علم الكتاب المقدس

مفاتيح كنوز الأسفار الإلهية



مفاتيح كنوز الأسفار الإلهية

مفاتيح كنوز
الأسفار الإلهية

متى بهنام

العهد القديم

تمهيد

لقد فكرت أثناء دراستي في كلمة الله أن
أدون هذه المذكرات التي هي عبارة عن خلاصات لكل أسفار الكتاب المقدس، كل سفر على
حدته؛ لتكون بمثابة مفاتيح أستعين بها على فهم غرض الروح القدس الرئيسي في كل سفر
من هذه الأسفار الإلهية، وقد استعنت على جمع المذكرات من مصادر مختلفة. ولم يكن
يخطر ببالي وقت كتابة هذه الخلاصات إنها تقدم يوما ما إلى الطبع؛ كتابا يقرأه محبو
كلمة الله يتوقعون إلى فهمها- هذه الكلمة التي أودع الله لنا فيها كل ما قصد أن
يعلنه لنا من أفكاره الصالحة، ومشاوراته التعجبية السامية، ولكن إذ قرأ الأخوة
الأحباء،ومن بينهم بعض العاملين في ملازم خاصة بمجلة المراعي الخضراء؛ ليتسنى
لقراء المراعي في النهاية جمعها كتابا مستقلا. وإنني أضرع إلى الرب أن يجعل هذا
الكتاب بركة للقاري العزيز، ومشجعا، ومساعدا له بنعمة الله وبإرشاد روحه على درس
أقوال الله الحية والنمو في فهم مشيئته المعلنة فيها«طوبى للرجل الذي.. في ناموس
الرب مسرته وفي ناموسة يلهج نهارا وليلا فيكون كشجرة مغروسة عند مجارى المياه التي
تعطي ثمرها في أوانه وورقها لا يذبل وكل ما يصنعه ينجح»

 القاهرة في 30 أغسطس سنة 1942

 متى بهنام

 

الكتاب المقدس

يطلق هذا الاسم على مجموع الأسفار
الإلهية التي كتبها أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس، وهى ستة وستون
سفرًا،وقد سمى الكتاب المقدس مرة واحدة بهذا الاسم (الكتب المقدسة) (تيموثاوس
الثانية15: 3) أي الكتابات المقدسة تمييزا لها عن الكتابات الأخرى.وقد عُرف الكتاب
باسم (التوراة)، وهي كلمة عبرانية معربة معناها الناموس ألا أن مجيء الرب يسوع إلى
العالم الذى كان الموضوع الرئيسي للكتب المقدسة (يوحنا39: 5)، والذي فيه (كالابن)
تكلم الله معنا بعد صمت 400سنة1، قد قاد إلى تقسيم الكتب المقدسة إلى قسمين هما
العهد القديم والعهد الجديد، ويذكر اسم (العهد القديم) أو العتيق في كورونثوس
الثانية14: 3، أما عبارة (العهد الجديد) التي تشير إلي مجموعة الكتب المساة بهذا
الأسم فلم ترد مطلقا في الكتاب المقدس،ولكن المسيحيين في القرون الأولى أطلقوا عليها
هذا الاسم (العهد)، وهى تسمية صحيحة وفي محلها.

ويوجد اختلاف في اللغة التي كتب بها كل
من العدين، فالعهد القديم كتب باللغة العبرانية ماعدا (عزرا8: 4الى18: 6) و(12: 7-26)
و(أرميا11: 10) و(دانيال4: 2الى28: 7) فان هذه كتبت باللغة الكلدانية أو الآرامية.
وأما كتب العهد الجديد فقد كتبت باليونانية (ويظن البعض إن إنجيل متى كُتب أولا
بالآرامية ثم ترجم في نفس الوقت إلى اليونانية) وبما أن أخبار الخلاص المفرح هي
لكل العالم فقد اختير اللغة التي كانت الأكثر انتشارا في العالم وهي اليونانية.

 

ويمكن اعتبار أن العهد القديم يقسم نفسه
إلى:

(1) الناموس أو أسفار موسى الخمسة

(2) الأسفار التاريخية من يشوع إلى أستير

(3) الأسفار الشعرية من أيوب إلى نشيد
الأنشاد

(4) الأسفار النبوية من أشعياء إلى ملاخي.

وقد قسم اليهود العهد القديم إلى ثلاثة
أقسام

(1)الناموس (التوراة) أي خمسة أسفار موسى

(2) الأنبياء وتشمل يشوع والقضاة وسفري
صموئيل وسفري الملوك واشعياء وارميا وحزقيال والأنبياء الصغار الأثنى عشر

(3) الكتابات (الهاجيوجرافا أي الكتابات
المقدسة) وتشمل

(أ) المزامير والأمثال وأيوب

(ب) النشيد وراعوث والمراثي والجامعة
وأستير

(ج) دانيال وعزرا ونحميا وسفري الأخبار
وهذه الأسفار مرتبة بهذا الترتيب في الكتاب العبراني.

وقد أشار الرب إلى هذا التقسيم الثلاثي
في لوقا 44: 24 (لابد أن يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والأنبياء
والمزامير) (انظر لوقا 27: 24)، وبما أن المزامير هي أول أسفار القسم الثالث فقد
استعملت في الغالب كعنوان لكل القسم.

والتلمود وكل الكتّاب اليهود المتأخرين
يعتبرون أن في العهد القديم 24سفرًا، ولضبط هذا العدد يحسبون كلا من سفريٍ صموئيل
أو الملوك أو الأخبار سفرًا واحدًا، وعزرا ونحميا سفرًا واحدًا، والأنبياء الصغار
الأثنى عشر سفرًا، أما اليهود في العصور الأولى فقد اعتبروا الأسفار 22 مرتبة
طبقًا لحروفهم الأبجدية، فضموا راعوث إلى القضاة، والمراثي إلى ارميا ولكن هذه
ترتيبات تعسفية وخيالية لقد أستؤمن إسرائيل على (أقوال الله) (روميه2: 3) فكانوا
حماه غيورين على حرفية العهد القديم، الاعتقاد السائد المجُمع عليه هو أن عنايتهم
ودقتهم الشديديتن في كتابة الأسفار قد صانت النسخ المخطوطة من الخطأ إلى حد كبير.
ومع أن النساخ بدرت منهم بعض الأخطاء في النقل سهواُ من قلم الناسخ، أو بسبب تشابه
بعض الحروف العبرية إلا أن كل هذه الأخطاء قد أُكشفت وصححت بكل سهولة. أما عن
العهد الجديد فلا يوجد نسخة مخطوطة واحدة للاعتماد عليها دون سواها، والطريقة
المضمونة الوحيدة التي اتبعها كل مترجم هي الرجوع إلى كل النسخ القديمة للتثبت من
صحة الترجمة، فكان يضع أمامه:

 1- نُسخ يونانية كثيرة نحو 40 نسخة
مكتوبة كلها بحروف التاج (ولو أن بعض هذه ليست سوى اجزاء من العهد الجديد) ويرجع
تاريخها من القرن الرابع إلى العاشر (كما توجد مئات من النسخ المكتوبة بخط عادى
بعد تاريخ النسخ المشار إليها قبلا، ولكن بعضها له أهمية ممتازة، ويرجع تاريخها من
القرن العاشر إلى الرابع عشر)

2- الترجمات القديمة وهى تبين المصدر
اليوناني الأصلي الذى أستعمل في الترجمة اللاتينية القديمة التي تسمى أحيانا
Italic، والفولجايو، والسرياينة، والمصرية وهى المساه
الممفية أو الطيبية، والفوطية، والارمنية والحبشية وهذه الترجمات يرجع تاريخها من
القرن الثاني إلى السادس

3- كتابات الآباء وهى نافعة كثيرًا في
إيضاح عبارات النسخ اليونانية التي اقتبسوا منها، ويرجع إلى القرن الثاني ولو انه
توجد بعض اختلافات لفظية في النسخ المخطوطة إلا أن المترجمين (وهم رجال بذلوا كل
الجهد في الاستقاء والتحري لمعرفة ما قصد الله كتابته في الأصل) استطاعوا أن يصلوا
إلى معرفة حقيقة الكلمات المختلف فيها، ولكن بعض الألفاظ القليلة اضطروا أن
يذكروها جاءت في اقدم النسخ (كما هو واضح في الحواشي السفلية للكتاب المقدس ذي
الشواهد، فإنك تجد فيه ما جاء بالنسخ الأخرى) وذلك لا يمس بأي حال من الأحوال أي
حق أو تعليم من التعاليم الإلهية. لأن هذه الحقائق تمتاز بما فيها من وضوح سام
وجليل كأجزاء من أفكار الله نفسه – رغمًا عن محاولات الشيطان والبشر في ملاشاتها
أو إخفاء أنوارها الباهرة.

أن نسخ الكتب المقدسة المحفوظة في كل
متاحف العالم وفي دور الكتب العامة والخاصة في جميع الأقطار، والمحفوظ بعضها في
الأديرة 1 والكنائس القديمة تبلغ في العدد ألوفًا كثيرة، وقد فحص العلماء ما يزيد
عن خمسمائة منها وقابلوها بتدقيق زائد، ونسخ كثيرة منها كتِبت في القرن الثامن
والسابع والسادس حتى الرابع أيضًا، وهكذا تنتهي إلى زمان الرسل. فكثرة هذه النسخ
وتباعد البلدان التي جمعت منها، ومطابقة معانيها لمعاني الآيات التي اقتبسها
الأباء منها في أزمنة مختلفة تثبت صحة هذه الكتب.

وقد قال البعض: لو كان العهد الجديد قد
فقد لكانت كتب آباء القرون الأربعة الأولى للمسيحية. والعهدان القديم والجديد هما
(كلمة الله) التي تعلن أشياء غير منظور، ففيها إعلان لطبيعة الله الأدبية، وتاريخ
الإنسان (من وجهة النظر الإلهية) كخليقته التي كانت أولا بريئة ثم سقطوا نتائج ذلك،
وتبين مسئولية الإنسان وكيف أنه اختُبر بطرق عديدة، وأن كل اختبار كانت نتيجته بكل
أسف فشل الإنسان. وتبين كلمة الله أنه إذ كان الإنسان محتاجًا إلى الخلاص والبركة
الأبدية فلابد أن يتم ذلك بعمل يعمل لأجله بواسطة آخر، وذلك قد تم من إحسان الله
بواسطة ابنه، الذى صار إنسانًا، ومات موتًا فدائيًا على الصليب؛ فمجد الله وأنهى
موضوع مسئولية الإنسان من جهة قبوله أمام الله. وتعلن هذه الكلمة أيضًا بأنه كانت
هناك مشورة أزلية عن الإنسان الثاني، كما أنها تبين بأنه عندما ينتهي ملكوت الرب
يسوع التوسطي كابن الإنسان سيكون الله في الأبدية – كما كان منذ الأزل – (الكل في
الكل) وفي الوقت نفسه وطبقًا لمشورة الله الأزلية قد أتي بكثيرين إليه تعالى – بواسطة
الأيمان بموت الرب يسوع الكفاري فأحيوا بالروح، وصاروا خليقة جديد في المسيح يسوع،
والرب يسوع ينتظر الآن الوقت الذى سيأتي فيه ليأخذ قديسيه، وليتمم كل مقاصد الله
وليعاقب أولئك الذين لا يعرفون الله والذين لا يطيعون الإنجيل. ويعلن الكتاب
المقدس أيضًا طبيعة الشيطان من وقت سقوطه، وأنه كذاب وقتال، وهو العدو للرب يسوع
وللإنسان، وهو أغوى أمنا حواء، كما أنه يعلن بالتفصيل الدينونة الأبدية المستقبلة
لذلك الكائن الشرير وللذين يطيعونه.

ويبين الكتاب أيضًا اختيار إسرائيل
والآيات التي عملت لإنقاذهم من مصر، وكل تاريخهم في أرض الموعد، وطردهم منها
وسبيهم، وضيقتهم المستقبلة وبركتهم في أرضهم والمسيح – في كل ما تدل عليه الرموز،
وفي النبوة مركز الدائرة في كل الكتاب (الكل به وله خُلق) فهو الذى يشار إليه في
الإصحاح الثالث من سفر التكوين، والذى يعطي كلماته الختامية لقديسيه في آخر سفر
الرؤيا.

والعهد الجديد لا يعطينا فقط تاريخ
الفداء بموت المسيح، بل يعطينا أيضًا تعليم الكنيسة من وجوهه المتنوعة، مبينًا بأن
المسيحية هي نظام جديد تماما – أي أنها خليقة جديدة. والذين تتكون منهم الكنيسة
لهم في العهد الجديد كل التعاليم المتعلقة بمقامهم الحقيقي في المسيح، ومركزهم
الصحيح بالنسبة للعالم، والمبادئ التي يسترشدون بها في كل نواحي الحياة.

ويبين سفر الرؤيا الأطوار العديدة
للكنيسة (بصورة نبوية عن حالتها إلى النهاية) مع التحذيرات اللازمة من الشرور التي
زحفت إليها، ويلي ذلك الدينونات المتنوعة التي ستحل على المسيحية الاسمية والعالم،
ثم الحالة الأبدية والسماوات الجديدة والأرض الجديدة.

 هذه هي خلاصة موجزة وغير كاملة لمحتويات
الكتاب المقدس لأنه من يستطيع في كلمات قليلة أو كثيرة أن يستقصي ذلك الكتاب
العظيم عمل يدى الله؟ فهو منجم لا نهاية له، وكلما تعمقنا في تأمله كلما رأينا فيه
اكثر إصبع الله وكلما اكتشفنا كنوزًا جديدة تحفزنا للتعظيم والتسبيح

الوحي

مع أن هذه التعبير (وحي) يرد في الكتاب
المقدس إلا مرة واحدة، إلا أن هذه المرة الواحدة جدًا ومليئة بالمعنى العميق (كل
الكتاب هو موحى به من الله (و حرفيًا (الله تنفس)
breathed – god) ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذى في
البر لكي يكون إنسان الله كاملا متأهبًا لكل عمل صالح) (تيموثاوس الثانية) وهذا
يضع كل أجزاء الكتاب المقدس على أساس واحد، سواء أكانت تاريخية، أم نبوية، ونتعلم
من الاقتباس المشار إليه أن الأمر ليس قاصرًا على أن كتبة الأسفار ملهمون بل
الكتابات نفسها كانت بوحي إلهي (قارن مع بطرس الثانية 21: 1)و بديهي أن كل
الكتابات مكونة من كلمات، فإذا كانت هذه الكتابات موحى بها فبالتبعية تكون الكلمات
أيضًا موحى بها، وهذا ما يسمى عادة (الوحي اللفظي) (
verbal inspiration)، ونرى من أجزاء كثيرة في الكتاب
المقدس أهمية (الكلمات)فعندما أثيرت مسألة الإتيان بالأمم إلى البركة بدون ختان
ينُبّر يعقوب في على أقوال (أي كلماتَ) الأنبياء (أعمال15: 15)، وبولس في رسالته
الأولى إلى القديسين في كورونثوس يقول (الأشياء.. التي نتكلم بها أيضًا لا
بأقوال(إ ى كلمات)تعلمها حكمة إنسانية بل بما يعلمه الروح القدس) (كورنثوس الأولى
13: 2)فقد علّم الروح القدس بولس أيّ كلمات يجب أن يتكلم بها ويستعملها. والكتب
المقدسة بجملتها تتكون منها كلمة الله، والعهدان القديم والجديد معًا يسميان (كلام
الله)(أخبار أيام أول 5: 25،عزرا 4: 9،مزمور 11: 107،يوحنا 34: 3،47: 8،رؤيا17: 17)و
لذا يجب أن لا يضاف إلى كلمة الله أو يحذف منها شيء (تثنيه 2: 4،32: 12،رؤيا 18: 22،19)،
والاقتباسات المشار إليها لابد أن تقنع النفوس المخلصة بأن كل الكتاب هو موحى به
من الله، وكما أنه يليق بالله اقل من ذلك،كذلك لا يتفق مع حاجة الإنسان اقل من ذلك،
إذا أنه وسط الأشياء الكثيرة المريبة المحيطة به -و التي لا يقين فيها يحتاج
الإنسان إلى كلمات راسخة يستطيع إيمانه أن يرتكز عليها، وهذه لا يجدها إلا في
أقوال الله الموحى بها، وقد قال الرب يسوع (الكلام الذى أكلمكم به هو روح وحياة)
(يوحنا 63: 6)فعنده كلام (أو كلمات)الحياة الأبدية، وقد اختبرت نفوس كثيرة هذه
الحقيقة – بنعمة الله – فلم يبق لديها أي شك في كمال الله بمقدار عدم شكها في وجود
الله نفسه.و قد يلاحظ أن الكتاب المقدس يسجل أقوال أناس أشرار وأقوال الشيطان نفسه،
ولا حاجة إلى إيضاح هذه الحقيقة الجلية، وهي أنه ليست أقوالهم هي الموحى بها بل
تسجيلها على صفحات الكتاب المقدس هو بوحي إلهي، كذا نلاحظ أن بولس أيضًا عند
الكتابة عن موضوع الزواج يميز بين ما كتبه كرأيه الخاص، وما كتبه كوصايا من الرب
(أقوال هذا على سبيل الأذن) ويقول أيضًا (و لكنى أعطي رأيا) (كورونثوس الأولى 6: 7،25
وقارن عدد 10 مع عدد 12) فقد أوحى إليه بأن يسجل رأيه، وأن يبين بأن رأيه هذا لم
يكن وصية، أو شريعة من الرب واجبة التنفيذ. ولقد وجد البعض صعوبة في التوفيق بين
ما يسمى الطابع الإنساني أو خاصة الكاتب،و بين وحي الكتب المقدسة،لأنه إذا كانت
كلمات الكتب المقدسة موحى بها فكيف نرى أسلوب الكاتب الخاص ظاهرًا في كتابته؟
فأسلوب يوحنا مثلا ظاهر ومتميز تمامًا عن أسلوب بولس. والجواب البسيط على هذا
السؤال هو كأن شخصًا – على – سبيل المثال – استخدام أنواعًا مختلفة من الأقلام
للكتابة بها، فقد خلق الله الإنسان كما خلق جسده، وكان بكل يقين قادرًا على أن
يستخدم فكر كل واحد من الكتبة، فقاده لكتابة كل كلمة أرادها تمامًا وبغاية الدقة.
لقد هيمن الله على فكر الإنسان ليعلن بواسطته مقاصده بالنسبة للإنسان.و هناك
اعتراض آخر على قيمة الوحي الحرفي، وهو أن غالبية الناس يقرأون الكتاب المقدس
مترجمًا من لغاته الأصلة إلى لغاتهم فلا يمكن أن تكون الكلمات التي يقرأونها في
لغاتهم موحى بها، ولكن طالما كانت الترجمة مضبوطة وتعطي ذات المعنى الموجود في
اللغة الأصلة، فهي توصل إلينا نفس أقوال الله الموحى بها، ولا يفوتنا أن الرب نفسه،
وكتبة العهد الجديد اقتبسوا مرارًا عديدة من الترجمة السبعينية التي سوى ترجمة
للعهد القديم من العبرانية وقد اقتبسوها كأقوال موحى بها. وليس شيء يفوق في أهميته
هذه الحقيقة ة هي أن تكون لنل أفكار صحيحة من جهة وحي الكتب المقدسة. وكما أنه لا
يمكن أن أي مؤلف بشرى يسمح لمن يكتب أفكاره بأن يكتب ما لا يقصده – هكذا فأن كلمة
الله هي بكل يقين إنشاء أو بالحري إبداع الله نفسه،و لو أنه استخدم الإنسان كآلة
في إعطائها لنا.و مع أن كتبة الوحي كانوا كثيرين، وتفصل بينهم آلاف من السنين إلا
أن الوحدة الإلهية تشمل كل أجزاء الكتاب المقدس، وذلك يبين بكل وضوح بأن واحدًا –
وواحدًا فقط – هو المؤلف لكل الكتاب،و لا يمكن أن يكون ذلك الواحد سوى الله القدير
– والمعلن بكيفية مبهجة للمسيحي كأبيه وكإلهه أيضًا.

 

ترجمة الكتاب المقدس

 مما يؤكد صحة الكتاب اكثر تأكيد ترجماته،
وأول هذه الترجمات هي الترجمة المعروفة بالسبعينية المنقولة من العبرانية إلى
اليونانية في مصر سنة 280 قبل الميلاد لقائد اليهود الذين كانوا يتكلمون باللغة
اليونانية وذلك بأمر الملك بطليموس،و يظن أنها سميت بذلك لأن مترجميها كانوا سبعين
شخصًا أو لأن مجمع اليهود الكبير المنعقد لختم صحة الترجمة كان مكون من اثنين
وسبعين شخصًا.و الثانية: الترجمة السريانية. والمرجح أنها تُرجمت في آخر القرن
الأول أو في أول القرن الثاني للميلاد، والعهد القديم منها مترجم من العبرية
والجديد من اليونانية.وقد اشتهرت هذه الترجمة ببساطتها ووضوحها.والثالثة: هي
الترجمة المصرية،حيث وصلت بشارة الإنجيل إلي مصر بعد المسيح بزمان قليل، وكانت
اللغة المستعملة حينئذ في هي اللغة القبطية (وهي مركبة من اللغة المصرية القديمة
واللغة اليونانية)وقد ترجم العهد القديم إليها من الترجمة السبعينية في القرن
الثاني أو الثالث بعد الميلاد، والعهد الجديد بين القرن الثالث والخامس. والرابعة:
هي الترجمة الحبشية. وقد ترجم العهد القديم إليها من الترجمة السبعينية في القرن
الرابع بعد المسيح على الأرجح والمعتقد أن مترجم العهد الجديد هو فرومنتيوس الذى
بشر بالإنجيل هناك نحو سنة 330 للميلاد. والخامسة: هي اللاتينية. وقد ترجم إليها
كل الكتاب المقدس من اليونانية في منتصف القرن الثاني للميلاد، وفي بداءة القرن
الخامس ترجم ايرونيموس ترجمة جديدة من العبرانية واليونانية إلى اللاتينية، وهي
المعتمدة في الكنيسة الرومانية إلى لآن. والترجمة السادسة: هي الترجمة العربية. في
سنة 718 للمسيح بسط العرب سلطانهم على سوريا والجزء الشمالي من أفريقيا، وشبة
جزيرة الأندلس (أسبانيا) فانتشرت اللغة العربية في كل هذه البلاد، فظهرت الحاجة
إلى ترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة العربية. وأول ترجمة عربية لكل الكتاب المقدس
هي ليوحنا أسقف أشبيلية بأسبانيا سنة 750 بعد المسيح.وقد ترجمها عن ترجمة
ايرونيموس اللاتينية سالفة الذكر، وقد وجدت جملة نسخ منها. وهناك ترجمات عديدة
للعهد القديم أو لأجزاء منه إلى اللغة العربية قام بها بعض علماء اليهود. أما عن
العهد الجديد فقد ترجمت الأناجيل الأربعة أولا: إلى اللغة العربية في القرن السابع
وبقية العهد الجديد في القرن الثامن، ثم ترجم كله أو بعضه ترجمات عديدة، وبعض هذه
الترجمات كان من اليونانية، وبعضها من السريانية، وبعضها من القبطية، وأول مرة
ظهرت فيها الأناجيل الأربعة مطبوعة باللغة العربية كانت في سنة1591 بمدنية روما،
ثم طبع كل العهد الجديد باللغة العربية في هولندا سنة1616 وفي باريس سنة 1645 وفي
لندن سنة1657. وفي أوائل القرن السابع عشر حصل أحد مطارنة سورية (المدعو سركيس
الرزى) على إذن من البابا في طبع كل الكتاب المقدس بلغة عربية مضبوطة – وفي سنة
1620 شرع المطران الذكور مع كثيرين من العلماء في جمع عدة نسخ عربية، وقابلوا مع
العبرانية، واليونانية، واللاتينية، وفي عام 1671 تم طبع كل الكتاب المقدس باللغة
العربية بمدينة روما في ثلاثة مجلدات كبيرة. وكانت تطبع هذه المجلدات بكثرة في
لندن أيضًا قبل ظهور الترجمة الجديدة في مدينة بيروت.

وقد ترجم الكتاب كله المعلم فارس الشدياق
على نفقة الجمعية الإنكليزية المعروفة بجمعية ترقية المعارف المسيحية- وطبع العهد
الجديد عن هذه الترجمة سنة1851. ثم طبع العهدان أيضًا سنة 1857 في مدينة لندن.

الترجمة العربية الحالية

هذه الترجمة الأخيرة التي ترجمت في مدينة
بيروت نشير إليها هنا بشيء من التفصيل نظرًا لأهميتها، ولتداولها بين معظم
المسيحيين الناطقين باللغة العربية في كل الأقطار. بعد البحث والتدقيق وجدت
الترجمات العربية المشار إليها آنفا، ليست مضبوطة كما ينبغي لأن أكثرها لم يكن
مترجمًا من لغات الكتاب المقدس الأصلية، ولذلك أستقر الرأي على ترجمة الكتاب
المقدس كله من لغاته الأصلية – آي العهد القديم من العبرانية والجديد من اليونانية
– وكان أول من أتبدأ بهذا العمل المبارك هو القس عالي سميث المرسل الأمريكي سنة
1837 م، فصنع لهذه الغاية قوالب حروف عربية موافقة لذوق أفضل علماء العصر في
هيئتها وترتيبها،وإنشاء مطبعة حسنة، وجمع أيضًا مكتبة ثمينة استعدادً لترجمة
الكتاب وطبعه، وقد استغرق هذا العمل التمهيدي عدة سنين، وفي سنة 1848 بدأ القس
سميث في الترجمة بمعاونة المعلم بطرس البستاني اللبناني، واستمرا معا في هذا العمل
إلى أن رقد القس سميث في الرب في سنة 1857، وكانا قد أتما إلى ذلك الوقت ترجمة
أسفار موسى الخمسة والعهد الجديد وبعض أجزاء مختلفة من أسفار الأنبياء وابتدأ في
طبع العهد القديم. وبعد موت القس سميث أخذ في إتمام هذا العمل القس كرنيليوس فإن
ديك، فراجع جميع الأسفار التي كان ترجمها سميث والمعلم بطرس البستاني، ثم ترجم
الباقي، وقد تمت ترجمة الكتاب كله في سنة 1864 وظهرت الطبعة الأولى منه في سنة
1865- غير أن العهد الجديد كان قد أكمل قبل ذلك وطبع عدة مرات وكانت الطبعة الأولى
منه في سنة 1860. وقد كابد هؤلاء الأفاضل أشد العناء في ضبط الترجمة، ومطابقتها
للأصل غاية المطابقة، فكانوا يرسلون نحو ثلاثين نسخة من كل جزء قبل أن يطبع إلى
مشاهير العلماء من مسلمين ومسيحيين، وطنيين وأجانب في جهات مختلفة من سورية ومصر
وأحيانًا إلى ألمانيا لأجل تنقيح اللغة والترجمة، وتدوين آرائهم على الحاشية. وبعد
إرجاع هذه المسودات إلى بيروت كانت تراجع بكل دقة، وكانت التنقيحات والآراء التي
توجد موافقة وفي محلها تقبل ويعمل بموجبها، وهكذا ساعدت عقول كثيرة من الوطنيين،
والأجانب حق المساعدة في هذا العمل المهم. ومن بين الذين كان يعتمد عليهم كثيرًا
في ضبط الترجمة على قواعد اللغة العربية هما الشيخ ناصف اليازجي، والشيخ يوسف
الأسير الأزهري. والأشخاص المار ذكرهم الذين قاموا بهذا الترجمة هم من أشهر
العلماء، وقد تكبدوا في هذا العمل أتعابا كثيرة،سنين عديدة، فلأريب أن هذه الترجمة
من أصح الترجمات وأضبطها. أما الترجمة اليسوعية فقد تمت بعناية الرهبان اليسوعيين
في بيروت وطبعت حوالي سنة 1881. وأخيرًا نقول أن الكتب المقدسة قد ترجمت إلى اللغة
الأرمنية في أوائل القرن الخامس، وإلى الفارسية منذ زمن قديم كما يشهد يوحنا فم
الذهب، وإلى الفرنسية نحو سنة 1160 م، وإلى الأسبانية نحو سنة 1380، وإلى
النمساوية نحو سنة1460، وإلى الإنجليزية نحو سنة 1380. أما الآن فقد ترجم الكتاب
المقدس إلى مئات من لغات العالم.

 

تقسيم الكتاب المقدس

أن سفر المزامير هو السفر الوحيد المقسم
إلى مزامير مرتبة ترتيبًا إلهيا متقنًا، أما بقية أسفار الكتاب المقدس فلم تكن
مقسمة إلى إصحاحات، ولا إلى إعداد بل كان كل سفر منها متصلا من أوله إلى آخره، ولم
يكن في كل هذه الأسفار علامات فاصلة بين الجمل كالنقطة بل كانت الكلمات ملتصقة
بعضها ببعض؛ حتى كان كل سطر منها ككلمة واحدة، فدعت الحاجة إلى وضع علامات للتقسيم
بين الفصول والآيات، أجزاء، وتوجد الآن نسخة من الترجمة اللاتينية لكل الكتاب
المقدس نسخت في سنة 800 م وأسفارها مقسمة تقسيمًا آخر.

وأما الذى قسم الكتاب المقدس إلى ما هو
عليه الآن من الإصحاحات فهو الكردينال هوجو في سنة 1040 للميلاد. وأما تقسيم
الإصحاحات إلى أعداد فأول من أتاه العهد القديم الراهب بجنينوس الذى ترجم الكتاب
المقدس إلى اللغة اللاتينية، وطبعه في فرنسا سنة 1527 م. وفي سنة 1545 قسم إصحاحات
العهد الجديد إلى أعداد – روبروت استفانوس العالم الفرنساوي الذى كان من حاشية ملك
فرنسا.

والمراد من هذه التقسيم سهولة الراجعة،
والوقوف على الشواهد المطلوبة من الكتب المقدسة وهي مفيدة إلا أنها أحيانا تفصل من
العبارات ما يجب أن يوصل. ثم أن أسفار الكتب المقدسة لم يرتب وضعها على حسب
الأزمنة التي كتب فيها كل واحد منها، لكن المسلم به بالإجماع هو أن سفر التكوين
أول العهد القديم، ونبوة ملاخي آخره، أما سفر أيوب فربما كتب في إثر زمان سفر
التكوين.

 

قانونية الأسفار المقدسة

الدليل المادي

كان اليهود حماة غيورين على حرفية العهد
القديم كما سبقت الإشارة، ذلك لأنهم اتخذوا أسفار كوثائق موحى بها. واليهود أنفسهم
قد شهدوا الشهادة الأكيدة على صحة أسفار العهد القديم، مع أن الجزء الأكبر منها
يسجل عصيانهم المتكرر، وارتدادهم، والدينونات التي وقعت عليهم والتي ستقع أيضًا.
كما أن يوسيفوس المؤرخ اليهودي وكثيرين من الكتاب الوثنيين قد صادقوا على صحة ما
ورد بها. أسفار العهد القديم لم تأت إلينا عن طريق أمة برعت في الفنون، أو الحرب،
أو المدنية، ولا من أمة سمت في الحكمة والفلسفة، بل من شعب انعزل عن باقي الشعوب
البشرية، وانفصل عنهم بدينه وعوائده الفريدة، كما بموقعه الطبيعي، وهذه الخواص
والمميزات تتمشى في كل الأسفار.

وتحتوي سجلات العهد القديم على تواريخ
وأنساب وسير لم يقم دليل مادي واحد على عدم صحتها, بل هناك مصادر عديدة جدًا تدعم
صحة الوقائع المدونة فيها مثل المخطوطات الأثرية التي خلفها كتاب مشهورون ومثل
النقود وأطلال المدن والاستكشافات الحديثة في فلسطين والبلاد المجاورة. ويضاف إلى
ذلك بقاء هذه المعتقدات والعوائد عند اليهود إلى الآن. كما استمرار الكشف عن
الملوك القدماء ولحضارات القديمة في مصر وسوريا وبابل يشهد بوضوح على أن اليهود
قبل السبي كانوا أمة لها آدابها الخاصة، ولها إلمام بفن الكتابة كما يشهد أيضًا
على أن كل قصص العهد القديم تتفق في وقائعها مع الوثائق المعاصرة حتى في أدق
تفصيلاتها، زد على ذلك أن طبيعة فلسطين من الناحبة النباتية، والحيوانية المسجلة
في العهد القديم تتفق تمام الاتفاق مع جغرافية تلك البلاد في أدق التفاصيل. ولقد
صادق على صحة ما جاء عن جغرافية وجيولوجية تلك الأراضي في الكتب المقدسة أعاظم
الجوالين والمستكشفين. هذا فيما يختص بالعهد القديم، أما بخصوص العهد الجديد فأننا
لا نحتاج إلى إقامة الدليل على أن الكتاب المسيحيين في جميع أنحاء العالم، إبان
الثلاثة القرون الأولى قد صادقوا على الوقائع المتضمنة في الأناجيل.ولا حاجة بنا
إلى أرخوا وكتبوا أنه”أثناء سلطنة طيباريوس عاش شخص اسمه المسيح، وأن
اليهودية كانت دائرة تعليمه، وأنه حكم عليه بالموت بأمر بيلاطس البنطي، وأنه
بالرغم من موته فأن تعاليمه انتشرت في أنحاء الإمبراطورية الرومانية، واعتنقها
الكثيرين الذين عبدوا المسيح كإلهه وتحملوا من أجله الاضطهاد المر “.

وعلى أي حال يمكن هذه المخلفات وثائق
تاريخية تتفق مع ما جاء في العهد الجديد. غير أنه لدينا أيضًا من الأدلة على صحة
العهد الجديد الشيء الكثير، ففلسطين كانت وقت مجيء المسيح تحت نظام حكم مزدوج بعضه
روماني وبعضه يهودي. ووقائع العهد الجديد لا تشهد فقط بصورة ناطقة عن هذا الحكم
المزدوج الذي كان فيه نوعان من الضرائب، ونوعان من تقويم الوقت، ونوعان من القوات
الحربية.. الخ بل أيضًا نجد إلى جانب هذا تعبيرات لاتينية للعملة وإلى جانبها
اصطلاحات وأسماء أخرى عبرانية، الأمر الذى يتفق م8 حالة فلسطين في الوقت الذى إليه
تشير كتابات العهد الجديد، أي الوقت الواقع بين هيرودس الأكبر وخراب أورشليم الذي
تم بعد أربعين سنة من صلب المسيح.

كما أن العهد الجديد يدون تواريخ وسير
كتلك التي دونت في العهد القديم. فهناك أسماء أباطرة رومان مثل أغسطس قيصر
وطيباريوس وكلوديوس. كما دون تاريخ حكام رومانيين أمثال كيرينيوس وبيلاطس البنطي
وفيلكس وفستوس وسرجيوس بولس وغاليون. كما يذكر ملوكا يهود أمثال هيرودس الأكبر
وارخيلاوس وانتيباس واغريباس الأول والثاني ولقد صادق جميع المؤرخين المشهورين،
وأيضًا يوسيفوس على أن أوقات توليتهم تتفق تماما مع ما جاء في العهد الجديد سواء
من جهة مناصبهم أو تعاقب ترتيبهم أو ما قاموا به من أعمال. زد على ذلك ما نلحظه من
معاني في الإشارات التي وردت عن أماكن مثل إنطاكية وقبرص وتسالونيكي وفيلبي وأثينا
وكورونثوس وروما ومالطه، وعن الحرس الروماني الإمبراطوري وأعضاء بلاط قيصر، وعن
الإلهة العظيمة أرطاميس، فكل هذه الإشارات قد أثبتت الاستكشافات الحديثة في فلسطين
واليونان وأسيا الصغرى صحة تفصيلاتها الدقيقة.

الدليل الروحي

إننا إذ نفتح الكتاب المقدس تواجهنا أول
عبارة فيه. هذه العبارة لا يمكن إلا أن تكون وحيًا أو تصريحًا إلهيا. في هذه
العبارة تعلن لنا أول أعجوبة بل أعظم معجزة في مداها«في البدء خلق الله السماوات
والأرض ». فالعلم يعجز عن أن يدلي ببيان عن أصل الأشياء، كما تعجز أيضًا حكمة مصر
وفينيقية أو فلسفة اليونان والشرق، وينفرد إعلان الله في بساطته وعظمته وكماله، لا
يتطاول إليه منافس على مدى العصور والأجيال، كما لا تتطاول إليه كبرياء الإنسان
التي كلما حاولت هذا انكشفت غباوتها وظهر فشلها وسقوطها. تأمل الإصحاح الأول من
سفر التكوين، هل كان من الممكن أن يُكتب مثل هذا الإصحاح لو لم يكن بوحي إلهي؟ أين
رجال الفكر ومباحثو هذا الدهر؟ ألا يرى احكمهم أنه أتما كطفل يلتقط الحصى هنا
وهناك على شاطئ أو قيانوس خضم عظيم؟

ومن ذا يستطيع أن يعطينا الحق كما هو
واضح في الإصحاحين الثاني والثالث من نفس هذا السفر؟ هل كان ممكنًا أن يكون آدم
وحواء المذنبان شهود عدل تقبل شهادتهما عن كل ما حدث أو قيل هناك؟ أبدًا. أذن فمن
يكون الشاهد الصادق غير الله؟

إليك أيضًا حق الله البسيط العميق في
المسيح الذي أعلن نعمة الله في منتهاها، وأظهر في شخصه مجد الله بالارتباط مع خلاص
الإنسان خلاصًا كاملا، وأتي بالعتق والراحة لكل مؤمن، وكل ذلك في حقائق واضحة سهلة
صريحة يستطيع أن يدركها الطفل مع أنها تتضمن أصدق وأعمق المبادئ. وهنا الفرق
الجوهري بين حق الله المعلن وما عداه، فجميع التعاليم حديثها وقديمها، شرقها
وغربها، لا تستند على حقائق ثابتة. أما دين الكتاب المقدس – العهدين القديم
والجديد أي اليهودية والمسيحية – فيرتكز على حقائق واضحة راسخة وليس على أفكار
وخواطر بشرية. خذ أيضًا حادثة الطوفان، من يستطيع أن يعرفنا سبب وتاريخ ونتائج هذا
الحادث غير الله نفسه؟ أيضًا من يستطيع غيره أن يعطينا تاريخًا عن ظهور الأمم،
وانقسام اللغات أو دعوة إبرام والأباء اللاحقين من شعبه المختار؟ لا شك أن كل من
ينكر صحة وحي الكتاب المقدس إنما هو عدو لله نفسه. وهكذا في جميع أسفار الكتاب
المقدس نستطيع أن نلمس سلطان كلمة الله بشكل ظاهر في الحوادث، أو الأقوال،
التواريخ التي دونت فيه.

وفوق هذا فإن أقوى دليل على صحة الكتاب
المقدس بعهديه القديم والجديد، هو سلطانه العظيم على ضمائر وقلوب الملايين من
البشر في كل الأجيال، وفي كل أقطار المسكونة على اختلاف طبقاتهم، وتباين مراكزهم
الأدبية، وتأثير العجيب في تغيير حياتهم« كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذي
حدين وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ ومميزة أفكار القلب ونياته»
(عبرانيين 12: 4) فكم من ملوك وقواد وعظماء وحكماء وفلاسفة، كما وفقراء وأدنياء
وجهال أيضًا قد أسرهم الكتاب المقدس بسلطانه الإلهي العجيب! لقد فتح عيونهم وقادهم
إلى معرفة الله، وإلى نوال الحياة الأبدية بالأيمان بابنه الحبيب، لقد جعلتهم كلمة
الله أسرى محبة المسيح فأحبوه، وعبدوه، وكرسوا قلوبهم له، وكانوا أمناء له حتى
الموت، فلم تكن حياتهم ثمينة عندهم من اجل من أحبهم. وكم من آثمة وفجار، وقتلة
مجرمين، قد تغيرت حياتهم فصاروا قديسين وأفاضل بفعل وسلطان هذه الكلمة
الإلهية!«لست أستحي بإنجيل المسيح لأنه قوة(أي ديناميت) الله للخلاص لكل من يؤمن»
روميه16: 1

ولقد حاول العدو في كل الأجيال أن يلاشي
كلمة الله أو يضعف سلطانها- تارة بالعنف والقوة وتارة بالآراء والسفسطات الباطلة،
ولكن من هو الإنسان وما هي قوات الشيطان والجحيم حتى يقفوا أمام سلطان الكلمة
الإلهي، أو بالحري أمام الله نفسه! أن كل قوات الشر المنظورة، وغير المنظورة أمام
كلمة الله إنما كمن يرفس مناخس، أو كحشرة صغيرة تحاول أن تحطم الصخر العظيم الذي
لا يتزحزح. وأن كان الشيطان قد استطاع إن يعذب خدام الله وأن يقيدهم«لكن كلمة الله
لا تُقيد» (تيموثاوس الثانية 9: 2)

وأن كنا نؤمن بوجود الله الخالق العظيم،
وأننا نحن البشر خليقته التي ميزها عن سائر المخلوقات – ولاسيما بالعقل والإدراك –
فلابد أن يكون كلامه ذا سلطان فائق وعجيب – هذا السلطان الذي لن نجده إلا في
الكتاب المقدس فعلينا أن نؤمن بصدق كلامه وأن نقبل أقواله الحية، ونودعها في قرار
نفوسنا فتسكن كلمته فينا بغنى، مقدمين له السجود والتعبد لأنه تنازل فأعطاها كتابه
العجيب ((الكتاب المقدس)).

 

العهد القديم

أسفار موسى الخمسة

كاتب هذه الأسفار هو موسى بن عمرام واسم
أمه بوكابد وهما من سبط لاوي. ولقد رتبت العناية الإلهية أن يتربى موسى في بيت
فرعون رغم محاولته قتل جميع الذكور المولودين في إسرائيل. ولما صار له أربعون سنة
خرج؛ ليفتقد أخوته، وإذ رأى أحدهم مظلوما أنصفه وقتل المصري ولما رأى ذلك معروفا
خاف وهرب من مصر، وسكن في أرض مديان حيث ولد له ابنان. وعند نهاية أربعين سنة
أرسله الرب لإنقاذ إسرائيل من يد المصرين، وقد أخرجهم صانعًا عجائب وآيات في أرض
مصر، وفي البحر الأحمر، وفي البرية أربعين سنة.

لقد أخطأ موسى مرة عندما أمره الرب بأن
يأخذ العصا(عصا الكهنوت) ويكلم صخرة فيخرج منها الماء، ولكن عوضًا عن أن يكلمها
أخذ هو وهرون العصا وضربها مرتين فخرج منها الماء، ولكن الرب قضى عليها بعدم
الدخول إلى أرض الموعد، وقبيل موته صعد إلى رأس الفسجة حيث أراه الرب جميع أرض
الموعد، ومات هناك موسى، ولم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم. وقد جاء في العهد
الجديد بأن ميخائيل – رئيس الملائكة – خاصم إبليس محاجًا عن جسد موسى، والمرجح أن
الشيطان قصد أن يجعل قبره مكانًا مقدسًا؛ يحج إليه الناس لنوال البركة كما يفعل
الناس إلى هذا اليوم بالنسبة لقبور القديسين (يهوذا 9).

ولقد أعطي الناموس بواسطة موسى، ويقول
الرسول يوحنا « الناموس بموسى أعطي أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا» (يوحنا
17: 1) والتباين العظيم بين الناموس والإنجيل يوضح لنا السبب الذي لأجله لم يسمح
لموسى بالدخول إلى كنعان، فموسى باعتباره معطي الناموس، لا يصلح لأن يدخل شعب
إسرائيل أرض الموعد – التي تعتبر رمزًا لبركات المسيحية السماوية – أن ذلك كان يجب
أن يتم بواسطة يشوع رمز المسيح المقام. وموسى كانت له خدمة خاصة، وكان مكرما جدًا
من الله، وكان أمنيًا في كل بيت الله رغم المفشلات والتجارب العديدة. وقد مثل موسى
الناموس، كما مثل إيليا الأنبياء في الشهاد لمجد المسيح الفائق على جبل التجلي.

توجد في الكتب المقدسة أدلة كثيرة على أن
موسى هو كاتب الخمسة الأسفار الأولى في العهد القديم« أفما قرأتم في كتاب موسى؟»
(مزمور 26: 12) «إن كانوا لا يسمعون من موسى والأنبياء» (لوقا31: 16،27: 24) «حين
يقرأ موسى» (كورونثوس الثانية 15: 3). ولاشك أن الجزء الأخير من أسفاره المدون فيه
موضوع موته قد أضيف بواسطة كاتب آخر. وعندما يتمسك الأيمان بوحي الكتب المقدسة
تمسكا كاملا، فلابد من الإقرار بأن الله هو المؤلف أو الواضح لكلمته، وبالتالي
يكون أمرًا ثانويا معرفة الإنسان الذي أستخدمه الله كآله لكتابة ما أراد أن يكتبه،
ومع أن بعض الكتب المقدسة لا يعرف كاتبها، إلا أن ذلك لا يمس بأي حال من الأحوال
حقيقة وحيها. ومن الواضح الجلي من الآيات التي اقتبست آنفًا أن موسى هو كاتب
الأسفار الخمسة التي تسمى أحيانًا “ناموس موسى”

 

الأسفار النبوية

تحتل الأسفار النبوية مكانا متميزًا
وهاما جدًا في كلمة الله، وكان إعطاء النبوة عادة دليلا على حالة الخراب بين شعب
الله، التي استدعت تداخله تعالى لمعالجة هذه الحالة. وبعض النبوات هي بمثابة
استعطاف وتذكير للشعب بما عمله الله لأجلهم، وتبين كيف أنه تعالى كان راغبًا
ومستعدًا لأن يباركهم لو كانوا أمناء له، كما أنها في نفس الوقت تشير إلى ما
سيجريه الله لبركة إسرائيل في المستقبل بعد أن رفضهم وقتيًا. وبعض النبوات الأخرى
تشير – بكل وضوح – إلى حوادث وقعت في وقتها أو إلى حوادث لازالت مستقبلة، وبالجملة
تشير النبوات إلى إسرائيل كالدائرة الداخلية أو المنصة الرئيسية التي عليها تمثل
معاملات الرب يهوه والتي لها علاقة مباشرة بالمسيا، أما الأمم فتتكون منهم الدائرة
الخارجية، ومعاملات الرب معهم مبنية على علاقاتهم بالأسباط الاثنى عشر، ويشار إلى
هذه الأمم أحيانًا باعتبارهم آلات الله التي أستعملها لقصاص شعبه، وأن هذه الأمم
لأبد بعد ذلك أن تتحمل هي أيضًا قصاص الله وقضاءه عليها. هذا وفوق كل شيء فأن
سياسة عامة وسيادة مطلقة وسلطة عليا، بها سيجعل كل الأشياء تؤول إلى إخضاع الكل
أخيرًا للمسيا الذي سيحقق مواعيد الله لخير إسرائيل، لأن كل إسرائيل سيؤتي به
ثانية للبركة عندما يكون الرب يهوه في وسطهم، يحف به المجد من كل ناحية وسيكون
للأمم أيضًا نصيب من البركة معهم.

وتنقسم الأسفار النبوية إلى ثلاثة أقسام:

(1)    النبوات التي أعطيت لإسرائيل
عندما كان لا يزال كأمه ولو أنها انقسمت إلى قسمين، وتمتد إلى وقت انتهاء مملكة
يهوذا نهائيًا.

(2)    النبوات التي تشير إلى أزمنة
الأمم التي ابتدأت بنبوخذ نصر والتي استمرت إلى ما بعد مجيء المسيا إلى الأرض
ولازالت مستمرة للآن، وهذه النبوات نجدها بالأكثر في سفر دانيال.

(3)    النبوات التي أعطيت بعد أن رجع
البعض من يهوذا من السبي. هؤلاء قد ساعدتهم كثيرًا نبوات حجي وزكريا وملاخي التي
تشير إلى مجيء المسيا على الأرض والتي تمتدا أكثر إلى وقت البركة المستقبلة.

ويضاف إلى هذه الأسفار النبوية بعض
النبوات الواردة في الأناجيل والرسائل وسفر الرؤيا التي تتضمن دينونات الله، التي
ستحل على المسيحية المرتدة وعلى الأمم بصفة عامة، وتشمل أيضًا سقوط الشيطان النهائي
والبركة العامة وتنتهي هذه النبوات بدينونة الأموات وبلمحة مجيدة عن الحالة
الأبدية.

ولا يعتبر خروجًا عن الموضوع إذا أضفنا
كلمات قليلة عما تدور حوله نبوات العهد القديم المتنوعة، فنبوات عوبديا ويونان
وناحوم تشير بصفة خاصة إلى أدوم ونينوى، أي إلى الشعوب التي كانت دائما معادية
ومقاومة لإسرائيل.ولا يمكننا أن نعرف بالتحديد تاريخ كل من سفري يوئيل وحبقوق، أما
عن باقي النبوات فأن أسفار هوشع وعاموس واشعياء قد كتبت قبيل سبي العشرة الأسباط،
ومع ذلك فأن رؤى أشعياء تشير أيضًا إلى يهوذا وأورشليم ويبدو – في الغالب – أن شهادة
” الأنبياء ” المكتوبة ابتدأت في أيام يربعام الثاني ملك إسرائيل (أي
يربعام بن يوآش ملك إسرائيل ملوك الثاني23: 14و24)، وكان عزيا ملك يهوذا معاصرة له،
ومن الواضح أن الأسفار النبوية هي شهادة على أن علاقات الشعب العادية مع الله قد
انقطعت، وقد كتب عليهم نبويا حكم ” لوعمي “.

وتجيء بعد ذلك مباشرة أسفار أخرى مثل
ميخا الذي عن السامرة وأورشليم، ولو أنه لم يشر إلى اسم أي ملك في إسرائيل، ثم
تأتي قبل سبي يهوذا أو معاصرة له أسفار ارميا وصفنيا، أما النبيان حزقيال ودانيال
فقد تبنأ وهما في أرض الكلدانيين عندما مازال رجاء إسرائيل وإسرائيل ويهوذا وقتئذ
حيث بدأت في ذلك الوقت أزمنة الأمم، أما الأسفار التي كتبت بعد الرجوع من السبي
فهي حجي وزكريا وملاخي. وتشمل شهادة أو خدمة أنبياء العهد القديم مدة طويلة من300
إلى 400سنة.

وسفرا أشعياء وارميا لهما مكانة خاصة
وممتازة، لأن الأول وهو أكبر الأسفار النبوية وأكثرها اتساعًا، قد تناول بالترتيب
النواحي الأدبية المتنوعة لمعاملات الله مع إسرائيل ووضع أساسًا لما يمكن أن نسميه
القالب أو النظام النبوي العام، والثاني لأنه تناول بكيفية مؤثرة للغاية حاسيات
روح المسيح إزاء شعب الله عندما وصلوا إلى حالة لا علاج لها وبذا أتتهم تلك
النهاية الأليمة.

ولا بد من إبدأ ملاحظتين لهما أهميتها
بخصوص النبوات: الأولى أنه لا توجد نبوة تحمل في ذاتها تفسيرها الخاص بل أن كل
نبوة يجب أن تدرس وتفهم في وضعها الخاص وفي علاقتها بكل النظام النبوي أو ببقية
الأسفار النبوية، والثانية هي أن مدى النبوة يمتد إلى أن يصل بنا إلى “يوم
الرب” القادم وإلى دينونة الأمم والأشرار في إسرائيل، وإلى تأسيس الملكوت
واتحاد إسرائيل ويهوذا تحت سيادة الرب برهم. هذه هي نهاية طرق الله العظمى على
الأرض، ويعتبر رد الله لشعبه القديم ومباركته إياهم بمثابة خيط ذهبي يمتد في كل
أجزاء النبوات، لأن هذا الأمر كان أمام الله دائمًا، وهو يسطع بنور باهر في كل
النبوات.

ولكي يتسنى لنا – من الناحية الواحدة –
أن نفهم النبوات فهمًا صحيحًا، ومن الناحية الأخرى أن ندرك ادراكًا صحيحًا ومفرحًا
ما هي المسيحية يجب أن نتثبت من هذه الحقيقة الهامة وهي أن الكنيسة لا مكان لها في
الأسفار النبوية، لأن في كنيسة ليس يهودي ولا أممي، بينما في النبوات نجد بينهما
تمييزًا واضحًا وكليًا للفرق الكبير بين إسرائيل والأمم، والنبوات تتعلق بالأرض
وبسيادة الله وسلطانه عليها وبنتائج هذه السيادة، أما المسيحي فأنه يخص السماء ولا
بد أن يملك مع المسيح في ملكوته. وقد وضعت في بعض الترجمات عنوانات خاطئة لكثير من
إصحاحات العهد القديم، فقد ذكرت الكنيسة مرارًا في تلك العنوانات مع أن لا ذكر
للكنيسة مطلقًا في نصوص تلك الإصحاحات. والفصول التي تتكلم كثيرًا عن آلام وأمجاد
ذلك الشخص المبارك الذي أصبح المسيحي متحدًا مقترنًا به لها أهميتها وقيمتها
الثمينة عنده ولو أنها لا تتكلم عنه بكيفية مباشرة.

وبعض المسيحيين مع أنهم يعرفون أجزاء
معينة من النبوات ويجدون لذة في دراستها، ولكن لأنهم لا يدركون أنها تشير بكيفية
قاطعة إلى البقية الإسرائيلية لذا لا يستطيعون المثابرة على درس جميع النبوات
ومعرفة أفكار الله فيها، وكثيرون يرتأون بأنه لا فائدة من درس النبوات ويقولون
بأنها غامضة جدًا وأن المفسرين قد اختلفوا اختلافًا كبيرًا في تفاسيرهم لها، إلا
أن أعظم عائق لفهم الأنبياء هو الظن بأن الأقوال النبوية لا تعني ما تقوله تمامًا،
فلو أن دارس النبوات أدرك بأن ما تقوله هذه النبوات عن إسرائيل إنما تقصد به
إسرائيل بالذات وتشير إلى قضاء الرب عليه، وإلى رده ورجوعه للرب، كما وإلى مجده
الأرضي مستقبلاً لزالت من أمامه معظم الصعوبات التي كان يجدها في دراسته للأسفار
النبوية.

والكثير من أقوال الرب نفسه ومن أجزاء
أخرى من كلمة الله لا يمكن فهمها يمامًا إلا إذا كان هناك إلمام بروح النبوة أو
بالحري بما تتضمنه النبوات في مجموعها، ومتي وصلنا إلى إدراك هذه الحقيقة فأننا لن
نفقد التعليم الأدبي أو التعزية الروحية التي تقدمها لنا النبوات عن طبيعة الله
غير المتغير وطرقه السامية.

والاثنا عشر سفرًا التي تجيء بعد سفر
دانيال كثيرًا ما تسمى “الأنبياء الصغار”، وذلك بالنظر إلى أنها نبوات
أصغر من النبوات الأخرى، وليس لأنها أقل قيمة أو أهمية منها.

وهاك بعض النبوات التي لم تتم ولكن لا بد
من إتمامها:

1 – اختطاف القديسين عندما يقام الأموات
في المسيح والأحياء يتغيرون فيبتلع الموت إلى غلبة (كورونثوس الأولي 51: 15و52؛
تسالونيكي الأولى 16: 4و17).

2 – رجوع بعض اليهود إلى فلسطين، وهؤلاء
في عدم إيمان يعيدون بناء الهيكل ويمارسون فرائضهم مرة أخرى (أشعياء10: 17و11؛1: 66-3؛رؤيا1:
11و2)

3 – إحياء الإمبراطورية الرومانية، فأن
عشر قوات غريبة ستتحد وتخضع لرأس واحد، وستقوم هذه الإمبراطورية – في البداية –
بحماية الأمة اليهودية (أشعياء14: 28-18؛ دانيال40: 2-43؛7: 7و8؛27: 9؛رؤيا7: 17
و8 و13: 10).

4 – الارتداد وأستعلان إنسان الخطية
(تسالونيكي الثانية3: 2-12).

5 – امتداد واتساع نظام روما الكنسي
الجامع إلى منتهاه، وستسود في البداية كزانية على كل الإمبراطورية ولكنها بعد ذلك
بواسطة العشر ملوك (تيموثاوس الثانية 3: 1-9؛3: 4 و4؛ بطرس الثانية 1: 2-3؛يهوذا3و4و11؛
ورؤيا1: 17-6و16).

6 – طرح إبليس وملائكته من السماء،
وعندئذ يعطي الشيطان قوة وعزما للوحش (أي رأس الإمبراطورية الرومانية)، وللنبي
الكذاب (ضد المسيح)، وهؤلاء معًا يضطهدون اليهود الأتقياء ويبطلون عبادة الرب يهوه
في أورشليم وينشرون العبادة الوثنية بكل قوة ويعممون في كل مكان السجود لصورة
الوحش. في ذلك الوقت يتكون ذلك الثالوث الشرير (دانيال19: 7-25؛27-9؛36: 11-39؛تسالونيكي
الثانية4: 2؛ورؤيا1: 13-18).

7 – ظهور الرب مع قديسيه السماويين
لدينونة أعدائه ولإنقاذ شعبه الأرضي (دانيال34: 2 و35و44و45؛ متي30: 24؛ تسالونيكي
الأولي7: 1-10؛رؤيا11: 19-21).

8 – جمع العشرة أسباط بعد مجيء الرب فيتم
عندئذ اتحاد كل إسرائيل ثانية في أرضهم تحت سيادة قضيب الرب مرموزًا إليه بداود.
في ذلك الوقت سيهاجمون في أرضهم بواسطة جوج (روسيا) التي ستباد نهائيًا (أشعياء 11:
11-14؛ حزقيال36و38و39؛ دانيال2: 12و3؛ رومية26: 11و27).

9 – تقييد الشيطان وعندئذ ستعيق الخليقة
من عبودية الفساد ويملك المسيح على الأرض ألف سنة، ويكون ملكه سلامًا مرموزًا إليه
بسليمان (مزمور8: 72،17؛أشعياء4: 2؛6: 11-9؛6: 25-8؛حبقوق14: 2؛زكريا9: 14؛رومية21:
8و22؛رؤيا1: 20-6).

10 – يحل الشيطان من سجنه وقتًا قصيرًا
وعندئذ يضل الأمم ثانية فيهاجمون القديسين الذين على الأرض وأورشليم، ولكنهم
يحرقون بالنار، والشيطان يطرح في بحيرة النار(رؤيا7: 20-10) ويلي ذلك الحالة
الأبدية.

 

الأنبياء الصغار

قد اصطلح على تسمية الأسفار التي تلي سفر
دانيال (وعددها اثنا عشر سفرًا) «الأنبياء الصغار»، ليس لأنها أقل أهمية من بقية
الأسفار النبوية، بل لأنها أقصر أو أصغر منها، فهي كغيرها من أسفار الكتاب المقدس
«كتبها أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس».

 

العهد الجديد

متى بهنام

مفاتيح
كنوز الأسفار الإلهية

«ما أحلى
قولك لحنكي أحلى من العسل لفمي» (مزمور 103: 119).

«سراج
لرجلي كلامك ونور لسبيلي» (مزمور 105: 119).

«عجيبة
هي شهاداتك لذلك حفظتها نفسي» (مزمور 129: 119).

«فتشوا
الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية وهي التي تشهد لي» (يوحنا 39: 5).

 

تمهيد

بعد
أن انتهينا من الجزء الأول من ”مفاتيح كنوز الأسفار الإلهية“ أي خلاصة أسفار العهد
القديم، لا يسعنا إلا أن نتقدم بالشكر الكثير للرب على مؤازرته لنا قائلين ”إلى
هنا أعاننا الرب“، ولنا ملء اليقين في جوده الإلهي أنه يتقدمنا في هذا الجزء الذي
هو عبارة عن خلاصات وجيزة لأسفار العهد الجديد.

وإن
كانت أسفار العهد القديم تحمل إلينا إعلانات ورموزًا عديدة تشير إلى سيدنا المعبود
وربنا العزيز يسوع المسيح، فإننا سنجد في العهد الجديد نورًا إلهيًا ساطعًا يعلن
لنا هذا السيد الجليل عيّنه في أمجاده، وكمالاته المتنوعة، وعمله الكريم الذي هو
أساس كل البركات الروحية التي باركنا بها الآب. وإن كانت الكلمة النبوية ”أي أسفار
العهد القديم“ هي بمثابة سراج منير في موضع مظلم، فإن العهد الجديد هو «كنور مشرق
يتزايد وينير إلى النهار الكامل»، ولأنه إن كان الله كلَّم الآباء بالأنبياء
قديمًا بأنواع وطرق كثيرة، ولكنه كلَّمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه، الذي هو
بهاء مجده، ورسم جوهره، وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته.

 

ولابد
لنا من الإشارة والتنبير على هذه الحقيقة الهامة وهي إننا لا نستطيع الاستفادة من
درس خلاصة أي سفر من أسفار الكتاب المقدس ما لم ندرس السفر نفسه.

 

وإنني
أتوسل إلى الله بأن يجعل هذا الكتاب بركة للقارئ الحبيب ومشوّقًا له إلى درس كلمة
الرب واللهج فيها باستمرار لأنها «أحلى من العسل وقطر الشِهاد.. وفي حفظها ثواب
عظيم».

 

القاهرة
في أول أغسطس سنة 1945.

متى
بهنام.

 

مقدمة

مع أن
الكتاب المقدس ينقسم إلى قسمين، أعني العهد القديم والعهد الجديد. ومع تنوُّع
المواضيع فيه، فإن الوحدة ظاهرة ظهورًا جليًا، فهو يحمل موضوعًا عامًا واحدًا
وينادي بغاية واحدة، فإن عناصره الثلاثة الأدبية والتاريخية والنبوية تتحد معًا
وتعلن أمامنا الماضي والحاضر والمستقبل، وكل كاتب تراه يكتب لغرض معيّن خاص كما
ألهمه الروح القدس. فالأربعة الأناجيل ليست هي مجرد تكرار وإعادة، حاشا. لأن متى
كتب للعبرانيين ومرقس كتب للمصريين والرومانيين ولوقا لليونانيين ويوحنا للجنس
البشري عامة. ويأتي بعد ذلك خمسة كتبة للرسائل: بولس رسول الإيمان، وبطرس رسول الرجاء،
ويوحنا رسول المحبة، ويعقوب رسول الأعمال الصالحة، ويهوذا رسول الإنذار ضد
الارتداد. وقد بلغ عدد الذين استخدمهم الروح القدس لكتابة الوحي أي الكتاب المقدس
33 شخصًا من مختلف الطبقات. فمنهم العلماء كموسى وبولس، والبسطاء كمتى وبطرس،
والملوك كداود وسُليمان، والرعاة والفلاحون والصيادون. ومع كل هذا التنوُّع الظاهر
تجدهم قد اتفقوا فيما كتبوا وعلّموا. مع أن ظروف الزمان والمكان لم تكن لتساعدهم
البتة على ذلك، لأنهم عاشوا في مدة تزيد عن عشرين جيلاً، وفي أمكنة مختلفة، وكانت
لهم لغات مختلفة أيضًا. وكم هو الفرق عظيم بين حياة السبي في بابل وحياة التيهان
في البرية أو التوطن في اليهودية. وما أعظم الفرق بين أحوال راعي تقوع، والساقي في
البلاط الفارسي. أو ما أبعد الزمن بين عزرا في أورشليم ويوحنا في بطمس، وبين موسى
في مصر وبولس في رومية. وبعضهم كتب باللغة العبرية وآخر بالكلدانية وآخر
باليونانية. والبعض كتب نظمًا، وغيره كتب نثرًا مع تنوَّع المواضيع التي كتبوا
فيها.

فالكتاب
المقدس متحِد في تركيبه اتحادًا تامًا لأن الذي أوحى بالإصحاحات الثلاثة الأولى من
سفر التكوين هو الذي أوحى بالإصحاحات الثلاثة الأخيرة من سفر الرؤيا, فلا ينبغي أن
نقرأ العهد القديم إلا في نور العهد الجديد. كما ويمكن لنا أن نفهم العهد الجديد
أمام ضوء العهد القديم.

والمسيح
هو الشمس الوحيدة المحيية التي تدور حولها كل السيارات والأقمار، فهو الكلمة الحي
ولأجله أعطيت الكلمة المكتوبة. وما مَثل الكتاب إلا مثل نجم أشرق كالذي أضاء
للمجوس برسالة خاصة ليأتي بهم إلى المسيح. فإن الكتب المقدسة مثل النجم، نورها
مستعار من المسيح، فترشد كل الباحثين إليه ويستقر نورها عليه، وفي المسيح نجد
تفسيرها وغايتها.

(مقتبسة).

 

العهد
الجديد

إن
لغة جديدة من لغات الأمم، أي اليونانية تميَّز تمييزًا واضحًا الكتب المعروفة
بأسفار العهد الجديد. وموضوع هذه الكتب الرئيسي هو ابن الله الذي أتى من السماء
وأعطى لكل الذين يؤمنون به يهودًا كانوا أو أمميين نورًا وإدراكًا لكي يتسنى لهم
معرفته معرفة صحيحة، والذي يميّز هذا العهد الجديد هو أن الإنجيل يُذاع ويُقدَّم مجانًا
لكل الخليقة إلى أن يجمع أبناء الله المتفرقون إلى واحد بواسطة الروح القدس. وإذ
صعد الرب إلى السماء فقد وعد بأن يأتي ثانية ليأخذ خاصته إليه قبل يوم ظهوره عندما
يقيم ملكوته على الأرض علانية، وسيكون المسيح عندئذ متسلطًا بمجده على كل خليقة
سماوية وأرضية، وستشاركه الكنيسة في ذلك المجد كعروسه السماوية. وإذ يعلن الإنجيل
أن الله نور ومحبة، يبيّن أيضًا أن الإنسان أثيم وهالك، وأن الله في مشورات محبته
قد دبر له علاجًا بواسطة النعمة والحق في ربنا يسوع المسيح الذي إذ رفضه البشر
ولاسيما اليهود أكمل الفداء، لذا أتى الله بأشياء جديدة طبقًا لمشوراته التي كانت
مكتومة ولكنها أزلية، وذلك في الزمان الحاضر، أي قبلما يستأنف الله علاقاته مع
إسرائيل إتماماً لمواعيده للآباء، وعندئذ تتبارك جميع قبائل الأرض وذلك في أزمنة
رَد كل شيء التي تكلَّم عنها الله بفم أنبيائه القديسين منذ الدهر.

 

وأسفار
العهد الجديد سبعة وعشرون سفرًا وهي الأربعة الأناجيل، وسفر الأعمال، والإحدى
وعشرون رسالة وسفر الرؤيا، وقد كتب هذه الأسفار ثمانية من رسل وأنبياء العهد
الجديد بوحي إلهي لأن «كل الكتاب هو موحى به من الله».

 

الأناجيل

قد
سُرَّ الله أن يعطينا في كتابه أربعة أناجيل، ولا ريب في أن له تعالى قصدًا ساميًا
وغرضًا مجيدًا في ذلك. ومن المفيد لنا أن ندرس هذه الأناجيل بروح الصلاة لاكتشاف
قصده في إعطائها لنا. من المسلم به أن الله هو المؤلف لها جميعًا وهذا ما يلاشي من
أمامنا كل الصعوبات التي اعترضت الكثيرين في الماضي من أن أحد كتبة هذه الأناجيل
اختار حوادث معيّنة، بينما اختار الآخر حوادث ترى بحسب الظاهر كأنها مختلفة. كما
أن الظنون الغبية والتخمينات السخيفة بأن كاتب كل إنجيل وضع أمامه عند كتابة
إنجيله، الإنجيل أو الأناجيل التي كتبت قبله واجتهد في تدوين ما قصَّر فيه كتبة
تلك الأناجيل مثل هذه الظنون ليس لها أي وزن أو اعتبار، لأنها لا تعمل حسابًا لله.

ومن
الغريب أن معظم مفسري هذه الأيام لا يرون أي قصد إلهي في الفوارق التي تبدو بين
الأناجيل، ولا أن كل إنجيل له خواصه وصفاته الفريدة؛ الأمر الذي استطاع أن يميّزه
بعض المفسرين قديمًا. فايرينيوس الذي عاش ما بين سنة 120 إلى 200 ميلادية قد شبَّه
الأناجيل بالكروبيم الأربعة المذكورين في سفر الرؤيا. وفي كثير من الكتب القديمة
قد رُسِمَّت صورة إنسان مع متى وأسد مع مرقس وعجل مع لوقا ونسر مع يوحنا. ولو أنه
ليس من السهل معرفة السبب في وضعها بهذا الترتيب، لأن سفر الرؤيا ذكر الأسد أولاً
والعجل ثانيًا، غير أن الترتيب السابق هو بحسب ترتيب الوجوه في سفر حزقيال (إصحاح
10: 1).

 

وأنه
لفي الإمكان ملاحظة المميّزات لكل من هذه الأناجيل في مواضع كثيرة

(1)
فإنجيل متى يبدأ بالقول «كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن إبرهيم» فسلسلة
النسب لا تتعدى إبراهيم بينما في لوقا تستمر حتى تصل إلى آدم الأمر الذي يتفق مع
غرض ذلك الإنجيل. وفي إنجيل متى اقتباسات من العهد أكثر مما في كل إنجيل آخر.
فهذان الأمران يبيّنان أن هذا الإنجيل كان شهادة ليسوع المسيح كالمسيا الحقيقي
لإسرائيل. وفيه يذكر مجيء المجوس وسؤالهم عن المولود ”ملك اليهود“ وفي دخول المسيح
لأورشليم كانت الجموع تهتف له «أوصنا لابن داود». وهذا ما لم يُذكَر في بقية
الأناجيل. هذا فضلاً عن اختلافات أخرى كثيرة ذُكِرَّت حسب القصد الإلهي كذا لم
يذكر الصعود في هذا الإنجيل، والتاريخ المقدس فيه ينتهي بذكر الرب في قوة القيامة
على الأرض تمشيًا مع الحقيقة بأن مملكة إسرائيل ستثبت على الأرض بقوة ذاك الذي قام
من الأموات.

 

والإشارة
إلى الأوجه المميّزة لهذا الإنجيل الذي يعرض شخص المسيح كالمسيا وابن داود، لا
يقصد منها بأن المميّزات والصوَر الأخرى لربنا المبارك قد أغفل ذكرها فيه كليةً،
بل الواقع أن شخص الرب معلن في هذا الإنجيل بسمو فائق لأن كل المواعيد ترتكز على
الحق والمجد المرتبطين بشخصه الكريم.

 

(2)
إنجيل مرقس تبيّن فاتحته على أنه ”إنجيل“ أكثر مما هو تاريخ يسوع المسيح ابن الله
ويبدأ هذا الكتاب بمقدمة مختصرة لتُهيئ الطريق للدخول في إنجيل ملكوت الله مقتبسًا
جزءًا من (ملاخي 1: 3، إشعياء 3: 40). ومن مواضع عديدة في هذا الإنجيل يتبيّن أنه
يعرض شخص المسيح كالخادم الأمين. فمثلاً كلمة ”للوقت“ ذكرت فيه اثنتين وأربعين مرة..
فللوقت أو في الحال بعد إتمام أي عمل يظهر عمل آخر ليقوم به ذلك العبد أو الخادم
الأمين. ولا نقرأ إلا في هذا الإنجيل فقط بأنه «لم يتيَسَّر لهم فرصة للأكل» (31: 6،
20: 3).

ثم أن
مبادئ الملكوت لم تُذكَر في هذا الإنجيل، ولا الويلات، كما في إنجيل متى. وقوله
«أما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا
الابن إلا الآب» (32: 13) فالكلمات ”ولا الابن“ لم تُذكَر إلا في هذا الإنجيل وهذا
يتفق مع المكتوب «لأن العبد لا يعلم ما يعمل سيده» (يوحنا 15: 15).

ولا
شك أن الرب له المجد باعتباره ابن الله يعرف كل شيء، والرب في هذا الإنجيل أيضًا
لا يخاطب الله كأبيه إلا وقت جهاده في البستان حيث كان قد انتهى سبيله كالخادم أو
العبد. حتى ولا تلاميذه خاطبوه في هذا الإنجيل باعتباره ”الرب“. وفي الواقع إن هذه
كلها وفوارق أخرى كثيرة تبيّن خاصية هذا الإنجيل الذي يعرض لنا الرب يسوع الخادم
الإلهي وعبد يهوه الأمين.

(3)إنجيل
لوقا يصوِّر لنا الرب يسوع كابن الإنسان إذ تصل سلسلة نسبه إلى آدم كما سبقت
الإشارة. وفي هذا الإنجيل تذكر بعض الحوادث المتعلقة ببدء حياته إذ كان خاضعًا
لأبويه، وفي الاقتباس من (إشعياء 3: 405) يقف متى عند القول «اصنعوا سبله مستقيمة».
أما لوقا فيستمر في إيراد الاقتباس حتى يذكر عبارة «ويرى كل بشر خلاص الله» كذا
عند إرسالية الرب لرسله للكرازة فإنه في إنجيل متى يأمرهم «إلى طريق الأمم لا
تمضوا وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا». أما لوقا فلا يذكر هذه الكلمات لأن الرب
يسوع في هذا الإنجيل هو ابن الإنسان ولأجل الإنسان، وفي هذا الإنجيل فقط يذكر
مَثَل السامري الصالح دليلاً على أن النعمة لا تتساءل قائلة «من هو قريبي» لأن كل
الناس أقرباء، وهنا فقط نجد مَثَل الخروف الضال والدرهم المفقود والابن الضال أي
أن الله يفتش ويبحث عن الإنسان الضال، كل هذا يتفق مع صفة المسيح كابن الإنسان
الذي جاء ليبارك الإنسان (أنظر لوقا 14: 2).

(4)
إنجيل يوحنا الافتتاحية العجيبة لهذا الإنجيل تبيّن خاصيته والصورة البديعة التي
تميّز بها «.. الكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله». وقُرب ختام هذا الإنجيل
يذكر الغرض من كتابته، أي ليؤمن الناس أن يسوع هو المسيح ابن الله. ولم تَرِد في
إنجيل يوحنا سلسلة نسب المسيح لأنه «كان في البدء عند الله».. «وكوّن العالم به»
ثم أن هذا الإنجيل يذكر إقامة لعازر من الأموات والرب يُصرَّح عن نفسه بأنه
«القيامة والحيوة» ثم أن جهاده في البستان لم يذكر في هذا الإنجيل بل أنهم لما
أتوا للقبض عليه «رجعوا إلى الوراء وسقطوا على الأرض» هذه كلها وكثير غيرها تبيّن
أن هذا الإنجيل يعرض لنا شخص الرب يسوع كابن الله ولو أننا من الإصحاح الخامس
فصاعدًا نرى اعتماده الكُلي على الآب.

فلنا
إذن في الأربعة الأناجيل أربع صوَر إلهية للرب يسوع المسيح وصفاته وأن محاولة
مزجها معًا وجعلها واحدًا يفسد جمالها وكمالها الإلهيين، كما أن محاولة إيجاد
”اتفاق“ الأناجيل بمزجها معًا وعدم تمييز غرض كل منها خطأ. فلندع الأناجيل في
جمالها المستقل كما صوَّرتها إصبع الله، والفوارق العجيبة التي فيها إنما تعلَّمنا
أكثر عن شخص الرب في صوَّره وأمجاده المتنوّعة.

 

 

 

الرسائل

هذا
هو الاسم المعطى للواحد وعشرين خطاباً الواردة في العهد الجديد، ويجب أن تعتبر كل
رسالة بمثابة خطاب، وعلى هذا الاعتبار يجب أن يقرأ كله، وقد استعملت أيضاً كلمة
“رسالة” مرتين بصورة استعارية أو مجازية، فقد قال بولس للقديسين في
كورنثوس بأنهم «رسالته» المكتوبة في قلبه، إذ كانوا أمثلة “حية” لتعليم
بولس الذي يمكن أن يعرفه ويقرأه جميع الناس، كما أنهم كانوا ظاهرين أيضاً بأنهم
“رسالة المسيح” أي أنه بواسطة خدمة الرسول بولس قد كتب روح الله الحي
المسيح على ألواح قلوبهم اللحمية (2 كو 3: 2، 3).

لقد
قيل عن الكنيسة أي جماعة المؤمنين الحقيقيين أنها مبنية « على أساس الرسل
والأنبياء» (أف 2: 20) أي الأساس الذي وضعه الرسل والأنبياء والذي هو « يسوع
المسيح» (1 كو 3: 11). وقصد الروح القدس أن يسجل في رسائل العهد الجديد التعليم
الخاص بالكنيسة وممارساتها لأن هذه الحقائق المباركة لو كانت قد تُركت غير مكتوبة
للأجيال المتعاقبة لما بقيت في نقائها وكمالها، لذا قام بعض من الرسل وبعض أنبياء
العهد الجديد مسوقين من الروح القدس بكتابة رسائل إلى كنائس معينة، أو بعض أفراد،
أو إلى المسيحيين عامة، أو إلى الأسباط الاثنى عشر، ومع أن هذه الرسائل كانت متجهة
اتجاهاً مباشراً للذين كتبت إليهم في وقتهم (الأمر الذي يلزم وضعه في الاعتبار عند
دراسة كل رسالة) إلا أنه كان في فكر الله أيضاً أن تظل مدى الأجيال ككلمته المقدسة
التي عليها يبني المؤمنون أنفسهم.

والرسائل
تقدم لنا عمل النعمة الغنية الذي رأينا تتميمه في الأناجيل ورأينا نشره وقبوله في
سفر الأعمال، هذا العمل الذي بواسطته وُضع الإنسان على قاعدة جديدة تماماً في
موافقة مع الله. ونجد أيضاً أنها تقدم مشورات الله في المسيح.

وإن
كان من العسير أن نذكر هنا محتويات الرسائل لكن نقول بصورة عامة إن الرسائل تشتمل
على ظهور بر الله كالأساس الذي عليه يمكن للإنسان أن يقترب من الله، وأيضاً الخلاص
الكامل في المسيح، كما تحوي أيضاً ايضاحاً للأسرار المسيحية، والمقصود بالسر هو
حقيقة كانت مخفية وغير مفهومة قبل كتابتها ولكن بعد إعلانها لم تعد سراً، كما تشمل
أيضاً التعليم الخاص بمجئ الرب الثاني الذي هو رجاء الكنيسة. كما أن الرسائل
مشحونة أيضاً بالتحريضات العملية على السلوك المسيحي.

وكانت
الرسائل بعد كتابتها مباشرة تقرأ في اجتماعات العبادة مع كتب العهد القديم كما
نفهم من القول « أناشدكم بالرب أن تقرأ هذه الرسالة على جميع الإخوة القديسين» (1
تسالونيكي 5: 27) وأيضاً « متى قرئت عندكم هذه الرسالة فاجعلوها تقرأ أيضاً في
كنيسة اللاودكيين» (كو 4: 16) ويتضح أيضاً من(2 بط 3: 16) أن رسائل بولس كانت
معروفة عند المسيحيين في الجيل الأول.

وعدد
الرسائل هو 21 رسالة أي (3 × 7) فهي إعلان كامل من الله وعن الله في ثالوث أقانيمه.
وتنقسم هذه الرسائل إلي قسمين:

1-
رسائل بولس: وعددها 14 رسالة.

2-
الرسائل الأخرى: وعددها 7 رسائل.

لقد
كان بولس الرسول آنية مباركة جداً للوحي، إذ استخدمه الروح القدس في كتابة 13
رسالة (بخلاف الرسالة إلى العبرانيين التي هو على الأرجح كاتبها)، أي ثلثي الرسائل
كلها، وأكثر من نصف أسفار العهد الجديد. فبولس، خادم ورسول يسوع المسيح لم يكن فقط
“خادم الإنجيل” لكل الخليقة التي تحت السماء، بل أيضاً وبنوع خاص كان
“خادم الكنيسة” حسب تدبير الله المعطى له « لتتميم كلمة الله» (كو 1: 25).

وإن
كنا قد رأينا قبلاً العلاقة بين الأناجيل الأربعة وسفر التكوين، وبين سفر الأعمال
وسفر الخروج، فلا شك أننا نلاحظ هنا أيضاً العلاقة الوثيقة بين رسائل بولس وسفر
اللاويين. فهذه الرسائل تحضرنا إلى المقادس، إلى محضر الله. ولهذا فهى تبرز قوة
وقيمة العمل الذي فتح لنا المقادس وأعطى للنفس أهلية المثول في حضرته تعالى. وإن
كنا في سفر اللاويين نجد الذبائح والتقدمات بأنواعها تشغل أصحاحات السفر الأولى،
وافتتاح الأقداس بهذه الذبائح في يوم الكفارة العظيم يحتل المكان الأوسط في السفر،
فمن الواضح أن هذه الأمور كلها إنما كانت صورة الحقيقة التي تمت في ربنا يسوع
المسيح والتي لم تظهر بصورة واضحة ومن نواحيها المتعددة في أي مكان آخر في الكتاب
مثل ما ظهرت في رسائل بولس.

ولقد
امتاز بولس عن غيره من كتبة الوحي في توضيح حقيقتي التبرير والمركز في المسيح ولو
أن يوحنا أيضاً تكلم عن هاتين الحقيقتين. ونلاحظ أن بولس، رسول الأمم، قد أوضح
تعليمياً هذه الحقائق- حقيقة التبرير بالمسيح من ناحية، وعدم نفع البر الذاتي من
ناحية أخرى.

ومن
المهم أن نلاحظ أن الرسول بولس يمتاز بتوضيح الحقائق الخاصة بالكنيسة، لذلك نجد
أنه هو الوحيد الذي يتكلم عن الكنيسة باعتبارها جسد المسيح، وكذلك باعتبارها عروس
المسيح، باستثناء ما ورد في (رؤ 19: 7، 21: 2)، وأيضاً باعتبارها بناء باستثناء
الإشارة الواردة في (1 بطرس 2: 5).

لقد
ظهر الرب بالمجد لبولس وهو في طريقه إلى دمشق ليقتل المسيحيين وناداه قائلاً «شاول
شاول لماذا تضطهدني» ولقد تركت هذه الكلمات أعظم الأثر على خدمة الرسول، فنجده في
رسائله يتكلم كثيراً عن الرب وهو في سموه في المجد، ويجعل شخص الرب الممجد مركزاً
لكل أفكار المؤمنين وغاية انتظارهم. وأيضاً نجد كما مر بنا – أنه الوحيد الذي
يتكلم عن الكنيسة باعتبارها جسد المسيح وأن المسيح هو رأسها. فلقد أعلن الرب في
كلمات قليلة في أول مقابلة له مع شاول أنه يعترف بجماعته واحداً معه. وكان شاول
هذا، بفضل عظم نعمة الله، هو الإناء المختار الذي به أعلن الله هذا السر المكتوم
منذ الدهور – سر اتحاد المسيح بمفدييه في جسد واحد.

ونلاحظ
أن بولس في كتاباته يكتب عن المؤمن “في المسيح” لأنه ذهب إلى السماء
الثالثة ورأى المسيح في المجد. أما يوحنا فإنه يكتب عن “المسيح في
المؤمن”. أو بعبارة أخرى بولس يأخذنا إلى أعلى إلى السماء، أما يوحنا فإنه
يأتي بالسماء إلى الأرض. وهذا ليس ظاهراً فقط في إنجيله بل أيضاً في سفر الرؤيا
حيث رأى المدينة المقدسة نازلة من السماء مسكن الله مع الناس حيث يسكن الله معهم.

لقد
قام الرسول بولس بإملاء أكثر هذه الرسائل (باستثناء رسالة غلاطية التي كتبها بيده).

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى