اسئلة مسيحية

أنا إنسان صريح أحب الصراحة



أنا إنسان صريح أحب الصراحة

أنا إنسان صريح أحب الصراحة. ولا أحب أن أكون بوجهين: أجامل الغير بأحد
الوجهين، بينما أتضايق من أخطائه.. ومع ذلك فإن هذه الصراحة تسبب لي مشاكل مع من
أصارحهم برأي فيهم أو في تصرفاتهم. فهم يتبعون، ويسببون لي متاعب.فماذا أفعل؟ هل
من الحرام أن أتكلم بصراحة؟·

 

الجواب:
الصراحة ليس حراماً. لكن المهم مع من تكون؟ وكيف تكون؟ وما هو الأسلوب الذي تتكلم
به، أثناء صراحتك مع غيرك؟ هو أسلوب لائق أو غير لائق؟ وهل هو أسلوب جارح، أو
إسلوب قاس؟ وهل يشمل إتهاماً ظالماً ربما بسبب معلومات غير سليمة قد وصلت إليك؟
وهل أنت في صراحتك تتدخل فيما لا يعنيك؟ وتتجرأ على ماهو ليس من إختصاصك؟ كذلك
أعرف الأسلوب الذي تتكلم به في صراحة، مع شخص أكبر منك سناً أو مقاماً أو مركزاً: لا
شك أن الصراحة معه تختلف عن صراحتك مع شخص في نفس سنك ومركزك، وتختلف عن صراحتك مع
صديق، توجد بينك وبينه دالة. وتسمح هذه الدالة أن تستخدم معه ألفاظاً لا تستطيع أن
تستخدمها مع شخص كبير. إنك تستطيع في صراحتك أن تقول لصديقك “أنت غلطان”.
وقد لاتستطيع أن تقولها لوالدك أو عمك، أو أي شخص له مهابة في نظرك. والصراحة
أيضاً تحتاج إلى أدب في المخاطبة. ويلزمك فيها أن تكون حريصاً على إنتقاء الألفاظ.
بحيث تستخدم ألفاظاً تصل بها إلى هدفك، دون أن تهين من تكلمه أو تجرحه أو تسيء
إليه، لأن هذا غير لا ئق. لأن هناك أشخاصاً في صراحتهم يستخدمون ألفاظاً كرجم
الطوب. ويحاولون أن يخفوا أخطاءهم هذه تحت إسم الصراحة!! وتكون إدانتهم، ليس على
صراحتهم، إنما بسبب عدم حرصهم على أدب التخاطب في الصراحة، أو بسبب عدم اللياقة…
كذلك ينبغي أن تكون الصراحة في حكمة، حسب هدف روحي سليم. فهل الهدف هو التوبيخ
والإهانة ومجرد النقد؟ أم الهدف هو تبليغ رسالة معينة؟ أم الهدف هو العتاب
والتصالح. فإن كان الهدف سليماً، تكون الوسيلة الموصلة إليه سليمة أيضاً وتأتي
بنتيجة طيبة. أقول هذا لأن البعض يظن أن هدف الصراحة هو توبيخ المخطيء أو من يظن
أنه مخطيء، كما يفتخر أحدهم بصراحته قائلاً: أنا إنسان صريح: أقول للأعور أنت أعور،
في عينه. فهل ياأخي إن قلت للأعور هكذا، تكون قد كسبته أم خسرته؟ وهل لو عايرته
بعبارة أنت أعور، تكون صراحتك هذه سبباً في إرجاع البصر إلى عينه العوراء!! أم هي
صراحة لمجرد التجريح والإهانة والإيذاء؟! وبلا فائدة تجنيها منها. مثل هذا الإنسان
(الصريح)، يرى الصراحة إثباتاً لجرأته وشجاعته. فلو كان السبب هو الذات فقط، لا
تعد صراحته فضيلة. أما الصراحة التي قال بها المعمدان للملك هيرودس “لا يحق
لك أن تأخذ إمرأة أخيك” (مر 6: 18)، فقد كانت درساً للأجيال كلها في تحديد
موقف الشريعة الإلهي من زواج خاطيء. كما لا ننسى أن يوحنا المعمدان كان نبياً، بل
أفضل من نبي (مت 11: 9) وبهذا الوضع كان له السلطان أن يوبخ.. فهل أنت لك السلطان،
الذي به تستطيع أن توبخ، وفي صراحة؟! إذن إذا تكلمت مع من هو أكبر منك، فأخلط
صراحتك بالأدب والحكمة. وأمامك مثال أبيجايل في حديثها مع داود النبي: قامت
بتبليغه الرسالة، وحذرته من الإنتقام لنفسه وإتيان الدماء. ولكن في منتهى الأدب
والتواضع. سجدت عنه قدميه، وقالت له “علي أنا ياسيدي هذا الذنب. ودع أمتك
تتكلم في أذنيك، وإسمع كلام أمتك” (1 صم 25: 23، 24). ولم تخاطبه إلا بعبارتي
سيدي، وأمتك. وكانت تخلط الصراحة في تحذيره من الخطأ، بالمديح والإعتراف بعظم
مركزه. وإشعاره بأنها تريد له الخير. وتخشى أن يكون إنتقامه معثرة قلب له حينما
يقيمه الرب رئيساً لشعبه. وهكذا صارحته بكل إجلال وإحترام له، وبإقناع، ومركزها
تحت قدميه. وهكذا تقبل منها داود هذه الصراحة وطوبها، وقال لها “مبارك عقلك،
ومباركة أنت، لأنك منعتني اليوم عن إتيان الدماء، وإنتقام لنفسي” (1 صم 25: 33).
حقاً، إن هناك فرقاً بين الصراحة، وسلاطة اللسان. في الصراحة مع الكبار، ينبغي أن
يحتفظ الإنسان بإحترامه لهم، وبتواضع قلبه وتواضع لسانه. ولايجوز له أن يرتئي فوق
ماينبغي بل يرتئي إلى التعقل(رو3: 12). ومادام يعتبر الصراحة فضيلة، في الشهادة
للحق، فلا يجوز أن يجعل فضيلة تضيع منه فضيلة أخرى. أعني الشهادة للحق لا يجوز أن
تضيع الأدب والإتضاع… أما عن إسلوب الصراحة إذ تكلم به الكبير مع الصغير. فأعمق
مثل له حديث السيد المسيح مع السامرية. لقد كلمها عن حالها، في صراحة كشفت خطيئتها
“كان لك خمسة أزواج. والذي لك الأن ليس هو زوجك” (يو 4: 18). قال بأسلوب
غير جارح، إذ إستخدم عبارة (أزواج) بدلاً من أية كلمة أخرى تخدش شعورها. وكذلك
عبارة (الذي لك الأن). كما أنه غلف عبارته الصريحة بكلمتي مديح من قبل وبعد: إذ
بدأ بعبارة “حسناً قلت ليس لي زوج” وختم بعبارة “هذا قلت
بالصدق”….. لهذا لم تتعب المرأة صراحة الرب معها. بل على العكس قالت له
“ياسيد أرى أنك نبي” (يو 4: 19).

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى