الكبير”، و”أوريجينوس كثير
الكلام” و”أوريجينوس أكثر الناس غباء” ويكتب، “ليس هناك لمزيد
من النقاس حول الطريقة مميز القويمة (
KaKadoxos) التي عالج بها موضوع القيامة. فقد كتب ميثوديوس الفاضل ذو
الذاكرة المباركة مايكفي من هذا الموضوع، موضحًا حقًا، كيف أعطى أوريجينوس بتهور
الفرصة للهراطقة، بتعريفه للقيامة على أساس الشكل (
eidous
وليس على أساس الجسد. فبقدر ما افسد كل شيء بتأويلاته المجازية، زراعًا بذور
الهراطقة (
KaKadox) في كل مكان، فمن السهل ملاحظة، كيف ملا الدنيا بهراء غير محسوب
بتكرار نفسه بغير نهاية. فبإعتياده التعبير المجازي عن كل شيء، أستطاع ليس فقط
تأويل الكلمات (البطنية) للعرافة (
eggasstrimythou) رمزيًا، بل استطاع أيضًا تفادي شرح المعني الواضح، من التسلسل
اللفظي الطبيعي ذاته.

وفقاد
Dechow، تحتوى هذه الفقرة على كل العناصر التي ذكرها إبيفانيوس في هجومه
العنيف على أوريجينوس:

أ.
التركيز على موضوع القيامة.

ب.
الإعتماد على ميثوديوس من قبل النيقيين المحافظين فيما يتعلق بالعرض الحاسم
للقضيته ضد أوريجينوس.

ج.
تقبل الإتهام الذي وجهه ميثودويوس، بأن أوريجينوس ينكر بالفعل قيامة الجسد.

د.
مسؤلية أوريجينوس عن بدعة التعليم بخصوص قيامة الشكل المادي (
eidos).

ه.
مسؤلية أوريجينوس عن كل البدع العتيدة أن تظهر، كنتيجة لتفسيراته الرمزية.

 

تجرى
معارضة يوستاسيوس للأوريجانية والأريوسية، مثل خيط مزودج في كل كتاباته. فتأويله
للمشكلة (النفس جسدية) في الأنثروبولوجية الأوريجانية، يبدو ذو صلة مباشرة بفهمه
المضاد للأريوسية للعلاقة بين النفس والجسد في المسيح. فقد كان أول من لاحظ أن
خاصية الكريستولوجيا الأريسوسية (تعليلهم اللاهوتى لشخص المسيح وعمله) بإبكارها
لنفس بشرية في المسيح المتجسد تبدو مرتبطة بعدم إرتياحه، من جراء الواقع المتناقض،
الذي لاحظه في المفهوم الأوريجانى عن “الجسدية”.

 

4.
القديس إبيفانيوس
St. Epiphanus of
Salamis
نشر القديس إبيفانيوس
أسقف سلاميس التي هي الآن فاماجوستا المدينة الرئيسية في قبرص شجبًا مريرًا
لأوريجينوس في مؤلفه
Panorion أي صندوق الدواء لكل البدع، صور فيه أوريجينوس على أنه المصدر
الأساسي للبدعة الأريوسية، التي تم تنفيذها مؤخرًا. كما أذاع إفتراءات عن شخصية
أوريجينوس، بما فيها رواية تزعم تقديمه للقرابين لسيرابيس في الإسكندرية، بعد أن
هدده شخص حبشي بإغتصابه، وروايته أخرى تدّعى تعاطيه مستحضرًا منشطًا للذاكرة.

 

يقول
G. W. Butterworth:

مع
إقتراب نهاية القرن الرابع، جدد إبيفاينوس هجومه ففي مؤلفين:
the Anchoratus أي الإنسان المرتكز بإحكام (the firmly anchored man)، وHareses Adv، ضمَّن أوريجينوس بين الهراطقة، على أسس سبق أن شرحها ميثوديوس
وغيره، متعلقة بموضوع طبيعة الابن وعلاقته بالآب. فقد إتهم أوريجينوس بالتعليم بأن
الابن رغم إنبثاقه من جوهر الآب، إلا أنه مخلوق، يحمل لقب “الابن” على
سبيل المجاملة، وليس على سبيل الحق كما أن الروح القدس، هو أيضًا مخلوق. وأن مملكة
المسيح سوف تأتى يومًا ما إلي نهاية. وأن كل المخلوقات ذلك الشيطان ذاته، سوف تنال
العفو، وترجع إلي الله.

 

قام
القديس إبيفانيوس في مؤلفيه سابقى الذكر:

Adv. Haereses وPanarion، بتفيذ ثمانين بدعة، معتبرًا أوريجينوس “خلاصة” Epitome لها.

 

ويقول
Jon F. Dechow: عندما يذكر إبيفانيوس أوريجينوس، لا يمكن النظر إليه فى أي صورة،
فيما خلا كونه “خلاصة”
Epitome للهراطقة ذروة للهراطقة قبله، والهام وسلف للذين جاءوا بعده.
فهرطقة أوريجينوس بمنظور إبيفانيوس، بل وأكثر شرًا من كل ما سبقها… تعبِّر عن
عقليته، وتقدم النمط الأساسى للهرطقات اللاحقة لآريوس والأنونيين
Anonians، وغيرهم.

 

ساد
الفتور العلاقة بين إبيفانيوس أسقف سلاميس،
P. 439
والقديس يوحنا أسقف أورشليم، فيما يتعلق بالجدل الأوريجانى. وفي عام 395م، قام
إبيفانيوس بزيارة للقديس يوحنا، حاول خلالها عبثًا الحصول منه على أدانة
لأوريجينوس وعندها، وفي أوبروشية القديس يوحنا، وفي كنيسة القبر المقدس هاجم
إبيفانيوس يوحنا بوصفه تابعًا لأوريجينوس. وصار القديس جيروم على نهج إبيفانيوس،
وتعاون معه ضد يوحنا. وفي تصرف غير كنسي،
St. Epiphanius had also uncanonically conferrer priests, orders on
Jerome,s brother Paulinon
,
بهدف أن يستقل بذلك دير بيت لحم تمامًا، عن يوحنا إستنكر يوحنا هذا السلوك بطبيعة
الحال، وأظهر إستياءه.

 

حصل
القديس يوحنا، على حكم بالنفى ضد القديس جيروم من السلطات المدينة، غيرأن هذا
الحكم لم يجر تنفيذ وبعدها، تم التصالح لرحلة ما بين يوحنا وجيروم، بفضل توسط
البابا تاوفيلس الإسكندري الذى كان حنيئذ، مشايعًا لأوريجينوس.

 

الخطاب
التالى، سطره إبيفانيوس “كنصف إعتذار” عما فعله ويبدو أنه قد جعل به
الأمور أسوأ مما كانت:

أرى
أن كل نقمتك قد جعل به ثارت ضدى، نتيجة لأنى قد صارحتك بأنه لايجدر بك إمتداح شخص
هو الأب الروحى لأريوس، وأصل لكل الهرطقات. وعندما ناشدتك أن لا تنشر، وحذرتك من
العواقب، عارضتني، مما سبب لى الدموع والحزن. وليس بالنسبة فى فحسب، بل لجميع
الكاثوليك من الحضور.

 

هل
يستطيع أحد تحمّل تأكيد أوريجينوس بأن أنفس الناس كانت فى يوم ما، ملائكة فى
السماء، ولما أخطأت فى العالم العلوى، ُقذِفَ بهم الى أسفل، وحُبِسوا فى أجساد،
كما في قبر أو ركام ترابى، حتى يتحملوا العقاب من أجل خطاياهم السالفة. وأن أجساد
المؤمنين، هى ليست بهياكل للمسيح، بل سجون للمدانين؟

 

هو،
مرة أخرى، يتلاعب بالمعنى الحقيقى للسرد، بإستخدام زائف للرمزية، مكثرًا الكلام
بلا حدود، ُمّدمرًا لإيمان البسطاء، بحجج متباينة على نطاق واسع.

 

هو
يَدَّعى بأن الأنفس التي تعنى باليونانية “الأشياء الباردة”، قد سميت
كذلك، لأنها فى سياق هبوطها من السماء إلى الأرض، فقدت حرارتها السابقة. كما يطلق
على أجسادنا، فى المقابل اللاتينى “الأشياء الهابطة”، إذ قد هبطت من
السماء. ومُسمّى أخر للجسد، تزودنا به اللغة اليونانية الغنية، يعنى للكثرين،
“نصبًا جنائزيًا”، حيث أن النفس محبوسة، فيه كما تحبس جثث الموتى فى
القبور والأكام التربية.

 

إذا
صدقت هذه العقيدة، فماذا يحدث لإيماننا؟

أين
هو التعليم عن القيامة؟

أين
هو تعليم الرسل، الذي بقى حتى اليوم في كنائس المسيح؟

أين
هي البركة لآدم ونسله، ولنوح وأبنائه؟

“إثمروا
وأكثروا وإملأوا الأرض”.فوفقا لأرويجانوس فهذه الكلمات هي لعنته وليست بركة.
لأنه يُحوّل الملائكة إلي أنفس بشرية، مضطرًا إياهم إلي ترك رتبتهم العالية،
والإنحدار إلي ما هو أدنى. كما لو كان الله من خلال رحمته غير قادر على منح أنفس
خاصته بالجنس البشرى، في حالة عدم وقوع الملائكة في الخطية. وكما لو كان لكل ميلاد
فوق الأرض، لابد أن يكون هناك مقابلة هبوط من السماء.

 

لابد
لنا إذاً، من هجر تعليم الرسل والأنبياء والناموس، وحتى تعليم ربنا ومخلصنا ذاته،
رغم كلماته كالرعد في الإنجيل.

 

كما
يُقْدم أوريجينوس على أمر وتحريض ولا نقول ربط حوارييه، بأن لا يصلّوا من أجل أن
يرفعوا إلي السماء، خشية إذا اخطأوا هناك مرة أخرى، بأسوأ مما فعلوا على الأرض، أن
ينتهى الأمر بهم إلي أن يُلقى بهم إلي الأرض. هذه المفاهيم الحمقاء وغير المعقولة،
يؤكدها عموما بتشويه معانى المكتوب، وجعلها تعني ما لا تعنيه على الإطلاق. فهو على
سبيل المثال يستشهد بهذه الفقرة من المزامير:

Befor you did humble me
by reason of my Wickedness, I went Wrong

 

وأيضًا
“أرجعي يا نفسي إلي موضع راحتك” و”إخرج من الحبس نفسي”
و”سأعترف للرب أرض الأحياء” بالرغم من إختلاف معاني المكتوب الإلهي عن
تفسيره، الذي يقصد به دعم هرطقته. هذا السلوك، يشترك معه فيه
the Gnostics the Manichaens, the Ebionites,
the Marcionites
, ومناصروا
الهرطقات الثمانين الأخرى، ممن ينتزعون براهينهم من النبع الصافي للمكتوب، ثم
يفسرونه، لا بالمعنى الذي كتبت به، بل يحاولون جعل الأسلوب البسيط لكتاب الكنيسة
يما يتمشى مع رغباتهم.

 

5.
القديس جيروم
St. Jerome.

لقد
ذكرت بالفعل كيف كان جيروم معجبًا بأوريجينوس، ثم كيف بدّل رأيه، ليصبح عدوًا له
وللأوريجانية.

 

6.
تاوفيلس الإسكندري.

في
أول الأمر، كان تاوفيلس بابا الأسكندرية، يقف فى صف الرهبان الأورييجانين، وضد
البسطاء وغير المتعلمين منهم، ممن أعتقدوا فى الأنثروبومورفية
Anthropomorphism التي تخلع الصفات البشرية على الله. ولكنه تَحوّل الى عدّو عنيد
ضد الأريجاينين، عندما ثارت مشكلة “إبزيدور”
Isidore
و”الإخوة الطوال” كما سنعرف فيما بعد.

 

أرسل
البابا تاوفليس إلى أساقفة فلسطين وقبرص، رسالة كنسية لجمع عقد فى الأسكندرية فى
عام 400م، لحرم الأوريجانية.كتبت هذه الرسالة أصلاً باليونانية، ثم ترجمها القديس
جيروم إلى اللاتينية وكانت بنفس المحتوى إلى الجهتين.

 

أقدم
W. H. Ferantle, G. Lewis and W.
G. Martley
على إستخراج مقدمة كل من
الرسالتين:

تبدأ الرسالة الموجهة
إلى أساقفة فلسطين بالتالى: “إلى المحبوبين السادة والإخوة، والإخوة الأساقفة
Eulogius, John, Zebianus, Auxentous,
Dionysius, Gennedius, Zeno, Theodosius, Dicterius, Porphyry, Saturninus, Aean,
Paul, Ammonius, Helianus, Eusebius, the other

وكل
الأساقفة الكاثوليك المجتمعين معاً لتكريس إحتفال
Aelil،
تاوفليس يبعث بتحياتة فى الرب.

ووجهت
الرسالة إلى أساقفة قبرص هكذا
P.
441

“إلىالسادة
المحبوبين والإخوة والإخوة الإساقفة:

Epiphanies,
Marcianus, Agapetus, Boethius, Entasius, Norbanus, Macedonius, Aristo, Zeno,
Asiaticus, Heraclides, the other Zeno and Aphroditus
,

 

تاوفيلس
يبعث بتحياته فىالرب”

أما
المجال الذى تدور حوله الرسالة فكما يلى:

قمنا
شخصياً بزيارة لأديرة وأدى النطرون
Nitria، فوجدنا أن الهرطقات الأوريجانية قد إستشرت بينهم.ويصحبها تعصب
غريب: فالرجال يشوهون أنفسهم أو يبترون إلسنتهم، فى إظهار للمدى الذى يحتقرون به
أجسادهم.

 

أكتشف
أن رجالاً من هذا النوع، غادورا معى إلى سورية، وغيرها من البلاد، حيث يتحدثون
ضدنا وضد الحق.

جرت
قراءة كتب أوريجينوس أمام مجمع الأساقفة، الذى أدانه بالإجماع.

وفيما
يلى أخطاؤه الرئيسية، الموجودة أساساً فى
Peri ” De principiis) Archon

1.
إذا قورن الابن بنا، فهو “الحق”. أما إذا قورن بالأب فهو
“الزيف”.

2.
ستأتى مملكة المسيح يومًا ما إلى نهايتها.

4.
سوف تصير أجسادنا بعد القيامة إلى فساد وموت.

5.
لا يوجد شىء كامل، حتى فى السماء. والملائكة أنفسهم يخطئون. ونعتذى بعضهم على
التقدمات اليهودية.

6.
الكواكب واعية بتحركاتها، والشياطين عالمة بمصائرها.

7.
السحر إن كان حقيقيًا فهو ليس شراً.

8.
قد تألم المسيح من أجل الإنسان. وسوف يتألم مرة أخرة من أجل الشياطين.

 

حاول
الإوريجانيون إكراهى على السير فى نهجهم، بل ووصل بهم الأمر إلى إثارة الوثنيين
لسحب تدمير السيرابيوم. وسعوا إلى سحب شخصين، إتهما بجرائم خطيرة، من السلطة
الكنسية. كانت إحداهما امرأة، أدرجت من قبيل الخطأ، فى قائمة الأرامل، بواسطة
إيزيدور
Isidore. وكان الأخر إيزيدور نفسه الذي يمثل (حامل الراية) في الزمرة
الهرطقية، ويمولهم بمصادر لا تنصب، لمساعدتهم على إنجاز مخطاطاهم العنيفة لقد
حاولوا إغثيالى. ثم سيطروا على الكنيسة الرهبانية في النطرون، مصادرين لبعض الوقت،
دخول الأساقفة للقيام بمهامهم بها. والآن، وعلى مثال
Zebul
(بعلزبول)، يمرحون في الأرض. إنى لم أسبب لهم ضررًا، بل قد حميتهم ولكنى لم أدع
صداقة قديمة مع إيزيدور، تفسد إيماننا ونظامنا. أنا شدكم مقاومتهم أينما توجهوا،
ومنعهم من تشويش وإقلاق الإخوة ممن هم تحت رعايتكم.

 

أرُسيلت
رسالة كنسية من مجمع أورشليم، إلي البابا تاوفليس، ردّا على رسالته السالفة. وقام
بترجمتها كسابقتها القديس جيروم. وفيما يلى مخلص لها:

 

لقد
عفلنا كا ما تطلب. وفلسطين تكاد وتخلو تمامًا من وصمة الهرطقة. كم نود القضاء ليس
على الأوريجانيين فحسب، بل وعلى اليهود والسامريين والوثنيين. الأوريجانية غير
موجود بينا. والمذاهب التي سردتها، لم نسمع بها هنا. نحن نحرم االمعتنقين لهذه
المذاهب، بالأضافة إلي تلك التي
Apollinaris. ولن نستقبل أحدًا ممن حرمتهم.

 

7.
الإمبراطور جرستنيان
P. 442
Emperor Justinian

إتهم
جوستنيان (527- 565م)، في رسالته إلي
Mannas، أوريجينوس بأنه قد أكثر أن في القيامة، سوف تقوم الأجساد روحانيا
كما رأي جوستنيان أيضًا “النسطورية” في عقيدة أوريجينوس، فيما يختص نبفس
المسيح، في مقدمته التي كتبها لإحدى شذرات أوريجينوس. إنه يقول أن “الرب هو
مجرد إنسان” ولا يأخذ هذا الرأي في الحساب، الحقيقة أن الفصل قيد البحث في
الدراسة
On First Principles، يطور عقيدة Communicatio
idiomatum
التي تنص على نقل صفات
اللوغوس، إلي يسوع ابن الإنسان، وصفات يسوع إلي اللوغوس وهي عقيدة متعارضة مع
النسطورية.

 

الأوريجانيون
والرهبنة:

بعد
إنتقال أوريجينوس، اجتذبت كتاباته من يعجب بها، وبالأخص فى صحراء
“نتربا”، بين الرهبان المصريين، حيث عاش الأب أمونيوس
Ammonius، وإخوته الثلاثة: ديوسقوروس Dioscorus،
وأوسابيوس
Eusebius، ويوثيموس Euthymius، الذين أطلق عليهم لقب “الرهبان الطوال” أو”الإخوة
الطوال”، بالنظر إلى طول قامتهم. فى عام 370م كونوا مجموعة أوريجانية إنشغلت
فى دراسة الكتاب المقدس. وبرزوا بقداسة سيرتهم، وإتساع معارفهم، ولهذا وصلت سمعتهم
إلى الأسكندرية.

وعلى
النقيض منهم، كان رهبان الإسقيط
Scetis، ممن إتصفوا بالبساطة البالغة، وانشغلوا بالعبادة العلمية كانوا
يعتبرون الأوريجانيين أعداءً للحياة الرهبانية الحقة فى الصحراء، إذ بدّلوها من
البساطة فى ممارسة الفضائل، والزهد، والصلاة المتصلة، والكفاح ضد الشيطان والخطيئة
ومحبة العالم، إلى حياة فكرية وتأملية.

 

وبمعنى
أخر، كما يقول
Hausherr، لم يقتصر الخلاف الأوريجانى على كونه مصدر لنظريتين لاهوتيتين،
بل أيضًا “لروحانيتين” يتضمن النوع الأول من الروحانية، التصوف الفكرى
لبعض الرهبان المصريين، مثل ديديموس، وإيزيدور، وأمونيوس الطويل وإيفاجريوس. أما
النوع الثانى فهو المميز للرهبان البسطاء.

 

البابا
تاوفيلس والأوريجانيين

من
الؤسف أن كل الدارسين قد اعتمدوا فى تأريخهم للبابا تلوفيلس، على كتابات أعدائه،
ممن كرهوه بسب خطئه الخطير، أعنى دوره فى نفى القديس يوحنا ذهبى الفم قبل توبته.

 

أحب
تاوفيلس الصحراء، وعقد صلات مع أبائها، يزورهم ويسألهم الإرشاد الروحى. وحتى عام
400م، كان الرهبان الإوريجاينون: أمونيوس وإخوته الثلاثة على صلة وثيقة بالبابا،
الذى أحبهم وأكرمهم، من أجل تقواهم وزهدهم وحماسهم فى الكفاح ضد الأريوسية. فرسم
ديوسقوروس أسقفا لهرموبوليس ضد إرادته، بإحضاره عنوة من خلوته، بيما نجح أخ آخر فى
رفض الأسقفية. ثم رسم إثنين من الإخوة كهنة لمساعدته ورغم حسن أدائهم لواجبائهم،
إلا أنهما كانا غير راضيين لحرمانهم من سعيهم الفلسفى، وممارساتها الزهدية،
طالبهما البابا بالإستقرار بالأسكندرية، ولكنهما فضلاً العودة إلى الصحراء
لإستئناف حياة الرهبنة. يقول
Sozomen، “كانوا في مرحلة ما محبوبين من تاوفيلس أكثر من كل رهبان
مصر. كان يسعى لصحبيتهم والسكنى بينهم.

 

أحبوا
البابا بدوهم لرفضه الأنثروبومورفية
Anthropomorphism التي تعتقد بأن الله، وجود جسدانى، له شكل إنسان. كان الأنثروبومورفيين
الأكثر بساطة وأقل تعليمًا، يرفضون الرمزية الأوريجانية فى تفسير الكتاب المقدس،
وبالأخص العهد القديم.

 

تمسكوا
بشدة بالتأويل الحرفى، مؤمنين بأن لله أعضاء جسدية، وقد قاومتهم الكنيسة فكريا
وشرحت خطاهم مرات عديدة. يقول المؤرخ
Sozomen: في هذا الوقت أثير تساؤل، سبب الإضطراب في مصر، أعنى، عما إذا
كان من الصواب الإعتقاد بأثروبورفية الله.

 

كانت
بعض رهبان هذا الجزء من العام، من هذا الرأي، نتيجة لتمسكهم بالكلمات المقدسة
ببساطة وبدون نقاش. كانوا يفترصون أن لله أعين ووجه وأيدى وسائر الأعضاء الجسدية.
أما من سعوا وراء المعانى الخفية لمصطلحات المكتوب، فقد تنبّوا الرأي المضاد،
مؤكدين أن من يرفض عدم جسدانية الله، مدان بالتجديف.

 

إنتهز
ثاوفيلوس الفرصة فى رسالته الرعوية التي جرت العادة على توجيهها عند الاحتفال بعيد
الفصح، ليقرر أن لله غير جسدانى، وبعيد عن الشكل الإنسانى. وفى المنشور البابوى
لفصح عام 399م، ذكر تاوفيلس أن الطبيعة الإلهية، غير جسدانية تمامًا. ومن غير
اللائق الظر إليها بما يخالف ذلك.

 

يتحدث
القديس يوحنا كاسيان، عن الأثر السىء الذى كان لتلك الرسالة، على الرهبان البسطاء،
الذين رفوا قراءتها فى إجتماعاتهم. وحرض راهب، زاهد بسيط يُدْعى سيرابيون الرهبان
على الإنضمام إليه الكفاح ضد البابا. لاأرغب فى مناقشة تفاصيل تلك الأحداث،
المتعلقه بالصراع بين الأوريجانيين وضد الأوريجانين، بين صفوف الرهبان. ولكن ما
تود توضيحه هو أن الحركة الرهبانية، وكل رجال الكنيسة تقريبًا، قد تورطوا في هذا
الإشكال بدلاً من الإنشغال بتنوير الكنيسة ونشر الكلمة.

 

كان
رد فعل المضاديين للأوريجانية، للرسالة البابوية، أن زحفوا عنوة من الأسقيط إلي
الأسكندرية. أحاط الآلاف من الرهبان الغاضبين بالمقر البابوى، مشعلين فتنة ضد
البابا، متهمين إياه بالعقوق، ومهددين بقتله. إلا أن تاوفيلس مدركًا لخطورة
تهديدهم واجه المتمردين بإقدام، وخاطبهم بنبرة استرضائية، “عندما أنظر إليكم،
فكأنى أنظر وجه الله فيكم”. أدى هذا القول الحكيم إلي تهدئة القوم، ملطفًا
ثورتهم. فقد أعنقدوا بقبوله إيمانهم بالأنثروبومروفية، مع نطقه بعبارة “وجه
الله”. فأجابوه بقولهم، “أن كنت مع العقيدة القويمة، فلماذا إذًا لا
تحرم مؤلفات أوريجينوس، التي تؤدى بمن يقرأها إلي إعتناق آراءه؟ إن لم تفعل هذا،
فلتتوقع أن نعاملك كشخص عاق، وكعدو للرب”. فأجابهم قائلاً، “كانت هذه
نيتى منذ وقت طويل. وسأفعل كنصحتكم، إذ لست أقل منك لوما لكل من يتبع مذاهب
أوريجينوس. “بهذه الطريقة خدع الإخوة، وقضى على الفتنة، وعاد الرهبان إلي
الأسقيط.

لام
“الإخوة الطوال” البابا تاوفيلس، ووصفوه بالجبن والفؤاد المخلوع. وبدأوا
في مهاجمته علنا، وبالأخص عندما رفض مناشدتهم له بقبول القديس إيزيدور في شركة
التناول.

 

البابا
تاوفيلس وإيزيدور:

كان
القديس إيزيدور
Isidore رجلاً ثريًا، وزع ثروته على الفقراء والمحتاجين. وسمح له بلإنضمام
إلي الإسقيط. أنعم الله عليه بعطية الوجه الصبوح، واللسان الحلو، فأحبه كا من
لاقاه. رسمه القديس أثناسيوس كاهنًا وقرّبه إليه، واستصحبه في رحلته إلي روما.
إنصب إهتمامه على خدمة الفقراء والمرضى والغرباء، وأسندت إليه مهمة الإشراف على
مستشفى الإسكندرية. كان هو أول راهب إسقيطى قابله القديس بلاديوس
St. Palladius، فأحبه كثيرًا، وإمتداحه في كتاباته.

 

كما
أحبه أيضًا البابا تاوفليس، وإعتزم رسامته في القسطنطنيية عقبا لنكتاريوس
Nectarius، بدلاً من القديس يوحنا ذهبى الفم. لكن تلك الصداقة تبدلت إلي نوع
من العداء، من جراء إنصياعه للإخوة الطوال والأوريجانيين.

 

هناك
العديد من الروايات تختص بقصة للصحراء. فوقًا
Sozomen،
قيل أن سيدة ثرية أعطته مالاً للإنفاق على المحتاجين، على أن يخفى ذلك على البابا،
حتى لا نيفقه على بناء الكنائس. ولما ولما نما ذلك إلي علم البابا دخل في مواجهة
مع إيزيدور، الذى هرب إلي النطرون
Nitria، حيث إستقبله الأوريجانيون بالتبجيل. توجه أمونيوس وعدد من
الرهبان إلي تاوفيلس ليتوسطو الإيزيدور، ولكن بغير ما جدوى. ولما أقدم بعض
الأوريجانيين على مناقشة القضية مع البابا، إنتهت تلك المقابلة بسجن أحدهم من قل
الشطة لظنهم تطاوله على البابا. أعقب هذا، أن توجه أمونيوس وكل الرهبان معه، إلي
السجن، حيث سمح لهم السجان بالدخول، على أساس تصوره بأنهم جاءوا بقصد تزويد السجين
بإحتياجاته. ولكنهم بمجرد السماح لهم بالدخول، رفضوا مغادرة السجن. ولما سمع
تاوفيلس عن سجنهم الإختيارى، إرسل يستدعهم إليه. فأجابوه بأنه يجدر به أن يأتى
ليخرجهم من السجن بنفسه. إذ ليس من العدل بعد تعرضهم لرغبته وذهبوا إليه. إعتذر
لهم تاوفيلس عما حدث، ووصرفهم كما كان يخلو من أي نية لمضايقتهم، في الوقت الذي
كان فيه الغضب يجتاحه، ويحرضه على الأضرار بهم. كان في حيرة في إختيار وسياة
الإيقاع بهم، إذ لم يكن لهم ما يمتلكونه، ويحتقرونه كل شيء تمامًا فيماعدا
الفلسفة. إلي أن توصل إلي الحل الأمثل ألا وهو إقلاق معتكفهم.

 

في
سابق نقاشهم معه، أدرك أنهم يُدينون من يعتقد بأن الله يتصف بالهيئة الجسدية،
وأنهم مشايعون لآراء لآراء أوريجينوس. فسعى لوضعهم في صدام مع جمهرة الرهبان
المعتنقين لوجهة النظر المضادة.

 

أدت
هذه الواقعة إلي خلق نوع من العداء بين البابا والأوريجانيين، إنتهى إلي مهاجمته
للأوريجانية في رسالة بابوية فصيحة عام 400م، بكونه هرطقة. تسبب الأوريجانيون في
متاعب جّمة للبابا في نتريا. وعندما بعث البابا بعد من الأساقفة لمناقشة الأمر
معهم، انسحبوا إلي الكنيسة رافضين مقابلتهم. أقدم البابا في مجمع إقليمى على حرم
أمونيوس وإخوته. وفي زيارة له للبرته، حاول بعض الرهبان قتل “الإخوة
الطوال” الذين هربوا بأنفسهم إلي مقبرة مهجورة، في الوقت الذي إشتعلت فيه
النيرانفي قلاليهم. وأخيرًا رحلوا عن مصر، في صحبة القديس يوحنا كاسيان والقديس
إيزيدور، مع ما يقرب من 80 من الرهبان (إنتقل إيفاجريوس في عام 399م، قبل إشتعال
هذه العاصفة).

 

توجهوا
إلي فلسطين، في طريقهم إلي القسطنطينية، بهدف رفع دعواهم أما القضاء، ووضع قضيتهم
بين يدى البطريرك يوحنا ذهبى الفم.

 

بعث
البابا تاوفيلس برسالة كنسية إلي 17 أسقف بفلسطين و15 في قيرص، يشرح لهم فيها
المعتقدات الأوريجانية. أما القديس جيروم الذي سبق أن ترجم بعضا من مؤلفات
أوريجينوس، وامتدحه “كأعظم معلمى الكنيسة منذ عصر الرسل”، فقد تحول
الآن، وبعنف إلي معارضة الأوريجانية، وواجه الأسقف الفلسطينى، في محولة لمساندة
البابا تاوفيلس في صراعه ضد الأوريجانيين. كذلك قام القديس إبيفانيوس، أسقف سلاميس
بأداء دور مشابه

 

في
قبرص.

يكتب
Sozomon: إصطحب ديوستوروس وأمونيوس معهمم ما يقرب من 8 من الرهبان، في
الوقت الذي أرسل فيه تاوفيلس مبعوثين من قبله إلي القسطنطينية لتقديم الشكوى ضدهم،
ولمحابهة أي التماس يحتمل أن يقوموا بتقديمه أمام الإمبراطور. ولما نمى ذلك إلي
علم أمونيوس والرهبان، تجهوا إلي القسطنطنينة، مستصحبين معهم إيزيدور وطالبوا هناك
بأن تناقش قضيتهم في حضور الإمبراطور والأسقف، لطفهم أنه بجرأته المعروفة، وحرصه
على التصرف السليم، سيكون في استطاعته مساعدتهم للوصول إلي حقهم. أما يوحنا
فالبرغم من أنه قد أحسن ملاقاتهم وعاملهم بإحترام، وتصريحه لهم بالصلاة في
الكنيسة، إلا أنه رفض السماح لهم بالإشتراك في الأسرار الإلهية، إذ لم يك ذلك
قانونيًا قبل التحقيق. كتب يوحنا إلي تاوفيلس يناشده إعادة قبولهم في الشركة، على
أساس أن إيمانهم فيما يختص بالطبيعة الإلهية، أيمان قويم، ومطالبًا إياه إن كان
عنده شك في إستقامة إيمانهم أن يبعث من يوجه إليهم الإتهام. أما تافيلس فلم يرّد
على تلك الرسالة.

 

مجمع
في قبرص:

خطر
للبابا تاوفيلس، أن من المصلحة (تجنيد) القديس إبيفانيوس أسقف سلاميس في صفه. وفي
عام 400م، كتب إليه ليعرّفه بأنه صار يعتنق الآن آراءه ذاتها، وليتحرك الهجوم على
مؤلفات أوريجينوس، بصفتها مصدر كل المعتقدات الشائنة ولمناشدته عقد مجمع في قبرص
لتحريم الأوريجانية. كما يسأله من مرسومه، مع الرسالة الكنسية لتاوقيلس نفسه:

“من
تاوفيلس إلي المحبوب في الرب، السيد والأخ والزميل في الأسقفية إبيفانيوس.

خاطب
الرب نبيه قائلاً: “أنظر. قد وكلتك هذه اليوم على الشعوب، وعلى الممالك،
لتقلع وتهدم وتُهلِك وتنقض وتنبى وتغرس (أرميا1: 10). وفي كل عصر، يسمع هذا النغم
على كنيسته جسده، حتى يظل سليما (أفسس 1: 23)، ولا يسرى في سم الهراطقة. والآن.
نرى تحقيق كلماته. فكنيسة المسيح، التي لا دنس فيها ولا غضن، أو شيء من مثل ذلك
(أفسس 25: 27)، قد بثرت بسيف الإنجيل الأفاعى الأوريجانية، الزاحفة من جحورها،
وانقذت من براثنها الجمهرة المثمرة من رهبان النطرون (نتريا).

 

ها
أنا قد ضمّنت سردًا مكثفًا مصيرًا لدعوأي بما سمح به الوقت في الرسالة العامة التي
وجهتها بغير تمييز إلي الجميع. فإذ حاربت فخامتك كثيرًا، في نزاعات من النوع الذي
يواجهنى اليوم، فواجبك الحاضر، أن تشدد أيدى من هم في الميدان، حاشدًا في سبيل ذلك
كل أساقفة الجزيزة.

 

ومن
الأفضل، توجيه رسالة إلي شخصى، وإلي أساقفة القسطنطينية، وإلي غيرهم ممن تراهم،
حتى يتم بموافقة عالمية معبّرة إدانة أوريجينوس نفسه، مع هراطقته الشائنة التي
مصدرها.

 

لقد
نمى إلي علمى أن بعض المفترين على الإيمان الحقيقي، المدعوّين بأمونيوس وأوسابيوس
ويوثيميوس مشخونين بفورة وقحة لمصلحة الهرطقة، قد شدّوا الرجال إلي القسطنطينية،
بهدف أن يوقعوا في شراكهم أكبر عدو ممكن من الناس، ولمشاورة مجددة مع رفاقهم
القدامى في العقوق.

 

فلتواجهوا
عنايتكم إذًا، لإقتراح أسلوب لمعالجة الأمر على جميع الأساقفة، في نطاق
Isauria وPamphylia وبقية الأقاليم المتاخمة. وإذا رايت ذلك مناسبًا، يمكنكم إضافة
رسالتي، حتى، إذا أجتمعنا معًا بروح واحد، مع قوة ربنا يسوع المسيح، نُسلَّم مثل
هذا للشيطان، لهلاك العقوق، الذي يملك عليهم (1كورنثوس 5: 4-5).

 

ولضمان
الوصول السريع لرسائلنا إلي القسطنطينية، فلتبعثوا برسول مجتهد وليكن أحد
الإكليروس (كما أرسل أنا آباء من أديرة النطرون وغيرها رجالاً فاهمين مستعصمين)،
حتى يمكنهم عند وصولهم، أن يشرحوا بأنفسهم ما تم إنجازه.

 

وفوق
كل شيء، أتوسل إليكم في هذا الصراع أيضًا، أن نحرز النصر. فقد سبق أن عمّت فرحة
ليست بقليلة، قلوب الناس في الأسكندرية وكل مصر، من جراء طرد فئة قليلة من
الكنيسة، حتى يحتفظ بنقاء جسدها.

 

فلتحمى
عنى الإخوة الذين معك. ومن معى يبعثون لكم بتحيتهم في الرب”.

 

يقول
Sozomen،

كتبت
تاوفيلس إلي أساقفة المدن، مدينًا مؤلفا أوريجينوس. كما خطر له، أن من المصلحة
(تجنيد) إبيفانيوس أسقف سلاميس بقبرص، وضمه إلي صفه كرجل مبجّل، وأبرز معاصريه.
وفقد مع صداقه، رغم سبق لومه له، على تأكيده بأن للرب شكل إنسانى. وكما لو كان قد
تاب عن شعوره السابق، كتب تاوفيلس إلي إبيفانيوس، يحيطه علمًا بأنه قد تحول الآن
إلي إعتناقه نفس آرائه، وليحرك الهجوم على مؤلفات أوريجينوس، بصفتها مصدر لكل تلك
المعتقدات الشائنة.

 

وإذا
كان إبيفانيوس، ينظر دائمًا إلي مؤلفات أوريجينوس بمناطق غريب، فقد كان من السهل
إنقياده، غلي تقدير رسالة تاوفيلس. فسرعان ما عقد مجمعًا للأساقفة في قبرص،
وإتخدوا قرارًا بحظر دراسة مؤلفات أوريجينوس.

 

ووجه
إبيفانيوس رسالة إلي القديس جيروم، شرح له فيها مدى نجاح مجمعه، الذي عقد بناء على
إقتراح من البابا تاوفيلس. ورأفقه بصورة من خطابه الكنسي. وحرّضه على المضى قُدما
في ترجمة الوثائق المعالجة للجدل الأوريجانى إلي اللاتينية.

 

“إلي
جيروم الكاهن، يبعث إبيفانيوس بتحياته في الرب الرسالة العامة، التي كتبت لكل
الكاثوليك، موجهة بالأخص إليك. لأنك بحماسك للإيمان، في مواجهة كل الهرطقات، تعارض
بالأخص حوارىّ أوريجينوس. وأبوليناريوس، الذين سمحت مشيئة الله جلت قدرته بأن لما
يزحف عقوقهم السام وجذورهم العميقة في وسطنا. حتى، بعد أن أكتشفت في الأسكندرية،
يصير ذبولها على مستوى العالم كله.

 

فأنت
تعلم ياولدى المحبوب، كيف هلك “عماليق” جذرًا وساقًا، وكيف رُفعت علامة
الصليب سامقة فوق تل “الرفيديم”. فكما كان إسرائيل يغلب، طالما إرتفعت
يدا موسى عاليًا، فقد اعطى الله القوة لخادمه تاوفيلس لتثبيت لواءه على هيكل كنيسة
الأسكندرية، لتحقيق فيه الكلمات، “أكتب هذه كتذكرة. إذ أنى سأمحو كلي بدعة
أوريجينوس من تحت السماء، كما فعلت مع عماليق نفسه.

 

وحتى
لا أبدو وكأنى أكرر نفسى المرة بعد المرة، وأجعل رسالتي بذلك مملة، ها أنا أرسل
لكم الرسالة الخطية التي وصلتنى من تاوفيلس، لأحيطكم علمًا بما قاله لى، وبالبركة
العظيمة التي أسبغها الله على أيامى الأخيرة، بتأييدى لمباديء، طالما ناديت بها
بشهادة هذا الحبر العظيم.

 

أتصور
أن مع وصول رسالتي إليكم، تكونوا قد نشرتم شيئًا من أعمالكم، وكما إقتراحت عليكم
في رسالتي السابقة، قد ثارتم دراسة للقراء المتحدثين بلغتكم.

 

قد
نمى إلي بعضًا ممن (تحطمت سفينتهم)، قد جاءوا أيضًا إلي الغرب. وإذ لم يكفهم
هلاكهم الشخصى، يرغبون في توريط آخرين، إلي الموت معهم. كأنهم يظنون أن زيادة عدد
الخطاة يقلل من ثقل جرم الخطيئة، وأن جهنم لا يزيد إشتعالها مع تراكم الميد من
الوقود.

معك،
وبواسطتك، نبعث بأصدق تحياتنا في الرب للإخوة المبجلين الذين معك في ديرك يخدمون
الرب”.

 

الإخوة
الطوال في القسطنطينية:

توجه
الأوريجانيون إلي القسطنطينية حيث أستقبلهم القديس يوجنا ذهبى الفم بفرح ربما لحبه
الرهبان المصريين، أوبِنِيّة مصالحهم على باباهم.

 

في
عظاته عن إنجيل متى
Homilies on
mathhew
، يقول ذهبى الفم: [أن
السماء ينجومها ليست بلمعان الصحراء المصرية برهبانها]. وفي موقع آخر يقول: [أن
المصريين يغذون أجسادم القسطنطينيين بالقمح، وقلوبهم بالإيمان].

 

فتح
لهم القدس ذهبى الفم قلبه ومقرّه، حيث قامت على خدمتهم الخادمات الأرامل والعذرأي،
مما جلب اللوم من البابا تاوفيلس. ناشد الأيجانيون يوحنا. أن يقول بمصالحتهم مع
باباهم، حتى يعودوا إلى مصر.

 

يصف
بلاديوس
Palladius، الذى كان يكره البابا تاوفيلس، قدومهم إلى ذهبى الفم بقوله،إضطرت
الحاجة، الرهبان إلى التنقل من مكان إلى أخر، حتى وصلوا إلى العاصمة، حيث أقامت يد
الله الأسقف يوحنا من أجل الإرشاد الروحى لقادتنا.

 

هبطوا
أمامه على ركبهم، مناشدين إياه مساعدة أنفس، قد سلبها من إعتادوا على هذا الفعل
أكثر من إعتيادهم على عمل الخير… نظر يوحنا أمامه، خمسين رجلاً مخلصًا. بأرديتهم
التي حوّلها جهادهم المقدس إلى الرمادية… دفعته محبته الأخوية، كما سبق أن دفعت
يوسف البار إلى ذرف الدمع، وسألهم قائلاً، [أي نوع من الخنزير الوحش، قد خرج من
غابته، ليعربد فى وسط الكرم المثمر؟].

 

أجابوه
قائلين،” فلتسمح بالجلوس يا أبانا.. ولتضمد الجراح البشعة التي تحملناها،
نتيجة (لجنون) البابا تاوفيلس إن كان فى إمكانك حقاً، علاج جراحنا المتورامة…
فإن لم يمكنك التحدث عنا عن إحترام، أو رهبة من خصمنا، فقد حدث ذلك بالفعل من
أساقفة آخرين. ففى هذه الحالة، سوف لن يبق أمامنا سوى اللجوء إلى الأمبراطوار،
لإحاطته علماً بالتصرفات الشريرة لهذا الرجل. فنجلب بذلك السمعة السيئة على
الكنيسة. فإن كان يهمك خير الكنيسة، فلتنظر إلى إلتماسنا، وتحاول مشكور إقناع
تاوفيلس بأن يسمح بعودتنا إلى بيتنا فى مصر. فنحن لم نفعل شيئًا ضد ناموس
المخلص،أو ضده شخصيًا.

 

ذهبى
الفم يشفع للرهبان:

يقول
بلاديوس، ظن يوحنا أن في وسعه وبسهولة، تبديل المشاعر السيئة لتاوفيلس تجاه
الرهبان، لذلك أخذ الأمر على عاتقه. قام بجمعهم وناشدهم من أجل المحبة أن لا
يكشفوا عن سبب تواجدهم، “حتى اكتب إلى أخى تاوفيلس”. منحهم مقراً
لإقامتهم فى كنيسة القيامة، ولكنه لم يزودهم بضرورات الحياة، مما قامت به النساء
التقيات، بالإضافة إلى مساهمتهم الشخصية من عمل أيديهم.

 

حدث
فى ذلك الوقت أن تواجد بعض من كهنة تاوفيلس فى القسطنطينية، جاءوا لتسوّق مناصب من
مسئولين، عُينِّوا حديثًا للإقليم المصرى
Some of them were courting favour With him by helping to destroy those
who were harassing him
.

 

لذلك،
إستدعاهم يوحنا ليستفهم منهم، إن كانوا على معرفة بإلاسقيطيين الذين قصدوا إليه.
فأعطوا طواعية تقريراً طيّبا عنهم، قائلين “نحن نعرفهم، ونعلم كم تحمّلوا من
عنف. ولكن إذا حسن فى عينيك ياسيدنا، لا تسمح لهم بالشركة الروحانية، إذ سيضايق
هذا البابا تاوفيلس. أما فيما عدا ذلك، فلتراعى مشاعرهم، فسوف يكون هذا جديرًا بك
كأسقف”.

بعث
القديس ذهبى الفم إلى البابا تاوفيلس، يتوسط من أجل الرهبان، مخبراً إياه بشكواهم،
ومدافعًا عنهم وعن أوريجينوس، ويطلب المغفرة لهم، موضحاً أنه فى موقف حساس، ولا
يدرى ما يمكن عمله.

 

يكتب
بلاديوس كذلك،

لم
يسمح لهم ذهبى الفم بالشركة المقدسة، ولكنه كتب إلى تاوفيلس ملتمسا، “أرجو أن
تمنحنى الفضل كإبن وأخ لك بأن تحضن بين ذراعيك هؤلاء الرجال”.

لم
يمنحه تاوفيلس ذلك الفضل. ولكنه بعث إليه برجال، ُمَدّربين جيدًا على الجدول
اللفظى، قد أعّدهم لتقديم متطلبات قررها كما هى عادته، تضمنت روايات زائفة، شاملة
لكل أنوع الإتهامات، فيما يتعلق بحياتهم الروحية إذ لم يجدما يمكن أن يشين حياتهم
العامة. وبذلك مهد الطريق ليشار إليهم فى القصة كقوم مخادعين.

 

ثار
غضب البابا تاوفيلس بالأخص، عند علمه بإشتراكهم فى العبادة العامة، رغم عدم تقدمهم
للشركة المقدسة حسب أمر الأسقف يوحنا، حتى يصله رد من البابا تاوفيلس.

ذهبى
الفم يجد تاوفيلس عنيدًا يقول بلاديوس: إذ تحقق الإسقيطيون عندئذ، أنهم لم يعجزوا
فقط عن تصحيح رأيه، بل أشعلوا بجدة غضبه الشديد، بعثوا إليه بوفد من أشخاص من ذوى
الحيثية، يعلنون له أنهم قد حرّموا كل عقيدة زائفة. ثم تقدموا بإلتماس إلى يوحنا،
يسردون فية كل صفوف البطش الذى تعرضوا له، مع موضوعات أخرى معينة، أخجل من ذكرها
أمام الشباب، خشية هى إيمانهم بصدق روايتى. فإنى على يقين أنه حتى الأنفس الأكثر
تقدمًا، ربما تجد صعوبة فى تصديقى.

 

أعقب
يوحنا ذلك ومن خلال أساقفة آخرين بمناشدة الرهبان بأن يسقطوا إتهامهم ضد تاوفيلس،
لتفادى عار المحاكمة. كما كتب إلى تاوفيلس “لقد وصل الأمر بهؤلاء الرجال، إلى
درجة من الأسى، دفعهم إلى تقديم إتهام رسمى ضدك. فلعلك تستجيب لهم بما تجده
مناسبًا، فهم رافضون مغادرة العاصمة من أجلى.

 

أثار
ذلك سخط تاوفيلس، مما دفعه لإيقاف الأسقف ديوستوروس شقيق الرهبان، الذى أمضى عمره
فى خدمة كنيسته.وكتب إلى يوحنا قائلاً “أعتقد أنك على غير دراية بقرار أساقفة
مجمع نيفية، الذى ينص على أن الأسقف لا جوز له الحكم فى قضية تقع خارج حدود
أبروشيته. فإن كان الأمر كذلك، (وأنت تعلمه جيدًا)، فلتسقط هذه الإتهامات الموجهة
ضدى. وإن لزم الأمر، فلتجرى محاكمتى على يد قضاة مصرين. وليس هناك. على مسيرة خمسة
وسبعين يومًا منى.

 

يكتب
sozomen، بعد ذلك بقليل، قدّم أمونيوس ورفاقه أنفسهم أمام زوجة
الإمبراطور، وهى تستعد للخروج من قصرها، شاكين من مكائد تاوفيلس ضدهم. كانت هى،
على علم بما دُ بّر لهم، فتوقفت تكريمًا لهم. وفى إطلالة من عربتها الملكية، أومأت
برأسها قائلة لهم، “صلوا من أجل الإمبراطورية. أما بالنسبة لى، فسأعمل فى
القريب العاجل على عقد مجمع، يُستدعى إليه تاوفيلس”.

 

ونتيجة
لتقرير زائف ذاع بالأسكندرية، أن يوحنا قد قَبِلَ دوستوروس ورفاقة فى الشركة
المقدسة، ومنحهم كل عون وتشجيع فى سلطانه، فقد بدأ تاوفيلس فى إتباع إستراتيجية
جديدة تهدف إلى عزل يوحنا من أسقفيتة.

 

يكتب
بلاديوس،

تلقى
يوحنا الرسالة وقرأها، ولكنه إحتفظ بها لنفسه. وناقش موضوع السلام مع الرهبان
الإسقيطيين من كلا الجابنين. غضبت الفئتان مما سمعوه منه. فالأولى، لما تعرضوا له
من بطش، وأما الفئة الثانية فلأنهم لا يملكون الصلاحية على فرض السلام بدون موافقة
تاوفيلس. فقد شرعوا تنفيذ الأوامره فى تقديم المستندات المتضمنة للإتهامات
الزائفة. أما يوحنا فقد أعطى إجابته، وإلقى القضية بأسرها بعيدًا عن ذهنه.

 

عندئذ
إنسحب الرهبان من الفئة المظلومة، وقدموا إلتماسًا مطولاً يوجهون فيه للفئة الأخرى
من الرهبان تهمة القذف والتشهير. جاءوا إلى مزار القديس يوحنا، حيث قدّموا
إلتماسهم لأصحاب الجلالة الإمبراطورية. وتقدموا إلى الإمبراطورةملتمسين، أن يجرى
التحقيق الدقيق فى قضية الرهبان المتهمين، بواسطة مفوضين. كما طالبوا بأن يحاكم
تاوفيلس أمام يوحنا، بإختياره أو ضد إرادته. وكان الحكم فى هذا الإلتماس كما يلى:

“على
القضاة إستدعاء تاوفليس، الذى لابد من حضوره بإرادته أو بغيرها. لمحاكمته أمام
يوحنا. وعلى رهبان تاوفليس أن يثبتوا إتهاماتهم ضد الرجال المقدسين، وإلا يكفلهم
مواجهة العقاب عن تشهيرهم”.

 

تاوفيلس
يُستدعى إلي القسطنطينية:

إنتهى
الأمر بإرسال إيلافيوس أحد القواد إلى الأسكندرية لإحضار تاوفيلس، فى حين إتخذ
المفوضون الإجراءات اللازمة لتنفيذ بقية ماورد فى الحكم. عقدت المحاكمة الأولى
وإنتهت إلى قرار مشكوك فيه. أما الرهبان الجديرون بالإزدراء، ففى خوف من القرار،
إنتظروا وصول تاوفيلس، الذى اقترح تلك الإلتماسات، بل وأملاها بنفسه. وإذ تأخر
وصوله، أودع العسكريون رهبانه فى السجن نجح تاوفيلس بعد ذلك فى تهوين الأمور
بالرشوة. أما بعض الرهبان فقد حُِكم عليهم بالنفى إلى
Proconnesus، عقابًا على إتهاماتهم الزائفة.

 

ابن
الإمبراطورة والقديس إبيفانيوس:

في
هذا الوقت على وجه التقريب، أصاب ابن الإمبراطورة بمرض خطير، مما دعا أمه، إدراكًا
منها لسوء العاقبة، إلي مناشدة القديس إبيفانيوس الصلاة من أجله ردّ إبيفانيوس على
رسالتها بما يفيد، أن الولد المريض سوف يعيش، بشرط أن تتجنب أمه أي أتصال بالهرطقى
ديوسقوروس ورفاقه الأوريجانيين. فكان ردّ الإمبراطورة على رسالته كالتالى:

“إذا
كانت مشيئة الرب أن يأخذذ ولدى، فلتكن مشيئيته. فالرب الذى أعطانيه، فليسترد
وديعته. أما أنت فليس لك سلطان إحياء الموتى، وإلا فما كان لرئيس شمامستك أن
يموت”.

كان
ذلك، إشارة منها إلي كرسبيون، رئيس الشمامسة، الذي مات مؤخرًا. وكان شقيقًا فوسكون
وسلامانوس من صحبة إبيفانيوس، ممن جرى تعينيهم رؤساء للشمامسة.

 

لقاء
الإخوة الطوال بأبيفانيوس:

ذهب
أمونيوس ورفاقه، إلي القديس إبيفانيوس، بإذن من الإمبراطورة. ولما سألهم إبيفانيوس
ممن يكونون، أجابه أمونيوس قائلاً: “نحن يا أبي الإخوة الطوال، أتينا في
إحترام لنعرف إذا كنت قد قرأت أيا من أعمالنا، أو من أعمال تلاميذنا؟ وإذا أجاب
إبيفانيوس بالنفي، أضاف، “فكيف إذًا، إعتبرتنا هراطقة، إذا لم يكن عنك دليل
على نياتنا؟ أجاب إبيفانيوس بأنه قد بنى حكمة على تقارير سمعها عن هذا الموضوع.
فكان ردّ أمونيوس، “أما نحن فقد إتبّعنا في سلوكنا مسارًا مختلفًا عن مسارك.
لقد تناقشنا مع تلاميذك وقرأنا أعمالك، ومنها ذلك المعنون “
The Anchored” ولما التقينا بمن سخروا من آرائك، مؤكدين بأن كتابائك مليئة
بالهرطقة، جادلنا فيصفك، ودافعنا عنك كأب لنا. فهل كان جدبرًا بك أن تدين
الغائبين، ممن لا تدرى شيئًا مؤكدًا عنهم، يناء على مجرد تقارير؟ هل كان تصرفك هذا
جديرًا بمن ذكروك بالخير؟”

 

إقتنع
إبيفانيوس بذّلة وصرفهم. وبعدها أبحر إلي قبرص، أما إدراكا منه بعدم جدوى رحلته
إلي القسطنطينية، أو وهناك أسباب للإعتقاد بأن الرب قد كشف له عن قرب موته. إذ مات
وهو في طريقه إلي قبرص. وذاع انه خاطب الأساقفة الذين رافقوه إلي ميناء الأبحار،
“ترك لكم المدينة، والقصر ومسرح الأحداث، إذ سوف يكون رحيلى وشيكًا”.

 

القديس
إبيفانيوس في القسطنيطينية:

في
بداية عام 403م، توجه القديس إبيفانيوس الذي كان يبلغ من العمر خمسة وثمانين عامًا
إلي القسطنطينية، معتبرًا هذه الرحلة تشريفًا لشخصه، إذ هو مزمع أن يكافح هناك، في
مواحهة مع أكثر الهرطقات خطرًا الأوريجانية.

 

بوصوله
إلي هناك، لاحظ تبدلاً في الأوضاع. فالإمبراطورة صارت تكره وبعنف القديس ذهبى
الفم، وترغب في التخلص منه. وإستخدمت، كأداة للنبل منه، البابا تاوفيلس. أنعقد
بأمر منها، مجمع أوك
Oak في عام 403م، تحت رئاسة تاوفيلس، لتحريم يوحنا ذهبى الفم. وأصدر
هذا المجمع قرارًا بنفيه إلي كومانا (
Tokat) حيث إنتقل إلي خالقه في سبتمبر عام 407م.

 

كان
عقد ذلك المجمع تحت رئاسة تاوفيلس كرغبة من الإمبراطورة. لم يأت فيه ذكر لمشكلة
الإخوة الطوال. أما ذهبي الفم فلم توجه إليه تهمة الأوريجانية، إذ لم يكن هناك شك
في أستقامة رأيه، هذا بالإضافة إلي أن الأوريجانيين قد صارو بلا قائد، فقد مات
الأسقف ديوسقورس قبيل عقد المجمع، كما مات أموينوس فور وصوله إلي “أوك”.
كان حزن البابا تاوفيلس عليه عظيمًا. وإمتدحه بقوله، أنه لا يعرف راهبًا على
مثاله.

 

وشعر
هيراكس
Herax بأن هذه المشكلة قد لوثت نقاءه كما لوثت الحياة الرهبانية، فتوجه
لذلك إلي البرّية الداخلية، مكرسًا حياته للعبادة.

 

في
نفس ذلك العم (403م)، إنتقل أيضًا إيزيدور إلى ربه ولم يكنفي وسع القديس ذهبى الفم
الدفاع عنهم، أو التوسط من أجلهم، إذ كان منشغلاً بمشكلة مع الإمبراطورة.

ومن
الجير بالذكر، أنه مع عودة الأوريجانيين إلي الصحراء، أرسل البابا تاوفيلس مرحبًا
بهم. إعتذروا تحت ضعط بعض الأسافقة، استقبلهم بدون مطالبتهم بإعلان أيمانهم، فما
يعنى أن المشكلة في جوهرها لم تكن عقائدية.

 

كان
التساؤل الذي دار في أذهان الناس لزمن طويل، هو عما إذا كانت الأويجانية في القرن
السادس الميلادي هي بالفعل عقيدة ذلك المفكر العظيم.

 

تَبنَّي
غالبيته المؤرخين ممن كرسّوا أنفسهم لدراسة أوريجينوس، موقف المتعاطف معه، بل
والإعجاب به. فانشغالهم بوعى أو بدونه بوصفه كشاهد مسيحى في عالم غير مسيحي، أديّ
بهم إلي الإعجاب بأوريجينوس كمفكر مسيحي، أفلح في جعل نفسه مفهومًا من اليونانيين
الوثنيين، وأرسى أسس لاهوت مسيحي، عبّر عن ذاته بإجتهاد في مقولات فلسفية مقبولة
لدى غير المسيحيين. كان فضل أوريجينوس في هذا المجال أصيلاً وغير منكور.

 

وعلى
المستوى التاريخي، أثار موضوع ردّ إعتبار الشخصي لأوريجينوس، مشكلة التمييز بين
آرائه الشخصية وآراء تلاميذه هل كان أوريجينوس، أو قلة من الأوريجانيين، سبب
المتاعب التي إستشرت في القرن الرابع والسادس؟ تتركز المشكلة في معرفة إذا كان
أولئك الأوريجانيين مخلصين لأستاذهم، أو تسببوا بالفعل في تشويه تعليمه.

 

يميل
بعض المؤرخين إلي إبراز أن التساؤلات محل الجدل، التي سادت في القرن الرابع، والتي
شُحِبَت في القرن السادس لا صلةلها بأوريجينوس نفسه.

 

يعطينا
Henri Crouzel سردًا مختصرًا عن تاريخ الأوريجانية مميزًا ست لمحات متتابعة
منها:

1.
مجمل التأملات التي من خلال سوء من أعقبه شكّلت أساس الأوريجانية المتأخرة.

2.
الأوريجانية في القرنين الثالث والرابع، كما يفهمها من حاولوا الحط من قدره مثل
ميثوديوس وبطرس الأسكندرى ويوستاثيوس الأنطاكى، وتم الردّ عليها بواسطة بامفيليوس
في مؤلفه
Apology of Origen. فبالإضافة إلي مواضيع: سبق وجود النفس والapokatastasis، عارضوا قيامة الجسد والخلق الأبدي.

3.
أوريجانية الرهبان المصريين والفلسطينين، في النصف الثاني من القرن الرابع، بسطها
وفندها أساسًا
Evagriu of Pontus في Kaphalia
Gnostica
. عالج إيفاجريوس فكر
أوريجينوس بطريقته الخاصة، طامسًا توتراتها الداخلية، ومستبعدًا جزءًا كبيرًا من
عقيدته، ليتمكن من خلق نمط مما تتبلور الهلاطقة في طمس وتفتيت ال
antitheses التي تميز العقيدة المسيحية.

4.
كانت اللمحة الأكثر أهمية، معارضة المضادين للأوريجانية في القرن الرابع والخامس:
إبيفانيوس وجيروم وتاوفيلس الأسكندرى، في الوقت الذي فيه دافع عنه يوحنا ذهبى الفم
وروفينوس من
Aquilwia.

 

إتهموا
أوريجينوس، على ضوء البدع التي أنتشرت في زمنهم وبالأخص “الأريوسية”
بغير أعتبار لمن كان علي مواجهتهم وماذا كان يفصل في مشكلاته المحددة.

 

لم
يحدث أن قاموا بدراسات منظمة لأعمال أوريجينوس، بل إستندوا في إتهاماتهم إلي نصوص
منعزلة، متجاوزين لشروح كانت توجد في كثير من الأحيان في فقرات أخرى في نفس الكتاب
وبعد سطور قليلة في أحيان أخرى.

 

بدأت
المعركة بإبيفانيوس مطران سلاميس (أوكونستانيتنا) في قبرص، الذى أدرج (هرطقة)
أوريجينوس ضمن غيرها مما ملأ مؤلفيها
Ancoratus وPanarion، مُصِرًا على الحصول على حريم لأوريجينوس من الأسقف يوحنا
الأورشليمى. وفي عام 393م، قام المدعو
Atarbius معطيًا نفسه حقًا
لا ندركه بجولة في أديرة فلسطين، جمع خلالها التوقيعات في مطالبة بتحريم
أوريجينوس. إستقبله روفينوس في ديره الذي كان حتى ذلك الحين مدافعًا عنيدًا عن
أوريجينوس في ديره في بيت لحم. أحتدمت المعركة بأكثر مرارة، بمواجهة روفينوس بعد
عودته إلي روما بترجمة الكتاب الأول من مؤلف بامفيلوس المعنون ب
Apologia، ثم أتبعه ب De
Principiis Peri Archon
،
وهو راهب صديق لجيروم مما صدم الأصدقاء الرومان لجيروم، فأجبروا جيروم على أعادة
ترجمة
Per Archon. وتحت حجة الحرفية، ركز الإنتباه نحو (هرطقات) أوريجينوس، وعدم
دقة روفينوس، وفعل كل ما يؤدى إلي مرارة النفوس.

في
تلك الأثناء، أختير تاوفيلس بطريرك الأسكندرية ليفصل في النزاع بين الفئات
المتعارضة. بدأ تاوفيلس بمساندة أوريجينوس مراعاة لسياسات البطريركية. ولكنه سرعان
ما عكس موقفه، فحكم بطرد إيزيدور الأسقف المساعد، و”الإخوة الطوال”،
وحصل على حكم بعزل يوحنا ذهبى الفم، الذي منحهم الملجأ في القسطنطينية. ثم حرم
أوريجينوس في مجمع إقليمي في عام 400م. كانت لهذه الأحداث أصداؤها السريعة في
الغرب بفضل جيروم، مما إتضح في رسالتين ل
Anastasius
من روما. ثم إنتهى هذا النزاع في عام 402م بسكوت روفينوس.

 

5.
إشتعل الجدل الأوريجاني في النصف الأول من القرن من القرن السادس، مما جاء وصفه
التفصيلي في مؤلف “حياة القديس سابًا ل
Cyril of Scythopolis. إمتدت الأوريجانية بالأخص، إلي دير Laura
الجديد، على مقربة من أوشليم، كما أنتشرت أو بالأحرى، الإيفاجريانية
Evagrianism بين الرهبان الفلسطينين ممن كانوا يعمرون الأديرة التابعة للقديس
سابا. برز التعبير الأساسى لعقيدتهم في كتاب
Book of St Hierotheus، من تأليف الراهب السورى Sudayle Stephen bar،
الذي زاد الأمر سواء بتحويل أوريجانية إيفاجريوس
Scholasticism التي إتسمت بإخضاع الفلسفة للاهوت إلي Pantheism
جذرى (مذهب يقول بوحدة الوجود). وبين التدخل الأول والثانى لجوستينان أنقسم اولئك
الأورجانيون إلي مجموعتين.

 

يقرر
J. Meyendorff، أن الدراسات المتأخرة قد إلتقت ضوءًا جديدًا على إيفاجريوس، الذي
كان المفسر العظيم لأفكار أوريجينوس في القرن الرابع، للرهبان المصريين
والفلسطينين لقد كان هو وليس أوريجينوس المسئول عن النمط الأوريجاني، فيقول:

النشر
المتأخر ل
Gnostic Chapters ل Ponticus
Evagrius
الذي إحتوى على المذهب
الذي حرّم في عام 553م حعل في الإمكان قياس دلالات مقرات المجمع الخامس. فقد كان
ذلك المجمع، لا تستهدف أوريجانية خيالية، بل معتقدات أصيلة لواحد من القادة
الروحيين للرهبنة الشرقية إيفاجريوس.

 

أنشق
الرهبان الأوريجانيون في أورشليم في أورشليم إلي فئتين:

أ.
أطلق على المتطرفين منهم اسم
Isochristi، لإعتقادهم بأن في البداية، كما في النهاية، تتساوى “الأذهان
Minds” مع المسيح. فتفوقه عليهم مشروط Provisional فقط إذ لا درور له في الخطيئة الأصلية.

 

ب.
المتعدلين، الذين أدى تحالفهم المتأخر مع معارضى الأوريجانية إلي تحريم فئة ال
Isochristi. أطلق عليها Protoctists إذ أسندوا للمسيح تفوقًا على الأذهان الأخرى. بل إعتبروا نفس
المسيح غير مساوية لغيرها من الأنفس، بل أكثر المخلوقات سموًا. وبعد رفضه لذهب سبق
وجود النفس، ضموا جهودهم إلي الأرثوذكس ضد ال
Isochrists. أطلق عليهم معارضوهم لقب Tetaditi, في إتهام لهم
بأنهم قد حولوا الثالوث إلي “رابوع”
Tetrad,
بضم ناسوت المسيح إليه.

 

6.
التسليم بالأوريجانية، التي أستهدفتها الوثائق التحريمية للإمبراطور جوستنيان.

الأوريجانية
والإمبراطور جوستنيان: في رسالتين هامتين للإمبراطور جوستنيان، وصف للجدل الذي
أثارته الأوريجانية في القرن السادس. وجهت الأولى في عام 543م إلي البطاركة الخمسة
ومن الأفضل تسميتها “بالرسالة إلي ميناس
Letter to Mena” بطريرك القسطنطينية الذي ضف في أوريجينوس بين أكثر الهراطقة
ضررًا.

 

ووفقًا
لأمر الإمبراطور عقد مجمع في القسطنطينية في عام 543م، أصدر مقرارت تتفق مع وجهات
نظر جوستنيان، وتشمل قائمة مطولة بالخطاء الأوريجانية وتنفيذها.

 

أما
الرسالة الثانية لجوستينيان، فقد وُجّهت إلي المجمع المنعقد في عام 553م. في هذا
المجمع (الثانى)، إنتهى الجدل الأوريجانى بالموافقة على 15 تحريم
anathematizes. أنصبت التحريمات 2, 3, 4, 5, بالذات عل الأفكار الأوريجانية عن
أصل العالم وطبيعة الترتيب التسلسلى الذي ينوّع المخلوقات (2، 4). أما التحريم
الأول فقد كرِّسىَ لعقيدة سبق وجود الأنفس وأعيد تحريم عقيدة
apocatastasis، في مصطلحات من التي تفضل إستخدامها أوريجينوس في De Principiis (تحريم 15).

 

فوفقًا
لأوريجينوس، فالشيطان ذاته، سوف تحيل مكانه كمخلوق روحانى لله، في الكون الفكرى
المجدد. هذا بالطبع، بعد توقفه عن عداوته لله. حرمت هذه النقطة بالذات في البند
12. أما قول أوريجينوس بحتمية إختفاء الأجساد المادية، فقد إختص به التحريم الحادى
عشر.

 

ما
من شك، فى أن رسالة الإمبراطور جوستنيان إلي ميناس، وتحريمات المجمع الخامس، لا
تمثل دائمًا صورة أمينة لآراء أوريجينوس، إذ تستند إنتقاداتها دائمًا وكليًا على
مؤلفه
De Principiis. فكما هو معلوم، كان أوريجينوس بوجه عام، أكثر تحفظًا في أعماله
الأخرى، وبخاصة في تعليقاته
Commentaries، فيما يتعلق يالنقاط المشكوك فيها بالأكثر في معتقداته، مثل مشكلة
قيامته الجسد. في حين أن بعض المعتقدات التي حرمت، وخاصة ما يتعلق (بالهيئة
الكروية) للجسد القائم للمسيح (التحريم 10)، ليس هناك ما يطابقه في النصوص
المعلومة لأوريجينوس. غير أنه من الجدير بالذكر، الأشارة إلي أن إسم ديديموس قد
أُلحق بإسمى أوريجينوس وإيفاجريوس في المصادر المعاصرة، التي تتحدث عن التحريمات
في عام 553م. فمن المحتمل إذا يكون التحريم العاشر قد إنصّب على واحد من كتاباته
الضائعة.

 

الحرومات
ضد الأوريجانية:

1.
إذا أكد أحد الرأي الخرافى بسبق وجود الأنفس، مع التحديد الشاذ الذي ينتج عنه
فليكن أناثيما (محرومًا).

 

2.
إذا قال أحد بأن خلق كل الأشياء العقلانية، لا تتضمن إلا عقولاً بدون أجساد أي غير
مادية، لا اسم لها ولا عدد، مما يعنى وجود وحدة بين جميعها، من خلال تماثل المادة،
والقوة والطاقة، ونم خلال وحدتها مع فكر الله الكلمة، وإذا لم تعد راغبة في معاينة
الله، فقد سلمت ذواتها لأسوأ الأشياء، فكل يتبع ميوله الخاصة. وأنه قد إتخذوا
أجسادًا رقيقة، كما إتخذوا أسماء فبين القوات السماوية، هناك إختلاف في الأسماء،
كما أن هناك إختلاف في الأجساد. لذلك فقد أُطلق على البعض منها
“شاروبيم” وعلى آخرين “سرافيم” و”سلاطين”
و”قوات” و”عروش” و”ملائكة” إلي غير ذلك من الرتب
السماوية العديدة فليكن أناثيما.

 

3.
إذا قال أحد بأن الشمس والقمر والكواكب، هى أيضًا كائنات عقلانية، وأنها صارت إلي
ما هى عليه كنتيجة لتوجهها نحو الشر فليكن أناثيما.

 

4.
إذا قال لأحد أن المخلوقات العاقلة، التي فتر الحب الإلهى تجاهها، قد جُعلت تختفى
في أجساد كثيفة كأجسادنا، ودعيت بشرًا بينما إتخذ من إتصفوا بأحط درجات الشر
أجسادًا باردة ومظلمة، ودعيت بأسماء شياطين وأرواح شريرة فليكن أناثيما.

 

5.
إذا قال أحد، أن حالة “وسيطة” قد إنبثقت من حالة ملائكية أو رؤساء
ملائكية… وأن حالة شيطانية وبشرية قد إنبثقت من حالة “وسيطة”… وأنه،
من حالة بشرية، يمكن أن تصير ملائكة وشياطين مرة أخرى… وأن كل رتبة من الفعاليات
الإلهية، هى إما كائنة من تلك التي من أسفل، أو تلك التي من أعلى، أو من أسفل
وأعلى فليكن أناثيما.

 

6.
إذا قال أحد، بوجود جنس مزدوج من الشياطين، يشمل الأنفس البشرية، كما يشمل أيضًا
الأرواح الأسمى التي سقطت… وأن من بين كل تلك الأعداد من الكائنات العقلانية،
ليس هناك سوى واحد، بقى ثابتًا في محبته وتأمله بالله، وأن هذا الروح قد صار
“المسيح” الملك فوق كل الكائنات العاقلة… وأنه قد خلق كل الأجساد
الكائنة في السموات وفوق الأرض وبين السموات والأرض… وان العالم الذي في ذاته عناصر
اكثر منه قدمًا، والتي توجد بذاتها، أعنى الجفاف والرطوبة والبرودة،
Foemed and the imaga (icon) to which it was
Lormed, was so
، وأن الثالوث
الجوهرى، كلىّ القداسة، لم يخلق العالم، بل خلقه “العقل” العامل، الذي
هو أقدم من العالم والذي نقل إليه وجوده فليكن أناثيما.

 

7.
إذا قال أحد أن المسيح، الذي قيل عنه أنه قد ظهر في صورة الله… وأنه كان متحدًا
قبل كل زمان مع الله الكلمة… وأتضع يذاته في هذه الأيام الأخيرة، حتى إلي
الطبيعة البشرية… قد أشفق (وفقا لتعبيرهم) على الأرواح الساقطة
Divers falls التي ظهرت في الأرواح المتحدة الوحدة ذاتها، التي ذاته جزء منها
ولكى يحيها، إجتاز عبر كل الرتب الهابطة، متخذًا أجسادًا وأسماء مختلفة، صائرًا
الكل في الكل: ملاكًا بين الملائكة، قوة بين القوات، كاسيا ذاته بالشكل الذي يوافق
كل من المراتب المختلقة للكائنات العاقلة… وأخيرًا، إتخذ لحمًا ودمًا مثل الذى
لنا، وصار إنسانًا بين البشر… إذا قال أحد ذلك كله، ولم يعترف أن الله الكلمة قد
إتضع بذاته ليصير بشرًا فليكن أناثيما.

 

8.
إذا لم يُقرّ أحد أن الله الكلمة، الذي له الطبيعة ذاتها التي للأب والروح القدس،
والذي قد إتخذ جسدًا وصار بشرًا، واحد من الثالوث هو المسيح بكل ما تعينه
الكلمة… بل أكّد بأنه كذلك فقط في أسلوب غير دقيق، وبسبب نزول برتبة العقل…
إذا أكّد احد أن هذا العقل المتحد مع الله الكلمة، هو المسيح، بالمعنى الحقيقى
لهذه الكلمة، بينما لا يسمى الكلمة بالمسيح، إلا بسبب هذا الأتحاد بالعقل… وعلى
العكس ذلك، لا يسمى العقل بالله، إلا بسبب اللوغوس فليكن أناثيما.

 

9.
إذا قال أحد أنه لم يكن هو اللوغس الإلهى، الذي صار بشرًا، بإتحاده جسدًا حيًا (
Psychi Logicy) و(noera) الذي هبط إلي الجحيم ومن صعد إلي السماء، بل يزعم بأنه ال (nous) الذي فعل ذلك. ال (nous)، الذي يقولون عنه بعقوق أنه هو المسيح بالمعنى اللائق بهذا
الأسم، وأنه قد صار هكذا بعلم الجوهر الفرد (
Monad)
فليكن أناثيما.

 

10.
إذا قال أحدأن جسد الرب قد صار بعد قيامته، أثيريا (غير مادّى)، له هيئة كروية.
وأنه هكذا ستكون أجساد الجميع بعد القيامة…وأنه بعد أن طرح الرب عنه جسده
الحقيقى، وبعد أن ينبذ من سوف يقومون أجسادهم، سوف تبطل طبيعة هذه الأجساد فليكن
أناثيما.

11.
إذا قال أحد أن الدينونة الأخيرة، تعنى إهلاك الجسد.. وأن نهاية القصة سوف تكون
غير مادية… لن يكون فيما بعد أي مادة، بل روحًا فحسب (
nous)
فليكن أناثيما.

 

12.
إذا قال أحد أن القوات السماوية وكل البشر والشيطان والأرواح الشريرة، متحدة مع
كلمة الله، من كل الوجوه، ل (
nous)، الذي يطلقون عليه “المسيح”، والذي هو في صورة الله،
والذي أتضع بذاته كما يقولون.. وإذا قال أحد أن مملكة المسيح سوف تأتى إلي نهاية
فليكن أناثيما.

 

13.
إذا قال أحد أن المسيح، لا يختلف في شيء عن الكائنات العاقلة الأخرى، لا في مادته
ولا في حكمته، ولا بقوته وقدرته… وأن كل شيء سوف يوضع في اليد اليمنى لله مع ذلك
المسمّى بالمسيح كما كان الأمر في سبق الوجودالمختلق لكل الأشياء فليكن أناثيما.

14.
إذا قال أحد أن كل الكائنات العاقلة، سوف تتحد في يوم ما في واحد، عندما تكون
الطبائع الفردية
hypostases، والأعداد والأجساد قد إختفت… وأن تعلم بالعالم الآتى، سيسحمل
معه خراب العالم، ونبذ الأجساد، وأبطال كل المُسمياّت، وأنه سوف يكون هناك أخيرًا،
وحدة للمعرفة الروحية
Gnosis، وطبيعة الفرد الأساسية hypostasis
وأنه في هذه ال
apocatastasis المزعومة، ستستمر الأرواح وحدها في الوجود، كما كان الأمر في سبق
الوجود المختلق فليكن أناثيما.

 

15.
إذا قال أحد أن حياة الأرواح (
noon)، سوف تكون مطابقة لتلك الحياة التي كانت في البدء، قبل أن تهبط
الأرواح وتسقط… أي أن النهاية والبداية ستكونان متطابقتان، وأن النهاية ستكون
المقياس الحقيقى للبداية فليكن أناثيما.

 

سأقدم
الآن سردًا مختصرًا لأخطاء أوريجينوس العقائدية، التي أعلن بنفسه أن بعضًا منها قد
أُقتحم على كتاباته لتشويه شخصيته. يقول
Hemri Crouzel،
أن أوريجينوس قد قريء في القرنين الرابع والخامس، بواسطة لاهوتيين، إنشغلوا
بالهرطقات، فتحدّوا الأوريجانية في زمنهم بأكثر مما تحدّوا أوريجينوس نفسه الذي
كان قد إنتقل إلي جوار ربه فعلاً قبل قرن ونصف قرن.

لقد
ذكرت بالفعل الإتهامات الموجهة للأخطاء العقائدية لأوريجينوس. فالأخطاء الرئيسية
هى:

1.
سبق وجود الأنفس
Pre- existence of
souls
.

2.
ال
apokatastasis.

3.
طريقة القيامة
The mod of
Resurrection
.

4.
الإخضاع (الوضع في مرتبة أدنى)
Subordination.

 

يقرر
Tixeront أن هذه المعتقدات الأوريجانية، لم يكن لها أهمية كبرى، وبالأخص في
الشرق. ولكن نتائجها قد لُمِسَت في الكنيسة اللاتينية.

في
الشرق، حرّم القديس ديمتريوس بابا الأسكندرية أوريجينوس وتعليمه في مجمع محلىّ.
وأعقبه القديس تاوفيلس الذي بعد أن ناصر تلاميذ أوريجينوس، تحول إلي معارضتهم. ثم
نجح في تحريم الأوريجانية في مجمع عقده في الأسكندرية في عام 399/400م.

عقد
القديس إبيفانيوس بدوره مجمعًا في سلاميس بقبرص في عام 399م أو 400م. وراسل القديس
جيرومبهدف حثه على ترجمة رسائله الفصحية والكنسية، عن هذا الموضوع، إلي اللغة
اللاتيتية.

 

أما
في الغرب، فقد بدأ الأمر مع القديس جيروم بالإعجاب البالغ بأوريجينوس، وأقتبس، هو
والقديس أمبروز الكثير من كتاباته وروفينوس، بترجمته للعمل الأوريجاني
De Prinncipiis (Pari- Arkhon)، في عام 397م، قد ساهم في نشر المعتقدات الأوريجانية في الغرب.

 

سرعان
وجدت تلك المعتقدات العديد من المؤيدين، بين الكهنة والرهبان، وبالأخص بين سواء
الناس. وبطريقة أو بأخرى، كان لها أثرها على القديس اوغسطينوس، وعلى أوروسيوس
وفهمت بإسم الرحمة الإلهية، وفعالية الفداء، للأيمان الحق بيسوع المسيح.

وفي
عام 400م، حرم أناستاسيوس بروما، تعاليم أوريجينوس بينما أمر الأمبراطور بحظر
قراءة كتبه. وفي عام 542م 542م نشر الإمبراطور جوستنيان، تفنيدًا مطولاً
للأوريجانية بصفتها هرطقة خطيرة.

 

أولاً:
مصدرها:

منذ
عصر أفلاطون، أضلت هذه الفكرة، العديد من المفكرين، الذين هييء لهم أنها تزودهم
بالحل للمشكلة العويصة. كيف يمكن شرح التفاوت الأصلى بين الأنفس، بغير تساؤل عن
عدال العاية الألهية؟ عالج أفلاطون هذه الصعوبة من خلال أسطورة “
Er” الأرمنى.

 

وتوصل
بها إلي أستنتاجه، أن الله غير مسئول. فالمفس قد إختارت مصيرها، قبل ولدتها.

رفض
القديس إكليمندس هذا الحل في قوله، “نحن لم نوجد قبل أن يخلقنا الله. لأنه
إذا تقبل الإنسان فكرة سبق وجود، فلابد أن يكون على علم بأين كان، وكيف، ولماذا
جاء إلي هذا العالم” ثم عاد أوريجينوس إليها.

 

ثانيًا:
الأسس الرئيسية لها:

طرح
أوريجينوس جانبًا، فكرة أفلاطون القائلة بتحول النفس من جسد إنسان إلي آخر كما رفض
فكرة التناسخ (التقمص) لفيثاغورس
Pythagorean
metempsychosis
، التي تقول بأن
الأنفس البشرية، تنتقل إلي أجساد الحيوان.

 

أما
نظرية أوريجينوس فمؤسسة على المباديء التالية:

أ.
في سياق دفاعهن حرية الإنسان والعدل الإلهي، في مواجهة الغتوسطيين
Gnostics، تبنى نظرية سبق وجود الأنفس البشرية. فيقرر أن الله يصلاحه قد
خلق جواهر عقلانية، كانت كلها متساوية ومتشابهة، كما منحت الإرادة الحرة. فكان
أمامها، إما التقدم عن طريق محاكاتها لله، أو السقوط بإهمالها له. فالبعد عن
الحياة الصالحة، يعادل الهبوط إلي البشر. ويقرر أن كل الأنفس أبدية، مخلوقة من
الله، ومتساوية فيما بينها.

 

ب.
الأنفس، سابقة الوجود، إذ اخطأت، أكتست بأجساد مادية، وجاءت إلي عالم الحس بهدف
التطهير، أي عن طريق توقيع عقاب عليها. فالخطايا التي إقترفتها الأنفس في العالم
السابق، تفسر الإختلاف في معايير النعم التي يسبقها الله على كل منها، وتنوع الناس
على هذه الأرض.

 

ج.
أدى تأمل الرؤية العليا لله،لمخلوقه المحبوب أي الإنسان والعلاقة الوثيقة والعميقة
معه، إلي تحريض أوريجينوس على الإعتقاد بأن نفس الإنسان هي أعظم كثيرًا من أت
تُعْزى لهذا العالم المرئى. فأخطأ عندئذ في الإعتقاد بأن النفس قد وجدت قبل الجسد،
الذي خصص لها كعقاب عن خطاياها.

 

رفض
المؤمنون هذه النظرية، لأنها تشوه رؤية المؤمن للجسد، وكذلك للعالم. فالحقيقة أن
الجسد، هو ليس بسجن حبست فيه النفس، بل هو عطية آلهية صالحة، يساعد النفس ويشاركها
في كل إحتياجات البشرية، كما سيشاركها في المجد الإلهي.

 

[قبل
الأزمان، كانت كلها عقول
intelligcnces طاهرة، سواء كانت شياطين أو أنفس أوملائكة. ثم أختار أحدها، إبليس
The Devil الذي كان ممتلكًا للإرادة الحرة أن يقاوم الله، فرفضه الله. سقطت
معه قوات أخرى، فتحولت إلي شياطين
demons. ثم كانت هناك الأنفس، التي لم تكن خطيئتها بالشناعة التي نجعل
منها شياطين، فخلق الله العالم الحاضر، حيث ربط هذه الأنفس في أجساد عقاباً لها].

 

د.
كان السقوط نتيجة للإرادة الحرة، التي هي إحدى الصفات الرئيسية للمخلوقات العاقلة.
ويؤكد أوريجينوس على الخطايا الشخصية للأفراد الذين ساروا على منوال آدم
rather than their Solidarity with his guilt. ويعتقد أن كل واحد منا قدطرد من الفردوس، من جراء تعديه الشخصي.

 

ه.
وفقا لأوريجينوس، فالبشر عقول
imtelligences طاهرة هبطت من إمتيازها السابق، وإتحدت بأجساد ليست بشريرة. وعارض
من يدينون الجسد، بصفته المسؤل الأول عن الشر. وعلَّم بأن الشر كامن في الأرادة
وحدها.

 

و.
في ظن أوريجينوس، سيأتى العالم المحسوس، الذي خلقه الله لتطهير الأنفس الساقطة إلي
نهايته، عندما يكون كل شيء، قد عاد إلي نقائه الأصلي.

 

تحت
سلطان التدبير الآلهي، سينتهى العالم إلي إنتصار الخير. سوف تتبلور في خضوع الكل
لله، كما يقول بولس، “سيكون الله الكل في الكل” (1كورنثوس 15: 23-28).

 

بنظام
أوريجينوس، الذي شكَّل كوزمولوجيته (علم أصل الكونى)، محوران: العناية الإلهية
والحرية. فقد كانت إرادة العناية الإلهية أن يكون لكل المخلوقات العاقلة، الصلاح
إلي الدرجة ذاتها. وأي إختلاف بينها في الوضع أو المنزلة، لا بد من إرجاعه إلي
إستخدامها لحريتها. ويحكم إسخاطولوجيته (إيمانه بالأخرويات) مبدأ مشابه فالخطية هي
إرتداد الإرادة عن الصلاح. لذلك فالسؤال هو معرفة كيف ترجع المخلوقات إلي الصلاح؟
ترتبط عقدة أوريجينوس عن سبق وجود النفس، بفكرته القائلة بالتجديد الشامل. ففي
النهاية سينهزم الموت، وكل الأنفس حتى الشياطين سوف تخلص، وكل المخلوقات العاقلة
سوف تتساوى في النهاية.

 

ويجب
عدم إعتبار التشابه بين النهاية والبداية بمعناها الضيقعلى أنها تعنى تطابقًا
وتساوٍ كامل. فهما متشابهتان نتيجة لخضوع الكل لله. ولكن هذا لا ينفى إمكانية حدوث
تقدم بين البداية والنهاية.

 

أثار
أوريجينوس، في مرات عديدة، موضوع العوالم المتعاقبة فهذا العالم الحالى، سوف يتبعه
في رأيه عوالم أخرى، كنتيجة إخفاقات جديدة، تعود، مثل الأولى، لضعف المخلوقات
الحرة. يقود المنطق هذا النظام إلي إحتمال خلاص إبليس.

 

وُجِّه
اللوم إلي أوريجينوس بسبب هذا، ولكنه إحتج بأنه “حتى الأبله لا يمكن إعتناق
مثل هذه الفرضية”.

 

ثالثًا:
وجود الأنفس والكنيسة السماوية:

مثل
أعتقاده بسبق وجود الأنفس، فهو يعتبر الكنيسة السماوية، كإجتماع لكل القديسين، إلي
أنها قد وجدت قبل الخلق.

 

رابعًا:
التقدم المستمر للشر والخير:

يعتقد
أوريجينوس، أنه من خلال الحرية الممنوحة للمخلوقات العاقلة، ترتفع أنفس الناس إلي
أعلى، أو تهبط إلي أسفل، بصفة مستمرة. أي أنها في تقدم مستمر في الشر أو الخير.

[هذه
هي أنفس البشر التي نتيجة لتقدمها، نراها وقد رُفِّعَت إلي مرتبة الملائكة. أولئك
الذين قد جُعِلوا “أبناء الله” أو “أبناء القيامة”، أو أولئك
الذين ينبذهم للظلمة، قد أحبوا النور، وجُعِلوا “أبناء للنور”. أو أولئك
الذين، بإماته أعضائهم على الأرض، مرتفعين إلي ما يعلو، ليس فقط فوق طبيعتهم
الجسدية، بل حتى إلي الحركات المرتعشة والهشة للنفس ذاتها، قد “ألحقوا ذواتهم
بالله”، بجعلهم روحانيين خالصين، ليكونوا على دوام روحًا واحدًا معه، قاضين
في كل أمر فردى، في صحبة معه، حتى يصلوا إلي نقطة، يصيرون عندها “أناس روحيون”
كاملون، “يقضون في كل الأمور”، إذا قد إستنارت أذهانهم في كل قداسة،
بواسطة الكلمة والحكمة الإلهية، هذا في الوقت الذي يستحيل فيه تمامًا، الحكم عليهم
من قيل أي إنسان.

 

أما
عند إبتعاد النفس عن الخير، وميلها ناحية الشر، يزداد تورطها في ذلك أكثر وأكثر.
فإن لم تتراجع عن موقفها، فسوف تتحول إلي وحشية بحماقتها، وبهيمة بشرها، مما
يحملها إلي حالات من الجنون، أي إلي حياة هزيلة. وبعدئذ وبما يتلأم مع درجة
سقواطها في الشر، ستكتسى بجسد هذا أو ذاك من الحيوانات غير العاقلة].

 

خامسًا:
نفس المسيح:

يلاحظ
أن أوريجينوس (تلميذه إيفاجريوس
Evagrius)، الذان إعتقدت في سبق وجود نفس الإنسان قد أعلنا أن المسيح يسكن
اللوغوس الكلمة، في النفس التي سبقت الجسد في وجودها. ولكن الأسكندريون، في مواقع
أخرى، حددوا ملامح “اللوغوس المتجسد” بحزم قاطع، أدى إلي إستبعاد فكرة
“تجسد الأنفس”.

 

يقول
G. W. Butterworth، قوبلت عقيدة “سبق الوجود” و”إعادة تجسد النفس
البشرية”، بمعارضة شديدة في الكنيسة، بسبب صلتها الواضحة بالفكر اليونانى
والشرقى. ولكنها أدت بأوريجينوس ذاته إلي صعوبة. عندما أقدم على مناقشة التجسد.
فبيسوع كإنسان، هل كان لنفسه وجود سابق مثل كل الأنفس الأخرى؟ أجاب أوريجينوس عن
ذلك بالإيجاب. ففي البدء عندما أنحرفت أنفس أخرى عن الله، أحتفظت نفس يسوع
ببراءتها، وإستمرت بإختيارها الشخصى الحر، في إرتباط وثي بكلمة الله. وأخيرًا،
تحولت العادة إلي طبيعة، وخُلق إتحاد لا يقبل الإنفصام. تلك كانت النفس، التي
أتحدث بالفعل بكلمة الله، التي أخذت جسدًا من مريم العذراء، وظهرت بين الناس.

 

ومن
حيث أن هناك حشود أخرى من كائنات روحية، لم يحدث أن أتت إلي الأرض، فقد أفترض
أوريجينوس أن الميسح سوف يفتقدها هي أيضًا في مساكنها السماوية سيتخذ طبيعتها،
وسيتألم من أجلها.

 

[قبل
الأزمان، كانت العقول كلها نقية. والشياطين والأنفس والملائكية كلها تخدم الله،
وتحفظ وصاياه. ولكن إبليس الذي كان واحدًا منها، فإذا كان يمتلك الإرادة الحرة،
رغم في مقاومة الله، فطرده الله خارجًا. تمردت معه كل القوات الأخرى. فالتي أخطأت
منها صارت شياطين، والتي كان خطؤها أقل صارت ملائكة. والأقل منها صارت رؤساء
ملائكة. وبذلك نال كلُُ ُ جوالة خطيئته الفردية. ولكن بقيت بعض الأنفس، لم يكن
خطؤها من الجسامة بحيث يجعل منها شياطين، كما لم يكن هيّنا بحيث تصير ملائكة. لذلك
فقد أعدّ الله العالم الحاضر، وربط الأنفس المعيّنة بأجساد كعقاب. وحيث أن الله
“غير محاب لأحد”، بحيث يجعل من بين تلك الكائنات، ذات الطبيعة الواحدة
(فكل المخلوقات الخالدة عاقلة) بعضًا شياطين، والبعض الآخر أنفسًا، والآخر ملائكة،
فمن الواضح بالأحرى، أن الله جعل من الواحد شيطانًا، ومن الأخر نفسًا، والأخر
ملاكًا، كوسيلة لعقاب كل منها بما يتناسب مع جسامة خطيئته. إذ لو لم يكن الأمر
كذلك، ولم يكن للنفس وجود سابق، فلماذا نجد بين المواليد، من هة أعمى، وهو لم
يقترف خطيئة بعد. في حين يولد آخرون بغير ما عيب على الإطلاق؟ من الواضح إذًا أن
خطايا بعينها قد سبقت الأنفس في الوجود، وكنتيجة لهذا، تتلقى كل نفس جزاء
إنشقاقها. قد بعث بها الله كعقاب، حتى تجتاز على الأرض دينونة أولى. لذلك يطلق على
الجسد اسم “إطار” إلي يحتوى على النفس بداخله].

 

أولاً:
المصطلح “
Apokatastasis“:

كلمة
Apokatastasis التي تعنى “تحديد” (إستعادة إعادة إحياء)، أو
“إعادة توطيد”، مع مرادفها اللاتينى
restitutio، تشير عادة إلي عقيدة تحديد كل شيء في نهاية الزمن. وهى عقيدة
أُسِنَدت إلي أوريجينوس وتعنى “الإستعادة” النهائية للشيطان وكل
الكائنات العاقلة إلي النعيم الإلهي والصحبة الإلهية. الإسم
Apokatastasis، والفعل apokathis
Tomi
، استخدمها أوريجينوس، لا
بكثرة ولكن بإحساسات مختلفة، يمكن الإعتبار أن البعض منها يرمز إلي التجديد
النهائى، بينما يرمز الآخر إلي عودة بنى إسرائيل إلي موطنهم بعد السبى.

 

كان
أوريجينوس أول “الخلاصيين” المسيحيين (عقيدة تقول بأن جميع الناس
سينعمون آخر الأمر بالخلاص). ففي عمله المبكر “
De Principiis“، علَّم بتحديد نهائى. وفي تعليق على تعبير الرسول بولس،
“جسد المسيح” يقول أن المقصود هو “كل البشرية”، بل بالأحرى
“كل الخليقة” ولكن، يبدو أنه قد حوَّرها بإسشنائه لإبليس من التوبة
النهائية والخلاص.

 

المبدأ
القائل، بأن “كل ماله بداية، له أيضًا نهاية”، قد أشار إليه أوريجينوس،
في تعليقه على بشارة القديس يوحنا
Commentary
on John
، الخطية هي إنحراف
الإرادة عن الله. فيبدو إذًا، أن الحب الإلهى الصابر، سوف يفلح في جعل كل مخلوقاته
تسألم خيانتها. فحتى أكثرها عنادًا، سوف يستسلم أخيرًا ويقبل حبه. وفي نهاية
الأمر، فحتى عدوّه “الموت”، سوف ينهزم. لكن، في رأي أوريجينوس، لن يكون
هناك نصر،إلا بوجود خضوع حر، فالشيء الوحيد الذي يعطى الله مجدًا، هوأن تعترف كل
الأرواح المخلوقة بحرية بفضله، وتحبه من أجله. نهاية المخلوق إذًا، هي مجد الله
وكماله الشخصى. ولما كان الله يملك الوقت كله تحت تصرفه، فهو يسعى إلي هذا الهدف
على مدى الدهور في
The pentacost. سوف يأتى الوقت، الذي يصبح فيه الله “الكل في الكل”
(1كورنثوس 15: 28)، عندما تعود كل المخلوقات بإدارة حرة إليه، ويصير حكمه شاملاً.
عندما ستعاد الخليقة كلها إلي كمالها الأصلى.

 

هذه
النقطة بالذات، حرمها المجمع المسكونى الخامس (الخلقيدونى) في قراره الأول، تحت
اسم
apokatastasis: “إذا علَّم أحد بالمعتقد الخرافى بسبق وجود النفس، وما
يتلوه من
Apokatastasis فليكن أناثيما”.

 

يقررJean Danielou، أن القديس إغريغوريوس النيسى، في الحقيقة، قد أدان رسميًا فكرة
ال
apokatastasis التي شوها أوريجينوس. فيقول في تعريف دقيق لها:

“سمعت
أن البعض يؤكد أن الحياة النفس لم تبدأ عندما أرتبطت بالجسد، بلكانت هناك أنفسًا
حية، متجمعة في أمم، في عالم خاص بهم قبل ذلك. وبميلها إلي الشر، فقدت أجنحتها، وأنتهت
بأن أتخذت اجسادًا… ثم بعد ذلك، سوف تعود من خلال المراحل ذاتها، وتستعاد إلي
مواقعها السماوية. أي أن هناك دورة ما، تمر دومًا عبر المراحل ذاتها. أي أن النفس
لا تستقر مطلقًا في مرحلةواحدة إلي الأبد. أولئك الذين يعملون بذلك يعلمّون بذلك،
يخلطون الأمور معًا، منتجين مزيجًا مما يمكن وما لا يمكن الدفاع عنه”.

 

في
هذا توضيح لما رفض إغريغوريوس عودة النفس إلي الحالة الروحية النقية التي كانت
عليها في الأصل، وفكرة “الحياة المتعاقبة”، ونظرية عدم الإستقرار
الدائم.

 

رأي
أوريجينوس عندئذ، بما يكفى من الوضوح، أن الأمر يتضمن شيئين: “الحب
الإلهى” و”حرية الإنسان”.ولكن محاولته للتوفيق بينهما، أدت به إلي
التقدم بفرضيتين، إحدهما:

The
****physical necessity of ultimate elimination of evil – safeguards God,s love,
but destroys man,s Freedom, while the other – the perpetual instability of the
free safeguards man,s Freedom, but destroys God,s love
.

 

ثانيًا:
إنكار أوريجينوس لهذا المعتقد

في
خطاب له أرسله من أثينا إلي أصدقائه بالأسكندرية يجتح أوريجينوس على أولئك الذين
يدعون عليه قول ما لم يقله: أن إبليس أبو الخبث والهلاك، ومن استُبعِد من ملكوت
الله، يمكن خلاصه. فحتى مختل العقل لا يمكنه قول هذا. ويشكو أوريجينوس أن أعداؤه
يشوهون تعليمه، كما شُوِّه تعليم القديسي بولس في (2تسالونيكى 2: 1-3).

 

[أرى
أمورًا مشابهة تحدث لنا. فأحد الهراطقة ممن إختلفت معه، في حضور العديدين، وفي
مناظرة مسجلة، سحب المخطوطات من أمناء السّر، وأضاف إليها وحذف منها، مغيرّا لها
إلي ما رآه مناسبًا. وهو يذيعه الآن تحت إسمنا، مهينا لنا بما فعل. وفي سخط بسبب
ذلك، بعث الإخوة بفلسطين، برسول إليّ في أثينا، للحصول على نسخة محققة منى. ولكنى
في ذلك الحين، لم أكن قد أعدت قراءة، أوضحت ذلك النص، بل وقدت أثره، بحيث صار من
الصعب علىّ العثور عليه. إلا أنى أرسلته إليهم أخيرًا. والله يشهد على ما سأقول:
فعندما لقيت الرجل الذي شوه كتابى، واستفهمت منه عن الدافع لفعل ما فعل، فكما لو
كان يرغب في إسترضائى قال، “لأنى رغبت في تحسين مستوى النقاش وتصحيحه”.
قد صححه، كما صحح
Marcion وعقبه Appelles، الإنجيل والرسول. فكما قلب هؤلاء الناس الحق في المكتوب، فهكذا
فعل هذا الرجل بإستبعاده لما قلته بالفعل، وإقحامه تأكيدات زائفة بقصد إتهامنا
ولكن هؤلاء هراطقة وعاقون، سوف يقفون أمام الدياّن، مع أولئك الذين صدقوا هذه
الإتهامات ضدنا].

 

يقرر
Crouzel، أن، في الفصل الثانى من “Apology against Rufinus
يقول جيروم، أنه قد قرأ عن محادثة بين أوريجينوس وأحد تلامذة فالانتيناس يُدعى
كانديداس: إختطفت النقطة الأولى في هذا النقاش بوحدة الطبيعة بين الآب والابن،
وتعلقت الثانية بخلاص إبليس طبيعة بالغة الشر، مما يستحيل معها خلاصه. أجاب
أوريجينوس على ذلك وبحق أن أبليس لم يقدر له الهلاك بسبب طبيعة مادته، بل قد سقط
نتيجة لإرادته الخاصة، وبذلك يمكن خلاصه. من أجل ذلك، إفترى كانديداس على
أوريجينوس بالادّعاء بأنه قال، أن أبليس طبيعة يجب خلاصها. بينما حقيقةالأمر أن
أوريجينوس اللاهوتى السامى للإرادة الحرة، والمُعارِض الدائم للنزعة الفالنتينية،
أن ما يحدد خلاص المرء أو إدانته، ليست طبيعته، بل الإختيار الحر لإرادته، في قبول
أو رفض النعمة. قد كان من الممكن خلاص إبليس، إن لم يكن عنيدًا في معارضته لله.
لكن كانديداس في فهمه لأوريجينوس، بلغة الإطار الخاص لصلاحيته، قد استنتج أنه وفقأ
لمعارضه سوف يخلص إبليس بطبيعته.

 

ثالثًا:
الأساس الإنجيلي:

يقول
Jaroslav Pelican، الحقيقة أن الرواية الأكثر جرأة، عن الفكرة القائلة بأن الخلاص،
هو إنتصار على إبليس، كانت من تأمل أوريجينوس عن “تحديد كل الأشياء”.
فمن نظريته القائلة بسبق الوجود والسقوط “قبل الزمنى” للنفس، استخلص
أوريجينوس النتيجة الطبيعية لمصيرها النهائى، إذاان “التهاية هى دائمًا
كالبداية” كان النص الحاسم، الذي استند إليه تصويره عن هذه النهاية، ما ورد
في (1كورنثوس 15: 24-28)، الذى تنبأ بخضوع كل الأعداء بما في ذلك “الموت
للمسيح، وتسليم المُلك للآب بواسطة المسيح. وعندئذ، سيكون الله “الكل في
الكل”. والعملية البيداجوجية، التي سوف يجرى من خلالها هذا الإخضاع، سوف تحقق
“الخلاص” كان أوريجينوس علىاستعداد للإعتقاد “أن صلاح الله وبواسطة
مسيحه سوف يستعيد جميع مخلوقات إلي غاية واحدة، بهزيمة أعدائه وإخضاعهم ليس فقط
“آخر عدو” الذي هو الموت، بل أيضًا إبليس، الذي إحتفظ بالعالم تحت
سلطانه. فالله، سوف لا يكون في الحقيقة “الكل في الكل”، حتى تعاد
النهاية إلى البداية، وتضَاهَى نهايات الأشياء ببداياتها… وعندما يتوقف الموت عن
الوجود في أي مكان، ونتزع شوكته، ويبطل الشر نهائيًا، سوف يصبح الله “الكل في
الكل”.

 

رابعًا:
دفاع الدارسين:

يقول
H. Crouzel، أنه، فيما يتعلق بالapokatastasis، لصق الدارسون بمقولة معينة في الرسالة On First Principles، في تفسيرها الجامد، بغيرأخذ في الإعتبار، الإعلانات الأخرى التي
وردت في ذات الكتاب، وفي أعمال أخرى له. فبدلاً من شرح الرسالة المذكورة في نطاق
عمله ككل، فسّروا العمل كله، وفقًا لنمط استخلصوه من تلك الرسالة. وحددوا هذا
النمط، بإستبعاد كل الفروق الدقيقة، وبرفض الأخذ بجدية المجادلات العديدة بين
الخيارات، فافترضوا بذلك على نحو إعتباطى أن أوريجينوس قد إرتبط بإحداها.

 

يقول
H. Crouzel، أن الفقرة الرئيسية، التي تأسست عليها نظرية أوريجينوس عن ال apokatastasis، على ما ورد في (1كورنثوس 15: 23-28)، التي
تتحدث عن قيامة الموتى، ولكن (سوف يحيا) كل واحد في رتبته. المسيح باكورة، ثم
الذين للمسيح في مجيئه. وبعد ذلك النهاية، متى سلم المُلك لله الآب، متى أبطل كل
رياسة وكل سلطان وكل قوه. لأنه يجب أن يملك، حتى يضع الأعداء تحت قدميه. (ومزمور
110: 1). آخر عدو يبطل هو الموت. لأنه أخضع كل شيء تحي قدميه (مزمور 8: 7). ولكن،
حينما يقال أن كل شيء قد أُخضِع، فمن الواضح أنه غير الذي أخضع له الكل. ومتى أخضع
له الكل، فحينئذ الابن نفسه أيضًا سيخضع للذي أُخضع له الكل، كى يكون الله
“الكل في الكل”.

يقول
Crouzel، أن أسئلة عدة تثار بخصوص استخدام أوريجينوس لهذه الفقرات من
بولس. اسئلة من الواجب إجابتها، لا من نصوص معزولة، بل من عمله ككل:

1.
هل يمثل أوريجينوس هذا التجديد، على نحو غير جسدي؟
P. 468

2.
على نحو “وحديوجودى”
Pantheistic (قائل بوحدة الوجود)؟

3.
هل الأمر بالنسبة إليه، شامل تمامًا، متضمنًا الإستعارة للنعمة للشياطين والمحكوم
عليهم باللعنة والهلاك الأبدى. وهل يلحق بهذه الشمولية إن كانت هناك شمولية وضع
الإثبات العقائدى. أو أن الأمر ببساطة، لا يعدو أن يكون أملاً عظيمًا؟

4.
من أين جاء أوريجينوس بإصراره على هذا النص لبولس، وعلى “تحديد كل
الأشياء”؟

 

(1)
بالنسبة لله
apokatastasis غير الجسدانى، يمكننا أن نشرح أن أوريجينوس يعلن أن الجسد القائم،
سوف يكون روحانيًا، وأنه سيكون مَحِْميًا من الموت. وفي نهاية الفصل الحالى نذكر
شيئًا عن مصير الجسد: إن كان سيتغير أويفنى فناءً كاملاً سيبدو هذا التساؤل غير
ضرورى، بعد كل ما قيل بخصوص قيامة الجسد.

 

في
مناظرته مع
Heraclides يقول أوريجينوس، [غير ممكن على الإطلاق أن يتحول الروحانى إلي
جيفة، أو يصير الروحانى بلا وعى. ففى الواقع، إذا كان في الإمكان تحول الروحانى
إلي جيفة، فيخشى أنه بعد القيامة عندما تقوم أجسادنا بحسب كلمة الرسول، “يزرع
جسمًا حيوانيًا ويقام جسمًا روحيًا”، أن نموت جميعًا. لكن الحقيقة، هى أن
المسيح القائم من الموت، لن يموت فيما بعد. وألئك القائمون مع المسيح من الموت، لن
يموتوا هم أيضًا فيما بعد].

 

(2)
هل
apokatastasis أوريجينوس “وحديوجوديه”Pantheistic هل تدل ضمنا أن الإتحاد النهائى للمخلوقات الروحانية مع الله، ومع
بعضها البعض، سوف يحدث من خلال إنحلال طبيعتهم الفردية
hypostasis، أي مادتهم وشخصياتهم؟

يعبر
أورجانوس كثيرًا عن وحدة المؤمن مع الله، بما ورد في (1كورنثوس 6: 17) “وأما
من التصق بالرب، فسيصبح روحًا واحدًا معه”. وهو نسخة مطابقة لما جاء في
(تكوين 2: 24)، والمستشهد به في نفس العدد “ويكون الإثنان جسدًا واحدًا”
فبين المؤمن والله، كما بين الزوج وزوجته، يكون هناك إتحادًا وإزدواجية. ليس هناك
إذًا أي أثر لوحدة وجود
Pantheism.

 

وعن
موضوع الإتحاد بين الله والآب والمسيح، مما يصور حياة المنعم عليه، دعنا نسشهد
بنصين: الأول من “تعليقه على بشارة القديس يوحنا”.

[كل
من جاء إلي الله إذًا، بواسطة الكلمة التي بقربه، سوف يكون له فعالية فريدة، أن
يدرك الله، حتى يصير تضمينه في معرفة الآب، بأن يصير كل مخلوق إبنًا على نحو دقيق،
إذ لا يعرف الآب الآن إلا الابن وحده].

 

والنص
الثانى، من مؤلفه “
Contra Celsus“
(6: 17
)

[ربما
يهدم الرواقيون
Stoics كل شيء في حريق هائل، إذا م أرادوا ذلك. ولكننا لا نقربأن يكون
كائن غير جسدانى خاضعًا لحريق، أو أن تهلك روح الإنسان في نار، أو أن يحدث ذلك
لملائكة أو العروش أو السيادات أو السلاطين أو القوات].

 

ففي
الأولى، ال
diakosmosis، أي التنظيم العالمى، يبرع تدريجيًا من النارالإلهية، إله متمثله
مادة. وفي الثانية، ال
ekpyrosis، الحريق Conflagration، سيمتص العالم ثانية، قليلاً قليلاً في النار الإلهية.

 

(3)
هل إدعّى أوريجينوس ل
apokatastasis شامل، يتضمن عودة النعمة للشياطين والمحكوم عليهم بالهلاك الأبدي؟

يشكو
أوريجينوس مما قيل بشأن الرأي أن إبليس سوف ينال الخلاص

ربما
تُظهر دراسة بعض المقاطع عن “النار الأبدية” أوريجينوس، أكثر ميلاً
لتقبل العقاب الأبدي للشياطين، عنه بالنسبة للبشر.

 

إذا
كانت حرية الإرادة في الإنسان في قبول أو رفض العروض الإلهية، تلعب مثل هذا الدور
في فكر أوريجينوس فكيف له أن يتيقن، أن كل الكائنات البشرية والشيطانية مع
حريتها،تسمح لنفسها بأن تُمس، وأن تلتصق بالله في ال
apokatastasis؟

يبدو
أنه يحتفظ بالأمل في أن تحقق كلمة الله، قوة إقناع، بحيث تغلب في النهاية بغير
إتنهاك للإرادة الحرة على كل مقاومة.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى