الارشاد الروحى

شبع النفس ومعرفة الله على المستوى العملي

أن القديسون لا يحيون إلا برؤية وجه النور، هذا النور الذي يُشرق في وجه يسوع [ لأن الله الذي قال أن يشرق نور من ظلمة هو الذي أشرق في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح ] (2كو 4 : 6)
فهو الذي يُستعلن لنا كاشفاً عن ذاته في داخل القلب سراً، ليهب لنا معرفته لكي ننعم بحبه وندرك أبوته لنا في المحبوب يسوع الابن الحقيقي بالطبيعة لله الآب، واهباً لنا روحه القدوس في قلوبنا، يشهد لأرواحنا إننا أولاد له في سر تجسد ربنا يسوع المسيح واتحاده بنا بما يفوق كل إدراكات الإنسان وعقله المحدود …

مشكلتنا الحقيقية اليوم (كما قلنا كثيراً) أننا نعرف الله كمعلومة وفكر، أو حتى على مستوى المعجزات المبهرة لنفتخر أن إلهنا إله المعجزات ويفوت علينا أن نعرفه الله القريب منا جداً، لنكون معه واحد، يسكن نفوسنا، مانحاً إيانا القدرة على مشاركة مجده. بمعنى أوضح: يُعلن الله ذاته لنا من خلال كلمته أو حتى من خلال الطبيعة أو من خلال المواقف أو حتى أحياناً المعجزات، لا لكي ننشغل بالمجادلات العقلية ولا بالفخر بالمعجزة ونشرها، ولا الهتاف والفرح بأن عند بعضنا مواهب لخدمة أولاد الله، ولا لأننا أفضل من الآخرين، ولا لكي نكتشف سلطان الله وقوته، ولكن الهدف الحقيقي هو أن يجذبنا إليه، مثلما ما يجتذب الأب أولاده في البيت الواحد، لأنهم أولاده الأخصاء جداً، يجمعهم حوله ليتحدث إليهم بكلام الحياة ليمدهم بالمجد والمسرة، ويشتركوا معه على مائدة مقدسة مبهجة للنفس جداً..

الله أراد أن يحتضن الإنسان كمحبوبة الخاص، واهباً له سرّ الوحدة معه، ويعلن له عن ذاته وعن طبيعته وأسراره وإرادته، لأن كل واحد فينا هو اشتياق الله الخاص ومحل اهتمامه الشخصي …
يا أحبائي لنا اليوم أن نعرف الله كأب لنا في المسيح، وأن نراه ينبوع حياة ومحبة، فهذا هو سر الله بالنسبة لنا، لأننا جميعاً – بلا استثناء – مدعوون للخلاص والدخول في سرّ الحياة الأبدية، والبعض منا لا يشعر بهذا أو يدخل إليه ليس لأن هناك تقصير أو نقص في محبة الله تجاههم، بل هو نتيجة الحرية الممنوحة لنا واختيارنا الخاص، وحريتنا يحترمها الله جداً ويقدرها ولا يقتحم نفس لا تُريد أن تدخل في تيار الحياة الإلهية والمشاركة بكرامة الابن ورتبته بفعل فيض المحبة بالروح القدس في داخل القلب !!!

الله أب باستمرار دائم، بلا توقف وحتى النهاية، يسعى للإنسان ويلاطفه ويناديه بشتى الطرق المعروفة والغير معروفة، المحسوسة والغير محسوسة، لا يهمل من يطلبه حياة لحياته، وسند لضعفه، ومجد خاص وفرح لقلبه !!!

على كل واحد فينا بإصرار وعزيمة لا تلين أن يسعى للوصول بكل قوته لمحبة الله ويتمسك به وبوعده الأمين، ماسكاً في خلاصه متكلاً على مراحمه المتسعة جداً، طالباً منه أن يتجدد بحياة المسيح القائم من الأموات في الروح القدس الذي يأخذ مما له ويعطينا لنكون مشابهين ربنا يسوع في كل شيء …

فلنوطد معرفتنا يا إخوتي الأحباء بالله، متحدين به في سر المحبة بعمل الروح القدس فينا، فلنترك معرفتنا المجردة من حضور الله، ونتمسك بالله كشخص حي وحضور مُحيي لنشبع فعلاً به، ونصير شهادة حيه له إذ يشع فينا نوره الخاص، فنصير نوراً للعالم على مستوى الفعل والعمل بقوة الله وليس بعلمنا أو معرفتنا العقلية الجافة بدون استنارة ورؤية نور الله في القلب والفكر معاً …

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى